همسات القمر 148

خديجة وليد قاسم (إكليل الغار)

*أيها الليل المرسوم في أخيلة البائسين حلما كَوَهم

ماذا تفعل بك أسرار وأحاديث اختارتك الحافظ الأمين لها؟ أتنوء بعبئها ؟

كم من آهات تنتهك حرمة سكونك .. وكم من حروف مختبئة تتسلل بحذر ووجل في دروب سهدك ..

كم من قلوب تفتح لك مغاليق وجدها والأنين .. وكم من نفوس ترسل عبرك رسائل الشوق والحنين ..

كم من أرواح تختبئ تحت جناح قتامك باحثة عن سلامها وأمنها .. وكم من أفئدة تختصك بعزفها وترنيمة لحنها ..

كم وكم .. 

أيها الليل، ماذا لو خنت عهد صمتك وأطلقت لثرثرتك العنان ؟!

*حين تسيطر الإملاءات على المبادئ والقناعات، تحصل الكارثة!

*لا شيء أكثر ثرثرة من داخلي ولا شيء أكثر صمتا من لساني

مفارقة عجيبة، أو لعلها قسمة واجبة ينفرد كل منهما بنصيبه، شاء أم أبى

يربكني صمتي ويحرجني حين أطلب المفردات ولا تسعفني

ويثيرني ضجيج داخلي، وكأنني في حفل صاخب يصمّ الآذان يؤذيني ويزعجني

ما بين الضد والضد وما بين النقيض والنقيض أقف كنهر حائر بين ضفتيه.. لا يملك الركون إلى هذه ولا الميل إلى أخرى .. 

وما عليه إلا أن يواصل دربه كيفما كان وانقضى ..

*بعض الجنون فرح

وبعضها همسة شقاوة من طفولة كامنة تتسلق أسوار سجون القوانين الصارمة بل والظالمة تتقافز عليها بخفة ومرح

يسجننا قفص بمفتاح لامع يدعى النظام أو العادة أو أطلق عليه ما شئت من ألقاب التبجيل والسيادة 

ويصلبنا على أبواب انفراج الحلم جلاد يدّعي أن طاعة أوامره واجب وعبادة

لم لا نغافل الليل ونرسم ابتسامات فرح نشتهيه على ثغور متشققة وقلوب مهترئة ؟

لم لا نسلم ليد الطفولة البريئة النقية زمام السطوة والقيادة ؟

نرهق أنفسنا ونقيّدها كثيرا بما يلزم وما لا يلزم ..

ولو تركناها على سجيتها وانسيابها الطبيعي .. لانطلقت في دروب مسرّاتها بقلب نقي وعقل لا يأبه لنازلات الحياة ..

في قلوبنا مشاعل من نور، وفي نفوسنا مناجم من مسرّات وحبور ..

أنتركها تذوي وتأفل في فوضى وعبثية عالم يمقت الجنون البريء؟

أنبيع براءتنا الكامنة وطفولتنا الوادعة لنشتري الوهم ونجلب لنفوسنا كل خيبة أمل وهمّ؟

*وهل من جدوى للعقل في عالم مجنون خلع ثوب إنسانيته ليرتدي حلّة الوحوش والذئاب؟

تأخذنا خطرات النفس إلى مثل هذه التساؤلات حين يعجز الوجع عن البرء، وتعجز الحال عن التغيير

لا العقل ظِلّ يستفيئ المرء فيه يذبّ عنه الهجير

ولا الفؤاد نبع يبلّ صدى الروح يغدو أطيب نمير

ولا القصائد المنتظرة على شواطئ بحورها البائسة تعرف بهجة الميلاد!

ولا النفس الغارقة في بئر جدبها تجتذب حبل خلاصها ..

فماذا بعد؟

*أساهر ليلي مع بقايا شمعة تهددني ذبالتها بالانطفاء

وحدي وأفكاري نطل من نافذة السهد بحثا عن نوم يهوى لعبة التخفي، ويعرف كيف يفوز في كل مرّة دون أدنى عناء!

أيها الليل.. 

من يساهرونك واحد من اثنين:

عليل برّح به ألمه وعضّه ناب الوجع فما عاد لديه للرقاد من متسع

ومثقل قلب ينوء بحمله، يتقافز قاربه بين أمواج تلاطمه دون شط راحة أو أمان يدركه ..

أيها الليل، رفقا بمن تقلّبوا على جمر سهدك، فما برحت ناره تترك أثرها في جنوبهم وقلوبهم!

وسوم: العدد 719