أغلفة القدس الأوروبية

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

ليست أغلفة وحسب، فهي تعبير ظاهر عن اتجاهات التناول ومفاهيمه. إنْ تناوَلْنا الغلافين المتزامنين للإصدار الأسبوعي من صحيفة "الغارديان" البريطانية وللصحيفة الأسبوعية الألمانية الأبرز "دي تسايت"، وكلاهما عن القدس وتطورات قضيتها منذ إعلان ترامب، فسنعثر على تباينات متصلة بأبعاد غائرة. يمنح الغلاف الألماني الانطباع بأنّ الحدث الساخن هو مجرد نزاع ديني على مدينة مقدسة مع تغييب قضية الاحتلال والنضال التحرري منه، إذ يُظهِِر الغلاف مسلمة ويهودية في ما تبدو  وضعية خشوع. ينسجم هذا المنحى مع زاوية التناول النمطية في الإعلام الألماني لقضية القدس التي تأتي على الأغلفة مشفوعة بسؤال نمطي متكرر هو "لمن تعود القدس؟". إنها خلفية متصلة بمفهوم تقليدي ألماني وأوروبي عن القدس يُغلِّب الجانب الديني في تأويل قضيتها. أما الغلاف البريطاني فيستحضر بالمقابل إشارات ضمنية إلى خصوصية المدينة دينياً وثقافياً وسياسياً من خلال لغة الصورة التي يظهر فيها فلسطيني يرفع ذراعيه بشارة النصر، وهو ما يتلاءم مع رصيد الخبرة البريطانية مع القدس التي كانت تحت الاحتلال البريطاني المباشر ثلاثين سنة بحيالها في قرن مضى، علاوة على منسوب أعلى في بريطانيا من الانشغال بالسياسات الخارجية مقارنة بألمانيا.

بعد قرن من الصراع واحتلال القدس على مراحل ما زالت التغطيات الألمانية منشغلة بسؤال ساذج تستنسخه الأغلفة عبر السنوات المديدة: لمن تتبع القدس؟ تقف العناوين عند حدود السؤال، دون أن تجرؤ على التطوّع بإجابة عادلة. ومن يقرأ التحقيقات المطوّلة لن يخرج بجواب محدد بل بالتباس في الفهم يبرِّر وضع السؤال ذاته على غلاف بارز جديد. 

لكنّ التحيّزات السافرة في بعض وسائل الإعلام ستتولّى حسم الإجابة على طريقتها، كما فعلت مجلة "فوكوس" الألمانية واسعة الانتشار في عددها الصادر الاثنين ١٨ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٧. المجلة متحيِّزة تقليدياً للاحتلال، وتعود لإمبراطورية "بوردا" الإعلامية الألمانية التي أسدت خدمات سخية لمحتلي فلسطين، منها إقامة معهد إعلامي في جامعة بن غوريون في بئر السبع، وليس في جامعة بيرزيت مثلاً. جاء غلاف "فوكوس" تحت عنوان "القدس"، مع عنوان رديف ينطوي على الرسالة المسمومة "عاصمة إسرائيل، مهد الأديان السماوية، النزاع الأبدي على المدينة المقدسة". حمل الغلاف صورة البلدة القديمة من الزاوية التي تنصح بها دعاية الاحتلال، أي التي تظهر ساحة البراق في صدارتها كناية عن المنحى التهويدي المنشود. حضرت المدينة في الصورة وغابت بنادق المحتلين عنها لتمنح الغلاف رشفة التضليل المطلوبة.

منح ترامب القدس لمحتليها، كما يفعل مائة ترامب آخر في ثنايا الصناعة الإعلامية الأوروبية.

وسوم: العدد 751