الحكمة في شعر صالح عبد القدوس

   هو الشاعر العباسي الحكيم صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي. أبو الفضل البصري، كان مولى لبني أسد.

   وكان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، واشتهر بشعر الحكمة والأمثال والمواعظ، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الأخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.

اتهم بالزندقة في زمن الخليفة العباسي المهدي فأمر بقتله فقتل.

شعر الحكمة عند صالح عبد القدوس: دراسة موضوعية، وفنية:

     لقد كتب الشاعر صالح بن عبد القدوس قصيدة مطلعها (المرء يجمع والزمان يفرق)، وعدد الأبيات: 21 بيتاً:

المَرءُ يَجمَعُ وَالزَمانُ يُفرق وَيَظل يَرقع وَالخطوب تمزق

وَلَأن يُعادي عاقِلاً خَير لَهُ مِن أَن يَكون لَهُ صَديق أَحمَق

فَاِربَأ بِنَفسِكَ أَن تصادِق احْمَقاً إِن الصديقَ عَلى الصَديقِ مُصَدِّق

وَزن الكَلامِ اِذا نَطَقت فَإِنَّما يُبدي عُقول ذَوي العُقولِ المنطِق

وَمن الرِجالِ اِذا اِستَوَت اِخلاقُهُم مِن يُستَشارُ اِذا اِستَشيرَ فَيَطرق

حَتّى يَخل بِكُلِّ واد قَلبَه فَيَرى وَيعرف ما يَقول فيَنطُق

فَبِذاكَ يوثق كُل أَمر مُطلَق. وَبِذاكَ يُطلق كل أَمر موثق

لا أَلفينَك ثاوِياً في غُربَة. إِن الغَريب بِكُلِّ سَهم يُرشَق

ما الناسُ إِلّا عامِلانِ فَعامِل قَد ماتَ مِن عَطَش واخر يَغرَق

وَإِذا اِمرُؤ لَسَعَتهُ أَفعى مَرَّة تَرَكَتهُ حينَ يَجر حَبل يفرق

وَالناسُ في طَلَبِ المَعاشِ وَإِنَّما بِالجِد يُرزَقُ مِنهُم مَن يُرزَق

لَو يُرزَقونَ الناسَ حسب عُقولُهُم أَلفيت أكثَر من تَرى يَتَصَدَّق

لكِنَّهُ فَضل المَليكِ عَلَيهِم.     هذا عَلَيهِ موسِع وَمضيق

وِاِذا الجَناَة وَالعَروسُ تَلاقيا وَرَأَيت دَمع نَوائِح يَترقرق

سَكت الَّذي تَبع العَروس مبهَتاً وَرَأَيت مِن تَبع الجَنازَةِ يَنطق

بَقي الأولى إِما يَقولوا يَكذبوا وَمَضى الأَولى ما يَقولوا يصدقوا

إِن الأَريبَ اِذا تفكر لَم يَكد يَخفى عَلَيهِ مِن الاِمورِ الأَوفَق

فَهناكَ تَشعب ما تَفاقَم صدقه. وَيداكَ ترتق كل اِمر يَفتق

وَاِذا اِستَشَرت ذَوي العُقولِ فَخَيرُهُم عِند المَشورَةِ من يَحن وَيشفق

لَو سارَ الف مدجَج في حاجَة لَم يَقضِها إِلّا الَّذي يَترفق

إِن التَرَفُّق لِلمُقيمِ موافق. وَاِذا يُسافِر فَالتَرَفُّق أَوفَق

     ويقول الشاعر صالح بن عبد القدوس مقسما بالله الذي خلق السماء والأرض إن الذي يعاند، ويصر على الذنوب سوف يهلك بعناده (فوحق من سمك السماء بقدرة), وعدد الأبيات: 2 بيتا:

فَو حق من سَمك السَماء بِقُدرة وَالأَرضُ صير لِلعِبادِ مهادا

إِن المصر عَلى الذنوبِ لَهالِك صَدَقت قَولي اِو اِرَدت عِنادا

وهي من بحر الكامل.

   ومما يدل على حسن إسلام صالح بن عبد القدوس قوله موصيا ولده ( بني عليك بتقوى الإله)، وعدد الأبيات: 4 أبيات يقول فيها:

بَني عَلَيك بِتَقوى الإِله.     فَإِن العَواقِبَ لِلمُتَّقي

وَإِنَّكَ ما تَأت من وَجهة.     تَجِد بابَه غَير مُستَغلق

عَدوك ذو العَقلِ اِبقى عَلَيك مِن الصاحِب الجاهِل الأخرَق

وَذو العَقلِ يَأتي جَميل الاِمو. ر وَيَعمَد لِلأَرشد الاِوفَق

   ولله در الشاعر الحكيم صالح بن عبد القدوس، وهو يدعو الناس إلى مراقبة الله، فيقول (اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل)، وعدد الأبيات: 2 بيتا:

اِذا ما خَلَوت الدَهر يَوماً فَلا تَقُل خَلَوت وَلكِن قُل عَلي رَقيب

فَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَغفَل ساعَة       وَلا أَن ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ

رأس الحكمة:

     جعل النبي الحكمة ضالة المؤمن، واعتبرها من أهم الأهداف النبيلة التي يجب على الشاعر أن يؤكد عليها، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً، وها هو الشاعر الحكيم صالح بن عبد القدوس يكتب قصيدة مطولة مطلعها (صرمت حبالك بعد وصلك زينب)، وكل بيت فيها يختصر كتابا، وعدد الأبيات: 65 بيتاً، جاء فيها:

صَرَمَت حِبَالَكَ بعد وَصْلِك زينبُ والدَّهْرُ فِيهِ تَصَرُّمٌ وَتَقَلُّبُ

نَشَرتْ ذَوَائِبَهَا التي تَزْهُو بها   سُوداً وَرَأْسُكَ كالنَّعَامَةِ أَشْيَبُ

واسْتَنْفَرَتْ لمَّا رأتْكَ وَطَالَمَا       كَانَتْ تَحِنُّ إِلى لِقَاكَ وَتَرْهَبُ

وَكَذَاكَ وَصْلُ الغَانِيَاتِ فإنَّهُ               آلٌ ببلقعةٍ وبرقٌ خلَّبُ

فَدَعِ الصِّبا فَلَقَدْ عَدَاكَ زَمَانُهُ وَازْهَدْ فَعُمْركَ مِنْهُ ولَّى الأطْيَبُ

ذَهَبَ الشَّبَابُ فَمَا لَهُ مِنْ عَوْدَةٍ وَأَتَى المَشِيبُ فَأَيْنَ مِنْهُ المَهْرَبُ؟

ضَيْفٌ ألَمَّ إلَيْكَ لَمْ تَحْفِلْ بِهِ       فَتَرَى لَهُ أَسَفاً وَدَمْعاً يُسْكَبُ

دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ فَاتَ فِي زَمَنِ الصِّبا واذكُرْ ذُنُوبَك وَابْكِهَا يَا مُذْنِبُ

واخْشَ مُنَاقَشَةَ الحِسَابِ فَإنَّهُ     لابُدَّ يُحْصَى مَا جَنَيْتَ وَيُكْتَبُ

لَمْ يَنْسَهُ المَلَكَانِ حِينَ نَسِيتَهُ           بَلْ أثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلعَبُ

والرُّوحُ فِيكَ وَدِيعَةٌ أُودِعْتَهَا       سَتَرُدُّهَا بِالرَّغْمِ مِنْكَ وَتُسْلَبُ

وَغُرُورُ دُنْيَاكَ التِي تَسْعَى لَهَا       دَارٌ حَقِيقَتُهَا مَتَاعٌ يَذْهَبُ

وَالليلُ فَاعْلَمْ وَالنَّهَارُ كِلاهُمَا         أنْفَاسُنَا فِيهَا تُعَدُّ وتُحْسَبُ

   ويحذر الشاعر من الطمع في جمع المال لأنه سوف ينهب من الإنسان بعد الموت...

وَجَمِيعُ مَا حَصَّلْتَهُ وَجَمَعْتَهُ       حَقاً يَقِيناً بَعْدَ مَوْتِكَ يُنْهَبُ

تَبَّاً لِدَارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُهَا         وَمَشِيدُهَا عَمَّا قَلِيلٍ يُخْرَبُ

ويحرض الشاعر السامعين أن يصغوا إلى نصائحه لأنها عصارة خبرة مجرب...

فَاسْمَعْ هُدِيتَ نَصَائِحاً أوْلاَكَها             بَرٌّ لبيبٌ عَاقِلٌ مُتَأدِّبُ

صَحِبَ الزَّمَانَ وَأهْلَهُ مُسْتَبْصِراً وَرَأَى الأُمورَ بمَا تَؤُوبُ وَتَعْقُبُ

هْدَى النَّصِيحَةَ فَاتَّعِظْ بمَقَالِهِ         فَهُوَ التقِيُّ اللَّوْذَعِيُّ الأدْرَبُ

ويحذر من صروف الدهر، وتبدل الزمان، فيقول:

لا تَأْمَنِ الدَّهْرَ الصُّرُوفَ فإنَّهُ   لا زَالَ قِدْماً للرِّجَالِ يُهَذِّبُ

وَكَذَلِكَ الأيَّامُ فِي غَدَوَاتِهَا     مَرَّتْ يُذَلُّ لَهَا الأعَزُّ الأنْجَبُ

   ويستمد الشاعر حكمته من الثقافة الإسلامية والتقوى هي السلاح الأقوى

فَعَلَيْكَ تَقْوَى اللهِ فَالْزَمْهَا تَفُزْ       إنَّ التَّقِيَّ هُوَ البَهِيُّ الأهْيَبُ

وَاعْمَلْ لِطَاعَتِهِ تَنَلْ مِنْهُ الرِّضَا       إنَّ المُطِيعَ لِرَبِّه لمُقرَّبُ

وَاقْنَعْ فَفي بَعْضِ القَنَاعَةِ رَاحَةٌ وَاليَأْسُ مِمَّا فَاتَ فَهُوَ المَطْلَبُ

وَإذَا طُعِمتَ كُسِيتَ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ   فَلَقَدْ كُسِي ثَوْبَ المَذلَّةِ أشْعَبُ

   ويحذر الشاعر من خيانة المرأة وغدرها، ولكنه يخطئ في التعميم بلا شك لأن النساء لسن على شاكلة واحدة.

وَتَوَقَّ مِنْ غَدْرِ النِّسَاءِ خِيَانَةً     فَجَمِيعُهُنَّ مَكَائِدٌ لَكَ تُنصَبُ

لا تَأْمَنِ الأنْثَى حَيَاتَكَ إنَّها       كالأُفعُوَانِ يُراعُ مِنْهُ الأنيُبُ

لا تَأْمَنِ الأنْثَى زَمَانَكَ كُلَّهُ       يَوْماً وَلَوْ حَلَفَتْ يَمِيناً تَكْذبُ

تُغْرِي بطِيبِ حَدِيثِها وَكَلامِهَا وَإذَا سَطَتْ فَهي الثَّقِيلُ الأشْطَبُ

ويؤكد الشاعر على معنى الدفع بالتي أحسن، فإنه يجعل العدو صديقاً حميماً، وأما الحقود فلا دواء له:

وَالْقَ عَدُوَّكَ بالتَّحِيَّةِ لا تَكُنْ         مِنْهُ زَمَانَكَ خَائِفاً تَتَرَقَّبُ

إنَّ الحَقُودَ وَإنْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ   فَالْحِقْدُ بَاقٍ فِي الصُّدُورِ مُغَيَّبُ

ويكره الشاعر الصديق المتملق، وينصح بالابتعاد عنه فهو عدو مبين:

وَإذَا الصَّدِيقُ رَأَيْتَهُ مُتَمَلِّقاً           فَهُوَ العَدُوُّ وَحَقُّهُ يُتَجَنَّبُ

لا خَيْرَ فِي وُدِّ امرِئٍ مُتَمَلِّقٍ       حُلْوِ اللسَانِ وَقَلْبُهُ يَتَلَهَّبُ

يَلْقَاكَ يَحْلِفُ أنَّهُ بكَ وَاثِقٌ       وإذَا تَوَارَى عَنْكَ فَهْوَ العَقْرَبُ

يُعْطِيكَ مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ حَلاوَةً وَيَرُوغُ عَنْكَ كَمَا يَرُوغُ الثَّعْلَبُ

وَاخْتَرْ قَرِينَكَ وَاصْطَفِيهِ تَفَاخُراً   إنَّ القَرِينَ إلى المُقَارَنِ يُنْسَبُ

   ويؤكد على وجوب اختيار الأصدقاء، ويتحدث عن الترحيب بالغني وجفاء الفقير، فهو منبوذ محتقر، ولو كان ذكياً لبيباً:

إنَّ الغَنِيَّ مِنَ الرِّجَالِ مُكَرَّمٌ     وَتَرَاهُ يُرْجَى مَا لَدَيْهِ وَيُرْهَبُ

ويُبَشُّ بالتَّرْحِيبِ عِنْدَ قُدُومِهِ       وَيُقَامُ عِنْدَ سَلامِهِ وَيُقَرَّبُ

وَالفَقْرُ شَيْنٌ للرِّجَالِ فَإنَّهُ   يُزْرَى بِهِ الشَّهْمُ الأرِيبُ الأنْسَبُ

ويدعو الشاعر صالح عبد القدوس إلى التواصل مع الأرحام، فيقول:

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ للأقَارِبِ كُلِّهِمْ  بتَذَلُّلٍ وَاسْمَحْ لَهُمْ إنْ أذْنَبُوا

وَدَعِ الكَذُوبَ فَلا يَكُنْ لَكَ صَاحِباً إنَّ الكَذُوبَ لبئْسَ خِلاً يُصْحَبُ

وَذَرِ الحَسُودَ وَلَوْ صَفَا لَكَ مَرَّةً     أبْعِدْهُ عَنْ رُؤْيَاكَ لا يُسْتَجْلَبُ

   روي عن علي ابن أبي طالب أن تمنى أن تكون عنقه عنق بعير حتى يوزن كلامه قبل التحدث به، ويؤكد الشاعر صالح عبد القدوس على هذه القيم الأخلاقية:

وَزِنِ الكَلامَ إذا نَطَقْتَ وَلا تَكُنْ       ثَرْثَارَةً فِي كُلِّ نَادٍ تَخْطُبُ

وَاحْفَظْ لِسَانَكَ وَاحْتَرِزْ مِنْ لَفْظِهِ    فَالْمَرْءُ يَسْلَمُ باللِّسَانِ وَيَعْطَبُ

   ويحث المتلقي على كتمان الأسرار، فصدور الأحرار هي صناديق الأسرار:

والسِّرَ فَاكْتُمْهُ وَلا تَنْطِقْ بِهِ      فَهُوَ الأسِيرُ لَدَيْكَ إذْ لا يُنْشَبُ

وَاحْرَصْ عَلَى حِفْظِ القُلُوبِ مِنَ الأذَى فَرُجُوعُهَا بَعْدَ التَّنَافُرِ يَصْعُبُ

إنَّ القُلُوبَ إذا تَنَافَرَ وُدُّهَا       شِبْهُ الزُّجَاجَةِ كَسْرُهَا لا يُشْعَبُ

وَكَذَاكَ سِرُّ المَرْءِ إنْ لَمْ يَطْوِهِ         نَشَرَتْهُ ألْسِنَةٌ تَزِيدُ وَتَكْذِبُ

   وينبه السامعين إلى ضرورة ترك البخل والحرص على المال، لأنه لا يزيد في الرزق، فالرزق مقسوم من الله، وليس يأتي بالحيلة:

لا تحْرَصَنْ فَالْحِرْصُ لَيْسَ بزَائِدٍ فِي الرِّزْقِ بَلْ يُشْقِي الحَرِيصَ وَيُتْعِبُ

وَيَظَلُّ مَلْهُوفاً يَرُومُ تَحَيُّلاً             وَالرِّزْقُ لَيْسَ بِحِيلَةٍ يُسْتَجْلَبُ

كَمْ عَاجِزٍ فِي النَّاسِ يُؤْتَى رِزْقَهُ           رغْداً ويُحْرَمُ كيِّسٌ ويُخيَّبُ

   ويحرض المسلم على أداء الأمانة، وترك الخيانة لقوله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك:

أدِّ الأمَانَةَ وَالخِيَانَةَ فَاجْتَنِبْ         وَاعْدِلْ وَلا تَظْلِمْ يَكُنْ لَكَ مَكْسبُ

وَإذَا بُلِيتَ بنَكْبَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا             مَنْ ذَا رَأَيْتَ مُسَلَّماً لا يُنْكَبُ

وَإذَا أَصَابَكَ فِي زَمَانِكَ شِدَّةٌ        وَأَصَابَكَ الخَطْبُ الكَرِيهُ الأصْعَبُ

فادعُ لِرَبِّكَ إنَّهُ أدْنَى لِمَنْ           يَدْعُوهُ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ وَأقْرَبُ

   ويعدد الشاعر القيم الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها المؤمن مثل العدل، والصبر على الشدائد، واللجوء إلى الله في الرخاء والشدة....

ويدعو إلى العزلة الحسية والشعورية وعدم مخالطة الأشرار ومصاحبتهم:

كُنْ مَا اسْتَطَعْتَ عَنِ الأنَامِ بِمَعْزِلٍ إنَّ الكَثِيرَ مِنَ الوَرَى لا يُصْحَبُ

وَاجْعَلْ جَلِيسَكَ سَيِّداً تَحْظَ بِهِ               حَبْراً لَبِيباً عَاقِلاً يَتَأَدَّبُ

   ويؤكد على معنى نبيل جاء به الحديث، وهو دعوة المظلوم لا ترد، وليس بينها وبين الله حجاب:

وَاحْذَرْ مِنَ المَظْلُومِ سَهْماً صَائِباً       وَاعْلَمْ بأنَّ دُعَاءَهُ لا يُحْجَبُ

وَإذَا رَأَيْتَ الرِّزْقَ ضَاقَ ببَلْدَةٍ     وَخَشِيتَ فِيها أنْ يَضِيقَ المَكْسَبُ

فَارْحَلْ فَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةُ الفَضَا   طُولاً وَعَرْضاً شَرْقُها وَالمَغْرِبُ

   ويختم الشاعر صالح عبد القدوس قصيدته بالدعوة إلى التزام هذه النصائح فهي تجلب الخير لمن تمسك يها، وتدفع الشر عن صاحبها:

فَلَقَدْ نَصَحْتُكَ إنْ قَبِلْتَ نَصِيحَتِي     فَالنُّصْحُ أغْلَى مَا يُبَاعُ وَيُوهَبُ

خُذْهَا إِلَيْكَ قَصِيدَةً مَنْظُومَةً       جَاءَتْ كَنَظْمِ الدُّرِّ بَلْ هِيَ أَعْجَبُ

حِكَمٌ وَآدَابٌ وَجُلُّ مَوَاعِظٍ             أمْثَالُهَا لِذَوِي البَصَائِرِ تُكْتَبُ

فَاصْغِ لِوَعْظِ قَصِيدَةٍ أَوْلاَكَها       طَوْدُ العُلومِ الشَّامِخَاتِ الأهْيَبُ

أعْنِي عَليّاً وَابْنَ عَمَّ مُحَمَّدٍ         مَنْ نَالَهُ الشَّرفُ الرَّفِيعُ الأنْسَبُ

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى النَّبيِّ وَآلِهِ     عَدَدَ الخَلائِقِ حَصْرُها لا يُحْسَبُ

   والقصيدة من بحر الكامل، وهو يصلح لجميع الأغراض الشعرية، وكان اختيار الشاعر له مناسبا وموفقا.

     وكتب الشاعر الحكيم صالح بن عبد القدوس قصيدة مطلعها (رأيت صغير الامر تنمي شؤونه), وعدد الأبيات: 8

رَأَيتُ صَغير الاِمرِ تَنمي شُؤونَه       فَيَكبُر حَتّى لا يَحد وَيَعظُم

وَإِن عَناء أَن تَفهَم جاهِلا               فَيَحسَب جَهلا أَنَّهُ مِنكَ اِفهَم

مَتى يَبلُغ البُنيانُ يَوماً تَمامَه             اِذا كُنت تَبنيهِ وَغَيرك يَهدِم

مَتى يفضل المَثري اِذا ظَنَّ اِنَّهُر     اِذا جادَ بِالشَيءِ القَليلِ سَيعدم

مَتى يَنتَهي عَن سيء مِن اِتى بِهِ         اِذا لَم يَكُن مِنهُ عَلَيهِ تَندَم

وَما الرِزقُ إِلّا قِسمَة بَين اِهلِه       فَلا يَعدم الأَرزاقِ مثر وَمُعدَم

وَلَن يَستَطيعُ الدَهر تَغيير خَلقِه           لَئيم وَلن يَستَطيعه مُتكرم

كَما إِن ماء المزن ما ذيق سائِغ   زلال وَماء البَحرِ يَلفِظُه الغَم

   وها هو الشاعر صالح بن عبد القدوس ينصح الإنسان بالأمل والتفاؤل ويحذر من اليأس والقنوط القاتل، فيكتب قصيدة مطلعها (لا تيأسن من انفراج شديدة)، وعدد الأبيات: 2 بيتاً:

لا تَيأَسَنَّ من اِنفِراجِ شَديدَة   قَد تَنجَلي الغَمَراتِ وَهيَ شَدائِد

كَم كُربَة اِقسَمَت اِن لَن تَنقَضي زالَت وَفَرجُها الجَليلُ الواحِد

   ويكتب صالح بن عبد القدوس قطعة شعرية مطلعها:

(اذا كنت لا ترجى بدفع ملمّة)، وعدد الأبيات: 3 أبيات:

اِذا كُنت لا تَرجى بِدَفع ملمة   وَلم يَكُ لِلمَعروفِ عِندَكَ موضِع

وَلا اِنتَ ذو جاه يعاش بِجاهِهِ وَلا اِنتَ يَوم البَعث لِلنّاسِ تشفع

فَعيشك في الدُنيا وَمَوتك واحِد     وَعود خلال من حَياتِكَ انفَع

ولئن يعادي عاقلاً خير له من أن يصاحب أحمقاً:

وَلَئِن يُعادي عاقِلاً خَير لَهُ         مِن أَن يَكون لَهُ صَديق أَحمَق

فَاِربَأ بِنَفسِكَ أَن تصادِق اِحمَقاً إِن الصديقَ عَلى الصَديقِ مُصدق

وأخيراً:

   إن شعر الحكمة يعد تجربة علمية وشعورية جميلة، وهي إحدى أهم الأغراض الشعرية، وأكثرها فائدة للمتلقي تزيده ثقافة ووعياً، وتثري تجاربه وتزيد خبرته في الحياة.

المصادر:

١_ الموسوعة التاريخية الحرة.

٢_ ديوان صالح بن عبد القدوس.

٣_ مواقع إلكترونية أخرى.

وسوم: العدد 1059