يا له من جيش حقا!

ميشيل كيلو

وقف كالديك وقد تدلت الأوسمة على دفتي صدره. كان يرتدي بزة عسكرية خضراء اللون، بينما غطت أعلام النظام الجدار وراءه، فبدا المشهد لائقا بما وصفه «الانتصار الكبير»، الذي حققه في اليوم السابق ضد يبرود، البلدة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها نيفا وعشرين ألف نسمة، ولها كيلومتران من الطول وقرابة كيلومتر واحد من العرض، وتبتعد أقل بقليل من عشرة كيلومترات عن طريق دمشق/ حمص السريع، لكن الجيش، الذي استخدم قسما كبيرا من قواته ضدها، عجز عن كسر مقاومتها، وحارب شهرا كاملا قبل أن يتمكن من دخولها، ويحق للديك الذي تلا بيان انتصاره على البلدة أن ينفش ريشه، ويتفاخر بالهزيمة التي أنزلها بمن سماهم «المرتزقة».

أين حصل هذا الضابط على أوسمته، ومتى نال الاعتراف ببطولاته، إذا كان لم يخض أي معركة على الإطلاق ضد من يفترض به محاربته: جيش إسرائيل الذي يحتل جزءا من وطنه، لكنه لم يحاربه، لأن نظامه يعيش معه بسلام لم تكدر صفوه ولو رصاصة طائشة أفلتت من بندقيته، خلال نيف وأربعين عاما من الاحتلال، هي في الوقت نفسه عمره كله، فبأي مسوغ يتباهى في بيانه بانتصار جيشه على شعب يفترض أنه فرد منه وينتمي إليه؟ وعن أي انتصار يتحدث؟ هل هناك كارثة تفوق في فظاعتها انتصار جيش ما على شعبه، وإعلان هذا الانتصار من دون أن يرف لمعلنه جفن، أو يشعر بالخجل من نفسه؟ وعن أي جيش بطل كان يتحدث؟ وهل يكون الجيش بطلا إذا كان قد فر ثلاث مرات خلال خمسة عشر عاما أمام الجيش الإسرائيلي، وأحجم خلال قرابة نصف قرن عن فعل أي شيء يكدر صفو عيشه في الجولان المحتل، وكانت قدراته القتالية قد تراجعت من حرب لأخرى، بدل أن تتعاظم خلال هذه الفترة الطويلة، علما بأنه لم ينجح حتى في دخول حرب يونيو (حزيران) عام 1967، وفقد 1216 دبابة خلال 24 ساعة في الحرب الثانية (حرب تشرين التحريرية)، باعتراف حافظ الأسد في حديث مع الصحافي الأميركي ارنو دو بورشغريف، وفر في الثالثة من لبنان، بعد أن ملأ شاحناته بأغنام وأبقار وبرادات وغسالات وسجاجيد وأسلحة صيد مسروقة، من دون أن ينسى ترك أسلحته للعدو، كما فعل في الحربين الأولى والثانية، أو يكون في وضع يمكنه من القتال، لأن ضباطه تخلوا عن جنوده جريا على مألوفهم في كل معركة، ولأن هؤلاء الجنود لم يجدوا من يقاتلون إلى جانبه غير منظمة التحرير الفلسطينية، التي لو لم تطعمهم لماتوا جوعا. أخيرا، عن أي مرتزقة يتحدث وعلى من يدعي؟ هل الذين دافعوا عن يبرود مرتزقة، ومن داسوا استقلال وكرامة سوريا من مرتزقة حزب الله وأبي الفضل العباس، وعصائب أهل الحق وطنيون وأبرار؟ وأي معايير وطنية أو إنسانية تسوغ استعانة جيش محلي بغزاة أغراب لمقاتلة مواطنيه.

لو كان ديك الأوسمة سوريا وعسكريا حقيقيا لخجل من قراءة «بيان الانتصار»، ولطلب من يبرود أن تسامحه بسبب ما ارتكبه مرتزقة حزب الله وحلفاؤهم السوريون والأجانب من جرائم ضدها. لكن هذا الذي يتمرجل على شعبه الأعزل ويتفاخر بالانتصار عليه، ليس وطنيا، ولو كان كذلك لآثر الانتحار كي لا يضغط على زناد بندقيته ويقتل مواطنيه، ولوجه رصاصه إلى من أصدر إليه الأوامر باجتياح يبرود وغيرها، بينما يتمدد ضباط وجنود الاحتلال تحت شمس الجولان، ويرون بعين خيالهم قادته وهم يفرون كالأرانب خلال ثلاث حروب، تاركين جنودهم فريسة للموت والأسر، وأسلحتهم غنائم لمن يسمونه كذبا «العدو».

سقطت يبرود لأن شرف الجندية انعدم لدى الذين هاجموها باسم الجيش. هذا هو السقوط المخيف الذي دمر سوريا وحول جيشها إلى قوة تكرس نفسها لإحراق بلادها، وللفتك بكل من لا ينتمي إليها أو إلى المرتزقة الذين استقدمتهم لمساعدتها على قتل عدوها الوحيد: شعب سوريا بأطفاله ونسائه، وشيبه وشبانه!