إلياذة محرم=5/5

 هذه "فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ"، أقصر قصائد الإلياذة الإسلامية (ديوان مجد الإسلام)، ذات الستة الأبيات الخفيفية الوزن الوافية الصحيحة العروض والضرب، الرائية القافية المفتوحة المردفة بواو المد أو يائه الموصولة بالألف:

"وَدَعَا الْأَرْقَمُ اسْتَجِبْ تِلْكَ دَارِي تَسَعُ الدِّينَ مُحْرَجًا مَحْصُورَا

وَافِهَا وَاجْمَعِ الْمُصَلِّينَ فِيهَا عُصْبَةً إِنْ أَرَدْتَ أَوْ جُمْهُورَا

وَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيَخْتَارُ دِينَهُ الْمَأْثُورَا

قَالَ كَلَّا لَنْ يُعْبَدَ اللهُ سِرًّا وَيُرَى نُورُ دِينِهِ مَسْتُورَا

اُخْرُجُوا فِي حِمَى الْكِتَابِ أُسُودًا وَاطْلُعُوا فِي سَنَا النَّبِيِّ بُدُورَا

ذَلِكُمْ بَيْتُكُمْ فَصَلُّوا وَطُوفُوا لَا تَخَافُنَّ مُشْرِكًا أَوْ كَفُورَا"، محرم: 19.

وهذه ستة أبيات كتلك، من أول "غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ"، أطول قصائد الكتاب نفسه، ذات الخمسة والأربعين والمئة البيت الكاملي الوزن التام الصحيح العروض والضرب، الميمي القافية المضمومة المجردة الموصولة بالواو:

مِنْكَ الْحَنِينُ وَمِنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ لَوْ يَسْتَطِيعُ أَتَاكَ لَا يَتَلَوَّمُ

اَلْبَيْتُ أَنْتَ بِهِ أَحَقُّ وَإِنْ أَبَى مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ جَاهِلٌ لَا يَعْلَمُ

مَا أَصْدَقَ الرُّؤْيَا وَأَقْرَبَ حِينَهَا فَاصْبِرْ عَلَى ثِقَةٍ وَرَبُّكَ أَكْرَمُ

إِنْ يَخْلُ مِنْهَا الْيَوْمُ فَالْغَدُ بَعْدَهُ بِالْخَيْرِ وَالرِّضْوَانِ مِنْهَا مُفْعَمُ

سِرْ يَا رَسُولَ اللهِ جُنْدُكَ بَاسِلٌ وَقُوَاكَ مُحْصَدَةٌ وَرَأْيُكَ مُحْكَمُ

آثَرْتَ رَبَّكَ وَحْدَهُ لَا تَشْتَكِي فِيهِ مِنَ الْأَهْوَالِ مَا تَتَجَشَّمُ"، محرم: 203-210.

ولا يخفى ما فيهما من طلاقة حفيٍّ بالحكي وسلاسة خبيرٍ بالنظم.

نعم؛ فأما حفاوته بالحكي ففي اختيار الأحداث وتنسيق بعضها على بعض واصطناع الحوار ودقة توزيعه على أطرافه، حتى إنه كان إذا لم يجد غير طرف واحد نصب له من نفسه طرفا آخر يحاوره حوار صاحبه الذي لم يتخلف عنه قط. ولا يخلو من مراعاة ذلك اتصالُ الأحداث القائمة بأحداث سابقة ولاحقة اتصال حلقات السلسلة الواحدة، يتذكرها من يعرفها، ويتخيلها من يجهلها، ولاسيما أن يقترن مطلع القصيدة الأولى بواو عطف ليس فيها قبلها ما تعطف عليه!

وأما خبرته بالنظم ففي المزاوجة بين الكلمات والتعبيرات، بحيث يجاوب بعضها بعضا، لتمتلئ بها أشطار الأبيات من غير إفراط ولا تفريط، ولاسيما كلمات أواخرها التي تُتوِّجها. فإن كان من شبهة في استدعاء "مَحْصُورَا" في الأولى لـ"مُحْرَجًا "، و"كَفُورَا" لـ"مُشْرِكًا"، و"لَا يَعْلَمُ" في الثانية لـ"جَاهِلٌ"- فَنَّدَها ما في الحَصْر من إحاطة خارجية تنضاف إلى ما في الحَرَج من ضيق داخلي، وما في الكُفْر من جُحود ينضاف إلى ما في الإشراك من ضلال، وما في عدم العلم من فِقدان ينضاف إلى ما في الجهل من طَيش.

وسوم: العدد 771