إمام ديالكتيك التاريخ، محمد بن إدريس الشافعي القرشي

           محطم امبراطورية أعمدة الحكمة السبعة

    ومؤسس مفهوم وقواعد الديالكتيك التاريخ إلى يوم القيامة

 ( مقالة في الإسم والمعنى والتأصيل لكل ما ورد في العنوان )

أولاً : مقدمة في منهج المقالة :

لعل زحمة المصطلحات المحشورة في صيغة العنوان : تبعث في كل

 قارئ له ولأول وهلة ، تساؤل عن كيفية ( اللصق) العجيب في صيغته

 الفكرية أولاً ، وصيغته المعرفية ثانياً ، وتباعد مصطلحاته عن بعضها ثالثاً،

وطول عبارته رابعاً ، سواء في الإنتماءات الفكرية أوالإيديولوجية مثل

 مصطلح ديالكتيك ، ومحمد بن ادريس الشافعي ، وعبارة أعمدة الحكمة

السبعة ، وكلمة مُحطّم ..!

وهكذا ...

ولعل رداً سريعاً موجزاً يفي بتفسير العنوان هذا ،  غير متوفر في بادئ

الأمر ، ذلك لأن في السطورالآتية  نيّة معرفية صادقة ، بإذن الله ، سوف

 تحمل كل كلمة وكل مصطلح وكل عبارة ، في موضعها الذي أعدت له ،

ذلك من أجل الهدف الأسمى ، الذي ارتأيت توضيحه والوصول أليه ، في

هذه المقالة ، بأوجز أسلوب ، وبأمتن دلالة ...

ومن أجل كشف بعض الغموض عما يغشي ( تركيبة) العنوان ، أقول

إن العنوان بصيغته الراهنة ، هو بالدرجة الأولى وضع ( كعدة  من

عدد حرب المصطلحات المعرفية ) التي تخوضها أمة محمد في الذود

عن كل ما يؤلف دينها ومعتقدها ، من كتاب وسنّة ورجال مؤمنين

ومسلمين عامة مع ما يحملونه من قيم حسية ومعنوية ، ومنذ ذلك اليوم

  الذي فجّر فيها هذا الرجل الأمة المؤيد بتوفيق الله ( الشافعي)، بتحطيم

أعمدة الحكمة السبعة ،أو مايطلق عليها لأهميتها التاريخية أساطين

الحكمة السبعة ،  تحطيماً حسياً ومعنوياً ، كما حطمت أصنام النمرود ،

وكما حطم عجل بني اسرائيل ، وأيضاً كما حطمت أصنام قريش ،

حسياً ومعنوياً ..... 

ولا نساوي هنا بالتشخيص أو المنزلة ، بين أنبياء الله ورسله وتكليفهم

الإلهي ، وبين الإمام الشافعي وحاشى وكلا ، ولكن ما قام به كان

عملاً ربانياً بامتياز وبلا منازع ، فكان به من أؤلئك الذين قال عنهم

رب الأنبياء ، في كتابه الكريم ، الراسخون في العلم ، فحقت له

مرتبة رجل أمة ، وسوف يعظم أكثر فوق كل ما عرف عنه ، وما قدمة

للأمة  ودينها ، عندما نذكر تفاصيل مهمته الربانية ولله الحمد والمنة ..

ثانياً : أساطين الحكمة السبعة ، أو أعمدة الحكمة السبعة :

من عنوان هذه الفقرة ابتداء ، سنبدأ بتفكيك رموز مصطلحات العنوان الرئيس ،

وسنضع المسببات ودلائلها في أمكنتها المعرفية والفكرية وبالتالي الدينية ،

وبدايتها التساؤل التالي :

يبرز تساؤل مصدره العجب الشديد ، بورود صيغة ( أعمدة الحكمة السبعة)

والذي اشتهر عنواناً لكتاب ( توماس إدوارد لورنس) المعروف بلقبه الشهير

( لورنس العرب ) ..وقد مضى على صدوره ما يزيد عن التسعين عاماً ،

ولم يبق أحد في المنطقة العربية وغيرها ، وما قدعرف هذا الكتاب ، سواء

بالقراءة أوالسماع ، أم بالمعاصرة له، أم بالحكايا أو بمشاهدته فيلماً سينمائياً ،

ولازال كذلك .

ولكن ...!

وقد قيل فيه الكثير والكثير جداً ، سواء بمؤلفه ( لورنس العرب ) أو بما احتواه

من اسلوب وصيغة ووصف وتسجيل لأحداث عصفت بالمنطقة العربية التي

هي ومنطقة الشرق الأوسط عامة برمتها ...

ولكن ...!

لم يشأ أحد منذ ذلك التاريخ وإلى اليوم ، أن يتطرق إلى عنوان الكتاب

بأي شكل من الأشكال وبأي مبرر من المبررات . ذلك لسبب واحد

لاغير ، وهو عدم ورود تفسير، أو شرح أو استشهاد أوحتى (ارتباط)

واضح و بيّن ، أو إشارة من المؤلف ،عن سبب وضعه أو إختياره لصيغة

العنوان لغة أو معنى أواستكمالاً لأسلوبه الذي أنجز به الكتاب كله .

والقارئ أي قارئ وكل قارئ ، يدخل في الكتاب ويخرج منه ، ولايجد

لذلك أي أثر ..!!

والحمد لله وبعد سنوات كثيرة ، في البحث عن سبب وضع لورنس العرب

عنوان كتابه ( أعمدة الحكمة السبعة) ، وجدته عند إمام ديالكتيك التاريخ

المؤيد بتوفيق الله (الشافعي القرشي) ..!! وقد فرق بين حياتيهما(1128)

عاماً ، من تاريخ وفاتهما تقريباً ....!!!

فماهي :

 أساطين أو أعمدة الحكمة السبعة أو الحكماء السبعة ؟ : 

وكيفما جاءت وبأي مرجع أو مصدر وردت فهي ، هي ، تعني ذاتها بالمطلق ..

ففي منتصف ثمانينيات القرن الماضي ، صدر كتاب أهل ضخم (تكوين العقل

 العربي ) للدكتور محمد عابد الجابري ، وقد استعرته من صديق يومها لارتفاع

ثمنه ، ولندرة توفره في المكتبات ، لسرعة نفاذه . وما استطعت تحصيله من الكتاب

كان عظيماً ، نظراً لما كان يتعرض له أفق تفكير الشباب في تلك السنين ، من

ضغط هائل ومخيف من كل شئ ومن كل الإتجاهات ، وأحدد وأعني شباب المنطقة

نفسها التي عصفت بها أحداث ( لورنس وكتابه ) ، ومما يجدر بالذكر وأعتبره جزء

لايتجزأ من تفاصيل مقالتنا هذه ، أن ذروة الفترة التي صدر بها كتاب الجابري ،

كانت مشابهة تماما لأحداث صدور كتاب لورنس ، بالإشارة للمسببات والأهداف

الفكرية الآنية فيها والبعيدة . وكذلك أضيف إشارات مهمة جداً ، بل هي علامات

وعناصرواقعية متكررة منذ ذلك التاريخ ( تاريخ أحداث كتاب لورنس ) وإلى

اليوم ، تتكرروبشكل حُزَم كل عدة أعوام   ، وقد حصرت بالدلائل أنها تتكرر

وتختلف عن بعضها بشكل لوني ونسبي وإسمي ، كل (ستة إلى ثمانية أعوام !)،

ولكنها بأهدافها وبأبعادها الآنية المحلية والبعيدة ، متوحدة المنهج تماماً ، وإن

تداخلت بسنة من هنا أوزادت عليها من هناك.

والغريب في الأمر الذي هو من الثوابت التي تربط (عنوان كتاب لورنس )

ربطاً تاريخياً ، بمهمته التي نفذها في المنطقة ولم يشر إليها ، قد جاء الجابري

وأشار إليها بمواربة تشبه إلى حد بعيد ، مواربة لورنس ، وذلك في مقدمة كتابه

عندما قال :( كان من المفروض إذاً أن يكون هذا الكتاب مجرد حلقة في سلسلة

طويلة من الكتب والأبحاث تمتد على مدى مائة عام ...) ( لقد تم خلال المائة سنة

الماضية تكريس تصورات وآراء و(نظريات ) حول الثقافة العربية ...) .

وهنا أهيب بكل من يقرأ هذه المقالة أن يحث الخطى باستقراء هذه الإشارات ،

ولعل ماحدث بالسنوات (الثمانية الأخيرة الماضية )، وبمسرح المنطقة نفسها ،

 و(في سوريا )خاصة ، كان الدافع الأكبر للرجوع وإعادة وتجميع والبحث في

زحمة مصطلحات العنوان ..!

وكان كتاب (الجابري )مرة أخرى ،هو المرجع الأساسي لما سوف نتكلم منه

وعنه .....وقد كان .

  و كما جاء في معنى الأسطوانة في القواميس العربية ،  وجمعها أساطين ، وهي

ما لزم لقيام سقف واستواءأي بناء ، وهو يعطي  المدلول الحسي والمعنوي بآن

واحد .. فإن الربط يكون طبيعياً باللفظ المباشر، كمفردة ( عمود الحكمة ) أو

(اسطوانة الحكمة ) ،  ولما كان الجمع منها هدفاً سهلاً للفظ ، فإن الجمع يأتي من

أجل حشد اكبر للمعنى البعيد وتضخيمه ( أعمدة أو أساطين ) وإنّ تداوله يستخدم

من أجل إيقاع الهالة الفكرية المهيبة في ذهن القارئ ...! وهكذا .

(وبالنسبة لصبغة مقالتنا التي تتناول الحكمة بأعمدتها الحسية والمعنوية ، ليس لها أي ارتباط لا باللغة ولابالقصد ولا بالمعرفة ، كما جاء ذكرها بالقرآن العظيم بالمطلق . )

العمود الأول : مكتبة الإسكندرية ..!

( .. ابتداء من القرن الثاني قبل الميلاد وطيلة القرنين الأول والثاني بعد الميلاد

قامت في الإسكندرية مدارس يديرها أساتذة يدرسون الفلسفة الإفلاطونية ، من

بينهم ( امونيوس ساكاس) استاذ أفلوطين ( القرن الثالث للميلاد) ، وكان

(فيلون اليهودي الاسكندري )قد قام فيها في أوائل القرن الأول للميلاد (بشرح

التوراة شرحاً اعتمد فيه التأويل الرمزي ) موفقاً بين ماورد فيها من قصص

وتعاليم وبين الفلسفة اليونانية ...)

وفي هذه المدارس انتشرت التعاليم ( الهرمسية ) أو (النظرية الهرمسية) وهي

ترجع في جملتها إلى القرنين الثاني والثالث للميلاد ، وقد كتبت من طرف أساتذة

يونانيين ، أو من طرف قبطيين يعرفون اليونانية ، وأنها مستمدة من جانبها

الفلسفي الديني من الفياغورية الجديدة والأفلاطونية المحدثة ، وفي جانبها

وهرمس هذا : في الأساطيرالمصرية القديمة ،هو الإله الخالق المعلم . وهو

في الأساطير اليونانية ، كان ابناً للإله الأكبر زوس وقد نسبوا إليه أيضاً

اختراع الكتابة والموسيقى والتنجيم والأوزان والمقادير.. ، وأما في الأدبيات

العربية الهرمسية فقد كان هرمس هوالنبي ادريس ، وأنه أول من علم الكتابة

والصنعة والطب والتنجيم والسحر ...!!

ملخص مضمون الإلهيات الهرمسية :الفلسفي الديني :

(..ففي قمة الكون وفوق سماء النجوم الثابتة يقيم إله متعال ،لايقبل الوصف

منزه لاتدركه العقول ولا الأبصار، مالك العالم ،وإزائه توجد المادة غير

 المتعينة ، وهي مبدأ الفوضى والشر وميدان النجاسة والقذارة . أما العالم

السماوي وكل ما يشتمل عليه وكذلك الإنسان فقد تولى صنعه الإله الصانع

القابل للمعرفة والإدراك ، وذلك بتكليف الإله المتعالي ،هذا من جهة ، ومن

جهة أخرى فإن عالم ماتحت فلك القمر خاضع كله لتأثير الكواكب السبعة

وأفلاك البروج ،ومن هنا توزع البشر إلى سبعة أصناف يخضع كل صنف

منها لخصائص برج من البروج الفلكية السبعة . والإنسان مؤلف من جسم

 مادي ، أي غير طاهر ، يسكنه الشر ويلابسه الموت ، ومن نفس تشتمل

على جزء شريف ينحدر من( العقل الكلي ) . هذه النفس الشريفة يل هذا الجزء

الشريف من النفس ، يعيش في صراع دائم مع الرغبات والأهواء التي سببها

وجود الجسم . ولجعل حد لهذا الصراع جاء( الإله هرمس ) ، الوسيط بين

الإله المتعالي والإنسان بتوسط العقل الكلي ليعلن الخلاص ويبين طريق

النجاة . غير أن أقلية من ( الحكماءوالأصفياء ) هي وحدها التي تستطيع

( الحكماء الحقيقيون ) المطهرون المقدسون المجتنبون لكل نقص ، هم وحدهم

نفوسهم الناجية إلى السماء بينما تندمج أجسامهم ، بعد الموت ، مع جسم كوكب

العليا ) محفوفة بجوقة من الملائكة حراس الأجواء العليا .( ذلك هو مصير

الحكماء )  أما النفوس غير المطهرة فإن الزوابع الجوية تلقي بها في سحيق

جهنم . ) (الجابري) .

نلاحظ أن المسائل الرئيسية التي تعالجها الفلسفة الدينية الهرمسية تدور حول

ثلاثة قضايا :

1-   قضية الألوهية .

2-   قضية النفس وخلاصها .

3-   قضية وحدة الكون وتبادل التأثير بين أجزائه .

وقد راجت أو أصبحت هذه الفلسفة الدينية الهرمسية أساساً وأساطين في

ثقافة التيارات الباطنية الإسلامية خاصة والمتصوفة الإسلامية عامة .

مصادر أو منابع الفلسفة الهرمسية الدينية :

لقد استقى أصحاب هذه الأدبيات الهرمسية مادتهم بسذاجة محيرة ليس

 فقط من العلوم الإغريقية ( الليسي ، ديمقرطس ، أبولودور) بل أيضاً من

الكتب المنسوبة لزراديشت وأنسطانس من قدماء الفرس ،ومن اليهودي

داردانوس ، والفينيقي ماخوس ، والساحر المصري أبولوبيخيس ،

العمود الثاني :  انطاكية ..!

العمود الثالث : أفاميا (  حماة- سوريا )

العمود الرابع : حرّان 

العمود الخامس : الرّها

العمود السادس : نصيبين

العمود السابع : فارس – جند نيسابور

جاء في كتاب ( الملل والنحل ) للشهرستاني ( أبوالفتح تاج الدين عبد الكريم بن

أبي بكر أحمد ) (469 -548هجرية)  وهو يصنف فلاسفة اليونان إلى ثلاثة

أقسام :

 أولاً : – الحكماء السبعة الذين هم أساطين الحكمة ..! وهم (1 - تاليس الملطي -

2- أناكساغوراس – 3 - أنكسيمانس – 4 – أنبادوقليس – 5 – فيثاغورس –

6 – سقراط – 7 – افلاطون ) .

ثانياً : الحكماءالأصول الذين هم من القدماء ( منهم الشعراء والنساك ....) .

ثالثا ً : متأخروا حكماء اليونان وهم الذين تلوهم في الزمان وخالفوهم في الرأي

يكتب الجابري هنا توضيحاً لهذه المعلومات ، بالفصل الثامن تحت عنوان

( العقل المستقيل في الموروث القديم ) الآتي :

( إن ما نحن بحاجة إليه هنا ، هو تاريخ المراكز الثقافية في كل من مصر وفلسطين

 وسورية والعراق وايران ،هذه المراكز التي احتضنت العلم والفلسفة اليونانيين مدة

تزيدعلى عشرة قرون ، مابين موت الإسكندر سنة323 ق.م. وعصر التدوين في

الإسلام ( القرن الثامن الميلادي ) .ومن بعدهذا التاريخ برزت تيارات اللامعقول

 ( تعبير الجابري) عن العلوم الفلسفية اللاهوتية اليونانية ومدارسها تلك في الثقافة

العربية الإسلامية  انطلاقاً من عصر التدوين ( بداية من عام 143 هجرية),

ويتابع : ( نعم يبرز كثير من المستشرقين دورالمدارس السريانية في انطاكية

ونصيبين وحران ( شمال سورية والعراق ) وجندنيسابور(جنوب فارس) في

 نقل الفلسفة والعلوم اليونانية إلى العربية .وبعضهم يريد أن يلتمس لهذه المدارس

 تأثيراً في النواحي الثقافية الأخرى في الإسلام كعلم الكلام مثلاً :ومع تقديرنا

التقدير الكامل للدور الذي قام به أساتذة هذه المدارس السريانية وتلامذتها  في

حركة الترجمة في الإسلام ، فإننا مع ذلك لانجد فيها ، أوعلى الأقل فيما يقدم لنا

عنها ، ما يلبي حاجتنا !! فلقد " كان ما يعلم في تلك المدارس ذا صبغة دينية غالباً

ومتصلاً بالنصوص المقدسة ، وكان موجهاً بحيث يواتي حاجةالكنيسة " !! ، لقد

كانت هذه المدارس مشغولة بتحديد العلاقة بين اللاهوت والناسوت في ذات المسيح

،والنزاع أساساً بين اليعاقبة الذين أكدوا على وحدته ، فجعلوا منه إلهاً وبين

النسطوريين الذين أثبتوا له  خصائص بشرية في الوجود والإرادة والفعل

 مميزين بينها وبين مافيه من عنصرإلهي . وقد استعان " المتكلمون " المسيحيون

بالمنطق الأرسطي في معالجة هذه المشكلة الدينية . وغني عن البيان القول إن

 هذه المناقشات كانت تشكل أو تنتج مايمكن التعبير عنه ب " المعقول "الديني

للمسيحية الشرقية .وهو يقع بعيداً عن تيارات اللامعقول " العقلي" التي تهمنا

هنا أصولها وفصولها ، تلك التيارات التي تحدث عنها الشهرستاني باسم آراء"

الروحانيين من الصابئة " من جهة ، وبإسم فلسفة ( الحكماء السبعة ) من

 جهة أخرى .

ملاحظة مهمة جداً : يطلق هنا الجابري مصطلح ذو دلالة معرفية بنيوية :

الثقافة العربية الإسلامية ، نسبة للعقل الكلي .الذي يتمسك به أهل الشيعة والفرق

الباطنية والأشاعرة ...ولايخفي الجابري هنا حكمه ورأيه المؤيد للامعقول

بإعتباره مطلق العنان للرأي والتفكيراللامحدود .

الجابري  ، مقيداً للتفكير والرأي لأنه لاينتج إلاّمن نتاج آخر ..! أولكل جديد

عن قديم يقاس عليه ..! .

  يتابع الجابري حديثه عن مدارس الحكمة :

( نعم هناك مدرسة حرّان التي لم يتنصّر أهلها والتي احتفظت بسبب ذلك

بالطابع اليوناني الوثني ، مع عناية خاصة بالعلوم الفلكية التي انتقلت إليها

من بابل مع ما يرتبط بها من عبادة الكواكب والإشتغال بالتنجيم والسحر ..

وتزداد أهمية حرّان ..لكونها كانت مقراً للصابئة الذين تشكل فلسفتهم الدينية

الهرمسية  أحد التيارين الرئيسين في قطاع اللامعقول في الموروث القديم

ولقد قام الحرّانيون بدور كبيرفي حركة النقل والترجمة في الإسلام وبكيفية

خاصة في مرحلتها الثانية  ، فنقلوا كثيراً من تراث مدرستهم العلمي والفلسفي

 إلى العربية بما في ذلك بعض المؤلفات الهرمسية .

إن أهم حدث علمي يرتبط اسمه بحران هو انتقال (( مجلس التعليم ))

(232 – إلى 247 هج ) ، وكان مجلس التعليم هذا قد استقرقبل ذلك لمدة

مائة وأربعين سنة في انطاكية التي كان قد انتقل إليها من الإسكندرية أثناء

خلافة (عمر بن عبد العزيز) أي مابين (99 – وسنة 101 هج ) . وللعلم

أن مجلس التعليم هذا لم يدم مقامه طويلاً في حران ، إذ انتقل إلى بغداد في

خلافة المعتضد التي دامت من سنة (279 – إلى 289 هج ) .

وعن أفاميا فقد كانت : مركزاًعلمياً بالغ الأهمية طيلة القرون الأولى

للميلاد ، وهي تقع إلى الجنوب من انطاكية على نهر العاصي بشمال سورية

وتسمى اليوم ب( قلعة المضيق ) ، وقد سكنتها جالية إغريقية هامة بالإضافة

لسكانها السوريين ، وإلى هذه المدينة ينتسب ( نومنيوس )( مؤسس الأفلاطونية

المحدثة فهو أحد أبنائها )..

يذهب بعض الباحثين إلى القول بأنه ربما كان يهودياً أو على الأقل من أبناء

 سورية الساميين الذين كانوا على اطلاع واسع بالفكر اليهودي .

ويرى باحث عربي معاصر أن اسم نومنيوس ربما يكون ترجمة لإسم عربي

هو (( النعمان ))خصوصاً وأنه يكتب في بعض المراجع هكذا :

(NOOMINIOS ) بمضاعفة الحرف الصوتي بعد النون لمحاولة أداء حرف

(العين ) العربية ، وبإسقاط حرف (السين ) الذي هومجرد لاحقة نحوية في اللغة

اليونانية، يبقى الإسم قريباً جداًفي النطق من كلمة ((نعمان ))..!! يقول نومنيوس

هذا ( عند البحث في مسألة الألوهية لاينبغي الإقتصار على تعاليم افلاطون وحدها

بل يجب الرجوع إلى ماقبل بتعاليم فيثاغورس وبما كل ماشيده البراهمة واليهود

والمجوس والمصريون ) . ومن ذلك يقيم فلسفته بعناصر رئيسة .فهو يقيم ثنائية

حادة بين الإله والمادة ، بين الخير والشر ،ويقر بمبدأ الوسيط بينهما ،هو الإله

الصانع ، بين الإله المتعالي ، والمادة القديمة .وسبيل الوسيط هو المعرفة التي هي

عبارة عن رؤية مباشرة يتحد فيها الرائي والمرئي اتحاداً تاماً وهذا هو ( الغنوص)

وكل هذه العناصر من فلسفة نومنيوس نجدها منسوبة عند الشهرستاني إلى

((الحكماء السبعة )) ومن نومنيوس عبر تلامذته والمتأثرين به إلى كل الإتجاهات

الصوفية والباطنية والإشراقية التي عرفها الفكر العربي الإسلامي ، شرقاً وغرباً

ومن الثابت تاريخياً هو أن أفامية قد قامت بدور بالغ الأهمية في تكوين ونشر

 الفلسفة الهيلينيستية ، أي في تغذية ونشر التيارات ( الغنوصية) والنظريات

 المقتبسة من الديانات الشرقية ، وقد شهدت أفامية في عهد السلوقيين ازدهاراً

عمرانياً إذ بلغ سكانها (117)ألف نسمة في القرن الأول الميلادي . ولقد كان لأفامية

دور حاسم في تحويل الإفلاطونية المحدثة إلى عرفان شرقي من تيارات فكرية

أخرى يهودية ومسيحية بحكم اتصالها المستمر بفلسطين .

نصوص هرمسية فلسفية موروثة من أساطين الحكمة:

أولاً في التصوف : ليس هناك شيء يخلص النفس البشرية في الأدبيات

الهرمسية غير( المعرفة ) ، ولكن أية معرفة ؟  إنها تلك التي يرشد إليها هرمس

الذي جاء يعلن الخلاص !! . وهذه المعرفة لاتعني (العلم ) ، أي اكتساب معارف

بل بذل مجهود متواصل قصد التطهير والتخلص من المادة والإند ماج من جديد

في العالم الإلهي ، لا بل الفناء في الله . إنه التصوف الهرمسي الذي تكثر ملامحه

في التصوف الإسلامي .

يقول الباحث الفرنسي المتخصص في الموروث الهرمسي ( فيستوجيير ) :

ويظل الإتصال بالإله المتعالي هو الهدف في هذين النوعين من التصوف

ولكن لكل منهما طريقه من دون أن يتناقضا  !! .

النوع الأول : يخرج الإنسان عن ذاته ليتحد بالله الذي يتصوره في هذه الحالة

الفناء بالتعبير العربي الإسلامي ) ..!!

النوع الثاني : فالله نفسه هو الذي يغزو النفس الإنسانية فيحل فيها ويتحول

الحلول في التصوف العربي الإسلامي ..!!

مثال : عن القائلين بالحلول : ( الحلاّج ) : ( أبو المغيث الحسين بن منصور )( قتل سنة309 هج ) بعد حكم أصدره فقهاء عصره ، لقد اشتهر الحلاج

بقوله ( أنا الحق ) وهي عبارة واردة في كتابه (( الطواسين )) وتلخص كل مذهبه

يشرح فيه فلسفته ، ويرى أن الرياضة والمجاهدات الصوفية تكشف للإنسان عن

الصورة الإلهية فيه ، طبقاً للقول المشهور المأثور : ( خلق الله آدم على صورته)

وهي عبارة هرمسية ، تعود هاء الضميرإلى الله ..(فيستوجيير) ( الجابري ) ...

ثانياً : في الفلسفة الإسماعيلية :

 تقدم الفلسفة الإسماعيلية فهماً خاصاً يعتبر الصور البيانية القرآنية ظاهراً وراء

باطن ، ولكن مضمون (الباطن ) الذي تقدمه ما كان يمكن التوصل إليه بدون

توظيف واسع ، وواسع جداً ، للفلسفة الدينية الهرمسية ، لقد انتقل الفلاسفة

تداولي إلى مجال تداولي آخر : من الفهم البياني العربي الذي يعتمده السلف

بفهم أهل السنة ، إلى الفهم الفلسفي الهرمسي الذي ماكان يمكن الوصول إليه

أبداً من مجرد تأمل النص القرآني تأملاً خالياً من أية معرفة مسبقة بالأدبيات

الهرمسية ، وهذا يؤكد تماماً ربط الفلسفة الإسماعيلية بالفلسفة الهرمسية ..!!

كاملة ، فهي لاتخفي انتماءها الهرمسي ، إذ تحيل مراراً وتكراراً إلى هرمس

مثلث الحكمة وإلى أغاثاديمون وفيثاغورس علاوة على تبنيها لنظرية الإله

المتعالي الذي لايعبر عنه بوصف ، ونظرية العقل الكلي المكلف بتدبير الكون

فضلاً عن إلحاحها على الطبيعة الإلهية للنفس البشرية ..!!

تمثل رسائل إخوان الصفا ( الصورة الشعبية ) للفلسفة الإسماعيلية ، وقد

جاءت (عالمة ) منظمة ومنسقة لدى الداعي الإسماعيلي المشهور ( أحمد

الذي يمثل فعلاً أرقى ما أنتجه الفكر الإسماعيلي على صعيد المذهب وفيه

تتجلى الميتافيزيقا الهرمسية واضحة تماماً ..!!

ديالكتيك المضامين للنص البياني القرآني .. !!

إذاً مما تبين فيما سبق أن الهرمسية في الثقافة العربية الإسلامية هي المنهج

المعرفي الذي صرح به الباطنيون من الإسماعيلية والشيعة والمتصوفة

وغيرهم من الفرق ، بوصفه (الحقيقة )التي تقف وراء الشريعة التي هي

( البيان أو ظاهر النص ) ..!! .

وأما فقهاء ظاهرالبيان والنص ،فقد اعتبروا التأويل الباطني ، شيعياً كان أم

صوفياً ، دخيلاً على المضمون القرآني والحديث ، وكثير من الإحيان

مناقضاً لظاهر النصوص ، ومن هنا نشأ (جدال) بل عداء مستحكم بين منهجين

معرفيين : الهرمسي الباطني يقوم على (الوصال )أي على الإتصال المباشر

(والمعرفة اللدنية ) . ومنهج (الإستدلال ) الذي يربط المعرفة ب( الحد الأوسط)

الذي هو( العلة )عند فقهاء النص .

لمحة عن ديالكتيك التاريخ أو التاريخي : 

 فكلمة ديالكتيكا ترجمتها للعربية (جدلية ) مشتقة من الفعل اليوناني dialejein

الذي يعني تحديدأً الكلام الفاصل بين المتحاورين كطريقة استقصاء وضعها

زينون الإيلي ، قبل أن تستكمل شكلها عل يد افلاطون ، الذي تعني عنده :

التقسيم المنطقي الذي يوصل المرء عبر المقاربة ، إلى اكتشاف المعاني

الأساسية المجردة ( أو المُثُل ) وهي جدليتان : الأولى : تنطلق من الواقع الملموس

لتصل إلى مفهوم الخير  .والجدل فيه هو المنهج الذي به يرتفع العقل من المحسوس

إلى المعقول ، دون أن يستخدم شيئاً حسياً ، وإنما بالإنتقال من معان إلى معان

بواسطة معان  .

فالجدل إذاً : منهج وعلم :يجتاز جميع مراتب الوجود من أسفل إلى أعلى ، ومن

أعلى إلى أسفل ، ومن حيث هو علم ، فهو مقابل مانسميه الآن نظرية المعرفة

بمعنى أوسع يشمل المنطق والميتافيزيقا جميعاً .

-         الجدليةعند أرسطو : مجرد استدلالات مبنية عل وجهات نظر محتملة ..!!

-         الجدلية عند كانت : هي جدلية صورية : تعني دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح والعالم والإله ..!!

-         الجدلية عند هيجل : يحلّ بها إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال

الإرتقاء إلى الوضع المثالي( الشميلة) ، وهذا أيضا يتجاوزه ليصبح من الصيرورةالأمر الذي يجعله محركاً للتاريخ وللطبيعة والفلسفة ..!!

-         الجدلية عند (ماركس وانجلز ولينين وماوتسي تونج ) : قبلوا بطريقة

هيجل ، ولكن بعد أن أنزلوها من السماء (المثالية ) إلى (الأرض )

( المادية ) وطبقوها على الظواهر التاريخية والإجتماعية، وخاصة

الظواهر الأقتصادية ، بزعمهم أن الروح أو الفكرة ، ليست هي التي

تحدد الواقع ، وإنما العكس ، إن المادة عموماً تميز الوجود الحقيقي

الموضوعي ، باعتباره مستقلاً عن الوعي والإحساس والتجربة ..

(ليس الوعي سوى انعكاس الوجود ،في أحس الأحوال ، والمادة هي

التي بعملها على أعضائنا الحسية تنتج الإحساس ) ...!!

 مقارنات في الديالكتيك التاريخي : الإلتقاء والإفتراق  بالهرمسية

 والحقيقة أن الذي يؤجج الجدل كأسلوب وعلم في كل الثقافات هو الموضوع ،

والموضوع بنوعيته وأهميته وقوة تأثيره الإجتماعي، يجعل من علم الجدل مدارس

وأساتذة وفلاسفة كما رأينا ..ولنرى أهميته ومكانته في موضوع مقالتنا هذه ..!!

أولاً : جدلية فلسفة الحكماء أوالحكمة في الموروث القديم : (الثقافة الإغريقية )

        لما كان المجتمع الإغريقي وثني صرف، فإن الموضوع الذي أثرى الثقافة

الإجتماعية بشكل واسع ، وجعل لها خصوصيتها وطابعها ، الذي عرفت به بين كل

الشعوب فيما بعد ، هو نشوء الجدل البرهاني ، الذي أوجد لكل شيء في حياة

مجتمعهم اسماً وسبباً ، وظرفاً ألبسوه زماناً وتاريخاً ، وقد نتج عن ذلك الفلاسفة

ومدارسهم وتلاميذهم الذين يتعلمون منهم ، ومن ذلك طرقهم وآرائهم في التفسير

والتأويل ..... ومما يجدر بالذكر هنا ، وهو المهم بالنسبة لمقالتنا أن الديالكتيك كان

داخلياً صافياً مقصوراً على علومهم التي أوجدوها ونظموا بها حياة مجتمعهم ..!

بمعنى أنه كان إبناً شرعياً نقياً لم تشبه شائبة ،ولم يختلط بعد بأحد من الخارج ..!

( لم يعرف شيئاً عن الهرمسية أو الغنوصية )...! .

ثانياً : جدل الإختلاط والإندماج :(الهيلينستية ) ..

وتسجل بدايات نشوئه منذ بدأ الإسكندر خروجه محملاً بثقافته الإغريقية المتخمة

المعبأة ، متجهاً خارج حدودها ، وفي ذهنه موروثاً صخماً ،لا أحد يعلم مكنوناته

الحقيقية ، وبدأ حملته غازياً الشرق عامة ، كان التاريخ يسجل وفاته المحيرة

التي تشبه خروجه عام( 323 ق.م ) ،فأخذ الديالكتيك يتلبس بالتجربة ويعتمد

عليها شيئاً فشيئاً ، وأخذ العرفان الشرقي مادته الرئيس بدل أن كان استنباطياً ...

ثالثاً : جدل الإستحواذ والإنكفاء ( الديالكتيك الهرمسي الباطني ) ..

يؤرّخ بدايات استحواذه وإنكفائه وإختفاء نحلته المجتمعية ، منذ القرن الأول

(فيلون ) ..والحقيقة الثقافية العلمية التي تسمي هذه النحلة من الديالكتيك

الإنكفائي ، هو تلبيس الفلسفة الإغريقية التجريدية الإستنباطية ،محل العرفان

 القادم من النص المعرفي الديني (التوراة والإنجيل )،وذلك بداية بإعادة

صياغتها بتأويل مفردات وأسماءالآلهة والأنبياءوالملائكة ومراحل خلق الإنسان ،

 والكون وكذلك الحياة والموت ، والعقوبة والمكافأة ..!!..وإخراجها من جديد

 وجعلها (نصاً دينياً مقدساً )(جامداً )(هرمسياً ) وقد فقد الديالكتيك المعرفي فيه

و ألزم الدعاة والمريدين منذ ذلك الوقت بمدارس الحكمة السبعة، بحفظه كما

هو ، وقد نشأت المجتمعات عليه ابتداء من اعتناق روما وامبراطورها النصرانية،

وقد نعي الديالكتيك الإستنباطي شعبياً وثقافياً ورسمياً ، ربما في بداية القرن

الثالث الميلادي ...!!

رابعاً : جدل النسخ والإقتباس (ديالكتيك الأشعرية والمعتزلة ) ..!

هذا هو منطق أرسطو، وقد استنجدوا به في مجادلاتهم ليردوا به على خصومهم

وقد تقوقعوا به ، وكان أن أفقدوا الجدل رسالته للوصول بالموضوع إلى علم

مجتمعي زاهر ونافع ..! (وهذا تناقض بين إنكارمبادئ العقل كمبدأ السببية مثلاً

لقد قسّم ( بريق ) الثورة العلمية الصناعية ،منذ مطلع القرن الثامن عشر الميلادي

فكرفلاسفة أوربا ، إلى ثلاث مذاهب من حيث (الموضوع )الذي به يتحرك

الجدل ويحيا ليقود أوربا والعالم إلى مجتمع نموذجي بحسب موضوع الفكر

الذي اجتهد كل فيلسوف بوضعه وطرحه على الناس ..! 

1 – مذهب جدل هيجل وموضوع ديالكتيك الفكر الروحي المثالي (أنكرالأديان

السماوية والموروثات الدينية البشرية وأخذ بروح الإنسان وقيمه الأخلاقية) .

(جدل النظرية الشيوعية وموضوعها المادي الطبيعي البحت )في تنظيم

والفيزيائية هي التي تخلق في الإنسان مشاعره وأحاسيسه وبالتالي وعيه ) .

الجدل بمعانيه الفلسفية الموروثة ، فصل كل معتقد ديني عن  المجتمعية والسياسية

الأزمات والعقبات والثغرات والإحتكارات الفكرية المنظمة لها ..! وعزل الإنسان

السياسية ..!

     ديالكتيك الإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي

            الديالكتيك التاريخي إلى يوم القامة

نذكر هنا ملاحظة مهمة جداً قبل الحديث عن جدل القياس وهي : أن ما أوردناه

وأبرزناه بقوة عن الجدل والجدلية تعريفاً ومذهباً فكرياً ثقافياً ًتاريخياً أساسياً ،

وعلاقته وارتباطه بالموروث الديني الإسلامي وبالهرمسية ، كان لسبب  مهم جداً

واحد ، وهوأن ( الجابري ) لم يشأ أن يذكره أو يبرزه كأساس للمذاهب والعلوم

مجاني أي (نص ثقافي ) له مرجعية بالعلوم الغنوصية كانت أم الهرمسية التي

اعتبرها (الجابري ) هي (الوعي في الفكر الثقافي العربي الإسلامي )من دون

إرجاعه كما  برهن في كتابه إلى إحدى مدارس الحكماء السبعة ذات الفكرالفلسفي

كما تبين لنا ..!!؟ .وهذه ثغرة وعثرة نعتبرها نقداً ودحضاً لرؤيته ونظريته التي

 قدمها في كتابه تكوين العقل العربي ) وأولها وآخرها (جدل القياس ) الذي

خشي أن يطلق عليه اسمه كاملاً، وكان قد شرحه وخشي من تبيانه صراحة

 لذات السبب  ....!!!

وأول اقراره واعترافه المموّه ،وهو العالم بالفلسفة ومفرداتها وبداياتها  وغاياتها 

العبارة التالية :

(صعيد التنظير) خطوة متواضعة ، ولكن نتائجها سرعان ماظهرت في

كالمنطق بالنسبة للفلسفة ...!!! ) 

 فما هي هذه المهمة التي قام بها الشافعي القرشي (150 - 204  هج ) .

لقد بدأ الشافعي رحمه الله عمله وقد أخذ (البيان العربي )( موضوعاً..!!) مستواه

جهة سحر البيان ألفاظاً وأوزاناً للخليل بن أحمد الفراهيدي ،وأجاب في تساؤله في

كتابه الرسالة :

الفروع ، فأقل مافي تلك المعاني المجتمعة : أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل

 القرآن بلسانه ، متقاربة الإستواء عنده ، وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من

إذاً الخطاب القرآني هو البيان ، ووجوه البيان فيه يحصرها الإمام

في خمسة : ( ص – 39 )

أولاً : ما أبانه الله لخلقه نصاً بحيث لايحتاج إلى تأويل أو توضيح لأنه واضح

بذاته .

ثانياً : ما أبانه الله لخلقة نصاً ولكن يحتاج إلى نوع من التكملة أو التوضيح وقد

تولت السنة النبوية القيام بذلك .

ثالثاً : ما أحكم الله فرضه في كتابه وبين كيف هو على لسان نبيه .

رابعاً : ما سكت عنه القرآن ولكن أبانه النبي فصار في قوة الوجوه السابقة

لأن الله فرض في كتابه طاعة رسوله .

خامساً : ما فرض الله على خلقه الإجتهاد في طلبه ، وسبيلهم إلى ذلك المعرفة

باللغة العربية وأساليبها في التعبير وبناء الرأي على القياس : قياس مالم يرد

فيه نص ولا خبر على ( مثال سابق ) يضبطه نص أو خبر أو إجماع .

ويقول الشافعي : ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حلّ ولا حرم إلاّ من جهة 

العلم : (الخبرُ في الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، أو القياس ) .

بأحكام كتاب الله ، فرضه وأدبه وناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه وإرشاده

... ولايكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً  بما مضى قبله من السنن وأقاويل

في كل مكان منه ،وعلى مدى القرون الماضية ، وإلى هذه الأيام ، إلى ربط الجزء

المعاني ، والمعنى الواحد بأنواع من الألفاظ داخل الدراسات الفقهية ، والتي

تنضوي تحت مسمى الفقه الإسلامي ، والذي بدوره أخذ على عاتقه التشريع

للواقع الإجتماعي الموضوعي المعاش للمسلمين عامة، خلال كل الحقب الزمنية

الماضية ، منذ القرن الثاني الهجري وإلى الآن ... !!

أي على موضوع ومبادئ الحكماء السبعة ....

أولاً : يطلق فلاسفة هؤلاء وتلامذتهم ومريديهم ، كما عرفناهم وتبين لنا

الرئيسيين والذي هو سمة موحدة لكل مدارس الفلسفة على الإطلاق :

مصدره وغالباً لا يكون ذلك النص ..وإنما الوهم واللإفتراض أو( النفس البشرية)

يبدأ العقل (الرأي) بالنشاط بالحرية المطلقة له والبحث عن الحلول للمشاكل

والتناقضات ، باستخدامه فرعي الحكمة ، وليس بالضرورة الوصول لحل

خاص أو عام ( التجربة والإستدلال ) ، المهم أن يبقى الرأي ناشطاً متقدماً في

 اللامعقول ....!!

وكما تبين معنا غياب أو عدم وجود أثر (للجدل) بمعناه البنائي المعرفي الحسي

في كل التيارات التي ذكرت ، وبالتالي ومن المسلم في النتائج أو ما يظهر على

 صعيد المجموع الوقعي الإجتماعي ، عدم حصول معرفة بمعنى اكتساب العلم

التجريبي الواقعي .وفي المنطق العقلي الفلسفي ( أن التطور هونتيجة معرفية

أو ينفيه ) مثال : ( فشل الحركة الباطنية الإسماعيلية الفكري ، أجبرها إلى اتخاذ

الأسلوب السياسي القسري للتسلط والحكم  ) والأمثلة الواقعية المشابهة كثيرة

جداً ...!!؟؟

إن العصر الذي نشأ فيه الشافعي هو ذروة عصر التدوين والترجمة ، بالإضافة

إلى كونه قد عاصر أزمة ، يقول المؤرخون والمدوّنون أنها أزمة البحث عن

(الأسس )في كل شيء ، من علم الحديث الذي صيغ على يدي الإمامين مالك وأبي

حنيفة ، اللذان اشتهرا ب (الإستحسان )و( المصالح المرسلة ) وكان يصاحبهما

أزمة (الرأي) وتضخمه بين المتكلمين وأهل الحديث والفتوى وأولهما الحرص

الشديد بل الخوف من ضياع ( النص ) أو(تأويله ) ألا وهو ( القرآن الكريم )

..ولايخفى عن الشافعي أنه قد تتلمذ على علماء الفقه والحديث في المدينة والعراق ،

بالإضافة لمعايشته علماء اللغة والنحو، الذين نهل منهم الكثير والكثير جداً ، وعاش

كل هذ الصراع  من دون أن يطلع بشكل أو آخر عن مصادر القائلين ب( الرأي )

والترجمة وقتها آخذة أطنابها وبحريتها ، خاصة وقد أصبحت العلوم الفلسفية

ومصادرها ، كانت قد دخلت من أيام (الأمير الأموي خالد بن يزيد بن معاوية

المتوفى 85 هج ) حين استدعى جماعة من اليونانيين من مدرسة الإسكندرية

 الشهيرة ، وطلب منهم أن ينقلوا إلى العربية ، بعض الكتب اليونانية والقبطية

ومنها كتب الكيمياء والتي تشرح كيفية تحويل المعادن الخسيسة ، إلى فضة

وذهب ..!؟ وكذلك ترجع إليه ترجمة كتب في  الطب من كتب جالينوس ....)

 ( الجابري ) .

( لقد تولى عبدالله بن المقفع المتوفى142هج ) ترجمة الأدبيات السياسية

الفارسية وتعريبها ، أي تحويلها إلى خطاب عربي موجه إلى الدولة العربية

ورجالها ، خدمة للمعارضة وقضيتها ..! هنا يجب ملاحظة أن اتجاه ابن

المقفع – الفارسي – إلى التأليف في الأدبيات السياسية لايمكن أن يكون مجرد

مصادفة :فعلاوة على كتابه( الأدب الكبير ) الذي شحنه بالحكم والأمثال ذات

المدلول السياسي والإجتماعي ، هناك ( رسالة الصحابة ) التي هي بمثابة بيان

سياسي دستوري يطرح ضرورة(تنظيم الدولة على أساس علماني) ،

بالإضافة إلى كتابه (كليلة ودمنة ) الذي يحث على ضرورة اعتماد ( العقل )

لقد عمل الإمام الشافعي على ( تقنين الرأي وتحديد الأصول )

و تقنين اللغة والنحو ، يبدأ انطلاقاٌ من ( أصول ) واضحة محددة ..وقد

أسلفنا أنه بدأ ب ( كيف البيان ) ؟؟؟...

إنه بيان نص القرآن العظيم وحديث السنة النبوية الشريفة بإجماع الأمة

وقياس الحاضر من أجل التشريع للعقل لبناء الواقع الإجتماعي المعاش ...

وهذا هو (الجدل الحقيقي ) المعرفي بمعانيه الفكرية والفلسفية أيضاً، كما تقدم

 الإمام ( الشافعي )المؤيد بتوفيق الله تبارك وتعالى ، وقد تفرد تاريخياً بإسم

مؤسس ديالكتيك التاريخ ، وقد خاب من تلبسه زوراً وبهتاناً ( هيجل وانجلز

وماركس ولينين ) ، وقد كذبوا وانكشفوا وأزالهم (رب البيان ) بسرعة لم

 تشهد لها البشرية ، وكذلك ومن قبل وبه سحب البساط من بين يدي أؤلئك

(أصحاب الحكمة والرأي والمتكلمين والباطنيين ) ، ومن يعمل في حكمتهم ،

مقدماً واستباقاً ولاحقاً  كما رأينا ،  وإلى الآن ، وحاشاه من أن يصبح غنوصياً

 أو هرمسياً أبداً ، وحاشى الله تبارك وتعالى ، إلاّ أن يكون هوالإله الأوحد ،

 خالق الملائكة والإنسان والسماوات والأرض ، وكل شيء فيها ، رب العرش

 الكريم .

والحمد لله رب العالمين . 

وسوم: العدد 742