دمعة رضا.. (بين السرد والمقالة)

clip_image002_b193f.jpg

القصص كثيرة، مثل هذه النوعية المُوجعة والمُفجعة في آنٍ، ولكن ما حال من يكون ضمناً منها؛ فالحكايات المسموعة تختلف عن مثيلاتها القريبة في حياتنا اليومية، والمُرتهنة بالقدر المحتوم!

نعم، قد يقول البعض بأنه: يصعب على الإنسان كتابة نفسه، إلا بشعورية محدودة.. وحينما يُغلفها بلسان الآخر والبُعد عن الذات بالتشبيه يكون أكثر واقعيةً وتأثيراً على المُحيط..

ولربما تكون الحتمية/ التنصل هُنا وارد، إما للخجل، أو الإفراط بالمضمون، والحالة، أو التفريط بشواهدها، أو من الصعب رؤية كل الوقائع، واستشعار كل الدوافع لأن محدوديتنا قليلة، وعند خالقنا جُل الأمور..

ما يستشعر النفس بالراحة، هو أنك تكتب ما يختلجها بها من فرحٍ أو سرورٍ، كيما تسترد عافية الرحمة من جديد، وتنطلق بعدها بشفاه البهجة، أو آهات الوجع!

كالمعتاد عند كل وصولٍ بأهله الأحياء أن يقوم بزيارتهم، والسؤال عنهم، والاتصال بهم.. ولكن كيف بمن رحلوا، وقد تهشمت أطيان قُبورهم حتى من الدعاء؟!

على كلِّ حالٍّ، في زيارة الأقارب تُسترد الأتارب، وتذهب النوائب، وتغفر الشوائب..

دخلت عصر يوم أمس الخميس المقبرة، وبيدي اليُمنى باقة من أزهار السبع المثاني، وأُخرياتها من زيزفون التوحيد، وماء الورد يتصبب من أقاحي ساكن المدينة، ولذكره صلوا عليه..

فرحت أُطالع الشواهد، وأُضمد الروائد، وإذا بشابٍ وسيمٍ يتجه نحوي بالسلام، وعلامات الصلاح تشعُّ من مُحياه، وطريقة ترحيبه بلهجتنا الحساوية:

!"السلام عليكم؛ وأخبارك؛ وشلونك والأهل"

فرددت عليه التحية بالمثل، وفي داخلي استفهام، من هذا، ولعله شبه عليَّ!!

تبسم هذا الفتى بابتسامةٍ كالجوري وقال:

"كأنك ما عرفتنيه"

فأجبته: (بصراحة وجهك مُريح، وملامحك موب غريبة عليّه، بس الكبر شين يا ولد أهليه)!

حينها تأوه، وخبت ابتسامته وراء الغيم، وراح يسرد:

 "ما تذكر ابويه اللي كان يوصيني بأن أدفنه جنب قبر جدتيه الحجية وخالتيه، جوار قبر أبوك وجدتك"؟!

 فقلت: "بس، بس تذكرتك..

أيش دعوه أنا أعرف أبوك من ثمان طعش سنة..

أخبارك، وشلون الأهل، والجماعة..

توني شايف الوالد الله يحفظه قبل أسبوع اهنه، وهوه جاي يزور الحجية قبل ما يطلع يسوي رياضة"!

فاسترد ابتسامته مرةً أُخرى، ولونها باحتقان الإجابة كالغروب:

"إيه.. قبل ثلاثة أيام انتهينا من ختمة فاتحته وعزاه"..

حينها حار الكلام في لساني، ولم يتبقى من المشهد إلا نظرات الدهشة، وحسرات الفراق!

..  تمام المشهد في خُطواتي المُثقلة، وتساؤلاتي المُتسربلة للذكرى..

إلى أن وقفت على خاتمة أمي وأبي (رحمهما الله)، وأنا أنظر لأيتام هذا الراحل الأربعة عند قبر جدتهم، وأنامل صغرهم تخط على التُراب معاني الرحيل..

وباقي الرواية قابلة عندك بالإكمال والاستنطاق..

فالرحمة والبركات إليك يا حاج: فهمي بن حسن الغانم..

وسوم: العدد 812