تخصيب أم تحطيب؟..

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

الكتابة على الكتابة, فتح لمنغلق و تقريب لبعيد و تشريح لمكثف وتبيان وتوضيح لمشكل من النصّ.. الكتابة إبداع على إبداع و فتح لأبواب موصدة في وجه القارئ لا انغلاق في مصطلحات صنميّة حجريّة وإغراق في النمطيّة البغيضة التّي تقتل الكتابة الإبداعيّة وتخنق الأنفاس الجميلة فمن شروط الكتابة ذاتها تحرير العمل النقدي من " الانغلاق السيكولاستيكي.. الأكاديمي.. المدرسيّ.." الكتابة تقريب وخلق صلات مع الواقع لا تعميق الفجوة بين الثقافة والمجتمع.. الكتابة تخصيب ولا تحطيب.. الكتابة بناء متراص متين لا ترصيف لكلمات حجريّة لا روح فيها و لا انسجام.. الكتابة بعث و إحياء لا موت وإفناء.. الكتابة زيادة ونماء لا خسارة و خسران.. الكتابة حياة بل هي روح الحياة وعصارة الوجود وماء الخلود.. الكتابة انتقاء وتركيز واستهداف وإعمال عقل وترصّد وغاية...

وكما يقول العقّاد" من صحّح مقياسا للأدب فقد صحّح مقياسا للحياة"..

والملفت للنظر في  واقع الكتابات النقديّة التّي تنشر هنا وهناك وخاصّة ممّن يتّخّذون المنهج التفكيكي مطيّة لكتاباتهم النقديّة المريضة.. ترى أنّهم يفكّكون مفكوكا ويهدمون أنقاضا ويبنون وهما ويشيّدون أوهاما يحشرونها بمصطلحات وكلمات صمّاء.. خرساء دارجة على ألسنة المهووسون بثقافة غربية مستعرضين عضلاتهم المعرفيّة ومتبجّحين بأفكار مستوردة وأحيانا كثيرة ما تكون مسروقة.. وفي النهاية هم يزيدون النصّ غموضا وتعقيدا والنصّ واضح صريح ومكشوف.. و ما زادوا الليل إلاّ ظلاما.. بل جعلوا النهار ليلا فقط لأجل أن يستعرضوا عضلاتهم ويبرزوا خواءهم وفراغهم الفكري..نقّاد بل هم أنصاف يعانون من تضخّم الذّات وانتفاخ الأنا وتورّمها.. كتابات تعتمد لغة علميّة كاذبة يضيق بها صدر المرء وتختنق بها قلوب القرّاء.. هذه هي الأكاديمية الضّارة البغيضة حسب تعبير ايلينجتون الأنقليزي..

لمن نكتب..و ماذا نكتب.. والأهمّ كيف نكتب؟.. ليست الكتابة عبث ولعب بالمفردات المتكلّسة الصمّاء.. ولا هي استعراض و استغراب و تعمية وحشو و سرد وتعبئة فراغ.. مثل.."اللاّوجود وعَبَثيّتِهِ السُّريالية.. الّتاريخِ والتأريخِ لكينونة الجِنْس البشري

 للكوجيطو الدّيكارتي والأنا الكانطي.. واللاّوعي الفروديانيّ.. فعلى مستوى الكوجيطو الدّيكارتي.. القلق المعرفي.. الفجيعة الرّوحية.. الذات الكونية عبر ذاتها الفردية.. يتطلّبُ من الدّارس نوعاً جديداً من التّفحّصات الفلسفيةِ والنّفسيةِ والنظريّاتِ الجماليّةِ..."..

 ثمّ هذه الرسوم البيانيّة التّي لا معنى لها وليس لها قيمة في الإبداع أيّا كان.. وإنّي أتساءل لما كل ّهذه الضجّة وهذا الصّخب وهم أكثر الأحيان يتحدّثون عن تجارب عاديّة.. سطحيّة وكثيرا ما تكون مملّة وبليدة يمرّ بها كل إنسان فوق هذه الأرض.. نقد كلّه إسقاطات وتهويمات وخيالات ومتخيّلات وأضغاث أحلام وأوهام مريض.. فهل بهذا سنرتقي وننهض؟..