المصالحة الفلسطينية بعيون إسرائيلية

د. عبير عبد الرحمن ثابت

من الواضح أن إسرائيل باتت مقتنعة اليوم بجدية تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية الموقع في العاصمة المصرية الأسبوع الماضي، وبما أن المصالحة أخذت مباركة دولية وإقليمية، فنتنياهو في ظل المعطيات الداخلية والخارجية ليس من مصلحته إغضاب قوى إقليمية أو دولية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي أعطت الضوء الأخضر لمرور الاتفاق؛ وعليه فمن الواضح أن إسرائيل على استعداد لتمرير الاتفاق، ولكنها في المقابل تريد استثمار هذا في جنى أكبر قدر من المكاسب وعلى كل الأصعدة، والشروط التي وضعتها حكومة نتنياهو بالأمس على الاتفاق هي نوع من الابتزاز السياسي للسلطة الفلسطينية ولحركة حماس، على الرغم من أن اتفاق المصالحة قد نزع صاعق قنبلة غزة الموقوتة التي كانت كل دوائر صنع القرار في إسرائيل تتوجس من قرب أجل انفجارها في وجه إسرائيل، ورغم أن اتفاق المصالحة رفع عبئاً قانونياً وأخلاقياً عنها على اعتبار أن قطاع غزة بوضعه الإنساني الكارثي يقع قانونياً ضمن سيطرتها، وتتحمل مسؤوليته باعتبارها لا تزال قوة احتلال مسيطرة عليه إلا أن إسرائيل، وكعادتها، ستسعى في قادم الأيام إلى ممارسة سياسة الابتزاز، فهي تريد على ما يبدو استثمار تمريرها لاتفاق المصالحة في انتزاع صفقة تبادل الأسرى بأقل الخسائر مع حركة حماس، كما أنها راغبة في  استمرار وتوثيق معادلة الردع مع غزة، وتحميل السلطة الفلسطينية المسؤولية المباشرة على ضمان تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي تلا حرب 2014، وكذلك عاقدة العزم على إضافة قضية جديدة لطاولة مفاوضات السلام ألا وهي سلاح غزة كورقة ضغط إضافية على المفاوض الفلسطيني؛ لكسب الوقت ضمن سياسة إدارة الصراع عبر المفاوضات طويلة الأمد، أما قضية اعتراف حماس بإسرائيل فليست قضية واقعية على الأقل الآن، وبما أن دخول حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية يعني ضمنيا التزام الحركة بكل ما اعترفت به منظمة التحرير الفلسطينية؛ إلا أن وضعها ضمن الشروط هو رسالة مستقبلية لحركة حماس تذكرها بأن شروط العام 2006 لا تزال قائمة إذا ما أرادت الحركة دخول المشهد السياسي الرسمي والذى هو تحت سقف اتفاق أوسلو.

في المقابل، علينا أن ندرك أن سنوات الانقسام، وإن وفرت لإسرائيل وقتاً ذهبياً لإدارة الصراع بعيداً عن حله، ولكسب الوقت لابتلاع المزيد من أراضي الضفة عبر جرافات مستوطنيها، إلا أن سنوات الانقسام لم تكن سنوات هادئة مع قطاع غزة، فقد خاضت إسرائيل ثلاثة حروب في أقل من عشر سنوات؛ لتُخضع القطاع لمعادلة الردع القائمة اليوم، لكن تلك الحروب جلبت على إسرائيل عاراً دولياً لا يزال يلاحق قادتها اليوم وغدا لحجم جرائم الحرب التي اقترفت في القطاع خلال الحروب الثلاثة، إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل وبسبب حجم الكثافة السكانية في القطاع غير قادرة ولا راغبة في حسم الصراع مع غزة عسكرياً نظراً لحجم الكلفة الانسانية التي سيدفعها القطاع لمعركة من هذا القبيل، وتبعاتها الاقتصادية والعسكرية أثناء وبعد المعركة، إضافة إلى بسالة وقوة المقاومة التي قدمت نموذجا يضاهي الجيوش المنظمة، وهو ما يفسر عزوف صانع القرار الإسرائيلي عن حسم وضع القطاع في ثلاثة حروب، رغم أن قواته العسكرية وصلت في إحدى تلك المعارك إلى قلب مدينة غزة، لكن أمواج الديمغرافيا العاتية والتي يتفرد بها القطاع عن كل مناطق الأرض كانت الرادع الحقيقي للحسم العسكري لوضع غزة، إضافة إلى أن الأزمة الإنسانية التي وصلت لها الأوضاع في القطاع المحاصر بدأت تداعياتها تصل إلى إسرائيل، وما أزمة تلوث شواطئ وأراضي مستوطنات محيط غزة إلا بداية لما هو قادم إذا ما استمر وضع القطاع على ما هو عليه، وتدرك إسرائيل جيداً أن كل هذا  كان لا محال سيؤدي إلى الانفجار الذى ستكون نتيجته أن تعيد إسرائيل احتلال القطاع لتجد نفسها أمام 2 مليون إنسان مفعمين بمشاعر الثأر، وهي أمامهم وجهاً لوجه ملطخة يداها بدمائهم، ومطلوب منها أن تتحمل مسؤوليتهم وأن تعيد لهم بناء ما دمرته حجراً حجراً، ذلك هو كابوس إسرائيل الحقيقي فهي الديمغرافيا التي هزمت وستهزم إسرائيل في أي معركة مقبلة.

في المقابل، علينا نحن الفلسطينيين أن نقرأ المعادلة بموضوعية، وأن ندرك أبعاد قوتنا الحقيقية، لا الوهمية في عقول بعض الحالمين، والتي تكمن في صمود وبقاء هذا الشعب على أرضه، ومدى تأثرها الاستراتيجي على تغيير معادلة الصراع  مستقبلاً، وعلينا أن لا نكرر الأخطاء ونستفيد منها، وعلينا أن ندرك أن كثيراً من السياسات الإسرائيلية ضدنا ترسم على قاعدة أننا لا نستفيد من أخطائنا، وأننا سنعيد الخطأ مجدداً، وليس أدل على ذلك من الشروط التي يعيد إطلاقها نتنياهو اليوم وهي شروط العام 2006 التي أطلقها أولمرت في حينه، وهم يراهنون أننا سنتصرف كما تصرفنا سابقا، لكننا كفلسطينيين يجب ألا نعيد التجربة بنفس الأدوات ونفس النمط؛ لأننا متأكدون أننا لن نحصد إلا نفس النتيجة.

الأغبياء هم من يعيدون نفس التجربة، وبنفس الأدوات، ونفس النمط، ويتوقعون أن يحصلوا على نتيجة مختلفة طبقا لتعريف عالم الفيزياء ألبيرت أينشتاين، ونحن نراهن بأننا لسنا كذلك وسنمضي في طريقنا الوطني لإتمام اتفاق المصالحة الفلسطينية موحدين نحو هدفنا.

وسوم: العدد 742