الأصول اللغوية والاصطلاحية لمفهوم الأدب

الطيب أحمد رحماني

لدى الشيخ أبي الحسن الندوي

كتاب "نظرات في الأدب" نموذجاً

الطيب أحمد رحماني

يشير عنوان هذه المقالة الموجزة إلى نقطتين أساسيتين:أولاهما أن مفهوم الأدب لدى أبي الحسن الندوي يرتبط بالمعنى اللغوي والاصطلاحي القديم الذي يوسع من مفهومه، ويجعله مرتبطا بأبعاد خلقية قيمية أصيلة. والثانية تتعلق بالنموذج الذي سندلل من خلال على محتوى النقطة الأولى وهو كتاب "نظرات في الأدب" فالكتاب – على صغر حجمه- يمثل أهم مؤلف كامل جمع آراء أبي الحسن الندوي في قضايا أدبية ملحة وقدم مفهومه للأدب، ولايغني هذا عن الرجوع لبقية كتابات الرجل، وإن كان يسعف في إمساك طرف مهم من المفهوم.

المعنى اللغوي للأدب:

تدل مادة (أ،د،ب) في المعاجم اللغوية على أصل واحد تَتَفرَّعُ مسائله وتَرجِعُ إليه ([1]) ومنها:

1- الأدبُ أن تجْمعَ الناسَ إلى طعامِك "([2]).

2- وهو الأَمرُ العَجَبُ "([3]) الذي يسترعي انتباه الناس ويدعوهم إلى التجمع.

3- وهو قسمان: أدبُ الدرْسِ وأدبُ النفْسِ "([4]).

4- وهو كل ما كان فيه دعوةٌ إلى المَحَامِدِ ونهيٌ عن المَقَابِحِ"([5]) أو هو مَلَكَةٌ تَعْصِمُ من قامت به عَمَّا يَشِينُهُ"([6]).

5- وقد يتضمن الأدب معنى الظَّرْفِ وحسنِ تناول الأمُورِ"([7])

6- حسن الأخْلاقِ وفعل المَكَارِمِ"([8])

إن هذه المعاني - على تعددها - ترتد إلى أصل واحد، هو المعنى الخلقي،  فالعرب كانت تستعمل لفظ الأدب للدلالة على كل خلق جميل (الكرم، طلب المشورة، حسن التصرف، الكياسة...) ولعل هذا الاستعمال هو الذي شكل نواة الدلالة الاصطلاحية للأدب مع التطور التاريخي الذي خضعت له كثير من مفردات اللغة العربية.

 المعنى الاصطلاحي العام  للأدب:

يقر الزَّبيدي نقلا عن الجواليقي في "شرح أدب الكاتب" بالتطور الحاصل في دلالة لفظ الأدب، حيث يقول:"الأدب في اللغة حسن الأخلاق وفعل المكارم، وإطلاقه على علوم العربية مولد حدث في الإسلام"([9])

وهذا ما أكده كثير من المعجميين المعاصرين، ويرجعون ذلك إلى التحولات الجذرية التي عرفها المجتمع العربي الإسلامي " والروافد المنصبة في الحضارة الجديدة، فهو في مدلوله الأبعد انطلاقا من شيوعه على الألسنة، يتضمن معنى العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة... والبارز من المتون القديمة أن هذه الكلمة في نموها الزمني وثرائها الدلالي تضمنت معاني لصيقة بالشمائل النفسية، والتربية الرفيعة.. وقد ظل هذا المعنى الخلقي ملتصقا بها خلال مرحلة زمنية طويلة.... ومع ذلك فإن دائرة شمولها اتسعت ابتداء من القرن الأول للهجرة، فتضمنت فضلا عن فحواها التقليدي معنا ثقافيا خاصا"([10])

إن هذا المعنى نفسه خضع للتطور كما يفهم من تعريف صاحب الكليات، حيث يقول:"الأدب علم يحترز به عن الخلل في كلام العرب لفظا أو كتابة"([11]) ويذكر من أصوله: اللغة، والصرف،  والاشتقاق، والنحو، والمعاني، والبيان ،والعروض، والقافية، فضلا عن فروعه.

ويأخذ الأدب في العصر الحديث دلالة أخص، فهو "علم يشمل أصول فن الكتابة ويعنى بالآثار الخطية النثرية والشعرية، وهو المعبر عن حالة المجتمع البشري، والمبين بدقة وأمانة، عن العواطف التي تعتمل في نفوس شعب أو جيل من الناس"([12])

وتبقى هذه الدلالة نفسها غير قطعية ولا نهائية، ومرد ذلك إلى طبيعة الأدب ذاته، وارتباطه بالنفوس البشرية التي من طبعها التغير والتبدل الدائم، ممل يجعل مفهوم الأدب متغيرا بتغير الرؤى والمذاهب التي يعود إليها، فما يعد أدبا عند بعض الناس قد لا يدرجه البعض الآخر إطلاقا ضمن دائرة الأدب، وهذا ما يدعو إلى ضرورة تتبع دلالة هذا المصطلح في المتون الأدبية ذاتها، قصد تجنب عواقب الإسقاط المفاهمي الذي قد يؤدي إلى أحكام نقدية مهزوزة وغير مستنده إلى أساس وثيق.

 المعنى الاصطلاحي للأدب في"نظرات في الأدب":

يرى أبو الحسن الندوي أن الأدب"تعبير عن الحياة وعن الشعور وعن الوجدان بأسلوب مفهم مؤثر"([13]) ويشهد لهذا المعنى نصوص  كثيرة منها قوله: "إنني أتصور الأدب كائنا حيا له قلب حنون، وله نفس مرهفة الحس، وله عقيدة جازمة، وله هدف معين يتألم بما يسبب الألم، ويفرح بما يثير السرور..." ([14])  فهو يصور الأدب ويشبهه بالإنسان مما يدل على الصلة العميقة بينهما إلى درجة يصعب معها الفصل بينهما.

وقريب من هذا المعنى قوله:" الكتابة التي لا يستطيع القارئ أن يحدد زمانها وبيئتها، ولا يهتدي إلى عقيدة مؤلفها وفكره، والقيم والمثل الني يحبها وينتصر لها... كتابة لا تؤثر في النفس ولا تصلح للبقاء"([15])

إن الأدب في مفهوم أبي الحسن يرتبط بعدة محددات منها:

1- أنه تجربة إنسانية حية متجددة؛

2- وأنه متأثر بالعقيدة التي يحملها صاحبه؛

3- وأن له رسالة وهدفا عليه أن يسعى لتحقيقهما؛

4- وأنه يحمل بصمات صاحبه، و يصدر عن تلقائية لا عن تصنع أو تعمل؛

5- وأن  من خصائصه الأسلوب المؤثر المفهم.

 إن هذه المحددات وغيرها مما هو مضمر بين سطور "النظرات" يرتبط بطبيعة الرؤية التي يتبناها أبو الحسن، وهي رؤية إسلامية خالصة وبذلك تكون تلك المحددات على صلة وطيدة بالأدب الإسلامي. 

إن المحددات السابقة هي التي تجعل الأدب قادرا على الجمع بين الغاية والوسيلة والمتعة والفكرة.... فاعلا ومنفعلا... وفق رؤية واضحة.

وتتدخل عدة عناصر في بناء الأدب من أهمها عنصرا "الإخلاص والصدق... فهما يهبان الأدب روحا وقوة وحيوية ويجعلانه حقيقة أبدية خالدة"([16]) ولهذا كان الأديب الذي يمتلك هذين العنصرين يتسم بقوة العزيمة وعظمة الهمة.ولا ينكر أبو الحسن الندوي" قيمة أدب الفن وأدب التسلية والترفيه، وأدب الغزل والمدح، والأدب الذي ظهر لتحقيق أغراض مؤقتة شخصية وجماعية، فلكل قيمته"([17]) لأنه يغطي جانبا من جوانب النفس البشرية التي قد يصيبها الملل لطول ملازمتها للأدب الهادف فتنفر منه وتفرط فيه.

إن الأدب ليس مجرد كلمات تلاك، إنه سلوك منضبط بضوابط الشرع، يقول أبو الحسن الندوي:" الأدب في مصطلح الإسلام وفي اللغة العربية لا ينفصل عن الخلق، واللغة العربية تمتاز بأنها اللغة الوحيدة التي أطلقت على البيان المشرق والإنشاء والشعر كلمة "أدب" ([18]) وبهذا يكون أبو الحسن قد أرجع دلالة الأدب إلى أصلها اللغوي محاولا الكشف في وشائج القربى الموجودة بين الدلالة اللغوية القديمة والدلالة الاصطلاحية الطارئة.

               

[1] - معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، مادة أدب.                           

[2] - المصدر نفسه.

[3]   نفسه

[4] - تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، مادة أدب.

[5] - لسان العرب، جمال الدين بن منطور، مادة أدب.

[6] - تاج العروس من جواهر القاموس، مرتضى الزبيدي، مادة أدب.

[7] - لسان العرب،مادة أدب.

[8] - تاج العروس من جواهر القاموس، مادة أدب .

- [9] تاج العروس من جواهر القاموس، مادة أدب.

[10] - المعجم  الأدبي، حبوز عبد النور، ص 315.

[11] - الكليات، أبو البقاء الكغوي ،ص 68.

[12] - المعحم الأدبي، جبور عبدالنور،ص 315- 316 .

[13] - نظرات في الأدب، ص105

[14] - نفسه، ص105

[15] - نفسه، ص 65

[16]- نظرات في الأدب ، ص 36

[17] - نفسه.ص 90

[18] - مجلة المشكاة،ع 14 ص 123.