مُرَكَّبَاتُ سَمْرَؤُوتٍ

إذا اجتمعت على التعبير قوى النفس الثلاث اللاتي سماهن علماؤنا القدماء القوة المتفكرة والقوة المترفعة والقوة المتشهية، اختصت أولاهما من مركب رسالة المثلثة بعنصر المشكلة -ولا بأس بأن نرمز إليه بـ"ش"- وثانيتهما بعنصر الدعوى -ولا بأس بأن نرمز إليه بـ"ع"- وآخرتهما بعنصر الدليل، ولا بأس بأن نرمز إليه بـ"ل". وتكفل اشتراكها جميعا في تكوين مركب الرسالة بائتلافها في أثناء اختلافها. ثم لم يخرج ترتيب بعضهن من بعض عن أن يكون على وَفق أحد هذه الأنماط المنطقية الطبيعية الستة الآتية:

1      ش/ع/ل

2      ش/ل/ع

3      ع/ش/ل

4      ع/ل/ش

5      ل/ش/ع

6      ل/ع/ش

وقد يتعدَّد في مركب الرسالة الواحدة أحدُ هذه العناصر؛ فيجور عندئذ على غيره، حرصا على الاسْتِشْكَال عند غلبة القوة المتفكرة على أحوال النفس، أو الادِّعَاء عند غلبة القوة المترفعة، أو الاسْتِدْلال عند غلبة القوة المتشهية. وكما تميل كلُّ طبيعة إلى ما يناسبها، تميل إذا كان معه غيرُه إلى تقديمه عليه.

وقد سبق في بطاقات المثلثات الخمس والمئة التحليلية، ما إذا أضَفنا فيه النَّظيرَ إلى نَظيره، وقَفنا على أن لعناصر مركبات رسائل المثلثات الخمس والمئة، هذه الخمسة عشر نمطًا الآتية مرتبةً بأنصبتها منها:

1     ش/ع/ل: 31

2     ش/ل/ع: 12

3     ش/ش/ع: 11

4     ش/ع/ع: 9

5     ش/ل/ل: 9

6     ل/ش/ع: 8

7     ع/ل/ش: 8

8     ع/ش/ل: 4

9     ل/ع/ش: 4

10                       ع/ع/ش: 2

11                       ع/ش/ش: 2

12                       ل/ل/ش: 2

13                       ش/ع/ش: 1

14                       ش/ش/ل: 1

15                       ش/ش/ش: 1

لقد اجتمعت المشكلة والدعوى والدليل كلهن جميعا في ستة أنماط (1-2، و6-9)، بسبع وستين مثلثة (63.80%). وبقيت المشكلة مع تلك الستة الشاملة في سائر الأنماط (3-5، و10-15)، أي بالخمس والمئة المثلثة (100%)، بل قد تكررت منها في نمطين (3، و11)، بثلاث عشرة مثلثة (12.38%)، وانفردت في نمط واحد (15)، بمثلثة واحدة (0.95%). واستمرت الدعوى مع تلك الستة الشاملة إلى خمسة أنماط أخرى (3، و4، و10، و11، و13)، أي باثنتين وتسعين مثلثة (86.61%)، بل قد تكررت منها في نمطين (4، و10)، بإحدى عشرة مثلثة (10.47%)، لكن لم تنفرد بشيء. واستمر الدليل مع تلك الستة الشاملة إلى ثلاثة أنماط أخرى (5، و12، و14)، أي بتسع وسبعين مثلثة (75.23%)، بل قد تكرر في نمطين (5، و11)، بإحدى عشرة مثلثة (10.47%)، لكن لم ينفرد بشيء.

ولم تكن عناصر مركب الرسالة الثلاثة (المشكلة "ش"، والدعوى "ع"، والدليل "ل")، لتخرج عن تلك الأنماط المنطقية الطبيعية الستة السابق ذكرها -فلا مناص لها منها- غير أن نمط "ش/ع/ل"، حظي بإحدى وثلاثين مثلثة (29.52%)، ونمط "ش/ل/ع"، حظي باثنتي عشرة (11.42%)، وكلا نمطي "ل/ش/ع" و"ع/ل/ش"، حظيا بثمان (7.61)، وكلا نمطي "ع/ش/ل"، و"ل/ع/ش"، حظيا بأربع (4.20%).

لعل هذا النص الشعري القصير (المثلثة)، أن يكون أكثرَ من غيره استكانةً للقوة المتفكرة، وكأنه يدافع تهمة التقصير عن معالجة عظائم الأمور، حتى لقد انفردت المشكلة بمركب إحدى رسائله -ولا عجب أعجب من مركبٍ وحيدِ العنصر!- فلم تشاركها دعوى ولا دليل، ولم يُنتقل منها في البيت الأول إلا إليها في البيت الثاني فالثالث! ومن لوازم ذلك أن يكون هذا النص الشعري القصير (المثلثة)، أقلَّ من غيره استكانةً لغير القوة المتفكرة -ولاسيما المتشهية- زهادةً فيما لا مُنَّةَ فيه له، ولا تطلُّع به إليه! وإن اجتماع المشكلة والدعوى والدليل -ولاسيما إذا تَرتَّبَت هذا الترتُّب- في 63.80% من مركبات رسائل نصوص "سمرؤوت" الشعرية القصيرة (المثلثة) -وهي التي لا موضع فيها لما يُستغنى عنه- لَمِمّا ينبغي أن يُستدل به على صحة الرؤية المنطقية العربية القديمة.

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ش/ع/ل"، المثلثة الحادية عشرة "أَطْفَالٌ"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "التَّقْصِيرُ عَنْ شَأْوِ الْأَيْتَامِ الْمُتَفَائِلِينَ":

"فَجْرُ ابْتِسَامٍ عَلَى لَيْلِ ابْتِلَاءَاتِ فَأْلٌ مُؤَاتٍ وَرَايَاتُ انْتِصَارَاتِ

أَفْدِي سَمَاءً لَهَا أَشْوَاقُكُمْ ضَحِكَتْ فَكَرَّمَتْكُمْ بِدِينِ الرَّحْمَةِ الْآتِي

فَأَطْلِقُونِيَ مِنْ جَهْلِي وَهَا أَنَا ذَا خَدِّي مَدَاسٌ إِلَى أَقْصَى الْفُتُوحَاتِ"؛

فمشكلتها التي احتَمَلَها البيت الأول أن الموفَّق هو المتعالي على ما ابتُلي به وليس له فيه يدٌ، ودعواها التي احتملها البيت الثاني تشريع ما يؤيد المبتلَى الموفَّق، ودليلها الذي احتمله البيت الثالث الاعتراف بفضل المبتلَى الموفَّق!

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ش/ل/ع"، المثلثة الخامسة "أُرْجُوحَةٌ"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "الْعَدْلُ أَسَاسُ نَجَاحِ الْحُكْمِ":

"تَعَادَلْنَا عَلَى كَتِفَيْكْ فَعَادَ الْحَظُّ مِنْكَ إِلَيْكْ

وَلَوْ مَيَّلتَ نَاحِيَةً لَمِلْنَا بِالْهَلَاكِ عَلَيْكْ

كَذَاكَ تَسُوسُ هَذِي الْأَرْضَ ثُمَّ تُسِيسُهَا وَلَدَيْكْ"؛

ومشكلتها التي احتملها البيت الأول استفادة العادل نفسه مِن عدله، ودعواها التي احتملها البيت الثالث استمرار الفائدة، ودليلها الذي احتمله البيت الثاني خسارة الظالم!

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ل/ش/ع"، المثلثة السابعة والخمسون "صِدَار"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "لَهْفَةُ الْجَائِعِ الْمَفْجُوعِ":

"هَهَأْهَأْهَا هَهَأْهَأْهَا هَهَأْهَأْهَا هَهَأْهَأْهَايْ

حِذَاءٌ بَلْ صِدَارٌ بَلْ لِحَافٌ بَلْ غِنَى مَأْوَايْ

غَدًا يَكْفِينِيَ الْخَبَّازُ بِالزَّوْجَيْنِ يَا نُعْمَايْ"؛

فمشكلتها التي احتملها البيت الثاني ضرورة تلبية الحاجة الشديدة، ودعواها التي احتملها البيت الثالث التعويل على استبدال الغِذاء بالحِذاء، ودليلها الذي احتمله البيت الأول ضحك مؤمِّل الاستبدال!

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ع/ل/ش"، المثلثة السادسة والسبعون "قَتِيل"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "إِقْبَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الشَّهَادَةِ":

"يَنْهَلُ مِنْ عَقْبِهِ الْمِدَادَ مَدَى يَمْرَحُ فِيهِ بِرَأْسِهِ أَبَدَا

يَكْتُبُ فِي مَوْتِهِ وَصِيَّتَهُ أَسْمَحَ مَا أَوْصَى مُنْجِبٌ وَلَدَا

اِحْرِصْ عَلَى الْمَوْتِ يَنْثَنِي ضَحِكًا عَنْكَ لِيُصْلِي عَدُوَّكَ الْكَمَدَا"؛

فمشكلتها التي احتملها البيت الثالث -وهو وصية القتيل لابنه- أنه لا هزيمة ولا فقد مع محبة الموت، ودعواها التي احتملها البيت الأول مرَح القتيل، ودليلها الذي احتمله البيت الثاني اتساع المقام للوصية!

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ع/ش/ل"، المثلثة التاسعة والعشرون "خُيُول"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "فَسَادُ طَبَائِعِ الْمُدَجَّنِينَ":

"صَاهَاهَصَا يَا وَيْلَتَا مَا أَقُولْ صَاهَاهَصَا مَاذَا أَصَابَ الْخُيُولْ

كَانَتْ قُيُودَ الْوَحْشِ فِيمَا مَضَى وَالْيَوْمَ تَزْدَانُ لِمَسِّ الْبُعُولْ

لَمَّا رَأَتْنِي اسْتَبْشَعَتْ طَلْعَتِي فَكَيْفَ لَوْ صَادَفْتِها يَا خَذُولْ"؛

فمشكلتها التي احتملها البيت الثاني تحول الخيول من الطرَد إلى الزِّينة، ودعواها التي احتملها البيت الأول فداحة مرأى خيول الزينة على خيول الطرَد، ودليلها الذي احتمله البيت الثالث نفور خيول الزينة من خيول الطرَد!

ومن أمثلة اجتماع العناصر الثلاثة على الترتيب "ل/ع/ش"، المثلثة الخامسة والأربعون "سَلَاحِف"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها "سَفَاهَةُ الطَّمُوحِ الْعَاجِزِ":

"لَمْ يَبقَ شَيْءٌ فَهَيَّا اِطْوُوا الْمَسَافَةَ طَيَّا

دَعُوا الثَّرَى لِلْكُسَالَى إِلَى مَقَامِ الثُّرَيَّا

يَا أُمَّ سَلْحَفَ لَكِنْ حُكْمُ الثُّرَيَّا إِلَيَّا"؛

فمشكلتها التي احتملها البيت الثالث -وهو من كلام أحد صغار السلاحف- توهم المستحيل والاعتماد عليه، ودعواها التي احتملها البيت الثاني -ولا يردُّها عاقل- أن المتطلع إلى المعالي لا يجوز منه الكسل، ودليلها الذي احتمله البيت الأول -وهو من كلام أُمِّ السلاحف- ظهور الغاية للمتجه إليها!

والمثلثة التي انفردت المشكلة بمركب رسالتها (ش/ش/ش)، هي هذه الخامسة عشرة "باب"، الموجزة رسالتُها في بطاقتها التحليلية بأنها: "التَّفَاؤُلُ بِسَلَامَةِ الْمُصْلِحِينَ":

"لَا تَقْلَقِي سَوْفَ يَاتِي بَأَعْجَلِ الْمُعْجِزَاتِ

لِيَشْرَعَ الْبَابَ أُفْقًا عَلَى سَمَاءِ الْحَيَاةِ

فَكُلُّ مَنْ صَدَّ عَنْهُ مَضَى بِعَهْدِ النَّجَاةِ"؛

ففي البيت الأول مشكلة أن المصلح الغائب عائد على رَغْم من رغِم، وفي البيت الثاني مشكلة أن المصلح الغائب إذا عاد عادت الحياة، وفي البيت الثالث مشكلة أن المصلح الغائب إذا عاد فعادت الحياة سَلِمَ معارضوه مثلما يسلم مؤيِّدوه! ثلاثة أوجه من التفاؤل، وما من دعوى ادُّعِيت في سِرِّه، وما من دليل استُدِلَّ به عليه!

وسوم: العدد 885