رواية "فيتا" في اليوم السابع

clip_image002_09cf7.jpg

 

clip_image004_6802d.jpg

ميسون أسدي

القدس: 15-3-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني رواية "فيتا" للأديبة الفلسطينيّة ميسون أسدي، وتقع الرّواية الصادرة هذا العام 2018 والتي يحمل غلافها لوحة "الأرملة" للفنّانة فيتا تانئيل في 140 صفحة من الحجم المتوسّط.

بدأ النقاش ديمة جمعة السمان فقالت:

رواية (فيتا).. وطاقة التسامح هي العلاج

كم كانت الكاتبة ميسون أسدي ذكيّة حين اختارت الوقت المناسب لفتح بوابة كبيرة تحتوي على أبواب عديدة من المواضيع، التي إن فُتحت ليس من السهل اغلاقها. ولكنها الكاتبة عرفت كيف تبدأ وكيف تنتهي . اصطحبت القارىء في جولة من المعلومات والأفكار والتحليل عبر الأبواب  التسعة المختلفة، وخرجت منها بأمان، كما حرصت على إغلاقها  بهدوء، فقد كانت رحلة مقنعة، استمدتها من الواقع الاجتماعي والنفسي والسياسي دون تنظير،  وبنت عليها بمهنية الكاتب المحترف، فظهرت سلسة، مقنعة، ومشوقة .

اعتمدت الكاتبة أسلوب العودة بالذاكرة ( الفلاش باك)، حيث مهدت لنا أن "فيتا" عاشت حياة بؤس وشقاء من خلال الباب الأول للبوابة - التي تحدثت فيها عن روسيا في منتصف القرن الثامن عشر- .. حيث أسمته (باب المستشفى)، حين كانت ترسم لوحة للعجوزالمريضة في غرفتها ، وإذا بهما تسمعان جلبة خارج الغرفة، فشاهدتا فتاة ممددة على عربة المستشفى، الأنابيب موصولة إليها، كما لاحظتا ساعديها ملفوفين باللفائف البيضاء، فعرفت فيتا أنها محاولة انتحار لأن حبيبها تركها، فقالت: " يا لها من بلهاء.. ثم أكملت بصمت: يا لك من بائسة، تعالي أيتها الفتاة لأعطيك ألف سبب حقيقي ومؤلم للإنتحار."

حيث أن البطلة ولدت لأسرة فقيرة تتكون منها ومن والديها، وسفيتا أختها التي تكبرها بسبع  سنوات. عاشت الأسرة  في جزء من بيت كبير في الحيّ القديم في جنوب أوكرانيا. لم تشعر فيتا يوما بالأمان، بل عاشت حياة بائسة مليئة بالخوف والقلق، كان الأب سكيرا يضرب من يواجهه في طريقه، ويعود دوما دامي الوجه. أمّا الأمّ فكانت مسكينة لا حول لها ولا قوة. الأم مسيحية، أما الأب فهو يهودي ولكنه مشكوك النسب. وبالتالي لم يكن للدين مكانا ولا اعتبارا في حياة الأسرة. أمّا أختها سفيتا فكانت  تنفر منها، ورفضتها بسبب الغيرة الكبيرة منها، فلم تتوقع أن تأتيها أخت تشاركها محبة والديها، بل أخذت  أكثر من ذلك، إذ أخذت منها كل الحب لأنها كانت مطيعة، بينما سفيتا كانت شقية، مما زاد الطين بلة، وزاد حياة فيتا بؤسا، فترك ذلك أثرا كبيرا في حياتها، عاشت وحيدة، ولم تستطع حتى أن تكوّن صداقات في مدرستها.

فيتا لم تعش طفولتها، ولم تعش مراهقتها كأقرانها. فقدت ثقتها بنفسها على الرغم من أنها امتلكت شخصية قوية صادة، وإرادة حديدية. كانت ترفض أن تظهر بأي مظهر من مظاهر الضعف، وترفض سلوكيات أبيها السكير، على الرغم من أنها كانت مطيعة جدا له قبل أن يأخذه الخمر من نفسه، حين استعان به ليهرب من واقعه المرير وقلة ما باليد، وبالتالي يزيد من حياة أسرته كآبة وعذابا.

استطاعت الكاتبة أن ترسم شخصية فيتا رسما دقيقا، مراعية تسلسل الأحداث ومدى تاثيرها على تطور شخصيتها. وأكدت على مدى تأثر الطفولة على حياة الإنسان، حيث تصاحبه عقده النفسية مدى الحياة ويصعب عليه التخلص منها.

لجأت إلى الرسم، فتعلمته وأتقنته ولكنها لم تثق بقدراتها وبكفاءتها أيضا.. على الرغم من أن تقديرها في المعهد كان ممتازا.

قررت أن تهرب إلى أي مكان يبعدها عن بيت الأسرة الذي كان ينغص عليها حياتها، فاستجابت للوكالة اليهودية، التي كانت تدفع باليهود إلى فلسطين أرض الميعاد، ضمن سياسة ممنهجة مدروسة، مستغلة الظروف الصعبة والحالة النفسية التي يعيشها الشباب ، تقنعهم بأن ما يسمى بِ (إسرائيل) هي أرض السمن والعسل، ممّا أدى إلى أن بعض الشباب ادعوا أنهم يهود من أجل السفر إلى أرض الميعاد؛ ليتفاجأوا بأنها كذبة هدفها سياسي، أساسه صراع ديمغرافي للسيطرة على أرض فلسطين. ولم تعرف فيتا سبب هذا الصراع والكراهية بين العرب واليهود.

واجهت فيتا العديد من المشاكل والعقبات في حيفا، وفكرت بالانتحار بطريقة غير مكلفة، فلم يكن معها نقود لشراء دواء لتشربه وتنهي حياتها، ولا نقود لشراء مسدس. فكرت في أن تقفز من مكان عال، إلا أنها خشيت من أن لا تموت وتعيش معاقة. ولكن عندما علمت  بأن من  ينتحر يصنف بأنه انسان ضعيف، رفضت الفكرة، لأنها أصرت أن تبقى قوية، وأن لا  تقبل الضعف. هذا المونولوج جعلنا نغوص أكثر داخل أعماق شخصيتها.

تزوجت فيتا عربيا مسلما، كان خير زوج، واستقرت حياتها، ولكن شبح الماضي رفض أن يتركها بحالها. وعندما رزقهما الله بطفلة حاولت ان تكون أمّا جيدة، ولكن خوفها من أن لا تتقن دور الأمّ الصالحة دمّر حياتها. فلجأت لطبيب نفسي ليخلصها من هذه الأزمة، فطمأنها الطبيب، إلا أن خوفها استمر يطاردها.

وفي الختام استطاعت أن تعالج نفسها عندما بدأت المقارنة بين طفولتها وطفولة ابنتها. كانت طفلتها قوية، تعرف تماما متى تقول (لا) لأيّ أمر كان. كانت  ذكية لها شخصية مستقلة، تعلمت من ابنتها.

كما أن موت العجوز التي كانت ترسمها أيضا تسبب بنقلة نوعية في عواطفها ومشاعرها.

كان الرسم علاجا آخر لها، عبّرت عن كل ما بداخلها بكتابة رسائل لأفراد عائلتها وصديقتها دون حروف، كتبت لوالديها الراحلين، وكتبت لأختها، وكتبت لصديقتها  بخطوط وألوان، قررت من خلالها أن تتصالح مع نفسها، وسامحت كل من حولها.. وقررت أن لا تكون  عدوّة نفسها بعد اليوم .." لن أكون "أنا عدوّة أنا ".

أبدعت الكاتبة في إبراز مدى قوة طاقة التسامح في نفس الإنسان. فبعد أن تشافت  أغلقت الأبواب التي فتحتها، ووقفت بباب لم يفتح بعد، فقد بدأت حياة جديدة في بيت الطفولة، حيث عادت إلى بيت والديها ، واشترت باقي أجزاء البيت الكبير من الجيران، وفتحته مطعما، وجاليري من لوحات العجوز التي تبرعت بلوحاتها لها بعد موتها. وعاشت حياة هنيئة من أسرتها الصغيرة.

ولا شك أن الكاتبة  كما ذكرت في المقدمة متأثرة  بالأدب الروسي بشكل كبير، حتى أن من يقرأ روايتها يدرك ذلك لوحده.

رواية جميلة، لها مدلولات نفسية واجتماعية عميقة جدا تصلح لأن تكون مسلسلا تلفزيونيا.

وقال جميل السلحوت:

الأديبة ميسون أسدي أديبة فلسطينيّة، مولودة في دير الأسد في الجليل الأعلى، صدر لها عدّة مجموعات قصصيّة وروايات، وعشرات القصص الموجّهة للأطفال. تعمل الكاتبة ميسون الأسدي باحثة اجتماعية.

اسم الرّواية: جاء في الصفحة 127 من الرّواية على لسان بطلة الرّواية "فيتا" أنّها :" قرّرت أن تكتب رسالة لأفراد عائلتها الذين تركتهم بعيدا في مدينة خيرسون الأوكرانيّة. أرادت أن تكون رسائلهاعبارة عن لوحة فنّيّة، يختلط فيها الفنّ الواقعيّ بالسّرياليّ، رسالة تصالح فيها نفسها مع نفسها، وكأنّها تقول بحماسة شديدة:" لن أكون بعد اليوم أنا عدوّة أنا."

الواقعيّة الاشتراكيّة: من يطلّع على كتابات ميسون الأسدي سيجد أنّها كاتبة واقعيّة، تستمدّ مضامين قصصها ورواياتها من تجاربها وخبراتها العمليّة، مستفيدة من دراستها لعلم الاجتماع، وعملها كباحثة اجتماعيّة، وأديبتنا المولودة في قرية دير الأسد في الجليل استفادت من ثقافتها وتأثّرها بالأدباء السوفييت الذين أهدتهم روايتها؛ لأنّهم "تركوا أثرا وإرثا إبداعيّا في روحي" –حسب تعبيرها-. وهذا التّأثير الثّقافي جعلها تفصح عن مكنونها فتقول:" مع تطوّر وعيي، أصبحت أشعر بوضوح أنّني أنتمي لهذا الكون وليس إلى مكان محدّد." ص 5. وهذا يعني أنّ الكاتبة قد تخطّت حدود الانتماء القومي والدّيني إلى الانتماء الانسانيّ الأمميّ. 

وبهذا البوح فإنّني أعتقد أنّ الكاتبة وجدت لنفسها مبرّرا لكتابتها هذه الرّواية عن مهاجرة أوكرانيّة تركت مسقط رأسها، وهاجرت من بلادها ومسقط رأسها أوكرانيا إلى اسرائيل، ولما اكتشفت زيف الدّعاية الصّهيونيّة المضلّلة ما لبثت أن عادت إلى بلادها الأصليّة. وكذلك الأمر بالنّسبة لروايتها "تراحيل الأرمن" التي تتحدّث عن مأساة الأرمن وما تعرّضوا له من مذابح وترحيل جماعيّ على أيدي العثمانيّين.

وإذا ما عدنا إلى رواية "فيتا" التي نحن بصددها فإنّه يتأكّد لنا من جديد أنّ أديبتنا كاتبة واقعيّة تستمدّ مضامين كتاباتها من تجاربها الحياتيّة، فلوحة الغلاف والرّسومات الدّاخليّة بريشة "فيتا تانئيل-حيفا"، وبطلة الرّواية فنّانة تشكيليّة اسمها "فيتا" والكاتبة تعيش في حيفا أيضا، فهل روت لنا الكاتبة قصّة حقيقيّة لحياة فيتا الفنّانة صاحبة لوحة الغلاف والرّسومات الدّاخلية؟ وفي تقديري أنّ هذا ما حصل، مع أنّني لا أجزم بذلك.

و"فيتا" بطلة الرّواية ولدت في أوكرانيا من أب سكّير وأمّ مغلوبة على أمرها، وجذورها يهوديّة مع أنّها لم تتربّ على القيم اليهوديّة، عانت من وضع أسرتها الفقيرة، ومن علاقة غير سويّة مع والديها وشقيقها وشقيقتها، هاجرت إلى اسرائيل في بداية شبابها، بعد أن جرى تضليلها من قبل ناشطي الوكالة اليهوديّة، سكنت حيفا والتحقت بمعهد لدراسة الفنّ التشكيليّ، عانت كثيرا في حياها، ارتبطت بعلاقة مع شابّ عربيّ، ما لبث أن تزوّجها، وأنجبت منه واعتنقت الدّيانة الاسلاميّة ليجنّبا أبناءهما الخدمة في الجيش الاسرائيليّ. ومن ضمن ما عملته هو أنّها قامت برسم سيّدة ترقد في مستشفى مقابل أجرة مُرضية، لتكتشف أن صور اللوحات المعلّقة في ردهات القسم الذي ترقد فيها المرأة العجوز كانت هديّة من تلك السّيدة العجوز، والتي توفّيت قبل أن تنهي "فيتا" رسمتها، ولتترك تلك السيّدة أجرة الفنانة في مغلّف مع وصيّة لها تهبها فيها اللوحات الفنّيّة التي كانت تجمعها وتحتفظ بها في خزانة مغلقة في بيتها. ولا تلبث الفنّانة أن تعود بصحبة زوجها وابنتها إلى مسقط رأسها حاملة معها اللوحات الفنّيّة، لتعيد ترميم بيت أسرتها الذي ولدت فيه، وترتّب حياتها من جديد.

ويلاحظ القارئ لهذه الرّواية أنّ كاتبتنا تتحلّى بثقافة فنّية تشكيليّة بائنة، يظهر ذلك جليّا من خلال الكثير من الأسماء لفنّانين عالميّين مثل دافنشي وسالي وغيرهما، والكثير من أسماء اللوحات الفنّيّة العالمية وبعض القصص الفنّية. ولا أعلم إن كانت الكاتبة نفسها تمارس الرّسم التّشكيليّ أم لا.

البناء الفنّي: قامت الكاتبة بسرد روائيّ متسلسل لحكاية روايتها بلغة فصيحة لا ينقصها عنصر التّشويق، وكانت تغوص في نفسيّات شخوص روايتها بصورة مقنعة للمتلقّي.

وكتبت رفيقة عثمان:

 تتلخَّص هذه الرواية، حول فتاة روسيَّة، أبوها من أصل يهودي، سكنت جنوب أوكرانيا في مدينة "خيرسون"، عاشت هذه الفتاة في أسرة فقيرة جدَا، لأب سكِّير باسم سلافا، وسط علاقات اجتماعيَّة محدودة، قدمت لإسرائيل كمهاجرة، طمعًا في تحسين معيشتها الماديَّة، وتعرَفت على شاب عربي، تزوّجته، وأنجبت منه طفلة.

اكتشفت ذات يوم بأنها تعاني من متلازمة " أسبرغر"، Asperger-  قادمة جديدة للبلاد، وربحت أموالا، أعانت أسرتها، وعادت الى موطنها مع زوجها العربي وابنتهما، بعد شراء بيت أهلها القديم، حيث تصالحت مع نفسها ومع أقربائها.

  يبدو أنَّ الكاتبة تأثَّرت بالأدب الروسي، خاصَّة عند استخدامها لأسماء أبطال روايتها، والأماكن المذكورة تكرارًا؛ كما أشارت الكاتبة في مقدّمة الرواية، وتأثرها بقراءة قصص وروايات روسيَّة، لأدباء روس مشهورين؛ طامحة أن تحذو حذوهم في المستقبل.

الرواية عبارة عن سرد لمذكَّرات شابَّة روسيَّة، باسم فيتا- كما يبدو بأنّها صديقة الكاتبة، وصدف أن التقت أفكار الكاتبة مع مضمون حياة الفتاة فيتا الفنَّانة، وهي أيضا رسمت غلاف رواية الكاتبة؛ رسمة الغلاف لوحة لامرأة ذات تعابير حزينة، واسم اللوحة الأرملة، ربَّما كان اختيار اللوحة الحزينة لامرأة أرملة؛ لتعبّر عن الحياة القاسية التي عاشتها فيتا وعائلتها، ومن الممكن أن تكون رمزًا لشخصيَّة والدة فيتا بعد وفاة زوجها. كما وأطلقت الكاتبة اسم الرواية على اسم الفتاة التي عرفتها " فيتا "Veta-.

 سمَّت الكاتبة اسم الرواية "أنا عدوَّة أنا"، لغويّا من المفضَّل أن تقول: "انا عدوَّة نفسي"، ربَّما قصدت الكاتبة، أن تتحدَّث بلهجة أجنبيَّة، غير متقنة كما تلفظ فيتا اللغة العربيَّة؛ كما ورد صفحة 117 " ذرفت كل مآقيها. فقد أيقنت أنّه لا يوجد لها أعداء سوى نفسها. نظرت إلى المرآة وصرخت: "أنا عدوَّة أنا".

الأسلوب الفني السردي الذي استخدمته الكاتبة، الفلاش باك- Flesh Back. حيث روت الكاتبة السيرة الذاتيَّة من خلال استثارتها من بعض المثيرات الخارجيَّة، مثل: مشاهدتها لفتاة مصابة بالمستشفى، وتبيَّن لها بأنَّها محاولة انتحار، كذلك من خلال تربية ابنتها بعد الولادة ممّا استثار تفكيرها وخيالها نحو طفولتها السيِّئة؛ وحثّها على السرد، تحلَّى الأسلوب بجماليَّة في السرد غير المباشر.

طغت العاطفة الحزينة على الرواية، خاصَّة، لوصف الاضطرابات النفسيّة، والسلوكيَّة التي عانتها البطلة فيتا، وما عانته من عدم ثبات واستقرار في الشخصيّة، شخصيَّة تكاد تكون مهزوزة، عدم الثقة بالنفس، تقدير متدنٍ للذات، علاقات غير وثيقة مع الآخرين حتَّى أقرب الناس إليها، والتذبذب في الهويَّة الشخصيَّة.

 تتطابق حالة البطلة فيتا، من اضطرابات نفسيّة وسلوكيّات، مع حالة متلازمة أسبرغر؛ "التي يتَّصف المصاب بها بالكآبة والحزن الشديدين، وصعوبة التكيُّف في أوضاع اجتماعيّة، مع صعوبة فهم الآخرين، ويشعرون بالانعزاليّة والوحدة في المجتمع، ويُظهرون مشاعر غضب قويّة، ويتّصفون بأنَ لديهم صعوبات في التعلُّم، وتزداد صعوبة التكيُّف الاجتماعي والسلوكي لديهم عند البلوغ".

ماذا هي رسالة الكاتبة في الرواية؟

للوهلة الأولى يظن القارئ بأن الكاتبة اهتمّت في عرض صورة لحياة الفقر لشريحة من المجتمع الروسي، كما عرفتها الكاتبة أثناء وجودها هناك، ربّما قصدت الكاتبة لتعريف القرَّاء علة كيفيَّة الهجرة اليهوديَّة من بلاد الغرب، وكيفيّة تأقلم وتكيّف القادمين الجدد في اسرائيل مع توضيح معاناتهم في المجتمع الإسرائيلي؛ إلا أن الصفحات الأخيرة أوضحت عن اكتشاف الفتاة لنفسها بإصابتها بمتلازمة "آسبرغر- "Asperger – ممّا جعل الأمر ملتبسا، ولفت الانتباه الى المتلازمة، وليس ككونها قادمة جديدة.

خلاصة الموضوع، بأنّ الكاتبة لم تتوسّع بالرواية، حول الحضارة الروسيّة، ولم تسرد أحداثا غريبة عن حضارة الشرق، والتأثّر بالأدب الروسي، لم يكن مطابقا من حيث المضمون، بل من حيث التسميات والأماكن فقظ. الرواية لم تضف جديدا للقارئ.

تكاد تخلو الرواية من الخيال، والحبكة، العنصران الهامّان في كتابة الروايات والقصص.

ورد في الرواية عدد لا بأس به من الأخطاء اللغويّة والنحويّة، حبّذا لو تمّت مراجعتها.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

تتطرّق الكاتبة ميسون أسدي في روايتها إلى موضوع الهجرة من روسيا إلى فلسطين المحتلة، وتشجيع الهجرات اليهودية إلى البلاد من خلال الوكالة اليهوديّة التي تبث الأمل بغد مشرق، وبعمل غسيل دماغ في شرحهم عن أرض الميعاد كأنّها جنّة عدن، كما وأنّها تُسلط الضوء على العلاقة الأُسرية الجافة بين الأفراد، فعلاقة فيتا بوالدها لا تتعدى السؤال العام عن حاله وسؤاله عن دراستها، وبسبب هذا الجفاف، وعدم وجود الحوار بين الأفراد، فإنّ ذلك شكل إحراجا لها في عدم مصارحة الوالدين عن سرقة عقدها الفضي من قبل زميلاتها في المدرسة .

بطلة الرّوايّة" فيتا" شخصيّة غير عاديّة بصفاتها غير المتزنة ونفسيتها غير المستقرة، فهي هاربة من الفقر من أوكرانيا، وتعاني من ضعف الشخصيّة وعدم مواجهة الواقع، وظروفها الإجتماعيّة، حيث الأب الثمل والفقر المدقع، فكلّ ذلك يسبب لها الخجل والإحراج، فهي تكره اسمها واسم عائلتها بسبب عدم انتشار اسمها في روسيا كباقي الأسماء المعروفة، وكذلك اسم العائلة غير المعروف.

تشعر "فيتا" بعدم الثّقة بالنفس والإيمان بقدراتها، لذا تشعر بأنّها أقل قيمة من غيرها ويراودها الشّعور بالنقص كثيرا رغم أنّها تمتلك القدرات، وهي طالبة ناجحة وحصلت على  منحة امتياز ماديّة من قبل كليّة الفنون، إلاّ أنّها ما زالت تشعر بالإحباط.

"فيتا"، شخصيّة غير متزنة نفسيا فهي تعاني من الوساوس النفسيّة وجلد الذّات فهي مصابة بمرض متلازمة"أسبرجر"، وهذا المرض ينطبق عليها إذ أنّه يعني وجود صعوبات كبيرة في تفاعل المريض إجتماعيا مع الآخرين، وكذلك هي فيتا لا تستطيع الحديث مطولا بالهاتف، وعندما تفكر ترى صورا وهي كما لاحظت المريضة في المشفى( سارة كوهين) أنّها سجينة نفسها وأفكارها، وأيضا  تربط مرض "الهربيس" نتيجة عدم بوحها لمشاعرها سواء الغضب أو الفرح، فالكبت النفسي يؤثر على النفس ولذا هي تصاب بهذه العلة عدة مرات بالسّنة.

قسّمت الكاتبة الرّواية إلى أبواب عدّة وفي الباب المشارف على النهاية "باب المراسلات"قامت الكاتبة بتحرير الشخصيّة من الغضب المخزون في العقل الباطني لتتنفس سلامة العقل الواعي من خلال إدراكها  بمصالحة نفسها، فهي لن" تكون أنا عدوة أنا". فمن خلال رسائلها لوالدها ،أُمها، أُختها وصديقتها نلاحظ أنّ هدف الرّواية التي تصبو إليه الكاتبة في عدم الكبت والبوح بما يجري لنا، فقوة التفكير السلبي يؤثر علينا ونتائجه سلبيّة، وعلينا التماس العذر لظروف قاسيّة يمر بها الآخرون، وعدم الوقوع فريسة لذكريات مؤلمة بل علينا إراحة النفس بين فترة وأُخرى بالتنزه. كما علينا الإيمان بقدراتنا. وأن لكلّ شخص طريقته في التّفكير، وعلينا أن نتحدث ونعبّر ونعترض .

يمكن اعتبار الروايّة كسيرة ذاتيّة عن شخصيّة وحياة فيتا، وقد كانت أغلب الشّخصيّات نسائيّة . جاء العنوان ملائما للمضمون حيث أنّ فيتا كانت عدّوة نفسها.وقد جاء السّرد بشكل هادئ على وتيرة واحدة، لا يعتريه عواصف الشخصيات إلا عاصفة الغضب من قبل "فيتا" نوعا ما.

وكتبت نزهة أبو غوش:

نزهة أبو غوش:

نفسية امرأة: عندما قرأت رواية فيتا، أحببت أن أُصنّف الرّواية تحت أيّ مسوّغ يمكّنني أن أتحاور به، وأُناقشه، من خلال شخصيّة الرّواية الرّئيسيّة فيتا؛ فوجدت بأنّ الحالة النّفسيّة الّتي رافقت شخصيّة الرّواية حتّى نهايتها، بحاجة إِلى تحليل ومناقشة.

فقد تشابكت عدّة خيوط، واندمجت عدّة عناصر في بناء شخصيّة المرأة  فيتا، وصقلت شخصيّتها.  يرى أخصّائيو علم النّفس بأنّ الحياة الّتي يعيشها الطّفل في صغره لها الأثر الأكبر في بناء شخصيّته. لم تحيَ فيتا حياة طفوليّة سعيدة في مدينة (خيرسون) موطنها الأصلي، جنوب أوكرانيا.  حياة الفقر المدقع الّذي كانت تحياه عائلة فيتا، وسط بيئة فقيرة معدومة، ينقصها الكثير من مقوّمات الحياة المحترمة؛ ممّا كان له الأثر الكبير في شعورها بالخجل، والتّردّد. شعرت فيتا دائما بالخجل؛ بسبب اسم عائلتها- تنئيل- حيث يظهر هذا الاسم بأنّ أُصولها يهوديّة، وهذا الاسم غريب ومستهجن وسط البيئة الّتي تعيش بها في روسيا.

إِن تصرّفات والد فيتا- سلافا- غير السّويّة، حيث الادمان على شرب الكحول، حتّى السّكر وفقدان القوّة للعطاء لأُسرته، جعلت من فيتا طفلة خائفة فقدت الأمان، بعد أن كان والدها هو قدوتها في حياتها. لقد تولّد من الخوف الّذي تأصّل في داخلها شعور آخر جديد، ألا وهو الكراهية. نعم لقد أصبحت فيتا بعيدة عن والدها، وربّما تكرهه، كما لا تتقرّب من والدتها؛ لأنّها امرأة سلبيّة في نظرها، حيث لم تردّ على أيّ رسالة من رسائلها زمن غربتها عن مدينة خيرسون.

إِنّ الغيرة الّتي بدت على  سفيتا الأُخت أثّرت على فيتا تأثيرا سلبيّا بشكل مباشر إِثر تصرّفاتها غير الطبيعيّة في البيت؛ حيث كانت تكسر الزّجاج وترميه بالأرض، كما أنّها احتلّت بيت الأُسرة مع زوجها وأبنائها وخلقت جوّا خانقا في الأُسرة، لضيق مساحة البيت أيضا. كانت الأُخت توهم فيتا بأنّها كانت ترعاها في صغرها. كلّ هذه الأُمور جعلت من فيتا امرأة غير واثقة بنفسها، لا تشعر بالانتماء لأيّ فئة، حتّى أنّ فنّها الّذي أبدعت به، وهو الرّسم، لم تكن واثقة ولا مرّة بأنّها الأفضل، بل على العكس تماما، كانت تشعر بالإحباط  وشعرت دائما بأنّها أقلّ قيمة من الآخرين، رغم علاماتها المتميّزة في كليّة الفنون.

عندما هاجرت فيتا إِلى اسرائيل اثر تضليل الوكالة اليهوديّة في أوكرانيا لكلّ من له صلة بالأصول اليهوديّة. اعتقدت فيتا بأنّها ستحقّق طموحاتها بعد الهجرة، وتبني نفسها من جديد؛ لكنّنا نكتشف بأنّ شخصيّتها قد تضعضعت، وأصبحت امرأة هشّة من النّاحية النّفسيّة، حيث اكتشفت ما لا تتوقّعه عن أرض الحليب والعسل. توتّرت أعصابها وتشتّتت أفكارها حين رأت العنصريّة والتّفرقة بين العربي واليهودي، الشّيء الّذي لم تره أبدا في الاتحاد السوفييتي، الانسان هو انسان مهما كانت قوميته، ودينه، ولونه... اكتشفت الغلاء وحاجتها للعمل كالآلة، قالت لزوجها صفحة 97" إِنّ الحياة الّتي نحياها ليست ملائمة لنا"..." الكلّ يطالب بقواك الجسمانيّة، وأمّا قواك الرّوحيّة فلا أحد يحتاجها" لذلك شعرت بأنّ وقتها ضائع سدى، لم تشعر بالانتماء، حتّى لأيّ شيء. وصلت بها الأُمور درجة الانتحار، لكنّها عدلت؛ كي لا يقال عنها بأنّها ضعيفة.

الحالة النّفسيّة

حدثت تطوّرات على نفسية فيتا في اسرائيل، وخاصّة بعد ولادتها ابنتها كاميليا، وشعورها بالخوف بأن لا تكون أُمًّا صالحة، وقد ازداد الأمر سوءا بعد حملها بتوأم من الذّكور، وشعورها بالارتياح بعد وفاتهما.كان هذا نوعا غريبا من الشّعور. تعلّق فيتا بحياة الآخرين وتأثّرها بأطفال كمبوديا مثلا، وعدم تناولها الطّعام تضامنًا معهم، وبكاؤها بشكل متواصل دون داع لذلك؛ كان سلوكا غريبا ينمّ عن اصابة المرأة بمرض نفسيّ، حتّى أنّها شخّصت مرضها بمرض" سبيرغر" وذهبت للطبيب النّفسي، وانعكس مرضها النّفسي على صحّتها الجسديّة، الجلد والأسنان.

في نهاية الرّواية نرى كيف تطوّرت شخصيّة فيتا من امرأة مريضة، إِلى امرأة معطاءة، ترسم  قصص الأطفال، تربح المبالغ وترحل لبلدها الأصلي مع زوجها العربي وابنتها، وتعمّر بيوت الأجداد، وتغفر لوالديها وتشعر تجاههما بالنّدم  لتركها لهم.  كذلك رسالتها الوديّة لأُختها وصديقتها من خلال الرّسائل في نهاية الرّواية نشعر بأنّ هذا التّغيير المفاجئ أحدث انقلابا في شخصيّة الرّواية فيتا، ولم يكن متوقّعا، ولم يمهّد له مسبقا.

وقالت هدى خوجا:

   لوحة الغلاف تمثّل الحزن والأسى والانكسار والانهزام والألم، بلون أسود ودمعة تبرز الحزن واللوعة والفاجعة.

والفهرس في نهاية الرّواية احتوى على الإهداء توطئة شخوص الرواية باب: المستشفى والبوابة  والبيتوالتميز والرسامة والهجرة والخزانة المظلمة والمراسلات والباب الذي لم يفتح بعد.

بدأت باب البوابة"أحبّوا أعداءكم" إنجيل لوقا، حيث نجد أن جميع الدّيانات والفلسفة والأيدلوجيات تدعو إلى المحبة.  تطرقت الرّواية في البداية إلى مدينة خيرسون"وهي إحدى المدن الهامة في جنوب أوكرانيا. وهي عاصمة مقاطعة خيرسون. وتعد ميناء هاما على البحر الأسود ونهر الدنيبر"

فيتا تلك الفتاة الجميلة! طويلة القامة، جميلة المنظر، أنيقة المظهر، شعرها الأشقر ناعم ، تربطه أحيانا وتسدله أحيانا أخرى، تطوف على سحنتها موجة من الحزن العميق، عيناها زرقاوان تلمعان ببريق جميل ولو أنه بارد، أنفها طويل، يمكنك أن تميزّها عن سائر الفتيات الرّوسيات بأنها يهودية المنبت." ص16

فيتا فنانة ورسّامة  مثقفة؛ ولكنها لا تعي تفوّق قدرتها، وموهبتها ينقصها الثّقة  العالية بالذّات.

تطرّقت الرّواية لعدّة لوحات لفنانين رسامين عالميين منهم فان كوخ ولوحته بعنوان " آكلوا البطاطا"، لوحة  لسلفادور دالي " إصرار الذّاكرة" ولوحة بيكاسو " "المرأة الباكية".

وتتشعّب الرّواية بين فيتا والحزن والأسى وحيفا وخيرسون ، وفيتا بالمستشفى مع العجوزتتفاجأ بوصول فتاة حاولت الانتحار ولكن كيف؟ ولماذا؟ أسئلة تتشابك في ذهن فيتا.

وفجأة تتعرف من خلال الممرضة بأنها حاولت قطع شرايين يديها بالشّفرة.

وتقول فيتا لا أصدق أن أحدا ينتحر لهذا السّبب التافه" يقولون أن حبيبها هجرها".

فيتا مطيعة وتلتزم بكل ما يقوله أفراد العائلة بعكس أختها  سفيتا.

فيتا تفكر بطريقة مختلفة، وتتصرف كفتى، لا تحب وصفها بالفتاة الجميلة ؛ ليقودها ذلك للاحباط والكآبة، حيث عملت مع والدها في  نكش الأرض وقيادة التراكتور الزّراعي، واكتساب صفات  القوّة كالرّجال.

نضجت مشاعر فيتا، ولكن مشاعر الخوف تطغى عليها دوما، الوالدة آنا امرأة هادئة كأنها خرساء؟ عاشت فيتا في طفولتها الفقر والبؤس، ففي ليلة العوز "أكلت العائلة أشياء غريبة، ولكن فيتا رفضت أن تأكل ما يأكلون."

" قدمت آنا الحساء وعام على سطح الطنجرة صرصار كبير. أخرجت آنا الصرصار على مرآى من أفراد العائلة "، سكبت لهم الطعام، فيتا هي الوحيدة التي رفضت تناول الطعام، شعرت بحاجة للتقيؤ، وسبّب هذا الحدث عقدة لها بحيث تفحص أيّ طعام قبل تناوله.ص43

رفضت فيتا واقعها بقوة وكأنها تقول :" لا، لا لن أبقى هنا"..وهل تكتمل اللوحة في حيفا، أم تتوقف الذكريات؟

اكتشفت معلمة الصف الأول موهبة فيتا، وتحدثت مع والدتها لصقل موهبة الرسم، وحاولت الأمّ رغم ضحالة الأموال أن تدخل فيتا لمعهد تعلم الرسم ، حيث تعلّمت أكثر أنواع الرّسم بأنواعه المختلفة، فيتا لم تشعر يوما أنها ابنة تلك العائلة، ولكنها كانت تؤمن بأنها ابنة متبناه لعائلتها؛ لأنها مختلفة بتفكيرها وآرائها وأحلامها وطلباتها، ولكن رغم الفقر كانت تحاول العائلة التّنزه بإمكانيات بسيطة  كالسّفر إلى نهر الدنيبر والحدائق العامة والسّينما.

 فيتا كانت تشعر كأنها مقيدّة وسجينة داخل مجتمع  ترفضه كليا، ولكن هل ستذهب للعيش بجنة عدن؟ إنّها أحلام بالية وكذب وافتراء تقع به فيتا، لقد بدأ مشوار الاستغلال بالعمل لأنّها لا تعرف العبرية، وفكرت عدة مرات بالانتحار، ولكنها اعترفت بأن الانتحار حالة من الجبن.

 لا يوجد عند فيتا انتماء للعرب أو لليهود أو للروس. فهي ليست هنا أو هناك،

بالرّغم من زواجها من شاب عربي مسلم واشهارها الاسلام على الأوراق الرّسمية.

وهل سترافق ثلاث صفات فيتا وأيّهما ستتخلى عنها؟ الخوف أم الخجل أم الفقر أم عدم الانتماء، والذّكريات تتراكم وتتراجع مع ابنة فيتا كاميلا، وهل سيتحوّل الحلم  لحقيقة.

كانت كلمات الرواية بسيطة، ولكن حبذا لو لم يتم تلخيص بعض الأحداث في البداية لعدم تقليل الحبكة والعمق. حبذا لو كانت النهاية مفتوحة للقارئ، مثل هل ستعود فيتا إلى موطنها خيرسون في أوكرانيا. وهل تلك الأحلام ستتحول لحقيقة؟ وكاميلا واختلاف الشخصيّة مع والدتها فيتا، واقع وأحلام إلى أين وكيف ولماذا مع فيتا!

وسوم: العدد 763