الصيد المستخرج من هذا البحث

التناصح (للمنشد والملحن والشاعر والفقيه والمتلقي)

1- إنتقاء القصائد ذات المعاني الراقية، والألحان السلسة التي تتناسب مع قيم الإسلام السامقة، وتنظيف  الإنشاد من الشطحات الصوفية وانحرافاتها في الكلمات وكذلك ما يرافقها من سلوكيات الرقص والتمايل والهوس المخالفة للدين في جميع أحوالها، يضاف إلى ذلك تنظيف ما أضافه الغناء الحديث من المعاني الغثة والمشاعر الرخيصة التافهة.

2- البدء باختيار القصائد التراثية المغناة، والتميز ين غثها وسمينها للاستفادة من خبراتها الأدائية ورفع الذائقة الفنية لدى الجمهور والمنشدين.

3- ثم يتبعها انتقاء النماذج الممتازة من الشعر المعاصر، الذي يرفع الذائقة الفنية وتربية الأبناء ويتناسب مع مزاجها الأخلاقي، ويخدم مكونها الثقافي من (الدين واللغة والأدب والتاريخ والجغرافيا والقيم والمصالح المشتركة) لأبناء الأمة.

4- تفضيل إنشاد النص الفصيح، وتقديمه على غيره لفائدته العظمى في ربط أجيال الأمة الجديدة بلغتهم، التي تشكل الوعاء الثقافي والحضاري، وهي الحافظة التي تحفظ على الأمة وحدتها في الدلالة الموحدة في ألفاظها ومصطلحاتها في فهمها وفكرها، وألا تقبل على إنشاد النصوص العامية إلا في الحدود الضيقة حتى لا تغرق الأمة فيما يشتتها ويباعد بين أجيالها.

5- الابتعاد عن أنانية الاحتكار، التي تجعل بعض المنشدين من أصحاب الأصوات الجميلة تستجيب للغرور القاتل الذي يدفعه إلى أن يصبح هو كاتب النص ومنشده وهو الذي يلحنه، لأن ذلك يوقعه في تكرار الذات والضعف، ولذلك يجب على المنشد أن لا يتعب نفسه إلا في الدربة والأداء والإتقان، وأن يختار نصا مناسبا لصوته، ويترك لملحن آخر يفيد في اللحن والأداء، حتى يحصل الإبداع من خلال توزيع الأدوار والتقاء المواهب وتبادل الخبرات بينها.

6- القرآن الكريم هو البحر المحيط، الذي يمد الأصوات الجميلة بمخزون من الخبرات التدريبية، التي تصقل جهازهم الصوتي، وتعلمهم النطق الجميل للحروف من مخارجها وعلى أصولها، ولسنا بحاجة إلى خلط مدرجنا الصوتي بالألحان الأجنبية، ومخارج حروفها التي تخالف ذوقنا وإيقاع لغتنا.

7- من الأمور الضرورية للمنشد أن يتعلم شرح النص الذي يرغب في إنشاده، ويتبحر في فهم معانيه قبل إنشاده، لأن ذلك يعمق من تفاعله مع النص،  أثناء عملية الإنشاد، ويزيد من استجابة الموهبة للعطاء والتفاعل بأعلى درجاته الظاهرة، وربما يكشف عن الطاقات المخبوءة في الخامة الصوتية وتجلياتها عند صاحب الموهبة.

8- على المنشد أن يتذكر أن هذا الصوت الجميل هو عطاء ونعمة من الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يتقى الله في هذه الموهبة ويحميها من التوظيف في العبث واللهو الضار بالأمة، لأن ذلك من شكر النعمة ومن دواعي تمامها.

9- على الملحن أن يدرك أن القليل من أصوات الآلات الموسيقية التي تخدم اللحن يسد الحاجة، وأن الموسيقى في الإنشاد والغناء، مثل استعمال الملح أو السكر في الطعام، قليله يسد الحاجة وكثيرة يصنع المرض، وكذلك كثرة الموسيقى تصنع الضجيج وتضيع الانتباه إلى المعنى، وأن قليلها يسد الحاجة في المتعة والطرب العاقل الرزين بعيدا عن الغناء الأهوج والموسيقى الصاخبة التي تصم الآذان وتصنع الصداع في الرأس، ومما يساعد على الهدوء والسماع المتزن ضبط مكبرات الصوت والتحكم في وتيرتها؛ لمنعها من التضخيم والصخب المزعج.

10- إن غياب (حالة الأستاذية) التي تفيد في تعلم الفن وأصوله من أستاذ خبير صاحب دين وعلم بتأثير الموسيقى على نفوس السامعين وتجربة ناضجة يقدمها للجمهور، يفقد المنشد البداية الصحيحة الواعية، التي تبصره بالمسار السليم، لأنه ليس له أستاذ يحترمه في علمه ويعول عليه، ولذلك يعيش هذا المنشد على نظام التجربة والخطأ ولا يتعلم إلا القليل، ويدفعه الغرور إلى الانطلاق من أفكار رأسه متخبطا في التجريب، لا يعرف نقد ذاته ولا مراجعتها، ولا يوجد عنده المرجعية التي يستنصحها، فيقع في تكرار الذات وفخاخ السطحية، وعندها يفقد الجاذبية والجمهور، وهذا الحال يحرم فن الإنشاد من التقاليد الراسخة والمدارس  الفنية، التي تشكل ملامح الإبداع والتطوير الجاد المبني على أصول راسخة.

11- (للموسيقى من الآثار الإيجابية الشيء الكثير، فمنها ما يضحك ومنها ما يبكي ومنها ما يثير الحمية للجهاد، وليس الخلل في الآلات الموسيقية الصماء)(6) ولكن الخلل في الإنسان الذي يسخر نعم الله لخدمة أهواءه، وينسى أن هذه النعم تحتاج إلى التوظيف الصحيح لها، وإلى شكر المنعم على ما سخر لنا في هذه الحياة لخدمتنا.

12- يقول الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي في كتابه (الحلال والحرام في الإسلام) (ومن اللهو الذي تستريح له النفوس، وتطرب له القلوب، وتنعم به الآذان الغناء، وقد أباحه الإسلام ما لم يشتمل على فحش أو خنا أو تحريض على إثم، ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى غير المثيرة...) وقد فصل الشيخ ذلك من خلال الأحاديث المثبتة والرخص فيه والمحاذير اللازمة للأمر في كتابه(7) جزاه الله خيراَ.

9- إلى العلماء والفقهاء

في هذا الموضوع، الذي يخص الشعر والغناء والإنشاد والموسيقى، جمعنا ما يسر الله من المعلومات والعلم والفهم في هذا الأمر، ونحن لا نفتي بقدر ما نقدم هذه الخبرة بين أيديكم، حتى تحسموا الأمر وتوضحوه في الفهم وفي الممارسة، التي يسمح بها شرع الله دون الوقوع في (التشدد) ولا الوقوع في (الانفلات) ولا الوقوع في الحال التي نحن فيها غارقون وهي (تعويم الأمور) التي تدفع إلى عدم الاكتراث بالضبط الشرعي لهذا الأمر، وذلك لتيسير فقه المسلمين لأمور دينهم ودنياهم، فاعملوا في هذا الأمر وغيره، لخدمة هذا الدين وتعلموا من منهجه r حين قال: (ولكن سددوا وقاربوا).

هذا ما فتح الله به علينا، ولكم الحرية في تعديله أو موافقته أو مخالفته أو الحذف منه أو الإضافة  إليه، المهم أن تحيا الأمة، وتمارس حياتها من خلال فقهها لدينها، ومن خلال نهجه القويم.

*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )

وسوم: العدد 845