غزوة بدر الكبرى من خلال قراءتي لكتاب نور اليقين 10

عدد المهاجرين وعدد الأنصار من خلال غزوة بدر:

قال الكاتب: "كان معه (سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة بدر)، مائتان ونيف وأربعون من الأنصار، والباقون من المهاجرين". 107

أقول: بعملية حسابية بسيطة، فإنّ عدد أسيادنا المهاجرين المشاركين في غزوة بدر، هو73، وعدد الأنصار 240، إذا اعتبرنا أنّ عدد المسلمين 313.

مايعني أنّ عدد المهاجرين المشاركين كان أقلّ بـ: 3 مرّات من عدد الأنصار المشاركين.

دور الأنصار:

أقول: إعلان الحرب بشكل نهائي، وبصورة قوية كان بعد إعلان أسيادنا الأنصار المشاركة في الحرب، وبالضبط بعد تدخل سيّدنا سعد بن معاذ سيّد الأوس، لأنّ عدد الأنصار المشاركين في غزوة بدر، يفوق عدد المهاجرين المشاركين بثلاثة أضعاف. وهذا عدد معتبر، وله وزنه في تغيير كفّة الحرب.

غزوة بدر بين مسلم ساعي لأجل العير، وكافر ضمن سلامة العير:

قال الكاتب: "لم يتخلّف أحد من أشراف قريش عن غزوة بدر، باستثناء أبو لهب بن عبد المطلب، فإنّه أرسل بدله العاص بن هشام ابن المغيرة". 108

أقول: مشاركة سادة قريش في غزوة بدر، تدلّ على أنّهم أخذوا الحرب مأخذ الجد، ولن يتراجعوا عن قرار اتّخذوه.

وأضيف: حين تيقّن سادة قريش أنّ العير أصبحت في مأمن، اتّخذوا قرار الحرب. مايدل على أهمية العير أي الجانب اباقتصادي لدى قريش، وسادة قريش.

خاض المسلم غزوة بدر بعدما فرّت منه عير قريش، ولو استحوذ عليها لما خاض الحرب. وخاضت قريش الحرب بعدما تيقّنت أنّ العير في أمان. إذن يمكن القول، أنّ غزوة بدر كانت بين مسلم يريد العير، وكافر ضمن سلامة العير.

دور الجانب الاقتصادي، العير:

قال الكاتب: "حين علم الأخنس بن شريق الثقفي لبني زهرة، وكان حليفا لهم، ارجعوا ياقوم فقد نجى الله أموالكم، فرجعوا ولم يشهدوا بدرا". 110

أقول: تؤكّد هذه الواقعة من جديد، أنّ العير محور جوهري في اتّخاذ الحرب. ويكفي أنّ هذه القبيلة رجعت من الحرب وفضّلت السّلم، لأنّها علمت أنّ عير قريش في مأمن.

استعداد المسلمين وفرحتهم للقاء سادة قريش في غزوة بدر

قال الكاتب: "فقال عليه السّلام لأصحابه: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها". 111

أقول: واضح جدّا أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فرح فرحا شديدا بخروج سادة قريش وكبرائها لغزوة بدر.

وهو تشجيع لأسيادنا الصحابة، رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، وبثّ الإقبال لديهم على خوض الحرب.

وبما أنّ القائد الأعلى صلى الله عليه وسلّم لايخاف خروج سادة قريش، ويتمنى لقائهم، فإنّ الجنود من أسيادنا الصحابة، سيكونون أكثر استعدادا للقاء العدو وعلى رأسه سادة قريش، ويدخلون بالتّالي الحرب دون خوف ولا فزع، بل كلّهم مندفع ويرجو لقاء العدو بما فيه قادته.

عظمة الشورى من خلال رأي سيّدنا الحباب بن منذ الأنصاري في غزوة بدر:

قال الكاتب: "ثمّ سار جيش المسلمين حتّى نزل أدنى ماء من بدر فقال له الحباب بن المنذر الأنصاري، وكان مشهورا بجودة الرأي، يارسول الله أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال يارسول الله ليس لك هذا بمنزل فانهض بالنّاس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فإنّي أعرف غزارة مائه وكثرته فنزله ونغور ماعداه من الآبار ثمّ نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون". 112

أقول: تكون الشورى بعد وضوح الرؤية، وبعد العزم "ثمّ سار جيش المسلمين"، لأنّه قبل ذلك يعتبر تثبيطا للعزائم.

وتكون الشورى من صاحب رأي عرف عنه الرأي الفاعل والحاسم، "وكان مشهورا بجودة الرأي".

قبل تقديم الرأي، يستحسن معرفة الرأي، وأسبابه، وظروفه، وعواقبه. وسيّدنا الحباب بن المنذر، سأل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الأسباب التي دفعته لاتّخاذ قرار المكوث في المكان المعني.

سيّدنا الحباب بن المنذر، لم يكتفي بإبداء عدم رضاه عن اتّخاذ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمكان المعني، بل راح يقدّم تفاصيل بالغة الدّقّة عن المقترح الذي اقترحه. مايدلّ أنّه صاحب رأي فاعل، وعلم، ودراية، وتجربة. ولا عجب أن أخذ قائده سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم برأيه، بل تنازل عن رأيه وهو الرسول النبي المعصوم لرأيه.

أبدى سيّدنا الحباب بن المنذر رأيه بعدما أخبره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أنّ قراره يتعلّق: "الرأي والحرب والمكيدة"، أي من شؤون العسكر، وليست من شؤون الدين التي لايجب مناقشتها، ولا التقديم ولا التأخير عنها.

واضح جدّا أنّ سيّدنا الحباب بن صاحب حرب، ويتقن الجوانب العسكرية، ويعرف علم القتال، ويحسن الدفاع والكيد للأعداء. مايعني أنّ الشورى تعتمد على التخصّص، وكلّ يبدي رأيه فيما يتقنه ويحسنه، ويلتزم الطاعة والصّمت فيما لايحسنه، خاصّة في الأمور العسكرية والحروب، لأنّ نتائجها أراضي ودماء وأعراض وخيرات، وجب صونها والحفاظ عليها، برأي أصحاب الخبرة والميدان والفاعلية.

ممّا وقفت عليه، وشدّ انتباهي: تعامل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو المعصوم، مع سيّدنا الحباب بن منذر باهتمام بالغ وهو يشرح خطته، ودون مناقشة، ثمّ راح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يطبّق تعليماته العسكرية بالحرف الواحد، ودون زيادة ولا نقصان، لأنّ الرأي حين يكون فاعلا ومكتملا ومضمون النتائج، يطبّق فورا ليؤتي أكله. وهناك قضايا مصيرية -كالحروب-، تتطلّب السّرعة في التنفيذ، وتحويل الرأي الفاعل إلى قرار عاجل. ومن هنا كانت عظمة الدول والمجتمعات والأمم والحضارات.

حضارة وقوّة وعظمة الصّفّ من خلال غزوة بدر:

قال الكاتب: "ولما اجتمعوا عدل عليه السلام صفوفهم". 113

أقول: إنّها حضارة الصفّ، والعرب لاتعرف الصف، إنّما تعرف "مكرّ مفرّ". والصّفّ من مظاهر العظمة والقوّة والحضارة التي ميّزت الحضارة الإسلامية، في دينها كالصلاة، ودنياها كالجانب العسكري وجوانب أخرى.

ويظهر الفرق شاسعا بين وضع العرب قبل الإسلام، حين كانت متخلّفة بسبب عدم معرفتها لحضارة الصّفّ, ووضعهم الرّاقي السّامي وقيادتهم للكون، بعد اتقانهم وتجسيدهم لحضارة الصّفّ في حياتهم اليومية، والدينية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية.

لم تسمع قريش لحكيمها فخسرت الحرب في غزوة بدر:

قال الكاتب: "وفي هذا الوقت وقع خلف بين رؤساء عسكر المشركين فإنّ عتبة بن ربيعة أراد أن يمنع النّاس من الحرب ... ودعا النّاس إلى ذلك. فلما بلغ أبا جهل الخبر وسمه بالجبن، وقال: والله لانرجع حتّى يحكم الله بيننا...". 113

أقول: عتبة بن ربيعة حكيم قريش، لم تسمع له قريش في نهيه عن خوض الحرب، لأنّه -وبحكمته- كان يدرك النتيجة المأساوية مسبّقا.

الأمّة التي لاتأخذ برأي حكيمها، تذلّ على يد عدوها ولو كان أقلّ بثلاث مرّات، وتذوق الهزيمة والهوان ولو كانت تتفوّق على عدوّها بثلاثة أضعاف.

انتصار المسلمين في حرب المعنويات:

قال الكاتب: "وقبل أن تقوم الحرب على سياقها خرج من صفوف المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي وقال: "أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب وضربه ضربة قطع بها قدمه بنصف ساقه فوقع على ظهره فزحف على الحوض حتى اقتحم فيه ليبر قسمه فاتبعه حمزة فقتله". 114

أقول: حاول المشرك أن يرفع من معنويات جنده، وحاول سيّدنا حمزة بن عبد المطلب، رحمة الله ورضوان الله عليه، أن يرفع من معنويات جنده. 

كرّر الكافر محاولاته لرفع المعنويات بالشرب من جديد، وسعى سيّدنا حمزة بن عبد المطلب لرفع المعنويات من جديد بقطع دابر الكافر، وهذا قبل أن تبدأ المعركة.

قوام الحرب في من يفرض معنوياته على عدوه، وفي الوقت نفسه في من يستطيع أن يحطّ من معنويات عدوه. وقد انتصر المسلمون في فرض معنوياته على عدوهم، والحطّ من معنوياته قبل أن تبدأ المعركة، وكانت تلك من مظاهر النصر، والعوامل المساعدة عليه وبقوّة.

خاتمة:

انتظروا في الحلقة القادمة، الحلقة رقم 11، والخاصّة أيضا بما تبقى من غزوة بدر.

وسوم: العدد 989