المقالة ... الرسالة الأثيرة للكاتب

أولا : مقالة مختارة :

مقال : لغتنا العربية ... ورسالة الفصحى

بقلم الدكتور : محمد عادل الهاشمي ( يرحمه الله )

clip_image002_e2bc3.png

تتصدر اللغة العربية الاهتمامَ والرعاية في حياة كلِّ أمةٍ ، إذ هي الأداة التي تجمع الأفكارَ ، وتنقل المفاهيم ، فتقيم بحروفها روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة  ، وترسم بكلماتها مستوى ثقافتها ، ولون حضارتها ، ووضوح شخصيتها . واللغة سفيرُ الأمة إلى الأمم الأخرى ، تعرِّفُهم بهويتها وفكرها وتطلعاتها ، وقد تجاوز الاهتمام  باللغة عالميا إلى حيثُ انتظمتْ  مجموعات من  الأمم تحت رابطة لغوية واحدة ، كالسكسونية واللاتينية وسواهما ، لذا حقَّ لنا أن نكترث بلغتنا ، وأن نصفيها اهتمامنا وجهدنا .

إنَّ حديثنا عن اللغة العربية اليوم يكشف عن لغة مميزة بخصائصها ، حملت في ثنايا حروفها القليلة  تراثا إنسانيا آخى التاريخَ ومضى معه يعدُّ القرونَ ، فهي لغة القرآن الكريم والحضارة الإسلامية ، ذاعت في العالم مع الدين الإسلامي الذي أخذ ينتشرُ في أرجاء المعمورة منذ القرن السابع الميلادي ، فعكف على تعلمها كثيرٌ من  أمم  الأرض  ، ونهلوا من ينابيعها الغنية  ... وظلت تبسط جناحيها على شرق العالم وغربه حتى بلغت آثارُها العلمية والأدبية جُلَّ بقاع الأرض . وكان لها دور البعث الحضاري على قرون عدة من الزمن .

كان أسلافنا يعايشون العربية ويحبونها ، ويحرصون على الفصحى حرصهم على أنفَسِ مايملكون ، فينشئون أولادهم سنَّ الطفولة في رحاب الصحراء ، ليرشفوا رحيق الفصاحة في ظلِّ الحياة العربية الأصيلة ، حتى سرت العجمة في اللغة ، باتساع الفتح الإسلامي ، فهبَّ علماء أفذاذ كالأصمعي والخليل وأبي عبيدة وسواهم ينقلون العربية ، ويحفظون اللسان العربي في الكتب ، فكان الباحث يضرب في بوادي العرب غير مبال بحرِّها ولا ببردها ولا بخشونة عيشِها السنينَ الطوال ليكتب عن فصاحتهم شيئا من كلامهم ، وكان الإمام منهم يفضل استفادة كلمة واحدة على حمر النعم .

وكان من عناية أجدادنا باللغة أن جعلوا ميزان التفاضل بين الأئمة من العلماء سعةَ معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها ، فتسابق الأمراء والخلفاء والملوك والمتصدرون في الدولة إلى تأديب أبنائهم ، أي تعليمهم الأدب العربي من شعر وأخبار ومفاخرات ومنافرات ، بعد تلقينهم اللغة والنحو ، ليحفظوا كلامهم ، ويثروا به ملكاتهم اللغوية ، وكان من أكبر عيبٍ في الرجل المتصدر أن يلحن في كلامه ، فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الصيغ اللغوية على وجهها ، كان كلُّ ذلك في سبيل حفظ اللغة والاحتفاظ برونقها وحياتها ، ولتعيش ملكة الفصاحة قوية في النفوس

وبعد أن مضينا مع مكانة لغتنا العربية وكَلَفِ أجدادِنا بها في عهودنا الزاهرة ، يدركنا العجب أن يختلف تعاملنا معها اليوم  ، حيثُ نواجه موجة عارمة من فوضى اللغة العربية تئنُّ منها الفضائيات ، وتشكو من سقمها المنابر ، ويمر الكثيرون بها غير عابئين ، غير مدركين خطر هذه الفوضى على لغتنا العربية البهيجة لغة القرآن الكريم . ماهذه الموجة المنذرة بالخطر ؟ وأكبر الخطر ماغفلت الضَّحيَّةُ عن وقوعه !

إنَّ تهاون الكثيرين بتأدية اللغة العربية ونطقها على غير ماجاء به القرآن الكريم  ، لايبالون أشرَّقت الكلمةُ في أفواههم أو غرَّبتْ ، أصابت أو أخطأت ... إنَّ خروج بعض المتحدثين بالفضائيات أو الإذاعات ، وبعض مَنْ يعتلون المنابر أو يقدِّمون البرامج يحسبون الخروج على نظام لغة القرآن الكريم ملكهم ، تهاوُنًا وإهمالا ، وكأنهم غفلوا مكانهم الريادي للجمهور المستمع ، إذْ عليهم أن يوفوه حقَّه من التثقيف ، أو غاب عنهم أنهم بخروجهم عن أصول اللغة يقدمون بأصواتهم للمستمع في أنحاء العالم اللغةَ العربيةَ عاريةً عن أُصولها وبهجتها ، فاقدة لدلالتها . ألا يعلم هؤلاء السادة أن الله سبحانه أنزل القرآن الكريم على رسوله مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين ... بلغة عربية فصيحة ذات أُصول ، وكرَّم بها أجدادنا العرب ليكون العرب بالقرآن الكريم رواد الفصاحة للعالم في كل مكان وزمان ، ينهجون سبيله ، ويتمسكون بأصول لغته ، قال تعالى : ( تبارك الذي نزَّل الفرقانَ على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) 1/ الفرقان . لقد أُنزل القرآن الكريم إلى العالم بأسره بلغة عربية فصيحة لاالتواء  فيها ، يقول عزَّ وجلَّ : ( ولقد ضربنا للناسِ في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ، قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ) 27/28 / الزمر . إنَّ القرآن الكريم بفصاحته التي هدانا الله إليها ، يتنزل من السماء العليا ، من المقام العلي ، من اللوح المحفوظ ، وصدق الله العظيم القائل : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) 21/ 22 /البروج . إنه ليرتفع مَن يتلوه بصدق فوق  أطباق الأرض ، فيرتله بلغة عربية سماوية ... هذا مقام لغتنا العربية عند الله أنزل بها كتابه من فوق سبع سماوات ، وجعلها لغة أهل الجنَّة ، فهل   فطن اللبيب إلى هذا الشرف العظيم الذي حباه الله لغتنا ؟ وهل ثاب مَن يتكلمها أو مَن يخاطب بها العالم من خلال الفضائيات إلى قيمتها ومكانتها عند الله ، ليكون أداؤُه للغتنا العربية أوفر إتقانا ، يُقيم حروفها وحركاتها ، وينطق بها كما يتلو كتاب الله ، فصيحةً بيِّنةً ، لايعتورها لحنٌ ولا يعروها تساهل أو تواكل ؟

إنَّها دعوةٌ كريمة أرجو أن تجدَ لها في النفوس قبولا ، أُوجهها إلى مواطن البثِّ العربي والإقليمي من فضائيا وإذاعات  ، مذكِّرًا أنَّ اللغة العربية التي يبثونها موجهة للعالم بأسره ، وإلى جماهير الشعب بخاصة أملا أن تكون على الأفواه  سليمة متقنة الأداء لاتخالطها عاميَّةٌ أو عجمة . ولا يقبل عذر معتذر في مواطن البث بالخروج عن أصل اللغة للتبسيط ، فالمتحدث يستطيع اختبار الأسلوب الملائم للمقام ، واللغة العربية طيِّعةٌ مرنةٌ ، يستطيع تبسيط أسلوبه للعامة دون أن يخرج عن أصول اللغة ، كما يستطيع أن يختار الأسلوب الأعلى للفئة المثقفة ، محافظا على أصول اللغة أيضا .

أيها المتحدثون ... أيها المتصدرون لخطاب الناس في الفضائيات والإذاعات ... ياسادة المنابر ... أُسائلكم :  هل اللغة العربية من حقنا وحدنا نحن مَن نتحدث أو نخاطب ؟ أم أنها حقُّ الجماهير الغفيرة التي تستمع إلينا وتصغي ، وتأخذ منا وتدع ، وتنطبع بلغتنا صحَّةً أو خطأ ، أو أنها حق اللغة العربية نفسها أن نكون أوفر احتراما للغة القرآن الكريم ، لغة حضارتنا العربية المسلمة على مرِّ الأجيال ؟

فَلْنَتقِّ اللهَ في لغتنا الحبيبة ، ولنعاهد أنفسَنا منذ اليوم على أن نُحسن أداءَها ، ونكون لها أوفر تجويدا وإتقانا ، ولجماهيرنا العربية المسلمة التي تستمع لغتنا العربية أوفر وفاءً واحتراما ) .

***

*وقفة مع هذه المقالة لنرى العناصر التي تثنَّت عليها ، والأفكار التي تضمنتها ، وهدفهــا النبيل ،  وأهمية طرح مثل هذه الأفكار ، وهل أوفت مايرمي إليه الكاتب ...

فنقول : إن عنوان هذه المقالة : (لغتنا العربية ... ورسالة الفصحى ) .

*وهو عنوان جدير بالاهتمام ، لأنه يخص لغتنا العربية التي أُنزل بها القرآن الكريم ، ولأنها لم تجد الاهتمام الذي يضمن مكانتها وحيويتها ، ويشير إلى مكانه العنوان قول الكاتب : (إنَّ حديثنا عن اللغة العربية اليوم يكشف عن لغة مميزة بخصائصها ، حملت في ثنايا حروفها القليلة  تراثا إنسانيا آخى التاريخَ ومضى معه يعدُّ القرونَ ، فهي لغة القرآن الكريم والحضارة الإسلامية ، ذاعت في العالم مع الدين الإسلامي الذي أخذ ينتشرُ في أرجاء المعمورة منذ القرن السابع الميلادي ، فعكف على تعلمها كثيرٌ من  أمم  الأرض  ، ونهلوا من ينابيعها الغنية  ... وظلت تبسط جناحيها على شرق العالم وغربه حتى بلغت آثارُها العلمية والأدبية جُلَّ بقاع الأرض . وكان لها دور البعث الحضاري على قرون عدة من الزمن )، وهذه التفاتة جادة لقيمة الاهتمام بالعربية الفصحى . تحرِّض على إحياء أثر استخدامها في جميع المواقع التعليمية ، والمحافل الثقافية ، وهي تحمل المعنى الكبير الذي غفل عنه أكثر أهلها .

* وحين بلغت هذه اللغة مشارق الأرض ومغاربها ، ودخلت في الإسلام أمم وشعوب لها لغتها ، خيف على العربية من العجمة ، ومن ضياع زهوها وبلاغتها ولذلك : ( هبَّ علماء أفذاذ كالأصمعي والخليل وأبي عبيدة وسواهم ينقلون العربية ، ويحفظون اللسان العربي في الكتب ، فكان الباحث يضرب في بوادي العرب غير مبال بحرِّها ولا ببردها ولا بخشونة عيشِها السنينَ الطوال ، ليكتب عن فصاحتهم شيئا من كلامهم ، وكان الإمام منهم يفضل استفادة كلمة واحدة على حمر النعم ) .

* وكأن الكاتب اليوم ينادي أبناء الأمة من علماء ومسؤولين ورواد التعليم  أن يهتموا بلغتهم ، ويمكنوا لها في حياة أبنائهم  نطقا وكتابة ، ثم حفظا لها من الضياع ، ويرجع بنا كاتب المقال إلى العصور المنصرمة ويقول : (وكان من عناية أجدادنا باللغة أن جعلوا ميزان التفاضل بين الأئمة من العلماء سعةَ معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها ، فتسابق الأمراء والخلفاء والملوك والمتصدرون في الدولة إلى تأديب أبنائهم ، أي تعليمهم الأدب العربي من شعر وأخبار ومفاخرات ومنافرات ، بعد تلقينهم اللغة والنحو ، ليحفظوا كلامهم ، ويثروا به ملكاتهم اللغوية ... ) .

*الألم الذي يعصف بقلوب المخلصين من أبناء أمتنا على مايُراد بلغتنا العربية المجيدة ، وهذا الانحدار المريع في الجهل بها ، ومجافاة بلاغتها وبيانها وروعة ألفاظها ، والاستهتار بقواعدها الإملائية والنحوية ، لايعجب إذا أورد المخلصون في كتاباتهم قولُهم :  (يدركنا العجب أن يختلف تعاملنا معها اليوم  ، حيثُ نواجه موجة عارمة من فوضى اللغة العربية تئنُّ منها الفضائيات ، وتشكو من سقمها المنابر ، ويمر الكثيرون بها غير عابئين ، غير مدركين خطر هذه الفوضى على لغتنا العربية البهيجة لغة القرآن الكريم . ماهذه الموجة المنذرة بالخطر ؟ وأكبر الخطر ماغفلت الضَّحيَّةُ عن وقوعه ! ) .

*إن مكانة اللغة العربية محفوظة بإذن الله تعالى بحفظ دينه القويم ، فلن تضيع ولن تتلاشى ، يقول الله تعالى : ( إنَّا نحنُ نزَّلْنا الذكرَ وإنا له لحافظون ) ويقول تعالى : ( تبارك الذي نزَّل الفرقانَ على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) 1/ الفرقان  . ويقول عزَّ وجلَّ : ( ولقد ضربنا للناسِ في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون ، قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ) 27/28 / الزمر . إنَّ القرآن الكريم بفصاحته التي هدانا الله إليها ، يتنزل من السماء العليا ، من المقام العلي ، من اللوح المحفوظ ، وصدق الله العظيم القائل : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) 21/ البروج  . الشواهد على مكانة اللغة العربية في القرآن الكريم وفي السُّنة النبوية ثم ماكتبه علماء الأمة وأدباؤُها وشعراؤُها ... لاتُحصى ، وكلها تتحد لغرض واحد وهو إعادة روح الأمة في عودة لغتها إلى كل لسان ، وإلى كل كاتب ، وإلى كل مَن يتصدى بحديث يخاطب فيه الناس ، وبهذا تحفظ اللغة العربية الفصحى ، ويحفظ أثرُها في كل المجالات .

* يخاطب صاحب المقالة أصحاب العلاقة المباشرة مع اللغة العربية ، فيحملهم مسؤولية الحفاظ عليها ، وهم يخاطبون الناس من على منابرهم المتنوعة ، ويضع نوع الخطر المحدق لا باللغة وحسب وإنما بالأمة كلها ، فضياع لغة القوم هو بداية اختفاء قيم الأمة وتراثها ومجدها  ، بل ومكانتها المرموقة في الحياة :  (أيها المتحدثون ... أيها المتصدرون لخطاب الناس في الفضائيات والإذاعات ... ياسادة المنابر ... أُسائلكم :  هل اللغة العربية من حقنا وحدنا نحن مَن نتحدث أو نخاطب ؟ أم أنها حقُّ الجماهير الغفيرة التي تستمع إلينا وتصغي ، وتأخذ منا وتدع ، وتنطبع بلغتنا صحَّةً أو خطأ ، أو أنها حق اللغة العربية نفسها أن نكون أوفر احتراما للغة القرآن الكريم ، لغة حضارتنا العربية المسلمة على مرِّ الأجيال ؟ ) .

*وأخيرا إنه العهد والميثاق ، إنها الأمانة التي أودعها كاتب المقالة في عنق كل مَن يحب دينه وأمته ، ويسعى لإعادة مجدها ومكانتها بين الأمم والشعوب ، يقول في هذا : ( فَلْنَتقِّ اللهَ في لغتنا الحبيبة ، ولنعاهد أنفسَنا منذ اليوم على أن نُحسن أداءَها ، ونكون لها أوفر تجويدا وإتقانا ، ولجماهيرنا العربية المسلمة التي تستمع لغتنا العربية أوفر وفاءً واحتراما ) .

أعتقد أن المقالة خطت بعناصرها على أفضل النهج ، وأن مضامينها تصرخ بقوة لتستجيب القلوب قبل الآذان ،  وأن الهدف واضح أي وضوح ، وقد صيغت ببلاغة وجزالة ، بعيدة عن أي غموض  ، ويستحث الهمم والحمية والاستثارة الحثيثة إلى إيجاد تلك الحيوية التي افتقدتها الأمة في هذا العصر ، وليس ذلك ببعيد على أبناء الأمة الكريمة ...

***

ثانيـا : ومن هذا  المنطلق تكون  البداية بالكتابة في مختلف فنونها الأدبية في لغتنا العربية المجيدة ، لسنا بحاجة إلى المزيد من الإحاطة بكل مايتعلق بالمقالة . فهي بحث وجيز في موضوع محدد ، مفرداته واضحة ، وعباراته جزلة  ، وفكرته هادفة تقوم على إقناع القارئ ، بعيدة عن زخرف القول ، وعن السجع المخل بالمقاصد الكريمة لنص المقالة ، فسلاسة العرض وانسجام الفكرة مع جزئياتها ، وترابطها مع الفكرة العامة تغني عن التكلف في صياغة المقالة ‘ التي تبدأ بمقدمة تلفت نظر القارئ إلى الفكرة التي يرمي إليها الكاتب ، ليلج عرض تلك الفكرة بلغة واضحة ، ويدعمها بشواهد تؤكد صحتها ، ويختمها بجملة ترجع بالقارئ إلى أصل الفكرة المطروحة، حيث يلخص إجمال العرض ، ولا تكون المقالة طويلة عديدة الصفحات ــ قدر الإمكان ــ ويُراعى في عرضها التشويق والإقناع وذكر الشواهد المناسبة كما ذكرنا قبل قليل . وتستحب أن تكون المقالة قصيرة توفي بإيصال المضمون . وهناك العديد من أنواع المقالات التي أوردها الكتَّابُ والمفكرون ، وكلهم متفقون على وضوح العرض وسلاسة الأسلوب والبعد عن الغموض ‘ ومستمدة من حياة المجتمع لتكون المقالة موضوعية تمس واقع الناس ، ولا بأس من مشاركة الكاتب بما يجول في خاطره من أفكار مفيدة تضفي على المقالة حيوية يتفاعل معها القارئ ، وتكون بعيدة أيضا عن الغموض والتعقيد الذي يُذهب جمال المقالة .

المقالة مجال تتنافس فيه الأفكار ، ويتسابق على مضمارها البيان والجزالة ، لأن المقالة لهـا مخطط دقيق لإنشائها ، ولها محور لنجاح تتابع أفكارها ، ولها فكرتها المبتكرة الجديدة التي تفاجئ القارئ  ، فللكاتب أفكاره الخاصة ، وطريقته الخاصة في العرض ، ومن الجدير بالاهتمام مراجعة النص مراجعة دقيقة لتدارك ماقد عراه من أخطاء لغوية ، نحوية أو إملائية أو بيانية ...

ولعل مايعين على كتابة المقالة ، أو أي نوع من أنواع الفنون الأدبية : شعر ، قصة ، خاطرة ، كتابة سيرة ... كثرة القراءة والمراجعة ، وعدم الاعتماد على مالدى الكاتب من أفكار وعلوم ، ففوق كل ذي علم عليم ، وكثرة المطالعة تزيد غنى الكاتب ، وكأنها التجارة التي تزيد أرباحها بالنشاط والتعرف على مواطن الربح ، ومخالطة أهل العلم والفكر زاد لايستغني عنه الكاتب الفطن . كما أن المقالة تكون مقبولة لدى القارئ عندما تكون ذات موضوع معين ، لايتجاوزه الكاتب إلى أمور فرعية تضيع خلالها الفكرة الأصل ، بل يجب على الكاتب أن يجتهد لإبراز الفكرة التي ارتآها ، فيغنيها بكل مالدية من قدرات وشواهد . لأن القارئ يمل إذا أضاع فكرة المقالة التي طرحها الكاتب بشيء من الفرعيات ، أو الإسهاب في العرض وكأنه يتناول تأليف كتاب ، أو كتابة رواية . ولا ينسى كاتب المقالة موضوعه المحدد وفكرته الواضحة ، ويجدر بالكاتب أيضا بعد الانتهاء من كتابة مقالته أن يضعها بين يديه ، ويعتبر نفسه القارئ الذي تلقى هذا النص فيجتهد في قراءته ، والتأمل في محتوياته ، ويعمل على تقويمه ، ففي هذه المراجعة فوائد عديدة لاتخفى عليه .

البدء بكتابة المقالة :

كل كاتب له طريقته الخاصة في الكتابة ، وله وقت معين اعتاد الكتابة فيه ، وله طريقتة أثناء الكتابة ، وتتنوع هذه الطرق ، وكل يكتب حسب ماتعود عليه . وإنَّ الأمور التي لابد منها لكتابة المقالة عديدة وهامة ومنها :

*اختيار فكرة موضوع المقالة : وهذه ناحية مهمة ، فتحديد فكرة المقالة ، وجمع مايريده من الجزئيات المنسجمة مع الفكرة العامة في مخيلته أو كتابتها على ورقة خاصة ، لئلا يشرد بعيدا عن الفكرة ، ويضعف اهتمام القارئ للمقالة فيما بعد إن وجد خللا ما فيها ، وربما تركها جانبا .

*معرفة كاتب المقالة لقرائه الذين هم سيقيمونها : مستواهم الثقافي ، اهتماماتهم الحالية ، بيئتهم الاجتماعية ، مدى تفاعلهم مع أنماط الثقافة ، وهل هي موجهة لشريحة معينة من المجتمع ، حيث تختلف أحوال القراء وتختلف بالتالي العبارات والمصطلحات التي تستخدم في المقالة .

*حوارك مع نفسك قبل البداية بكتابة المقالة : أو مايسمى بالعصف الذهني حيث تسأل نفسك وتجيب بعد  استشراف ماتملكه من رؤى وخبرة  ، وبعد ماتحدد بعض الأفكار الوليدة التي تتماهى مع فكرة الموضوع .

*عدم شعورك بأنك مقتنع بما جمعت من أفكار ، كونها ليست واضحة ، أو ليست دقيقة ، يدفعك بالضرورة للرجوع إلى ورقتك التي دوَّنت فيها بعض ملامح المقالة ، وحاول التأثير على ترتيبها وترابطها ، أقصد ــ بالتأثير ــ كتابة الجديد المُسْتَوحَى من عنوان المقالة ، واسلك منهج عدم التكلف إن كان في انتقاء الألفاظ أو التراكيب أعني الجمل أي غموض  . فسهولة الكلمات ، وروعة الأسلوب وجماله ، ودقة الربط بين الفكرة والأسلوب ، من عوامل تشويق القارئ لمتابعة قراءة المقالة .

*إنَّ المقالة نص نثري وليس شعرا ، ولكن يجب أن يحوز إعجاب القارئ من خلال مايسمى بشاعرية النص ، فالكلمات ذات الطابع الجمالي ، والتأثير في وجدان القارئ من خلال مافي النص من شواهد موضوعية منسجمة مع أفكار المقالة  .

*لاشك أن المقالة وسيلة راقية للتعبير عن فكرة معينة تجول في ذهن الكاتب ، فيتوجب انتقاء المفردات ، في جمل جزلة مستخدما الصور البلاغية ، التي عني بها أدبنا العربي، ولغتنا العربية ذات ثراء على تصوير أجمل اللوحات الفنية الراقية ، وما على مَن يتصدى للكتابة إلا أن يجد ويجتهد ويراجع  ويطالع ، ويغشى الأماكن الغنية بهذه التجارة المباركة ، فعندئذ يمتلك القدرة الفائقة على استخدام الألفاظ والتراكيب اللغوية لإيصال الصور والمعاني إلى القراء بصورة ممتعة وصادقة.

*وفي الختام فإن كتابة أي نص أدبي يعتمد على موهبة الكاتب ، وعلى تمكين قدراته الذاتية من التجوال في رحاب الأفكار والمعاني ، ولا يتخطى ماللنص من  قواعدٌ أساسية ، ومن ضوابطٌ معلمة يجب اتباعها ، لينال النص ــ مهما كان نوعه ــ جذب القارئ إلى التمعن فيما ورد من قيم ، وحتى لاينصرف القارئ عن النص إذا ماتعثر شوقه للقراءة بعشوائية  ليس لها ضوابط . إنَّ صحة المعلومات ودقة اختيار العبارات المناسبة ، وتناولها بسهولة وبمتعة فائقة . ومن المهم في هذا المجال الرجوع إلى المراجع المعتمدة ، والتمعن في صفحاتها الزاخرة ، فهي من العناصر التي تزيد من بلاغة الكاتب وقدرته على متابعة الطريق .

نموذج آخر ...

مقال : الإسلام دين القوة

للكاتب / أحمد حسن الزيات : ( يرحمه الله ) .

الإسلام دين القوة وهل في ذلك شك ؟ شارعه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه محمد الصبار ذو العزيمة الأمين ، وكتابه هو القرآن الذي تحدى كل لسان وأعجز، ولسانه هو العربي الذي أخرس كل لسان وأبان ، وقواده الخالديون هم الذين أخضعوا لسيوفهم رقاب كسرى وقيصر ، وخلفاؤه العمريون هم الذين رفعوا عروشهم على نواصي الشرق والغرب فمن لم يكن قوي البأس ، قوي النفس ، قوي الإرادة ،قوي العدة كان مسلماً من غير إسلام

وعربياً من غير عروبة . الإسلام قوة في الرأس ، وقوة في اللسان ، وقوة في اليد، وقوة في الروحهو قوة في الرأس ؛ لأنه يفرض على العقل توحيد الله بالحجة ، وتصحيح الشرع بالدليل ، وتوسيع النص بالرأي ، وتعميق الإيمان بالتفكر .وهو قوة في اللسان ؛ لأن البلاغة هي معجزته وأداته والبلاغة قوة في الفكرة، وقوة في العاطفة ، وقوة في العبارة . وهو قوة في اليد ؛ لأن موحيه ـ وهو الحكيم الخبيرـ قد علم أن العقل بسلطانه واللسان ببيانه لا يغنيان عن الحق شيئاً إذا أظلم الحس، وتحكمت النفس ، وعميت البصيرةفجعل من قوة العضل ذائداً عن كلمته ، وداعياً إلى حقه ، ومنفذاً لحكمه ، ومؤيداً لشرعه كتب على المسلمين القتال في سبيل دنيهم ودينه ، وفرض عليهم إعداد العدة والخيل إرهاباً لعدوهم وعدوه ، وأمرهم أن يقابلوا اعتداء المعتدين بمثله ولكن القوة التي يأمر بها الإسلام هي قوة الحكمة والرحمة والعدل ، لا قوة السفه والقسوة أو الجور ، فهي قوة فيها قوتان قوة تهاجم البغي والعدوان في الناس، وقوة تدافع الأثرة والطغيان في النفس.والإسلام بعد ذلك قوة في الروح ؛ لأنه يمحص جوهرها بالصيام والارتياض والتأمل.

وسوم: العدد 872