قراءة في ثلاث قصص أطفال لجميل السلحوت

clip_image002_d4fad.jpg

clip_image004_73731.jpg

clip_image006_3309d.jpg

القصص الثلاثة من منشورات الياحور عام 2019 في ابو ديس- القدس.

تتنوّع كتابات الأديب جميل السّلحوت: فمن فنّ الرواية، إلى روايات اليافعين، إلى القصص المخصّصة للأطفال، إلى المقالات السياسيّة والاجتماعيّة العديدة التي ينشرها بغزارة وبتتابع ونفس طويل. يخاطب الشيخ جميل السلحوت قرّاءة باقتدار، كلّ حسب عمره وثقافته واهتماماته، لكن القاسم المشترك لجميع كتاباته هي العفويّة واللغة البسيطة القريبة من اللغة المحكيّة، والتي تصل إلى عقل القارئ وقلبه دون عناء فكّ حروفها ورموزها، والبعد الاجتماعي والتاريخي والتّعليمي لكتاباته، ومخاطبته لقلوب وعقول قرّائه بأسلوب مشوّق جذّاب، وإيصال أفكاره دون إثارة لنعرات الفرقة المستشرية في المجتمع وبين المثقّفين. فالقارئ لكتبه يخرج بالمتعة والفائدة والفكرة معا.

في هذه القصص المخصّصة للأطفال، يخاطب الكاتب الأطفال بلغة بسيطة يفهمونها، ومواضيع مثيرة لحسّهم وخيالهم وتسترعي انتباههم، فيحيك من حوادث بسيطة قصصا مسلّية ممتعة، يخرج منها الطفل بكمّ كبير من الدّروس والعبر، ويرفع مستواه في المعرفة واللغة.

ففي قصة (كنان وبنان يحبّان القطط) يتعلّم الطفل مجموعة من القيم أهمّها علاقة الأمّ بأبنائها ورعايتها لهم واستماتتها بالدّفاع عنهم، ويخرج بمعلومات كثيرة عن القطط وطريقة عيشها وسلوكها. ويركّز الكاتب في هذه القصة على إثراء قاموس الطفل اللغوي بمجموعة من المفردات والتراكيب الجديدة، حيث يستخدم أسلوب التصغير عندما يتحدث عن صغار الحيوانات (قطيطات، هريرات) ويتعمّد استخدام بعض الكلمات الجديدة وتكرارها حتّى ترسخ في ذهن الطفل.

أمّا في قصة (ميرا تحب الطيور) فإنّ الكاتب يهدف إلى ترسيخ قيمة الحريّة لدى الطفل بأسلوب جديد، حيث ينظر إلى الطير المأسور في قفص وهو يستسيغ حياة العبودية ولا يسعى لحريّته، وعندما تتاح له فرصة الحريّة يتنكر لها ويعود إلى سجنه! وهو بذلك يشير إلى الشعوب المقهورة التي تخضع لجلّادها ولا تحاول التّغيير، وكلما هُدم صنم تبني بيديها صنما آخر لتعبده، وإذا هلك حاكم متسلّط نصّب العبيد حاكما آخر يلسع ظهورهم بسياطه. وتعبّر ميرا عن هذه الفكرة ببساطة عندما تقول في نهاية القصّة: "لا حاجة لي بطائر سجين لا يسعى إلى حريّته." بالمقابل فدور الأب والأمّ في هذه القصة سلبيّ، فهما يخضعان لرغبة الطفلة وإلحاحها، ويفرّقان بين الطفلتين بالمعاملة، والأمّ لا تعزّز مفهوم أهمية الحريّة لدى الطفلة، وإنّما تكتفي بإخبارها أن الطيور الأسيرة لا تستطيع العيش خارج أقفاصها.

وفي قصّة النمل والبقرة يركّز الكاتب على أهميّة التّعاون والتخطيط السليم في أي عمل، ويرسّخ في ذهن الطفل أن الضعفاء إذا اجتمعوا معا وتعاونوا وثابروا فإنّهم يهزمون خصمهم مهما كان قويّا أو متسلطا، أما التّكبّر وازدراء الآخرين فإن عاقبته وخيمة.

يصاحب النّصوص رسومات كريكاتيرية غير ملوّنة بريشة (فاطمة جبر) وهي في معظمها مناسبة للنصّ عدا في قصّة (ميرا تحب الطيور) فهي غير واضحة ولا تصاحب النّص حتّى نهايته. قد تثير الصور غير الملوّنة خيال الطفل وتشحذه، لكن بلا شكّ فإنّ الألوان (لو وجدت) كانت ستلفت إنتباهه بشكل أكبر وتجذبه إلى القراءة والتحليق في عالم الخيال.

والقصص تعليميّة بحتة، تسوق المعلومات إلى الطفل برتابة دون أن تجنح كثيرا إلى الخيال، أو القوى الخارجة عن الطبيعة والتي قد يحبّها الطفل وتحلّق به إلى عالم واسع من المتعة والإثارة. وفي بعض أجزاء القصص تصبح المعلومات سرديّة تلقينيّة طويلة أحيانا: مثل وصف طائر الحسّون، وهناك بعض الحشو وإن كان قليلا، مثل قول الكاتب: اشتريا كيس حبوب خاصّة زنته ثلاثة كيلوغرامات طعاما للحسّونين، فما علاقة وزن الكيس بالموضوع؟ وماذا يضيف إلى الفكرة؟

ربما كانت الفكرة في قصة (ميرا تحبّ الطيور) هي الأهمّ بين القصص الثلاث، لكنّ إخراجها وطريقة حبك القصة كانت الأقل تشويقا. أمّا (كنان وبنان يحبّان القطط) ففيها تركيز على اللغة، و(البقرة والنّمل) تحمل في طيّاتها القيم الفضلى. القصص الثلاث في مجموعها ترفع الطفل على أجنحة العلم والمعرفة، ولكنّها لا تحلّق به عاليا في عالم الخيال البديع.

وسوم: العدد 830