بدل رفو لوعة وصرخة وشوق وعشق سرمدي لعوالم الحياة الحضارية

عصمت شاهين الدوسكي

بدل رفو لوعة وصرخة وشوق وعشق سرمدي

لعوالم الحياة الحضارية

بدل رفو المزوري

[email protected]

عصمت شاهين الدوسكي

لحظات البكاء

قد يدنو الفرح عندما نرى لحظات الخلود .. لكن في النهاية نؤمن ان لا عصر للخلود .

لحظات البكاء ليست من فراغ .... بل من نبع الشقاء .

في الساحة الادبية الكوردية والعربية لا احد منا الا ما ندر لايعرف الاديب المبدع بدل رفو .. الانسان الرحال بين مدن هاربة واحلام تستغيث من دم ونار ..وبين اسراب الطيور المهاجرة من كوردستان العراق الى المغرب الجميل وجنان المدن المتعلقة بالتمدن والحداثة والة التقدم العصري .. بدل رفو جمرة تتحول من نار الى نار ولا يطفئها رماد او غبار ..بين صحوة تركت هنا وحلم ترك هناك , بين اثار زمن عاشق ومعالم لحضارة زاهية لعصر حديث .. يحمل الجبل والنرجس في يد ... والنار والدم في يد اخرى .. يمضي في دروب شائكة يجر جراحات العراق . يخرجها من قمقم الدياجير المدهمة . يحاول ان يضعها في مسار خيوط الشمس المشرقة بالامل والحب بالرقي والوعي والحضارة السامية .. بالزمان والانسان .. يعلو صوته بين ناطحات السحاب وبين اروقة المشاهدات والمواقف الادبية والشعرية والسينمائية ..  يقف على مسرح الحياة , ليقول  لاتسدلوا الستار ... انا هنا احمل العراق , احمل قلب كوردستان .. وهكذا يهاجر كالسندباد البحري , بين حين واخر على سفح جبل وضفاف نهر ,بين ارصفة ممزقة بالفقر والجوع والحرمان , واطفال يتامى حيارى عراة يبكون على حلم رغيف خبز ...

تتميز قصائد بدل رفو باللوعة والصرخة والشوق والعشق السرمدي لعوالم الحياة الحضارية .. عندما نبحر في قصائد الرحال المبدع بدل رفو .. لا يمكن ان نمر عليها دون ان نتوقف , يملأ فكرنا الصمت ونحاول ان نعيد انفاسنا ..نبحر معه في عوالم نائية مجهولة حينا وغير مجهولة حينا اخر ..عوالم مثيرة بالمواقف الانسانية , صاخبة بالعواطف الذاتية , والصور الروحية والحسية ..التي ترتطم بجدار الواقع المأساوي  الذي يطل علينا من خلال تراكمات الزمن والهالات الشعرية الرمزية ... وتجسيد الافكار المبعثرة المتروكة بين الجراحات .. بين بناء حضارة  متقدمة وبين المدن الهاربة والارصفة المغسولة بالمطر تارة  والمغسولة بالدم تارة اخرى ...

نقف لحظات مع روح قصيدته  ( لحظات البكاء )  التي كتبها بالكوردية وترجمها للعربية , والقاها في لقاء معه في برنامج لأذاعة  دهوك في كوردستان العراق , اجرى اللقاء معه الاستاذ عصمت خابور , قد يكون عنوان القصيدة لحظات البكاء حزينا مأساويا كيف لا وهو يحمل كل هذه المكابدات والنائبات العصرية .. كل هذ الكم الهائل من المعانات من الذكريات  من قريته الجميل شيخ حسن , قضاء شيخان ... من دهوك عروسة كوردستان .. من الموصل سلة خبز الفقير .. من بغداد عاصمة الرشيد .. الى عوالم المدن الحضارية المغربية والاوربية والاسيوية انها نائبات الردى ومكابدات ازمنة عتيقة ... حاضرة في ازمنة الرقي والجمال .. وازمنة القيود والمحال .. توارت صوب الاسى والحزن , ومرارة الروح المهاجرة التي تحمل حلم جميل , حلم الانسان المعاصر .. والفكر المعاصر  , حلم لحضارة سامية ... وبين الحلم واللا حلم .. وبين الغفوة والصحوة ... يتسائل أكان الحلم خرابا ؟

قد يدنو الفرح عندما نرى لحظات الخلود ... ولكن في النهاية نؤمن ان لا عصر للخلود .. فتكون الكلمة الحاسمة والحالمة للدموع .

مكابدات السنين الغابرة

نهاية عصر

وتوارى الشفق في الافاق السامقة

صوب المرارة

السنون والايام متأججة

أكان الحلم يبابا ؟

والمصير نهاية

الفرح شيخ جبلي

واقتربنا من سلالم

عصر الخلود

لكن كانت

لحظات بكاء

لا شك  ان مرارة الواقع المأساوي  نجرعها ان شئنا ام ابينا .. لأننا جزء من هذا الواقع , ورغم المأساة يأخنا حلمنا الجميل لحظات الى عنان السماء الصافية ..نحلم بالاميرة الفاتنة , ونسمع اغان جبلية  تمتزج  بالفرح والالوان الزاهية , والطبيعة الساحرة , نحملها في محراب نجوم روحنا , افكارنا , خيالنا , ولا نشعر انها قد تحترق في ظلام الجهل , في ظلام العبودية والاقطاعية والمادية العصرية ...ربما نتحمل كبشر .. ولكن احلام نجومنا لا تتحمل .. تحاول ان تجد الخلاص وعندما تجد ثغرة في الروح ..تفر النجوم هاربة الى مكانها الصحيح الهادىء الجميل ... وهكذا يكون الفراغ الفكري بلا حلم .. فتهب وتنتشر خفافيش الليل .. المظلم .. بين قيود الروح  يتوارى الفرح وتبدأ لحظات بريق العيون مدمعة ... لتسيل العبرات على الاحلام الهاربة .

المرارة ارتشفناها من ثغر الفاتنة

اغان جبلية

حملنا النجوم  في برادعنا

لتحترق في الظلام

وحين قدم السياف

وامتشق سيفه

دب الظلام

وفرت النجوم

وانتشرت خفافيش الليل

وكانت لحظات البكاء

البحث عن الخلاص في رموز ( سبارتكوس .. وصهيل طروادة  ) من العصور القديمة ... وكأن الخلاص لا يأتي من العقول العصرية الانية ..وهي صورة شعرية بطولية وفي نفس الوقت مأساوية .. المأساة التي قدرت لها ان تكون ... تفرض نفسها على ارض الدم والنار .. لتنثر الورودوالسلام  وتقبل الاطفال بصورة عصرية .. لكن هذه الصورة الخلاصية توارت ... رحلت عن انظار الروح والقلب  لتبقى الاحزان محلقة على بساط الحياة .. اذا كيف الخلاص ..؟ من دجنة القيود ورحلة المفقود ..من دجنة السياف الذي يقطع الانفاس .. من الجهل القاتل للابداع  , للحرية , لجوهر الانسان  .. الى متى يبقى النفاق والاحتراق ..؟ الى متى يبقى التملق والاقنعة المزيفة ..؟ الى متى يبقى الباطل .. بطلا ...؟ الى متى اللصوص يحكمون مدينة بلا لصوص ..؟ الى متى يكرم المبدع في بلاد غريبة , وفي بلاده يحارب بالوان غريبة من المحسوبين على الثقافة والانتهازيين..؟ اسئلة كثيرة تحتاج الى يد من السماء .. لتغير ما لا يتغير ..على ارض الواقع المؤلم ...الحاجة الى الخلاص  .. هي من ديمومة الحياة الحرة الكريمة ... وبدونها تتجسد لحظات البكاء ...

من بعيد

ومن العصور القديمة

لمحنا ( سبارتكوس ) اتيا

وصهيل ( طروادة ) في ديارنا

متناثرا

قدموا لنا

لينثروا ورود السلام

ويقبلوا اطفال الدم والنار

لكنهم تلاشوا عن الانظار

وعمت المعمورة الاحزان

وكانت لحظات بكاء

ينتقل بنا المبدع بدل رفو الى حلم العودة الى حضن الوطن الجميل .. بعد رحلة حب وعشق وعذاب ...بعد رحلة الانسان في بلاد غريبة ...ومدن هاربة وعمارات شاهقة  .. بعد رحلة الشقاء والبقاء بين الفقراء والبؤساء ...بعد رحلة ان اكون او لا اكون ...كأنه يسير او سار نحو جبل شامخ .. بيده نرجسة السلام .. نرجسة العودة الى حضن الحبيبة ... لحضن الحلم الذي راوده منذ الطفولة ومدار رحلته الشاقة حول العالم  ... وكأن النرجسة لمست ألم وبؤس واقع هذا الحلم الجميل  .. فأبت ان تكون كما ارادوا لها ان تكون ...فانفجر الصدر و الفؤاد ليعلن لحظات البكاء .

صوب جبل شامخ

سيري

احمل نرجسة بين اناملي

لتقبل حسناء الجبل

وحين اتت

حلقت النرجسة

حطت بين خصلات شعرها

لحظتها انفجر صدري

واخبرت فؤادي

استظل لحظات البكاء ؟

اجل يا فؤادي

ستظل لحظات البكاء

لحظات البكاء هي صرخات في وجه الواقع ... ودعوة انسانية محترقة الى السلام ..الى حقيقة العوالم الجميلة .. بعيدا عن الزيف والتملق .. بعيدا عن الجهل والظلام .. دعوة الى الخلاص من عبودية الانسان لاخيه الانسان .. بدل رفو .. استطاع ان يكون في عالمه صقرا يحلق عاليا ... ويبث من خلال سماءه الصافية ما يلج في اعماقه واحساسه المرهف .... تمكن ان يجسد صور غريبة برموز اغرب .. لواقع الحال .. وفي نفس الوقت صورة الخلاص تأتي من التغيير نحو الافضل من اجل الانسانية  .. الحرة الكريمة ... وان البكاء  لا يأتي من الفراغ بل من نبع الشقاء .

بدل محمد طاهر يونس ( بدل رفو ) من مواليد 1960 قرية الشيخ حسن ، قضاء شيخان  .. اكمل دراسته الابتدائية والثانوية في الموصل .. تخرج بقسم اللغة الروسية كلية الاداب جامعة بغداد  عام 1985م

بدأ بالنشر نهاية السبعينات باللغة العربية في جريدة الحدباء الموصل .. واكب نشر نتاجاته الادبية والصحفية باللغتين الكوردية والعربية  في دوريات العاصمة ومنها ( الاقلام , الطليعة الادبية , بيان , هاوكارى , رو شه نبيرى نوى , الثقافة , العراق , باشكوى عيراق وغيرها ...)

يغيش بدولة النمسا  منذ عام 1991م

اقيمت له عدة امسيات ومهرجانات ادبية .. واقيم له مهرجان تكريمي في دهوك كوردستان العراق ..يوم 7/10/2010والذي يعد اول مهرجان في تاريخ العراق يكرم فيه الشعب احد ابنائه

حاز على شهادات تقديرية في كثير من الدول .. يجيد عدة لغات الكوردية والعربية والالمانية والانكليزية والروسية  .. ترجمت قصائده الى عدة لغات العربية والانكليزية والالمانية والفرنسية والايطالية

اصدر له اكثر من  ( 13 ) كتاب ادبي تنوع بين الترجمة والشعر

اصدرت له دار النشر  ( فايس هاوبت ) النمساوية كتاب هو الاول من نوعه , يسرد رحلة ومشوار اديب وصحفي وكاتب كوردي عراقي ( بدل رفو )  الذي اجتاز حدود المحلية الى العالمية تحت عنوان ( بدل رفو صقر من كوردستان ) للروائية والشاعرة النمساوية ( انغيبورك ماريا اوتنر ) .