الظاهرة الأدبية في ضوء نظرية المعرفة القرآنية(8)

القلب ومصادر المعرفة:

استكمالاً لما سبق، لا بد من إيضاح مسار المعرفة، حيث يتلقى القلب العلم والمعرفة من مصدرين هما:

المصدر الأول: علم المعرفة القادمة للقلب من بوابة الفكر والحواس على الكون والحياة، وهذه المعرفة يأخذها الفكر من مصدرين هما: (علم حقائق الوجود، وعلم حقائق الوحي) ويكون فعل القلب في هذه الحالة هو إصدار (الموقف والقيمة) وهو ما تم تفصيله فيما سبق من الفقرة رابعاً (حكم القلب).

المصدر الثاني: علم المعرفة القادمة إلى القلب من جهة بصيرته (الروح) وهو من بوابة الروح على أصل فطرتها في عالم الغيب، وهو ما اصطلح أهل العلم على تسميته بالإلهام.

الإلهام:

والإلهام (الهداية – الفراسة) هو انفتاح بصيرة القلب لتلقي العلم مباشرة من الله سبحانه وتعالى من خلال طاقاتها ومواهبها وخصائصها، ومن جهة أصلها وفطرتها وانفتاحها على بوابة عالم الغيب، حيث يهجم هذا العلم على شاشة القلب كهجوم الأسد على فريسته، أو يقذفه الله في القلب مباشرة، دون مقدمات أو جهد.

ويختلف عن العلم الذي يأتي إلى شاشة القلب عن طريق الفكر وبوابة الحواس على الواقع الخارجي. وتسمى الروح في هذا العلم بالبصيرة، لأنها تبصر الحقائق بذاتها وطبعها، بصفتها نفخة علوية من عطاء الله للإنسان.

وقد اختلف العلماء في تسمية هذا العلم من جهة تلك البصيرة، إلى تسميات منها: (الإلهام – الهداية – الفراسة). وقد ورد في شرح العقيدة الطحاوية باسم الفراسة وذكر منها ثلاثة أنواع:

1.فراسة إيمانية: وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده، وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على فريسته، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدُّ فراسة.

2.وفراسة رياضية: وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي، فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر، وهي فراسة لا تدل على إيمان ولا على ولاية.

3.وفراسة خلقية: وهي التي صنَّف فيها الأطباء وغيرهم حيث استدلُّوا بالخَلق على الخُلق لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل )

والإلهام حالة فردية متفاوتة في ظهورها لدى الأفراد، ومن الأحوال التي تسرِّع الإلهام وتيسِّره وترفع القلوب إلى مستواه، حتى تستحق أن تُلهم العلم من الله سبحانه وتعالى:

1.إذا تحرج القلب عن الوقوع في الشبهات أو المعاصي.

2.وإذا استنفذ الفكر الحول والقوة ووقف عاجزاً، واستيقظت في القلب الإرادة التي تتشوَّق إلى معرفة الحق الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.

3.إذا عاش القلب حالة انتظار الفرج، وغمره الصدق والنقاء، وارتفع إلى مراتب التقوى.

4.إذا اشتدت في القلب الحاجة والافتقار إلى عون الله في البحث عن الصواب، وألحَّ في الطلب والدعاء.

وأدلة ذلك كثيرة في كتاب الله تعالى وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن أدلته في القرآن الكريم:

- {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 2-3].

- {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69].

- {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282].

- {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [الأعراف: 201].

ومن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه علَّمنا صلاة الاستخارة والدعاء عندما يغمُّ الأمر، أو تضيق بنا الأحوال والسبل، وعندها لا بد أن يأتي الفرج والهداية ولو بعد حين.

ويأتي الإلهام على صور وأشكال متعددة منها:

1.أن يقذف الله سبحانه وتعالى الفهم السديد على شاشة القلب، فينكشف له وجه الحق والصواب فيما غمَّ عليه.

2.أن يأتيه العلم على شكل رؤيا صالحة واضحة التأويل.

3.أن يجعل الله في قلبه ميلاً وطمأنينة تجاه الشيء الذي غمَّ عليه.

4.أن يجعل الله في قلبه نفوراً وقلقاً تجاه الشيء الذي يهتم به.

5.أن تزول الغشاوة عن البصيرة فينكشف لها الدليل والبرهان في جلاء حقيقة معينة.

6.وقد يأتيه العلم حين يلهمه الله حسن التقدير وصحة التوقع لما يدور حوله من القضايا التي يهتم لها.

7.أن يهجم عليه التذكر بعد النسيان فإذا هو مبصر لما غاب عنه.

*(عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية )

وسوم: العدد 857