وثبةٌ مقدسية

في الحي المقدسي

تستدعي ذاكرتي

من الزمن المقدس

حيث العروج إلى العُلا

بين المعاني والعنا

من غير قيد

حيث الغيض

من فيض وفير

حيث لا أرض للنزاع عليها

ولا زمن يعاجل

من صعدوا إليها

فالملكوت هناك رحب

لا عواصف لا هبوب ولا خطوب

لا اقتتال ولا صراع

كما في العالم الأرضي

أبداً لا يوجد

لدى اللقاء أو الوداع

غير المحبة والوداعة والإخاء

سلامٌ سلام حبٌ وئام

طيور تطوف بطول وعرض

لن تغني عنكَ ألوف الأرض

بدأتُ الهبوط

رويداً . رويدا

تعثرتُ شيئاً عند السفوح

وارتطم صخر بحجر صغير

فأسفر عنه ومض الشرار

وعيني تلاقت بعين النهار

على هيكلٍ على مذبحٍ

توالى احمرار الدم المسفوح

ولاح النزوحُ

بمدٍ قويٍ كطوفان نوح

فيسطو عليها متسللٌ

بجنح الظلام

وفي كل ركن تراءى الـمُحال

ومن جاءها يحط الرحال

ما بين أرضي على رقعتي

ومن ركبتي

غاصت عظامي سجوداً

شهوداً في رملها

من قال أن دخيلاً عليها

هو من لها !

وأن البولوني على أرضها

قد أعطى لبنيه ميعاد

ولأرض الميعاد أعاد

السبط لجذعه الفرع لأصله

لكمُ الويلات فهيهات

من بوصلةٍ تؤصّل له

ألا ترى

أن الفرق بعيدٌ . بعيد

فمن ذا شرى

مختلفٌ هو

عن لون الأرض ورقعتها

عن روح الأرض ورفعتها

عن وجنة زهر نضارتها

عن كينونتها

عن زيتونتها الخضراء

أجاء من ارث شتات

ليرتل عند المبكى

سِفراً موضوعاً أنكى

فهل هو معتقد

إن أبكى عيوناً رغماً عنها

وتباكى أمام لقطات المشهد

قد مَثُل ضحية كي يشهد

على أكذوبته العالم

قد نحت اليوم

على الصخر معالم

افكاً تلفيقاً قد سطّرَ

تاريخَ الأمس وقبل الأمس

بالعتمة وغياب الشمس

ليؤرخ زوراً مدعياً

أن حضارته أقدم

من بابل من أوس

أقدم من ايزيس وغوث

أيها العربي

من أقدم منكَ بين أزقتها

ميادينها . حوانيتها

مساجدها . كنائسها

ومروج مزارعها حتى حيطان مبانيها

وقصص بشتاء لياليها

وأماني تجتاح بنيها

من زَرَعَ بوجنتها الورد ؟

فلا لن تغني عنكَ شعوب الأرض

رائحة الكعك المقدسي

ساعة هطول المطر الموسمي

تفوح لتبوح بحنطتها

بسنابلها بإحداثية صوامعها

وفي الساحات على العربات

فطائر زعتر

وغصن الزيتون الأخضر

في شجار الأشجار يهدهد

نَبَشَ الهدهد

في خبءٍ من بين التُربِ

وحب الحصى

لوجدانها المفتدي ما نسى

وان أخذته أفواج هجرته الموسمية

لبعض الوقت يؤوب إليها

على راح وجدٍ إليها يعود

مهد وعهد وإبرام وعدٍ لأسرابها

لصغيرة بضفيرة

تلهو من حولها أسراب حمام

تحطُّ على كتفيها تطير لتصير وئام

في كل مكان وزمان

ترفرف على متن الأصوات

ترنيمة جرسٍ وأذان

تتهيأ فرقٌ لزفاف

عروس الفردوس الأنور

في ساحة قدس الأقداس

يتوافد موكب أعراس

تصفيق حاد

رقصاتٌ بالسيف . مبارزةٌ

والصادح بأغاني تراث

أما في البلدة القديمة على الأرصفة

كم من متجول بالكتب ينادي

كتب .. كتب للمعرفة

وآخر تلبد في معطفه

من البرد القارص والثالث

قد راح ينادي كرزٌ كرز

وتعالى جهور الصوت بجانبه

خرزٌ خرز على بسطته

نزل المطر يغسل وجه الناس

يزيل الغبرة

من فوق حجار الجدران

يتوسطها أحد الأبواب الخشبية

طراز المعمار عتيق

يتلمس فيها الإحساس

بعروبتها بصمودٍ تبدو صلابتها

قد همس التأصيل بفرض

لن تغني عنكَ ألوف الأرض

فأنت الجليل وأنت الخليل

وأنت نابلسي حتى النخاع

وفي رام الله كم من طله

بين السهول هطول لودقٍ

روي بهي يزفُّ ابتهاجاً

لأهل للقطاع

غزاويُ أنت عطوفٌ عصوفٌ

ملكتَ بيمٍّ زمام الشراع

وأنت من وثبة المقدسي

طوفان الأبيّ

الفتِــيّ القوي بقلب الشجاع

فإن متَ مرة ستبقى

لما لا نهاية من المرات

فاسْتَخْرَجَتْ تلك الشهادة

شهادة وجودك بين الحياة

من الأطلسي

إلى حيث بلد عريق قصي

من نيل مصر

إلى حيث تجري مياه الفرات

لتُلهم في الواردين كفاحاً

يبث إليهم معاني الثبات

وفكر الأباة

رمقتكَ دوماً تسير وئيدا

كي تطبع مدى القُبلة

على وجنتيها على ذهبية الرملة

تُلامس في الثرى قدماك

في دنيا شوارعها فلا تتركها لأني أراك

قد ضَحَّيتَ بكل نفيس

فكن عوناً وكن غوثاً

فأنت المنوط وأنت الوريث

لحضارتها لعراقتها

ولا تبقى في الركن يوماً جليس

ونادي وناجي

بمحراب حرٍ أجلَّ مغيث

فما دام ينبض في العرق نبض

أبداً .. لا

لن تغني عنكَ شعوب الأرض

وسوم: العدد 1053