أيّهما أخطر: تزييف العملة ، أم تزييف المتعاملين بها !؟

*) هذا السؤال ، لايجاب عليه إجابة عامّة مطلقة ! فلا بدّ من معرفة نوع العملة ، أولاً، ومعرفة الهدف من تزييفها، ومعرفة المتعاملين بها، والهدف من تزييفهم ، ثانياً!

 *) إذا كانت العملة مالية نقدية ، وكان الهدف من تزييفها ، الربح المادي ، من قِبل بعض المزيِّفين ، الأفراد أو العصابات ، ولو أدى ذلك إلى تخريب جزئي للاقتصاد الوطني، فإن الأمر يختلف ، عمّا لو أغرقت العملة المزيّفة ، السوق الوطني ، من قِبل جهات معادية ، بهدف تخريب الاقتصاد ، تدميراً تامّاً !

 *) أمّا إذا كانت العملة غير مالية ، كأن تكون فكرية ، أو ثقافية ، أوعقَدية .. فإن الأمر يأخذ منحى آخر، وتأخذ الموازنة ، بين العملة الزائفة والبشر المزيفين ، معنى مختلفاً !

 *) أمثلة :

 1) المنافقون في المدينة المنورة : زيّفوا أنفسهم ، فتظاهروا بالإسلام ، ليتمكّنوا من التخريب ، داخل المجتمع الجديد ، في الدولة الوليدة ، ويمارسوا الكيد والتآمر والدسّ ، داخل الصف المسلم ! فهم لم يستطيعوا تزييف عقيدة المجتمع ، فزيّفوا أنفسهم ، بادّعاء الإيمان بعقيدة المجتمع ، ليكونوا أقدرعلى العبث ، بالصفّ الإسلامي ، وهم في داخله ، منهم ، وهم خارجه ! وقد أحدثوا فتنا كثيرة ، كادت تودي بالمجتمع والدولة، لولا حفظ الله ، الذي حصّن المجتمع بإيمان قويّ ! وكان وجود النبيّ ، بين المؤمنين ، خيرعون لهم ، في مواجهة الفتن والدسائس ، برغم أنه ، هو ذاته ، لم يسلم من أذى المنافقين ، الذين لفّقوا تهمة بشعة ، لزوجته الكريمة الحصان ، عائشة ، رضي الله عنها .. فبرّأها الله ممّا افتروا ، وردّ كيدهم في نحورهم !

 2) أصحاب العقائد الزائفة ، من أتباع الفرق الضالة : الذين لفّقوا لأنفسهم عقائد مشوّهة فاسدة ، فيها بعض المَشابه من العقيدة الإسلامية ، ثم تسلّلوا ، بدعاوى شتّى ، إلى داخل المجتمعات الإسلامية ، في مراحل مختلفة ، من تاريخ الأمّة ، وكسبوا لأنفسهم أنصاراً من أبناء المسلمين ، اعتنقوا عقيدتهم الفاسدة ، وباتوا يعيثون فساداً ، في الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ، ويمارسون عمليات القتل والاغتيال ، والنهب والسلب ، والحرق والتدمير ، في المدن الإسلامية ! ومن هذه الفرق : القرامطة والحشّاشون ، وغيرهم ! ومعلوم أن هؤلاء زيّفوا عقيدتهم ، وتعاملوا مع المسلمين بغقيدة رائفة ، لبّست على كثيرين منهم ، وخدعتهم عن أنفسهم ، وعن عقيدتهم الصحيحة ! وما تزال ، إلى اليوم ، هذه الفرق ، تحسَب في العداد الكلّي العامّ للمسلمين ، حين يقال : إن عدد المسلمين في العالم ، هو مليار وربع ، أو مليار ونصف .. !

 3) أخطر مايواجه المسلمين ، اليوم : هو أن فرقة ضخمة ، من المحسوبين على الإسلام ، ضمن التعداد الكلي العامّ ، تعدّ بالملايين ، تلـبّس على المسلمين ، وتدّعي أنها تنتمي إلى دينهم ، عقيدة وشريعة ! وأن العناصر الأساسية، في العقيدة والشريعة، مشتركة ، بينهم وبين سائر المسلمين.. والفروق القائمة ، إنّما هي فروق في الفروع، لافي الأصول والكليات ! ويتاجرون بهذا الانتماء المزعوم ، إلى الإسلام ، ليكسبوا لعقيدتهم مؤمنين جدداً ، من أبناء المسلمين ، يجعلون منهم أدوات سياسية شعبية ، داخل دولهم ومجتمعاتهم ، لنشر عقيدتهم نفسها ، بين أهليهم وشعوبهم ، من ناحية .. وليكونوا أدوات تنفيذية ، تخدم الأهداف التوسّعية الإمبراطورية ، للدولة التي تسعى إلى التمدّد ، عبر العالم الإسلامي ، والهيمنة عليه ، وفرض إمبراطوريتها الجديدة ، على دوله وشعوبه ! وأخطر مافي هذا المدّ الجديد ، أن الكثيرين من المسلمين ، ومنهم أناس عدول ثقات ، وبعضهم محسوبون على العلم الشرعي .. يعتقدون أن الخلاف بين المسلمين ، وبين هؤلاء المذهبيين ، إنّما هو ، حقاً ، خلاف في الفروع ، لا في الأصول والكليات ! ويسمّون هؤلاء المذهبين التوسعيين ، إخواناً في الملّة ، ومِن أهل القبلة ! وذلك لاشتراكهم مع المسلمين ، في بعض الأمور العامّة ، برغم الخلافات الهائلة في أصول العقائد ، ابتداء من إيمان المسلمين ، بصحّة كل ماورد في القرآن الكريم ، وتكذيب هؤلاء ببعض ماجاء فيه ، وادّعائهم النقص في بعض آياته، وطعنهم بحمَـلته ، من كرام الصحابة ، الذين بشرّهم رسول الله بالجنّة ، وأثنى الله عليهم ، في بعض آيات القرآن الكريم .. ثمّ صحيح السنّة النبوية ، الذي يكذّبون كثيراً ممّا ورد فيه ، ويأخذون دينهم عن رواة كذَبة ، مزيّفين ، معروفين وغير معروفين ! فالتزييف ، هنا ، في العقيدة ، ذاتها ، عبر إبراز المشتركات ، بينها وبين عقيدة المسلمين ! ومعلوم من الدين بالضرورة ، أن الشكّ في آية واحدة ، ممّا ورد في القرأن الكريم ، يخرج صاحبه من الملّة ، ولو آمن بكلّ مافي الإسلام ، من عقيدة وشريعة وأخلاق ! لأن الله لا يقبل من مسلم ، أن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض !

 ولو احتفظ هؤلاء بعقيدتهم لأنفسهم ، لما اكترث بهم أحد ، ولظلّت علاقتهم بالمسلمين ، كعلاقة أصحاب أيّة ملّة ، من الملل الموجودة اليوم ، على ظهر الأرض ! إلاّ أنهم يتّخذون من التشابه ، بين عقيدتهم وعقيدة المسلمين ، في بعض النواحي ، مدخلاً لتضليل المسلمين عقدياً ، والهيمنة عليهم وعلى بلادهم سياسياً وعسكريا وثقافياً ! وتلك كارثة محقّقة ، بدأت نذرها تلوح ، في أنحاء العالم الإسلامي ! ولابدّ من مواجهتها ، بكلّ مالدى المسلمين من طاقة ! وإلاّ وجدوا أنفسهم ، بعد سنوات قليلة ، فريسة سهلة ، للغزو المذهبي الإمبراطوري الجديد .. هم ، وأوطانهم ، وعقيدتهم ، وأجيالهم اللاحقة !

 وإذا كان شأن هؤلاء المذهبيين مجهولاً ، قبل عشرات السنين ، لدى كثير من المسلمين ، فإن العلم ، اليوم ، بالفرق بين عقيدتهم وعقيدة المسلمين ، صار كالعلم بالفرق ، بين عقائد اليهود والبوذيين والملاحدة .. وبين عقيدة المسلمين ! قد يـُقبل الجهل فيه ، من أميّ جاهل .. أمّا المتعلّم ، الذي يستطيع الاطلاع على حقيقة معتقداتهم ، بسهولة ويسر، من كتبهم وخطبهم وخططهم ، ووسائل إعلامهم ..وممّا يكتبه الآخرون المنصفون عنهم .. ولا يفعل، ثم يظلّ يماري فيهم ، وقد أركسَهم الله بما كسبوا .. فحسابه على الله ، ثم على من يَقبل منه الإسهام في تزييف عقيدة المسلمين ، بحجّة الحرص الزائف ، على وحدة أبناء الملّة ، وأهل القبلة .. دون أن يكلف نفسه ، بالبحث الجادّ ، عن معنى الملّة ، ومعنى القبلة .. ليعلم أين هؤلاء من هذي ، أو تلك !

 ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم !

وسوم: العدد 744