الكل يبحث عن الدليل الشرعي

إنقسم علماء الأمة في قضية حكم الغناء والإنشاد في الإسلام إلى عدة أقسام، ولكل قسم منهم أدلته الشرعية في التحريم أو التحليل، والمهم عندنا في هذه القضية هو ضرورة طرح جميع الآراء الفقهية، وعدم حجب  أو إخفاء أي منها عن الناس، لان في حجب الآراء تضييق على الأمة، وتزكي من الحاجب لحقيقة نفس وهو أمر مرفوض شرعاً، وفيه إخفاء لحقائق الفقه، وحرمان للناس من حقهم في العلم والمعرفة والاختيار في القضايا الخلافية، وفي هذا السلوك الفقهي انتصار لفقه الذات وحجب لفقه الآخر المقابل، الذي ربما يكون عنده من الفقه والعلم أفضل مما تريد فرضه على الناس من فقهك الذي اخترت لهم.

أما أقسام العلماء في قضية البحث عن الدليل الشرعي فهي كما يلي:

1- فريق أراد الأخذ بظاهر النصوص الشرعي، التي تفيد تحريم إدخال الموسيقى على القصائد الشعرية المغناة، والاكتفاء بقصرهم (الغناء والإنشاد)  على (موسيقى الشعر وطبقة الصوت الجميل) في أحسن حالات السماح بالإنشاد في فقههم.

2- وفريق مال إلى نصوص شرعية، تقول بإباحة عنصر موسيقى محدد هو (الدف) لضبط الإيقاع والوقوف  عند هذا الحد، وقد اختلف معه كثيرون في قضية تحديد الآله وذكروا آلات أخرى أباحها العلماء، وكثر الاستثناء في ذلك مما يشكك في قوة هذا الطرح.

3- وقسم رأى أن الفتوى يجب أن تفصل لصناعة الفقه الصحيح الذي لايضيق الطريق أمام هذا الفن في هذا العصر، ويقيد استعمال الموسيقى في حدود الحاجة والضرورة، وذلك لأهمية الموسيقى في عصر أدخلت فيه الموسيقى في صياغة الثقافة والتربية والإعلام والفنون وغيره، وهذا الفريق من العلماء يرى أن استعمال الموسيقى بضوابط شرعية ومفصلة من الأمور الضرورية للأمة، واعتمد أسسا لهذا الفقه يقوم على:

1- أن فقه النصوص الشرعية الواردة في هذا الباب لا يفيد التحريم في (الآية) التي ذكرت لذلك (ومن الناس من يشتري لهو الحديث........) والأحاديث التي استشهد بها في هذا الباب فيها ضعف وعلل لا ترقى بها إلى مستوي الحديث الصحيح. الذي يعتمد عليه كدليل شرعي.

2- يجب أن ينظر إلى النص الذي يراد إنشاده وما يحمل من المعاني، فقد يكون النص محملا بالمعاني الجميلة التي تنصر الدين، وقد يكون النص محملا بالمعاني السيئة التي تخالف شريعة الأمة، ومخالفة شريعة الأمة علة كافيه لتحريمه.

3- عدم الإسراف في استعمال الموسيقى الخارجية (صوت الآلات الموسيقية) والاكتفاء من الإيقاع بالدف وبعض الآلات الأخرى التي تساعد في خدمة معاني الشعر الراقية ويحبب الناس في السماع لها، وهذا الاتجاه من العلماء انتصر لفقه مجموعة من العلماء في هذا الموضوع أمثال: إبن حزم الظاهر والفقيه إبن العربي المالكي والأمام الغزالي والقرضاوي والطنطاوي وغيرهم، ليسهل على أهل المواهب من أبناء الأمة صناعة الفن الإسلامي،الذي يواجه الفن الهابط الذي يعصف بأخلاق شباب الأمة.

4- من الأمور الضرورية في هذا المجال ربط الممارسة الفنية بالأجواء الرزينة الجادة، التي تساعد على التمتع بهذا الفن من خلال الطرب العاقل النظيف من أجواء الفتنة وأوساخها، وبهذا فهو يطالب بممارسة الفن النظيف في البيئة النظيفة من خلال طرب يحافظ على الأخلاق، ويبتعد عن تقليد السائد من الفن الهابط في هذا العصر، كالملابس الفاضحة التي تستجيب للطرب الأرعن والأحمق عند الشباب، ويخالف بذلك مقتضيات الشرع، كما تفعل فضائيات الأطفال، التي تقلد الملابس العارية لأهل الفن الهابط، بحجة براءة الأطفال والطفولة، بدلا من تعويد الطفلات المنشدات منهن على اللباس الساتر، الذي يصنع الحياء المبكر لديهن، ويعممه على البيوت التي يصلها بث هذه القنوات. ويواجه حالة التعري التي يصنعها هذا الفن الحديث والتي أدت إلى اختراق أخلاق الأمة، لأننا عندما نقلد لباس هؤلاء القوم، نكون كأننا اعتبرنا سلوكهم هو القاعدة وأخضعنا أنفسنا لهم، ثم لا بد من منع الطفلات من الإنشاد إذا اقتربن من سن البلوغ، والاكتفاء بالصوت الطفولي البريء، حتى لا نقع في الحرمة ونقع في صناعة جيل جديد من القيان.

*( عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )

وسوم: العدد 844