" يسمعون حسيسها " رثائية عصماء في حق الإنسانية المتحضرة 1

" يسمعون حسيسها "

رثائية عصماء في حق الإنسانية المتحضرة 1

د. نجوى الصافي

رواية "يسمعون حسيسها .  غنائية حزينة في حفل تأبين الضمير العالمي و كل القيم  و الأعراف البشرية.

عندما  تطل بعينك داخل رواية الشاعر  أيمن العتوم هذه   تمتص عقلك و أحساسيسك ، وتطبق عليها دفتيها الرهيبتين و تغوص في  تلافيفها الجهنمية المرعبة  إلى أن  تلفظك في نهاية المطاف مصعوقا مصدوما و تلقي معك كومة من التساؤلات  الحائرة  ...

ما إن تطالع غلافها حتى  تسمع غطيط الرواية و فحيحها، و يلفح وجهك لهيبها المفزع،  فعنوان الرواية ." يسمعون حسيسها"  يشي تماما بفظاعة ما فيها من رعب.

  تحكي الرواية عن إياد سعد وهو طبيب سوري شاب اعتقل  سبعة عشر عاما في سجن تدمر الذي ذاق فيه من العذاب صنوفا لا تخطر على بال بشر على يد زبانية  النظام و جلاديه،  ثم يفرج عنه بشكل مفاجئ  ليجد  زوجته و ابنه و ابنته في انتظاره .

  حبكة رواية  الشاعر أيمن العتوم ليست كالروايات. فهي  استثنائية جدا .. عقدتها صماء لا يحركها منطق و لا  معقول  ليس لها  لحظات تنوير  ولا أمل بحل  ... إنها بساط من الأزمات ذات القمم المسننة التي تفقأ عين الضمير الانساني و تثقب جسد القيم الانسانية المتحضرة ...انها فنتازيا الرعب في السجون السورية ..

     البداية  لوحة وصفية عن القرية ... عن الجنة التي خرج منها البطل، حيث الحرية و الانطلاق  حيث  أي بقعة على الأرض كانت جنة غناء  مقارنة  بما سيراه البطل في السجون السورية " كنت أجد بين أشجار الصفصاف و السرو مساحة للركض الساذج تعبيرا عن انطلاقات عفوية لا يملك طفل في سني لها ردا . و في الينبوع الصغير الذي يتفجر من رأس الجبل و يهوي إلى الوادي و يهوي الى الوادي، كنت أجد فرصة للاستحمام الذي لا ينتظر دورا ولا إذنا من أحد " [1]

     الأحداث في هذه الرواية   غير متوقعة، ليس لها أي قانون ارضى ولا سماوي يحكمها، فهي خارجة عن المألوف  و غاية في العبثية   ، أغلبها مشاهد كابوسية للقتل و التعذيب يتفنن زبانيتهتا بغرابة طرقها وأساليبها .: " وضعوا رأسي في برميل ماء حار، وارتفعت يداي المكلبشتان خلفي،و التزمني من الخلف عسكريان يضغطان بقوة على مؤخرة رأسي ليبقى غارقا بأمله في الماء بدأت أختنق، مرت علي ثوان كأنها سنين أو دهور ... ضغطت بأقصى ما أستطيع من قوة محاولا إخراج رأسي من الماء .. صرت أرفس برجلي من حلاوة الروح ، و انضغط بطني على حافة البرميل ... و أيقنت أني ميت لا محاله .... و ارتخت رجلاي و كف رأسي عن المقاومة "[2]  ليس لأي حدث أسباب و لا مقدمات  فقط  هي لوحات للالم  و المعاناه الانسانية بابشع صورها ، و اكثرها هولا و غرابة

" _ الكل جوا ... لشوف ..

كان على المئة و الخمسين أن ندخل من باب ضيق في ثوان قليلة تدافعنا ، كالغنم الهاربة من الذئاب. انحشرنا عند الباب تهاوت على قمع الرؤوس السياط. تعثر بعضنا بالعتبة . سقط بعضنا الآخر و ديس بالأرجل، اشتد الزحام و الضغط، انزلقت أجسادنا إلى الداخل نال أكثرنا نصيبه من الصفع أو الركل أو الشتائم . .....كان هذا تمرينا على الدخول !!!"[3]

و القسم الاخر من الاحداث هي مشاهد مأساوية  لموائد الموت  و مسلسلات الاعدام  التي تقدم كل يوم  و بطرق مبتكرة .يتسابق جلادو السجن في ابتكارها و التفنن فيها ." تجمع عليه أكثر من خمسين حارسا... استل أحد السفاحين سكينا كبيرة. ثبتها على عنقه و ذبحه كما تذبح الشياه . نفر الدم في وجه السفاح . ..مسحها بطرف كمه و تابع عملية الذبح كما لو كان يذبح دجاجة. انبعجت الرقبة بان البلعوم و تشرشبت العروق. جزه بحقد  أشد .ففرطت "[4]

حيث إن السجون السورية تقدم شيئا واحدا لنزلائها لا ثاني له و هو  الموت و بجميع النكهات و بشتى الطرق المعروفة  والتي لم تخطر على بال بشر ....أرواح البشر ليس لها أي قيمة حيث يمكن أن يتخذ الجلاد الاكبر من هؤلاء التعساء أهدافا للعبة رماية حيث " أسقط في طريقه ثماني جثث و خرج كأن الامر مجرد تصويب على أهداف في مرمى عسكري ذات يوم تدرييبي . "[5]

. نهاية هذه الملحمة الماساوية جاءت أيضا ككل أحداثها مفاجئة و صادمة  أفرج عن  البطل دون سابق تمهيد بدعوى إعفاء من الرئيس 

" -الرئيس عفا عنكن .

هبطت الجملة الاخيرة كالصاعقة على رأسي. حاولت أن أستعيدها لأفهمها، توقفت عندها لأعرف ما تعني .... نظرت في داخلي ... بكيت ... انهمرت دموع غزيرة على خدي ... لم أبك فرحا، كان شعورا بالمهانة يدفعني لذلك !!

عفوا !!!!! عم ...؟!!!و ممن....و لماذا ؟!!! " [6]

الشخصيات في هذه الرواية تنقسم إلى قسمين :

1: شخصيات فاعلة

و هذه  التي تقوم بالأحداث في الرواية  و  هي شخصيات الجلادين  و زبانية التعذيب و كل ما هو محسوب على السلطة من أطباء و حراس و مسؤولين  ..هؤلاء كلهم يحملون نفس الصفات و هي غاية في الشر و التوحش و عقولهم تتفنن في ابتكار طرق الإجرام يدفعهم  كم هائل من الحقد و التشفي و الرغبة في إيلام الاخر ...نفوس  مشوهة مريضة لا تنتمي الى الإنسانية و لا  ترقى حتى الى الحيوانية ...

أهم تلك الشخصيات  هو أبو نذير مدير السجن و الذي ميزه  الكاتب  بتحليل و وصف شخصيته بكل أبعادها  كنموذج للشر المطلق،  فقد قال عن بعده  الجسمي : " كانت هيئته توحي بأنه من وحوش الكواكب الأخرى الأسطورية ، طويل القامة ، مليء الجسم،  مغضن الوجه، غليظ الكفين.... أما صوته فأجش، لا أدري لطول ما سكر، أم لطول ماحشش و أما رائحته فأحسست أنها كريهة تشبه رائحة الجنزرة أو تجمع الزبالة في مكب النفايات ... وأما شارباه فكانا غليظين، سميكين، أسودين، ... أما عيناه كانتا ضيقتين تغوصان في تقاطيع و جهه المنتفخة، و كانتا – مع صغرهما- تقطران لؤما و خبثا و ذكاء ."[7]  و قد اطلق عليه بطل الرواية لقب  الجلاد الأكبر  بكل ما تعنيه هذه الكلمة من قسوة  و غلظة و شهوة مرضية للقتل و التعذيب و الحقد الأعمى و الاستهانة بأرواح البشر إضافة إلى طمعه و جشعه للمال  الذي  حوله إلى حيوان يأكل و لا يشبع.

 ثم شرح الكاتب مآلات هذه النماذج من الشخصيات حين ينتهي دورها،و يتخلى عنها أسيادها، حيث عرض النهاية المأساوية و المفجعة لهذه الشخصية  إشارة الى العدالة الإلهية التي ستحاسب الطغاة في النهاية و تقتص منهم ...فقد كانت نهاية أبو نذير أفظع من أي نهاية كان هو السبب فيها.

مما يندرج تحت هذه الشخصيات هم أطباء السلطة  الذين حلفوا اليمين الطبي، و قد تعجب منهم البطل الذي كان مهنته هي نفس مهنتهم : " كان الأطباء الجزارون يخزون بالإبرة كل شبر في جسدي، بسبب و بدون سبب، و كانوا يستخدمون المقص لقص أجزاء من اللحم، دون أن يطرف لهم جفن، أو يتحرك لهم قلب... و لم يكن صراخي من الألم يعنيهم من قريب و لا من بعيد .... و في لحظات كنت أميل إلى الاعتقاد بأنهم ضباط سفاحون لبسوا قناع الطب، و هو منهم براء "[8]

و قد أتى أيضا الكاتب على وصف الجلادين الصغار  بألقابهم الذي وضعها المعتقلون لهم  اعتمادا على بعض صفاتهم الجسدية او بعض  المواقف الطريفة التي تصدر منهم فهناك مثلا  " ابو عمري " "أبو سمرة " " أبو الشوارب " " أبو بمسي "  الاسماء و الألقاب هنا  لا تهم  المهم هو أفعالهم  التي لا تنتمي الى أي صفة  إنسانية و قد حاول الكاتب  الوصول  إلى دوافع هذه الشخصيات وأسباب كل هذا الحقد و الضغينة و الشر الذي يملأ نفوسهم فلم يستطع   فدوافع هذه الشخصيات و تحليلها  لا يصل إليه  تصور إنسان  ذي فطرة طبيعية سليمة  و لذلك فقد ظل يحاول فهم  هذه الشخصيات و دوافعها  و يتساءل تساؤلات  حائرة  :" هؤلاء الذين يتفننون في تعذيبنا : ماالذي يدفعهم إلى ذلك؟! ما السر الذي يجعل قلوبهم تمتلئ نحونا بعاصفة هوجاء من الحقد الأعمى ؟! ما السحر الذي يأخذهم فيجعلعم في غيهم يعمهون، .... من أين جاء هذا الحقد الأعمى الذي يتحول إلى حمم براكين متفجرة، و شواظ نيران مستعرة، فينصب على أجسادنا الواهنة ... .. لا أذكر أننا قتلنا أحدا منهم أو قريبا لهم ... أو حتى أذيناه بسلوك أو حتى كلام ..." [9]  و قد  استطاع  الكاتب في النهاية أن يصل إلى  تفسير  لهذه القضية  المحيرة خاصة عند صغار الجلادين الصغار الذين ليس لهم مصالح  و مطامع كبرى مثل أبو نذير و المسؤولين الكبار  فتبين له أن الحراس الصغار قد يتعرضون للإعدام لو أنهم تساهلوا أو تعاطفوا مع أحد المساجين :" من إذا  يخاف من ؟!من يحمي[10] من ؟! صارت بالنسبة لي كثير من تصرفات الحرس مسوغة. صرت أفهم لماذا يتصرفون على هذا النحو. إنهم يحمون أنفسهم بإيقاظهم قوة الشر النائمة في أعماقهم!! تأكدت أن الوحوش ليست كلهاوحوشا متشابهة. هناك وحوش أنيابها أطول، مخالبها أحد، أشداقها أوسع"[11] 

2-: شخصيات متكيفة 

و هذه  لا تملك فعل الحدث  و لا أن يكون لها ردود فعل عليه  و لكن مهمتها في الرواية هي التكيف مع  كل مكونات السجن  ..مع الذل و الهوان   مع ألم التعذيب و جراحه ... مع المرض المزمن الفتاك ... مع الجوع  و المسغبة ... و هؤلاء  المتكيفون هم سجناء  السجون السورية  بكل أشكالهم و صنوفهم  و رتبهم الاجتماعية و الثقافية .  و أيضا  للتكيف درجات فنفوس البشر معادن أمام النار ..و أي نار ؟!!. فمنهم من مات قهرا و منهم من ضعف و اعترف ثم مات أيضا و منهم من جن .. و منهم من وصل به  الجنون إلى الكفر و من ثم مات أيضا ... فكل الدروب في السجون السورية تؤدي إلى الموت ..

في الرواية يتساءل بطل الرواية  : هل التكيف مع الوضع القائم مهانة أم عبقرية ؟! ثم يجيب نفسه و يقرر : " أعدى أعداء السجين كرامته . تقف مثل رمح في وجهه : إما أن يحملها و يقاتل بها و من أجلها . أو ينحني أمامها لتدوسه أقدام العابرين ؟  ذبوح هو على الحالتين و هل الخيار في سجن مثل تدمر إرادة ؟! أم أن الإرادة نفسها انذبحت على عتبة البوابة التي عبر ت منها الالاف البشرية القابعة في هذه الصحراء المهلكة ؟!" [12]

 التكيف عند هؤلاء الأبطال كان  مظهرا للتحدي و الثورة فقد كانوا  يبدعون في طرق التكيف كلما أمعن جلادوهم في ابتكار طرق العذاب و القهر و التضييق ،  فالصلاة  التي كانت ممنوعة حتى تمتمة ابتكروا وسيلة  و مكانا لصلاتها جماعة  و حتى لو انهم صلوها أمام الحمامات  لايهم ..المهم أنهم تحدوا إرادة سجانيهم .. التفكير الحر الذي ليس عليه رقابة أيضا كان نوعا من التكيف و  تحديا  كبيرا و نصرا على سجانيهم "  في كل أنظمة الطغيان في العالم يملك الجلادون كل شيء في المعذبين إلا التفكير، يمارس المقموع حريته في التفكير. يلج عوالم لا يستطيعها بغير ذلك تصبح حرية التفكير معادلا موضوعيا للحرية الكبرى"

  الشخصية المحورية في الرواية هو البطل و هو المضطلع بمهمة الراوي و هو شخصية "الطبيب إياد " ابن فلاح بسيط  من إحدى القرى السورية و هو أيضا بطل في التكيف و التحايل على الموت، و هذا ينم عن ذكاء قادح وقدرة كبيرة على التحمل و الصبر وهو يملك شحنة إيمانية كبيرة حصنته و ساعدته على تخطي  سنوات السجن العجاف. شخصية البطل شخصية نامية و ديناميكية و قد تطورت بشكل ملفت في السجن  فابتكر أساليب و طرقا في التكيف مع حفلات التعذيب   حتى صار يعطي السجناء المستجدين دروسا في هذا الفن .ساعده في ذلك كونه طبيبا .. يقول عن نفسه :" كنت في البداية أتحد معي في مواجهة الخوف القادم، أضم قلبي و عقلي إلى جسدي من أجل احتمال الالم . صارت المشاركة ألما يتوزع على هذا الثالوث، قررت في إحدى مراحل التعذيب أن أنفصل عني "[13]

 لقد أضفى الكاتب على البطل صفات  خلقية سامية،  مثل العطاء و التضحية  و كل صفات الرجولة و الشجاعة،  و لو أن الكاتب قد بالغ في تضخيم هذه الصفات لدى البطل مما أوقع  الشخصية في تناقض واضح و ذلك في موقف  اعتراف البطل بتهمة الاتجار بالأسلحة . و هل يمكن بعد كل ذلك الحذر أن يقع في خطأ فاقع كهذا ..الموقف الثاني هو الرد على الضابط بعد سماعه خبر  الإفراج عنه  بعدما كان قد فقد النطق و الكلام  من طول  ضغط السجن و معاناته  و هذا لا  يتفق  مع  لهجة التحدى  الصارخ الذي رد بها البطل على  جلاده الأول (هشام) و هو آت لاخراجه  حين قال له :         " _ لقد كنت أحد أهدافي الرئيسية من بداية الثمانينات ...

_ ما صار شيء .... إذا شئت ابدأ  الآن من جديد (أجبته و أنا أهز كتفي بلا مبالاة، و بثقة  أنا نفسي تعجبت منها )

_ بودي .... و لكن الرئيس بقلبه الكبير عفا عنك .

_ عفا عنا ؟! أي نوع من المجرمين كنا حتى بقينا في السجون سبعة عشر عاما !! كنت اتمنى أن أكون مجرما لأسحق كل ما حدث ."[14]

نماذج مؤثرة  في وجدان البطل

نموذج الأب عند شخصية  البطل  قد صورت و طرحت  بطريقة  مجحفة  و سلبية ، فقد بالغ الكاتب في تصوير  قسوتها و استبدادها حتى قارب بينها   و بين ظلم الحكومة  في أكثر من مرة .

نموذج الابنة و قد اختزلت كل معاني الأنثى في وجدان و مخيلة  البطل و قد كانت هي الحلم الذي يهرب إليه  كلما اشتدت  عليه لحظات العذاب و الألم  يقول : " في الغيبوبة تراءت لي (لمياء) تمسح الدم و العرق عن وجهي، ابتردت النار التي تلفح وجهي، نهضت كما لوكنت في رقدة خفيفة حملتها بين يدي خاطبتها : لقد كبرت يا شقية ... أصبح عمرك ثلاث سنوات ....

ردت بضحكة ساحرة ... و استمرت بالنقر بإصبعها على أنفي ... يداها اللينتان أزالتا كل ألم كنت أشعر به، دمعت عيناها .عرفت أني لن  أراها ، احتضنتها طويلا . شممت شعر رأسها الاسود. عبثت به، حركته ذات اليمين و ذات الشمال ، ثم انفجرت بالبكاء من جديد " [15] لقد كانت  هي المخلصة  و المعينة  على عذابات السجن و أيامه السود و قد امتدت لحظات الحلم بها على طول الرواية و عرضها، كواحات ظليلة  باردة في قيظ صحراء جهنمية  الأجواء .. بينما غابت  في المقابل صورة المرأة الزوجة و الحبيبة  و لم تذكر إلا في آخر صفحة من الرواية  بشكل مقتضب  و متحفظ جدا و لعل هذا الموقف كان بتوصية من صاحب الحكاية  و قد التزم الكاتب به .

أيضا نموذج الأم   الحانية و الحامية من ظلم الاب و قسوة الحياة ظهرت بشكل معتدل و منطقي .

 _ شخصية "محمود الفحام " و قد اهتم الكاتب بوصف هذه الشخصية  و دراستها فهي شخصية مثيرة للاهتمام   فهو أحد رجال (جماعة الاخوان المسلمين  )  الذي دوخ  السلطة  و مخابراتها و هو  نموذج للثائر الشجاع العبقرى  الناجح بكل المقايس " مغامر و مجازف، قليل الكلام صحيح، و لكنه خطيرالفعل ... هرب بعض المساجين  من سجن  "كفر سوسة " ...و كان أول من تجرأ أن يجعل بيته مأوى لهم، و يسخر طاقاته وذكاءه الحاد، و سريته العميقة في خدمة الإبقاء عليهم خارج دائرة القبض "[16]  و لكن كل هذا الذكاء و القوة و العبقرية النادرة انهارت أمام  عبقرية الإجرام الهائلة  التي تتمتع بها المخابرات السورية  ... " الحصان الذي راهن عليه كل الناس، حتى راهن على نفسه، كسب الجولات جميعها.لكنه تعثر و هو يتقدم إلى خط النهاية " [17]

_ شخصية  الشيخ فاروق  و هو نموذج  لرجل  الدين الايجابي الرقيق الحاني  الهادئ   المرن المتفهم  البعيد عن التعصب و  قد أضفى الكاتب  على هذه الشخصية هالة من الحصانة و البركة  و الهيبة  حتى في نفوس السجانين و ابو نذير نفسه الذي امتنع عن سرقة ما كان يصل الى الشيخ فاروق من أهله  من هدايا و هبات كان يوزعها على المساجين و يدخل الفرح الى قلوبهم .لقد " كان الشيخ فاروق نقطة مضيئة تنبت بالسعادة في جو مظلم يرشح بالكآبة ..... كان تفاؤله صمام أمان لمهجع  يكاد يهوي في وادي اليأس ... هذا الشيخ الودود، القريب من القلب، الذي لا يختار إلا أسهل الامور و لا يتعصب لرأي أو موقف "[18]

_ قسطنطين المسيحي الشيوعي  الشخصية  اللغز الذي أخذ سره معه إلى قبره ... شخصية أثارت الجدل و البلبلة  و الاختلاف حتى بعد موتها  و أثار الكاتب بواسطتها بعض القضايا الفقهية و الفكرية الاسلامية .. و هو مسيحي علامة في القرآن الكريم و علومه  و في اللغة العربية و آدابها ... أخذ عنه السند الكثير رفاقه في المهجع و منهم البطل ...

_ العميد  شخصية عسكرية  صارمة  وعبقرية نادرة  في القيادة  و لكنها قمة في العطاء و الإيثار عين كرئيس للمهجع وتعامل مع كثير من مشكلاته  بمسؤولية  عالية.

_ الزعيم  شخصية  مرحة  ديناميكية  و لكنها غاية في الغباء و بطيء التعلم  ..مخلصا   متفانيا في خدمة  رفاقه السجناء و قد كان نافذة  نزلاء المهاجع  ووسيلة الاتصال الوحيدة بينهم  بسب اختياره للعمل في  توزيع التموين بين المهاجع ...

_ شخصية المهندس أحمد الأخ الاصغر للبطل و الذي  اكتشف انه في سجن تدمر  من خلال تجوال الزعيم  في اروقة السجن  والذي  يأتيهم بأخبار المهاجع الاخرى ... لم يلتق به بالسجن فظل وصف هذه الشخصية  يتداعى في السرد  من خلال  ذاكرة البطل  "كان أخي سهل المودة، بسيط السلوك، ودود المعشر، ...لم يؤذ في حياته و لو هرة صغيرة ..." و كان نهاية هذه الشخصية كأغلب النهايات  موت على عود من أعواد مشانق هذا الغول البشع ...مضى قمرا ككل الأقمار التي ارتقت إلى  خالقها هناك ... " مشى إلى المشنقة ، واثقا هازئا،... أعرفه تماما كان يمشي ساخرا من كل ما يحدث، غير عابئ بكل ما يجري من ترهيب و ترعيب .... احتاج الجلاد إلى أن يرتقي إلى هامة هذا البطل المغوار... نظر أخي في عينيه فارتجفت ساقا الجلاد .... لم يعتد الجلادون في حياتهم على عينين مثل عيني أخي تفيضان بكل هذا العطف و المودة .."[19]

يتبع في العدد القادم

               

1ايمن العتوم [1] رواية "يسمعون حسيسها " ص 9

[2] ايمن العتوم رواية "يسمعون حسيسها "ص77

[3] أيمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص102

[4] ايمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص114

[5] ايمن العتوم .رواية يسمعون حسيسها ص289

6أيمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص116

[7] أيمن العتوم . رواية يسمعون حسيسها ص95

[8] أيمن العتوم . رواية يسمعون حسيسها ص85

[9] أيمن العتوم . رواية يسمعون حسيسها ص205-206

[10] أيمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص147

[11] أيمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص140

[13] أيمن العتوم . رواية يسمعون حسيسها ص 76

[14] أيمن العتوم روايى يسمعون حسيسها ص357

[15] ايمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص 78-79

[16] ايمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص 58

[17] ايمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص 84

[18] أيمن العتوم .رواية يسمعون حسيسها ص300

[19] ايمن العتوم رواية يسمعون حسيسها ص199-200