رواية المطلقة تدافع عن القيم

da3es8964.jpg

matal896.jpg

رواية المطلّقة هي الجزء الثّاني من رواية (الخاصرة الرّخوة) للكاتب المقدسي جميل السلحوت، اللتان صدرتا عن مكتبة كل شيء في حيفا هذا العام2020.

استوقفني عنوان الرّواية (المطلّقة). قد يقود العنوان القارئ العربيّ، الذي لا بدّ له أن يتأثّر بالنّظرة المجتمعيّة للمرأة المطلّقة مهما بلغت ثقافته واطّلاعه، إلى الاعتقاد أنّ الرّواية تحكي قصّة امرأة قادها الطّلاق إلى رفع سيف العصيان في وجه الظّلم الاجتماعيّ، ثمّ سارت في طريق تسيء لها ولبنات جنسها ولعائلتها ومجتمعها، أو ربّما تكون رواية رومانسيّة لامرأة، ما إن تحرّرت من قيد الزّواج حتّى انطلقت تكسّر جميع القيود، فتمرّدت على قيمها ودينها وعائلتها. لكنّ الرّواية تعطي صورة مشرقة لنساء تخطّين عقبة الطّلاق، لينطلقن بقوّة نحو حياة عائليّة تقوم على أسس سليمة. إنّ النّظرة السّلبيّة للمرأة المطلّقة، هي بالذّات ما أراد الكاتب أن يهزّها من خلال روايته هذه، لذلك أرى أنّه وُفّق باختيار عنوانها.

في الجزء الأوّل من هذه السّلسلة (رواية الخاصرة الرّخوة) تطرّق الكاتب إلى عدد من المثالب الاجتماعيّة بجرأة وصراحة، فأثار زوبعة كان لا بدّ لها أن تُثار؛ فلا يُعالج الجرح الملتئم على الخَبَث بالتّضميد والمبالغة بالإخفاء، وإنّما بالنكئ وإخراج القيح، ثمّ التّطهير، وبذلك يبرأ الجسد، أمّا دَمْل الجرح على خبثة فلن يجلب إلا البتر، الذي قد يكون بمدية جزّار وليس بمشرط جرّاح حاذق.

تحكي الرّواية قصّة امرأتين، وقع عليهما ظلم كبير، إذ كان الجهل والعادات السّيئة رفيق حياتهما مع زوجيهما، فسُدّت السّبل في وجهيهما، ولم يكن هناك حلّ لخروجهما من معاناتهما إلّا الطلاق، وهنا تقع هاتان المرأتان تحت مجهر المجتمع الذي يتغاضى عن كلّ ما يدور في الخفاء من انحطاط أخلاقيّ، ويضع عدسته على المرأة المطلّقة، فيرصد حركتها وسكنتها، ويقودها إلى حياة في الظّل، وكأنّها اقترفت جرما معيبا أو نقيصة، وكأنّ الطلاق نهاية لحياة المرأة وحكما عليها بالشّقاء الأبديّ. فيقوم الكاتب بفتح فرجة من الأمل لهاتين المرأتين، لتتخطّيا كلّ الحواجز التي يضعها المجتمع، وتنعما بحياة جديدة، وتبنيا عائلات جديدة تقوم على أسس قويمة، فتتهشّم كلّ التّابوهات المصطنعة، ويَدُقّ لهما ناقوس الحياة من جديد.

وخلال روايته، يدقّ الكاتب جدار الخزّان بشدّة، ويستعرض كثيرا من المثالب الاجتماعيّة التي يتحرّج الآخرون من التطرّق لها، فيتحدّث عن الشّعوذة كوسيلة للإيقاع الجنسيّ بالنّسوة الجاهلات، ويتحدّث عن الشّذوذ الجنسيّ، والتّحوّل الجنسيّ.

قد يُقال: لماذا اختار الكاتب أن يطرق هذا الموضوع الآن، في وقت يُراد أن يفرض فيه على المجتمع الفلسطينيّ حلّا من خارج منظومته القيميّة والدّينيّة؟ ولماذا اختار موضوعا قد يحلو لمن يضرب بسيف الغرب ويؤمن بفوقيّته، أن يستغلّه لنقد المجتمع العربيّ الفلسطينيّ، ويزيّن الحلول المستوردة التي يُراد بها أن تحطّم منظومة القيم العربيّة الإسلاميّة العريقة العظيمة، بدعوى حماية المرأة من الظّلم الاجتماعيّ؟ من يعرف الشّيخ جميل السّلحوت عن قرب، يعلم أنّه من أكثر النّاس إيمانا بمجتمعه وقيمه، وأنّه من دعاة الإصلاح، وليس من دعاة التّغريب والهدم. إنّ محاربة الهجمة الغربيّة الاستعماريّة على مجتمعنا، والوقوف في وجه محاولة فرض اتّفاقيّة سيداو، دون الرّجوع للشّعب الفلسطينيّ، وبمعزل عن الالتزام بالدّين والقيم العريقة، لا تكون بغضّ النّظر عن المشاكل الاجتماعيّة والتّستر عليها، بل بتعريتها، وتفنيدها؛ فظلم المرأة ليس من قيمنا في شيء، وحرمانها من حقوقها ليس من ديننا في شيء، بل هي عادات موروثة وتصرّفات فرديّة خارجة عن الأصول الاجتماعيّة المعروفة عن مجتمعاتنا. والشّيخ جميل السّلحوت هو أحد رجال الإصلاح، وعلى اطّلاع أكثر من غيره على المشاكل الاجتماعيّة، ويسعى لحلّها عن طريق التّشبث بروح الدّين الإسلاميّ، والقيم العربيّة العريقة، التي تنصف المظلوم، وتأخذ على يد الظالم.

إنّ إبراز بعض المشاكل الاجتماعيّة التي تعاني منها النّساء في مجتمعنا، لا تعني تنزيه المجتمعات الغربيّة عن هذه النقائص، ولا لجوءا إليها لحلّها، فالنّاظر في التّركيبة الاجتماعيّة الغربيّة، يجد مشاكل عويصة تفوق ما تتعرّض له النّساء العربيّات الكثير الكثير، فضرب النّساء والاعتداء عليهنّ واستغلالهنّ جنسيّا حتّى من المقرّبين لهنّ، هو ديدن تلك المجتمعات وهويتها. أقول هذا، وقد عشت سنوات طويلة في أمريكا، واطّلعت عن قرب إلى ما يدور وما يُقال، وعايشت الوضع البائس الذي تحياه النّساء فيها، حتّى لتبدو المشاكل في مجتمعاتنا صغيرة ضئيلة أمامها، ورأيت الإجراءات التي تتّخذها الحكومات لحمايتهنّ تنقلب وبالا عليهنّ وعلى أطفالهنّ.

إنّ تناول هذا الموضوع الاجتماعيّ وبهذه الجرأة وفي هذا الوقت، لهو عين الحكمة والبصيرة، ويصبّ في مصلحة المرأة، فحماية المرأة، ودحر القوانين المشبوهة التي يراد بها هدم أركان الأسرة، لا تكون إلّا بإعطاء المرأة حقوقها التي حفظها الشّرع لها، بعيدا عن التّعصّب لعادات اجتماعيّة تكوّنت في ظروف تاريخيّة مختلفة، وحقبة من الجّهل والتّخلّف.