بابا الفاتيكان يَتظلمُ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

 

خلال جولته في دول أفريقيا..وبسبب مشاهداته لأبشع حالات الفقر والجهل والحرمان..صرح الحَبرُ الأكبر فرانسيس/بابا الفاتيكان قائلاً:(كيف لا أنتقد أشكال الظلم الفظيع الناتج من احتكار أقليات السلطة والثروة وتبذيرها الأموال بأنانية..؟إن تطرف بعض الشباب إنما هو بسبب نظام دولي ظالم)وأكد قائلاً:(يجب إعطاء التعليمِ والعملِ فرصة لمنع مجموعات متطرفة من تجنيدِ الشبابِ)إنه لأمرٌ جليلٌ أن يربط رئيس الكنيسة الكاثوليكية في العالم ورئيس دولة الفاتيكان الكهنوتية بين الإرهابِ والظلمِ فيقول:(إنَّ تطرفَ بعضِ الشبابِ إنَّما هو بسببِ نظامٍ دوليٍّ ظالمٍ)تذكرت وأنا أقرأ هذا التصريح ما قاله لي الكاردينال جان- لويس توران/رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان ونحن عائدون من لقاء البابا فرانسيس:هذا هو سكن البابا ومقره الدائم- وقد أشار إلى فيلا قديمة شبه متهالكة في ساحة الفاتيكان-أمَّا المبنى الذي كنَّا فيه فهو المبنى الرسمي المخصص للقاءات الوفود..فتأكد لي ما لمست من زهده وتواضعه أثناء لقائه..وتداعت إلى الذهن مشاهد أئمة العدل والرشد والزهد من عمالقة مسيرة المسلمين الراشدة:تذكرت قولة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:(دلوني على السوق)وتذكرت قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لوأن بغلة عثرت في العراق لسألني الله تعالى عنها:لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر..؟وتذكرت قوله:(إنَّما وُليَّنا عليهم مِنْ أجلِ ثلاثةٍ:سدُ جوعتِهم..وَسترُ عورتِهم..وَتأمينُ مُهنتِهم)وتذكرت قوله رضي الله عنه:(متى استعبدتُم والنَّاسَ وقد ولدتهم أمهاتُهم أحراراً)وتذكرت قوله:(فاقطعوا أيديَّ من أجاعوهم ومنعوهم حُقوقَهم)وتذكرتُ قولَ رسول هِرقل وقد رأى عمر بن الخطاب نائماً مُتوسداً نعليه:(حَكَمتَ فَعدَلتَ فَأمنتَ فَنمتَ)وتذكرت قول مسيولافاييت خطيب الثورة الفرنسية يخاطب ابن الخطاب رضي الله عنه فيقول:(أيها الملك العربي عمر بن الخطاب أنت الذي حققت العدالة في الأرض كما هي)وتذكرت قول ابن تيمية رحمه الله تعالى:(إنَّ الله لينصرُ الدولةَ الكافرةَ العادلةَ على الدولةِ المُسلِمةِ الظالِمَةِ)وتذكرت قولة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله تعالى:(نحن نفتخر بالدين الإسلامي،ونفتخر بأننا دعاة مبشرون لتوحيد الله ونشر دينه،وأحب الأعمال إلينا هو العمل في هذا السبيل) وتذكرت قولة فيصل بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وهو يعقب على من خاطبه قائلاً:(يا حامي الحرمين) حيث قال له:(إن حامي الحرمين الشريفين وحامينا جميعاً هو الله جلَّ جلاله..أما أنا وإخواني ووالدنا من قبل فنحن خدام الحرمين الشريفين) أجل المعركة الحقيقيةُ هي بينَ الظُلمِ والعَدلِ وبين التواضع لله والتأله على الله..فالله تعالى يحب العَدلَ ويَنتصرُ لأهلِهِ..ويمقت الظُلمَ ويقهرُ فاعليهِ..والعدلُ يبقى مصدرَ كلِّ خيرٍ وفضيلةٍ..وهو الحارسُ الأقوى والأضمنُ لأمنِ المجتمعاتِ واستقرارِها وازدهارِها..فهلا عملنا على أنسنة قدسية العدل..؟

وسوم: العدد 748