صـدور الملحمـة الشعريـة النبويـة "الـدُّر المنظـوم فـي الرَّحيـق المختـوم"

صـدور الملحمـة الشعريـة النبويـة "الـدُّر المنظـوم فـي الرَّحيـق المختـوم"

للشاعـر عبـد الرحمـن عبـد الوافـي

clip_image002_7dab2.jpg

إذا كان عبد الرحمن الجزائري (بن محمد بن حجر الحسيني) قد خلَّد حبه للنبي الكريم بقصيدة "الدر المنظوم في نصرة النبي المعصوم"، فإن عبد الرحمن المغربي (عبد الوافي الفكيكي) نهج النهج نفسَه، ولكن بملحمة شعرية بلغ تعداد أبياتها ثلاثة آلاف (3000) بيت، غطت ديوانا كاملا من ثلاثمائة (300) صفحة من الحجم المتوسط، سماه "الدر المنظوم في الرحيق المختوم". (مطبعة صناعة الكتاب، ط1، 2018)؛ وبهذا يلتقي الشاعران على درب الوفاء للحب النبوي مع كثير من الشعراء المغاربة والأندلسيِّين الذين برَّزوا في هذا الباب، بما فتئوا يسطّرونه فنيا من أجمل مشاعر المحبة النبوية الجليلة على مدى التاريخ، مستندين في ذلك إلى انتماء أثيل يعود بالقربى الفنية إلى أوائل الصحابة الشعراء أنفسهم، وعلى رأسهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير، ثم إلى ما امتدت إليه تلك المحبة الخالِصة الخاصَّة، قديما مع أمثال البوصيري والحَموي وابن نُباتة ومالك بن المرحل وغيرهم، وحديثا كذلك مع أمثال البارودي وشوقي ومُحرَّم وغيرهم، وانتهاء بملحمة شعرية مغربية حديثة أخرى في ثلاثة أجزاء، هي ملحمة "على النهج" لإسماعيل زويريق.

نظم د. عبد الرحمن عبد الوافي مطوَّلته الملحمية الدرامية الغنائية – كما يصفها د. مصطفى رمضاني في تقديمه للديوان - كلَّها في سنة 2008، حيث استغرقت صبحه ومساءه استغراقا تاما، معتمدا في أحداثها التاريخية على كتاب السيرة: "الرحيق المختوم" لصفي الرحمن المُباركفوري المشار إليه في عنوان الديوان، وقسمها – مستلهما فن الحلقة المسرحيّ الشعبي المغربي - إلى أربع حلقات: حلقات مكة، فحلقات المدينة، فحلقات الغزوات، ثم الحلقات الأخيرة، وذلك على لسان مدَّاح ديِّنٍ محبوب في الستين من عمره، حبسَ مدحَه - بعد الرسوم الدانماركية المسيئة - على النبي الكريم وحدَه، وهو في إحدى حلقات ممالك الحكي والإنشاد بساحة "جامع الفنا" بمراكش الحمراء، (حلْقة الربح، واللي صلَّى على النبي يربح)، وإزاءه جوقتان ترددان خلفه، وتعقّبان عليه، وجمهورٌ متحلق متفاعل يُلهب حماسة حكيِه بالصلاة والتسليم المستمرين على الرسول الكريم... وهكذا يشرع المداح المجذوب الذي لا يريد على مدحه إلا الشفاعة الحسناء، فلا ثناء ولا جمع دراهم من الحاضرين على عادة أهل الحلقة المتكسبين، في التغني المسحور بالمحبة على وقع الضرب على بندير مسخَّن، والتلويح تمثيلا للأحداث بعصاه:

يا قلبُ خُذ مِزماركَ المعلُومَـا   واملأْ به سَمْعَ الدُّنَى تَنغيمَـا تَنغيمَ ذِكرٍ لا يزالُ رخيمَـا   بِمحمدٍ خيرِ الوَرى تَعميمَـا   صلوا عليه وسلموا تسليمَـا  

وعلى وزان هذه الخماسية تنهمر خماسيات القصيدة المطوَّلة انهمار سيل الحكيِ الجارف بدءًا بمولده صلى الله عليه وسلم، وختما بالوداع، مع ربط أحداث السيرة المكرمة بواقع الأمة الإسلامية المعيش اليوم، بنفس اللازمة المناسبة التي لا تُمل: "صلوا عليه وسلموا تسليمَـا"، بانسيابية موسيقية عذبة يوفرها بحر الكامل الذي يتيح بتنويعاته التنغيمية الداخلية كثيرا من التطويع والليونة، علاوة على تعدد القوافي، والتمكن من الغنى اللغوي الكافي لخوض عباب التجربة المطولة.

وما أنسب أن نختم هذا التقديم بما ذكره الشاعر في تمهيده لديوانه: "... إلا أن أسبابا ذاتية، وأخرى موضوعية جعلتني [...] أضيق ذرعًا بالشعر الحزبي، وأتوق إلى ارتياد غيره من فضاءات الإبداع الشعري، وما أكثرها! وما أرحبها! وقد كان للسيرة النبوية – والحق يقال – اليد الطولَى في تحقيق توقي الأبديِّ هذا. [... و] الواقع أنني سعيد بهذا الديوان، لم لا وهو يتعلق بسيرة سيد الخَلق محمد رسول الله، مُخرجِ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومعلمِهم الخير، وصاحبِ الشفاعة الكبرى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟"

وسوم: العدد 799