مناهج علماء المسلمين في مؤلفات إسلامية

كتاب الوافي بالوفيات للصفدي،

وكتاب الأعلام لخير الدين الزركلي

أدهم مسعود القاق

تنوعت المناهج في تقصي سير الأعلام والتراجم، فمنها ما ركّز على أنساب العرب كـ "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم، ومنها ما يحمل طابعاً موسوعيّاً كـ "لسان العرب" لابن منظور، و"الأغاني" للأصفهاني، وعلى الرغم أن كثيراً من الشعر العربي ضاع نتيجة روايته مشافهة، إلّا أنّ العرب تقصّوا ما وصلهم منه كالمعلقات السبع الطوال، وكتاب الطبقات لابن سلام الجمحي، والأصمعيات، ومن كتب التراجم يتيمة الدهر للثعالبي، وابن بسام في كتابه الذخيرة، وابن خلكان في وفيات الأعيان، الذي سار على غراره الصفدي في الوافي بالوفيات، وللحقّ أنّ موضوع المصادر البيوجرافية في التراث العربي غنيّة جداً، وقد تعددت وتنوعت فيها المناهج، حتى يمكننا القول انّ علم التراجم نشأ مبكراً في البيئة الإسلامية، وبقيت عناية العرب بهذا العلم موصولة، وامتدت إلى العصر الحديث، إذ نجد زينب فواز في كتاب أعلام النساء، وكتب عمر رضا كحّالة في قبائل العرب ومعجم المؤلفين، ومعجم الأعلام لخير الدين الزركلي.

حتّى نتعرّف على مناهج علماء المسلمين في التصنيف والسير المتعلق بـ"علم التراجم" لابد من إلقاء بعض الأضواء على مؤلفين أحدهما قديم وهو وافي الوفيات للصفدي، والآخر حديث وهو معجم الأعلام للزركلي.

أولاً: الوافي بالوفيات:

صلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي، الوافي بالوفيات، باعتناء، هلموت ريتر (دار شتاينر بفيسبلان: 1962م)

في المقدمة، يثبت المحقق تبعية الكتاب لصلاح الدين الصفدي، فذكر وجود نسخة باستانبول باسمه، وذكر قيامه بمقابلتها بنسخ أخريات، وفي مقدمة الناشر يذكر أنّ كتاب الوافي هو أوفى الكتب المؤلفة في الإسلام في تراجم الرجال، ويدخل في ثلاثين مجلداً، ويذكر أن هذه النسخة موجودة في خزانة نور عثمانية، واستكملت من النسخة المحفوظة في مكتبة السليمانية، وهي نسخة قوبلت على خطّ المؤلف سنة 869هـ.

ولد خليل صلاح الدين الصفدي سنة 796هـ وتوفي بدمشق سنة 764هـ كتب الخطّ الجيد، وقال الشعر الحسن، ثمّ أكثر من النثر والترسل، وأخذ عن ابن نباتة وأبي حيّان، وفي دمشق عن المزّي، طاف مع الطلبة ثمّ أخذ في التأليف فجمع تاريخه الكبير الذي سمّه" الوافي بالوفيات" على حروف المعجم، بدأ بالكتابة بصفد ثمّ بالقاهرة وبعدها في حلب، وكان التوقيع في دمشق.

كان محبباً إلى الناس، حسن المعاشرة، جميل المودة، ومن شيوخه ابن كثير والذهبي من الغوطة الشرقية في دمشق الذي قال عنه" الأديب البارع والكاتب الذي شارك في الفنون وتقدّم في الإنشاء وجمع وصنّف."[1] وقال عنه ابن كثير"كتب مايقارب مئتين من المجلدات"[2]

يبدأ الصفدي مقدمة كتابه بالبسملة ويستعين بالله ويحمده ويشكره ويشهد بوحدانيته، وأن محمداً رسوله، ثمّ يذكر كيف جمع المؤرخون أخبار الأخيار، ونظموا سلوك الملوك، و"أحرزوا عقود تلك العقول، ووقفوا على تواريخ ماتت أخبارها في جلدها، ويابع" والتاريخ للزمان مرآة، وتراجم العالم للمشاركة في المشاهدة مرقاة، وأخبار الماضين لمن عاقر الهموم ملهاة"[3] ثمّ كتب" ... فأحببت أن اجمع من تراجم الأعيان في هذه الأمّة الوسط"[4] كما كتب أنّه ذكر أساطين كلّ علم، وأبطال الملاحم، والخلفاء الراشدين، والصحابة والتابعين، والملوك والأمراء، والقضاة والعمال والأولياء والأدباء والكتّاب والشعراء والأطباء والحكماء والعقلاء، وأصحاب البدع والآراء والنحل، وذكر أنّه "...ولم أخلّ بذكر وفاة أحد منهم إلّا فيما ندر وشذّ"[5] ثم أنّه كتب لنفع المحدّث والأديب، ثمّ جعل ترتيب كتابه على الحروف وتبويبه، ذاكراً أولاً الرسول العربي الذي أتى بهذا الدين العظيم، وسراجه وهّاج، وصاحب التنبيه فذكر ترجمته مختصراً، ثم ذكر اول مصنّف بالمغازي والسير والرواية، ومن اختصر السيرة والدلائل على النبوة، وذكر الحافظ الذهبي وكتابه في المغازي وسيرة الرسول، وذكر كتاب تاريخ دمشق لابن عساكر، ثم كتب أنه قدّم بمقدمة فيها فصول، فوائدها مهمّة، وقواعدها متقنة، و"عقد لكلّ اسم باباً ينقسم إلى فصول بعدد حروف المعجم تتعلق الحروف في الفصول بأوائل أسماء الآباء، ثمّ سمّاه الوافي بالوفيات"[6]

وللحقّ انً الوافي بالوفيات يعدّ أهم موسوعة ببليوجرافية في التراث العربي كله، " واعتبر المصدر الأساسي لمئات التراجم من أعلام الأدب، خاصة في عصر المؤلف"[7] وبلغ عدد التراجم فيه قرابة أربع عشرة ألف ترجمة، ويحتوي كتاب الصفدي " على الخطوط العريضة عن علم التاريخ عند العرب ومصادره وقضاياه الكبرى"[8] كما تحدث عن قيمة التاريخ ومعرفة التراجم، ويكثر من الأمثلة على ماذكره ابتداء من أقدم تواريخ العرب ذاكراً الأشخاص والوقائع والأنساب وإلخ...كما أنّه تحدّث عن مسائل منهجية" مثل حديثه عن أفضل أساليب ترتيب المادة العلمية في الكتب التاريخية، ورأى أن الترتيب على السنين هو الأفضل"[9] وعرض لأسماء كتب التاريخ، ومايتصل منها بالشعراء، ثمّ أنّه عرض لمشاهداته وشيوخه كما أسلفنا، ولمن لاقاهم في حياته.

ثانياَ: الأعلام

خير الدين الزركلي، الأعلام، 7 مجلدات (دار العلم للملايين: بيروت، ط5، 2002م) علماً أنّ الطبعة الأولى كانت 3 مجلدات، أصدرها في القاهرة، عام 1927

خير الدين الزركلي دمشقي، ولد عام 1893م في بيروت، شارك في الكفاح الوطني وحكم عليه الفرنسيون بالإعدام، فاستقرّ به الحال في القاهرة فأنشأ بها المطبعة العربية ثم غادرها عام 1927م بعد ان أصدر الطبعة الأولى من كتابه " الأعلام" ليعمل في المملكة السعودية بصفته كبير مستشاري الدولة في الشئون الخارجية، ثم انتدب إلى جدّة فالقاهرة ثم إلى المغرب، كما عُيّن مندوباً عن السعودية في مداولات إنشاء جامعة الدول العربية، وكان من الموقعين على ميثاقها، وعيّن عام 1951م وزيراً مفوضاً ومندوباً دائماً لدى جامعة الدول العربية، أثناء ذلك كان يجمع مواد كتابه وينقحها،وهنا باشر بإعادة طبع مؤلفه (الأعلام)، من عام 1957م وحتى وفاته في عام 1976م، ومن الجدير بالذكر أنّ  الزركلي كان شاعراً مجيداً، ومؤرخاً ثقة، ويكفيه أنه صاحب كتاب الأعلام.

كتابه الأعلام: بعد أن اشترط بأن يكون لصاحب الترجمة عِلْم، أو ملك، إمارة، فن، رواية، أو يكون أصل نسب، أو مضرب مثل. أو أن يكون ممن يتردد ذكرهم، ويسأل عنهم، ذكر الباعث لتأليفه فقال: "في الخزانة العربية فراغ، وفي أنفس قرائها حاجة، وللعصر اقتضاء. يعوز الخزانة العربية كتاب يضم شتات ما فيها من كتب التراجم، مخطوطها ومطبوعها، ... وقد حاولت بهذا الكتاب أن أملأ جانبا صغيرا من هذا الفراغ، وأمضي بعض تلك الحاجة، وأقوم بشيء مما يقتضيه العصر، وعساي أن أوفق"، وطريقة البحث عن ترجمة الزركلي للأعلام على الترتيب الهجائي، وقد ذكر عناءه في التوفيق بين التاريخين الهجري والميلاد، لإغفال أكثر المؤرخين ذكر الشهر الذي ولد فيه صاحب الترجمة أوالذي توفي فيه، كما شكك في التأريخ الجازم لحياة الجاهليين المعتمد على الحدس والتخمين، ولذلك استخدم لفظ ( نحو ) أو ينبّه لاحتمال الغلط أو إلى إغفال التاريخ أحياناً، كما ضمّن كتابه تراجم لبعض المستشرقين، وقد ذكر أن " من عجب أنّ هذا المجهود المتواصل لم يدفع بالرجل إلى التوّقف، إذ أنّ قد طبع مستدركين اثنين على كتاب (الأعلام) وأنجز في الآن ذاته كتاباً سمّاه (الإعلام بما ليس في الأعلام) ثمّ ضمّه في الطبعة الرابعة إلى الكتاب الآخر"[10] وقد يجد القارىء بعض الأخطاء التي نتجت عن سبق القلم، ولكن يبقى كتاب الأعلام أحد كنوز التأليف العربي الحديث في مجال التراجم.

               

 [1]صلاح الدين خليل بن آيبك الصفدي، الوافي بالوفيات، باعتناء، هلموت ريتر (دار شتاينر بفيسبلان: 1962م) ص(و)

[2] - -----------------------------------، ص(ز)

[3] - -----------------------------------، ص4

[4] - -----------------------------------، ص5

[5] - -----------------------------------، ص6

[6] - صلاح الدين الصفدي، م.س، ص9

[7] - محمد زكريا عناني وسعيدة محمد رمضان، في مناهج البحث (الفتح للطباعة: الإسكندرية، 1998م) ص71

[8] - ---------------------------------------، م.س، ص74

[9] - ---------------------------------------،م.س، ص76

[10] - عناني ورمضان، م.س، 87