مجرد عتبة

محمود عبد الصمد زكريا

مجرد عتبة

محمود عبد الصمد زكريا

عضو اتحاد كتاب مصر

هل هي مجرد مسافة ما يمكن اختزالها أو تجاوزها ..

 أم هو مجرد شرخ يمكن ترميمه ..

أم هوّة لابد لنا من ردمها ؟!

لنكن أكثر وضوحا ً وصراحة ً مع أنفسنا ؛ ولنعترف بنزاهة أن ثمة غياباً حقيقياً لدور الشعر في واقعنا المعاصر .. حيث يتيح لنا هذا الاعتراف الشريف القدرة على إعادة صياغة السؤال ليصبح : ما هي أسباب غياب هذا الدور ؛ وما هي سبل إعادة تفعيلة ؟

الواقع أن هناك جملة من الأسباب  ربّما ترتبط جميعها – كما أرى – بعلاقة الشاعر بالآخر ؛ بمعنى آخر بوضعية الشاعر في السياق الاجتماعي ؛ إضافة ً إلى – ولا أرى عجبا ً إن قلت - علاقة الشاعر نفسه بالشعر !!

ثمة أسباب ثقافية أو فكرية ما زالت تضع الشاعر بشكل ما في مكانة علوية على المتلقي ؛ وتأبى إلاّ أن يكون في موضع أمامي بالنسبة لهذا المتلقي .. لا شك أن تشوشا ً ما قد نتج عن اختلاف سياق الإبداع عن سياق التلقي ؛ أو ابتعاد كل منهما عن الآخر مسافة اقتربت إلى حد التماس مع نهاية مدى الرؤية بصرا ً وبصيرة ً .. فكيف كان ذلك ؟

يمكن القول بداية بانشغال الشاعر الحداثي إلى حد الانغماس  في هموم التحديث فراح يركض خلف طرائق مختلفة يحاول اكتسابها من ثقافة الآخر غير العربي المسلم  ؛ وهو ما يختلف اختلافا ً جوهريا ً عن طرائق وسنن وتقاليد تربى عليها المتلقي العربي ؛ مما جعل هم الشاعر المعاصر – خصوصا ً مبدعي الحداثة – همّا ً ثقافيا ً فنيّا ً أكثر منه همّا ً اجتماعيا ً وتاريخيا ً ؛ وحتى إن كان هذا الهم اجتماعياً واقعياً ؛ وتاريخياً  فإن الشاعر الحداثي قد راح يعبر عن هذا الفن شعرياً من خلال حرص ربما مبالغ فيه على بلورة قدرته التخيلية مستعينا في ذلك إلى أقصى الحدود بإنتاج تجربته أو همه تصويرياً حتى أنه يجعل من التصوير غاية غير منتبه إلى أنه مجرد وسيلة لا يجب أن يطغى الاهتمام بإنتاجها على الغرض الأساسي من النص – القصيدة –إضافةً إلى محاولة الإفادة من خصائص فنية كثيرة جداً على غرار الرمز الذي لا يقف

عند الإشارة بل يستدعي إعمال الخيال والاستعانة بالموروث الثقافي والفكري للمثقف الغير عادي للوقوف على دلالة الرموز ؛ ناهيك عن الإسقاط والتناص واللجوء للأسطورة والمثيولوجيا .. الخ

في حين يظل هم المتلقي همّا اجتماعيا وتاريخيا ً مباشراً بامتياز ... مما من شأنه أن يضخم بالتالي صفة التعالي التي أشرنا إليها في المنتج الشعري ؛ فيصبح شعرا ً متعاليا ً على واقع منتجيه ومتجاوزا ً لشروطه التاريخية .. فهو بذلك إبداع فوق مكاني ؛ وفوق تاريخي وبالتالي فهو إبداع غريب عن عالمه وعن متلقيه ....

وليس معنى كلامي هذا أنني أدعو إلى إهمال الاهتمام بالخصائص الفنية للشعر كمنتج فني بلاغي مخصوص بقدر ما أحاول قياس ذلك على المتلقي الذي تربى وجدانه وتشكلت ملامحه بخصوصية واقعه وتاريخه ..هل آن لنا ألاَّ نحبذ فكرة عالمية النظريات على سبيل التجريد الذي يفرغ التصورات المعرفية والمنهجية من حواضنها الثقافية والحضارية الخاصة بها ؟

 هل آن لنا ألاّ نحبذ فكرة إطلاقية العقل الإنساني بالشكل الذي يدعيه فلاسفة العولمة ؛ أو فلاسفة التبرير التنويري العربي الذي يأخذ أنوار عقله عن غيره ليكون أشد ظلاما ً وتعتيما ً على ذاته وواقعه ونصوصه ؟..

أسئلة لم أجد الإجابة عليها إلاَّ من خلال معايشتي لمشروع الشاعر / حفيظ الدوسري ومن هم على شاكلته من الشعراء الحقيقيين ؛ لذا فإنني أكتفي بهذه الإشارة للتأكيد على أهمية قراءة هذا الديوان لهذا الشاعر الأشد أصالةً ... مع وافر حبي وتقديري..