وقفة مع كتاب "السرد وأسئلة الكينونة"

وقفة مع كتاب "السرد وأسئلة الكينونة"

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

بدعوة وتنظيم من الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء كان قد عقد مؤتمر عُمان الأول للسرد، وذلك ما بين (8-10/12/2012)، وقد شارك فيه نخبة من الأدباء والباحثين العرب، وهم: الروائي الجزائري واسيني الأعرج، ومن المغرب الدكتور رشيد يحياوي، ومن تونس الشاعر منصف الوهايبي، والدكتور حاتم الفطناسي، والإماراتي نواف يونس مدير تحرير مجلة دبي الثقافية، والمصريان الأستاذ الدكتور عبد الرحيم الكردي والأستاذ الدكتور محمود الضبع، ومن سلطنة عمان يقدم الكاتب محمد عيد العريمي شهادة إبداعية حول تجربته الخاصة بالسرد في كتابه "مذاق الصبر" الذي تحدث فيه عن معاناته بعد إعاقته الدائمة بسبب حادث سير مفزع.

وقد جمعت أبحاث هؤلاء المشاركين لتكون ضمن دفتي كتاب من تحرير الدكتور حاتم بن التهامي الفطناسي، ليصدر ضمن سلسلة كتب مجلة دبي الثقافية، ليحمل الرقم (77)، وصدر بشهر فبراير عام 2013.

كتاب يحتاجه المثقف العربي والروائي والمؤرخ الأدبي والناقد، كتاب يكشف عن آليات الكتابة السردية، وتشابكها مع الواقع بكل تجلياته، كتاب يشكل إضافة مميزة للمكتبة الأكاديمية والبحثية العربية؛ لما فيه من جهد متواصل نحو مقولات الرواية العربية وقضاياها المعاصرة، بأول شروط الكتابة الإبداعية وهي الحرية ومقاومة العفن الذي أصاب الحياة العربية وكيف واجه السرد العربي هذه الإشكالية وكيف سعى إليها وكيف حثّ عليها، مؤكدا أهم سؤال يبحث في الكينونة وكيفية تحققها الواقعي والفني، بالإضافة إلى موضوعات التحرر والانعتاق من التبعية ومواجهة الفقر والجهل والمرض، ومناقشة مسألة التطرف بكل أشكاله، والنظرة إلى الجسد والتاريخ والأفكار الكبرى الجمعية والذاتية.

كما أن هذه البحوث تعرف المثقف العربي بجوانب من الجهد السردي العربي بامتداد الجغرافيا العربية الحافلة بالإبداع ومنافستها للجهد السردي العالمي ووصول بعضها للعالمية، واستحقاق بعضها التقدير العالمي سواء في الترشح لنيل الجوائز العالمية كالبوكر ونوبل، أو في انتشارها عالميا بترجمتها وتعريف القارئ غير العربي بها.

وتقف البحوث المقدمة عند آليات السرد في الأجناس الأدبية (الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية)، فتبين الأبحاث في جانب منها آليات السرد وأنواعه، قديما وحديثا، وكيف تطورت الرواية لتسير في أفق حداثي وما بعد حداثي بآليات جديدة، ليس فقط من أجل التجريب، بل لأن الشكل يحمل أحيانا جزءا من المضمون، فتحدثت الأبحاث عن التناص وتقطيع النص، وتداخل الشعري مع السردي، وتوظيف اللغة المكثفة والرمزية، والاستعانة بأدب الرحالات، والمفارقة بأنواعها المختلفة والأسلوب الساخر، وتوظيف الأساطير، أو أسطرة الأحداث، وما إلى ذلك من آليات السرد في الرواية والقصة القصيرة.

ومما قد يأخذه الدارس على الكتاب على الرغم من أبحاثة الجادة والجهود المباركة التي أخرجت هذا الكتاب وهذا المؤتمر، عدم تطرق الباحثين إلى مجالات سردية لها حضورها الفاعل، فغاب الحديث عن السرد المسرحي، والنص النثري السردي الوجداني المفتوح، وكذلك لم يكن لقصص الأطفال نصيب من أوراق المؤتمر، مما يستدعي أن يكون هناك مؤتمر خاص لبحث أدب الأطفال وآليات السرد وتقنياته التي هي مختلفة بالتأكيد، وليس شرطا أن تكون تقليدية، بل أصابتها رياح التغيير مثلها مثل غيرها، وعلى الرغم من ذلك أقول: كل جهد عربي ثقافي والثقافة واالمثقفين بألف خير.