صمتاً... الحبّ يتكلّم

مادونا عسكر

لماذا يرتجف النّور في لبّ الشّمس كلّما مسحتَ جبينه بزيتكَ؟

تختلج في صدره خيوط الخجل ويحتجب في ثنايا صدركَ.

لماذا ترتعش الأمواه كلّما صفّق صوتك بجناحيهْ؟

تتسابق لعناق ضفافك العليا هاربة من شفق مترامٍ، قصيّ

يوهم الخليقة بالتحام الأرض بالسّماءْ...

يقف صوتك على هامة الجبل المقدّسْ

يبوح  بطوباويّات الحبّ الجديدْ

تلتحف بها أفئدة بالاتّضاع متّشحة،

تكتسيها أجساد نبذت كلّ عتيقْ...

صوتك خمائل أرض طيّبة

تفجّرت منها بواكير الوحي تسقي النّفوس سلافة الحبِّ،

منها ينهل الشّعراء، فينقشون رسم صوتك على صفحات بيضاءْ...

ويثور التّاريخ... وتتبارك أقدام المبشّرين بحبّكَ...

ويعبر الصّوت خلف البحارْ،

ويرتحل وراء الشّمسْ،

يجوب الصّحارى المسكونة بالصّمتْ...

يلتفّ حول الأرض، ومن غاباتها الماطرة بالورودْ

يأتيني بباقات الأسرار وينزل إلى عمق أعماقي

ويهتف: " الحياة"...

 

يحتوي الكون صوتك ويصمتْ،

يهتدي إلى ينابيع الصّلاة المتصاعدة من مبخرة الأرض المتهللّة...

ألا يصمت الشّفق عند الغروب ليقرّب تقدمة المساءْ؟

ألا تنحني الأشجار في سكون اللّيل العظيم تهيئة لصلاة النّومْ؟

ألا تسدل المياه أهدابها وتترقرق على أنغام همسك العذبْ؟

ألا تغفو الجبال على عزفكَ بعد شموخ نهار طويلْ؟

يأوي الكون إلى صوتك ويصمتْ...

فليس من كلام في حضرة من هو أصل الصّوتْ...

 

أسمع صوتكَ،

وأحسب أنّ كلّ لحن لا يعبق بطيب ثغركَ

بقايا أنغام تنتحب ضياع الجمالْ...

وأحسب كلّ همس لا يرتع من أنفاس فيكَ

ثرثرات شاذّة تعمي بصائر السّمعِ...

وأحسب كلّ لوحة لا تنمّقها كلمتكَ

ألواناً فاترة تبحث عن الرّونق في دواميس الوهنِ...

من مثلك يهمس حتّى أمنحه إنصاتي، وأغرق في تأمّل العلا؟

أيّ حبيب تكلّم مثلك حتّى أهبه إصغائي، وأرتحل عن عالم ما زلت أعبّ فيه الحياة؟

أنت وحدك الصّوتْ...

أنت الصّوت المنهمر في حنايا نفسي،

والسّائد على خلايا الوجدِ...

الصّانع ثوب الحبّ الثّمين،

ألبسه، فلا أعود بعد أنا... بل أنتَ...

تكلّم يا سيّدي، حتّى أسمع صوتي النّفيسْ

تكلّم... حتّى أرى بهائي النّضيرْ

تكلّم ولا تبخلنّ عليّ برغيد الأنغامْ

ورخامة القيثارْ...

تكلّم... فلا يطيب سبات ولا يستطاب رقادْ

إلّا وصوتك الحبيب يتردّد في أصقاع روحي

يهبّ فيها كيفما شاء، ويصلّي همس الرّوح فيها أسراراً لا تباحْ...