ضحك ولعب.. دموع وحرب لسما حسن

أول كتاب يوثق للحرب على غزة

بيروت: 5-2-2014 صدر خلال الأيام القليلة الماضية  عن الدار العربية للعلوم –ناشرون- كتاب"ضحك ولعب...دموع وحرب" للأديبة الغزّيّة سما حسن، أول كتاب يوثق للعدوان الأخير على غزة، وهو للكاتبة الغزية سما حسن.

 والكتاب الذي يقع في 264صفحة من القطع المتوسط عبارة عن توثيق حقيقي لأحداث الحرب العدوانية الاسرائيلية الأخيرة على قطاع غزّة في صيف العام 2014 واستمرت 51 يوما متواصلا، حيث تتناول الكاتبة بأسلوبها  السردي المعتاد، والذي يمزج ما بين البساطة والسخرية المريرة ما مرّ بها وبعائلتها من أهوال، وكيف تراوحت حياتهم بين الموت والحياة، ومعاناتهم من انقطاع سبل الحياة من كهرباء وماء ووسائل اتصال علاوة على الخوف والموت المتربص في كل لحظة.

وقدّم للكتاب الروائي والشاعر الكبير ابراهيم نصر الله حيث قال في تقديمه للكتاب: ليس هذا الكتاب محاولة لتعريف الموت الذي عاشته غزة واحدا وخمسين يوما صيف 2014،على الرغم من أننا نشمّ في كل صفحة فيه ونرى ونسمع خطوات هذا الموت.. هذا الكتاب مساهمة حارة ورائعة لتعريف معنى الحياة.

تكتب سما حسن سيرتها وسيرة أولادها الأربعة في ذلك الحيز الضيق: غزة، الذي ظل يضيق على أهله حتى غدا غرفة صغيرة مشرعة على القذائف والصواريخ، وأحدث أشكال تكنولوجيا الغطرسة البرية والجوية والبحرية. غرفة بنوافذ مهشمة لا تستطيع ردّ هواء الموت المشبع بالغازات السامة وروائح احتراق اللحم البشري، وما تناثر من رماد كان بيوتا.

لا بطولات في هذه اليوميات ضمن البطولات المتعارف عليها، ولا تَغَنِّي بشجاعة خارقة. إنها حكايات الناس في يومهم، حكاياتهم البسيطة، خوفهم، وأحزانهم النبيلة، وتوقهم للحظات مسروقة بين غارتين، لحظات يمكن أن يتفقدوا فيها أولادهم وأجسادهم، ويتمتعوا بعذوبة الصمت الذي بات مفقودا، ولإحصاء ما تبقى لهم من جرعات ماء وحبات دواء وأحباء استشهدوا أو أحباء ما زالوا بعد على قيد الحياة.

خمسة أفراد لا غير، يتحركون في حيز ضيق: بيت مشرعة جهاته على موت طليق ينتقي ضحاياه على مهله، لا يقطع  اندفاعه سوى صرخات الضمائر الحية في هذا المكان أو ذاك.

يوميات سما حسن، هي يوميات ناس غزة كلهم، يوميات كل بيت وحارة وشارع وبقالة ورغيف خبز وعلبة طعام وقطرة ماء وومضة كهرباء وخوف أم على أبنائها؛ يوميات مدرسة ومسجد وكنيسة وحديقة أطفال وشاطئ في مرمى قوة عنصرية غاشمة، يوميات أطفال حين يُخيَّرون بين احتمال الموت وبهجة اللعب ولو لدقائق قليلة يختارون بهجة اللعب، وهم يعرفون أن الأرجوحة هدف عسكري، والشاطئ هدف عسكري، والكرة التي يتقاذفونها هدف عسكري.

يوميات سما حسن، إضافة صافية لتراث اليوميات الفلسطينية البسيطة الطيبة، اليوميات التي كُتبت قديما، وتُكتب الآن. إنها اليوميات  الأشبه بالخليَّة التي يمكن أن تقرأ فيها تاريخ الجسد كاملا، تاريخ غزة كاملا؛ وقبل هذا وبعده، تاريخ إمرأة فلسطينية قوية وشجاعة، تقاتل مع أولادها الموتَ بالذكريات حينا، وبالضحك حينا، وباللعب حينا، وبالحزن النبيل أحيان كثيرة.

تابعتُ يوميات سما منذ بداية الحرب الفاشية على قطاع غزة، على صفحتها في الفيسبوك، مثلما تابعها الآلاف غيري، وعشنا مع سما وأولادها ملحمة بشرية ناصعة لا سيوف فيها ولا رماح ولا بنادق في أيدي أبطالها ولا مدافع، خِفنا على سما وعلى أسرتها التي كانت نموذجا لكل أُسَر غزة. وكتبتُ لسما، كما كتبَ لها أناس تتقطع قلوبهم من مناطق كثيرة في هذا العالم على بشر تحولت أجسادهم إلى ساحات للرماية. لقد أحسستُ أن ما تكتبه سما مختلف، بعمقه وحزنه وشفافيته وقدرته على نقل أدقّ تفاصيل عزلة البشر وهم لا يملكون من شيء يواجهون به الموت إلا صلابة أشواقهم للحياة.

هكذا كتبتُ إلى سما: واصلي، وأعدكِ أن ما ستكتبينه سيُنشر، بل أعدك أنني سأقدِّمه أيضا!

.. وواصلت سما الكتابة بالروح ذاتها، لكنني فوجئت، مع اشتداد الهجوم البربري على غزة، أنها ترسل إليَّ كل ما كتبتْه حتى تلك اللحظة! وتقول لي إنها تضع ما كتبتْه أمانة بين يديّ، لأنها لم تعُد على يقين من أنها ستنجو أمام موت كبير كهذا..

لقد نجت سما، وكذلك أولادها الأربعة. نجت أكثر من مرة: حين واصلت الكتابة، وحين واجهت الموت بشجاعة أم فلسطينية وحيدة.

نعرف أن كتابة اليوميات، مثلها مثل أي شكل من أشكال الأدب، عرضة لمزالق كثيرة قد تقتل الكتابة وهي تُفقرها بالإسهاب أو بالاختزال، أو بتحويلها إلى متوالية لا تنتهي من قول لا يقول. لكن أجمل ما في يوميات سما أنها تكثّف لنا غزة في ما يجب أن يقال من كلام عن غزة، وعن الإنسان الفلسطيني المحاصر بحروب لا تنتهي وتاريخ ظالم؛ تكثّفه في لغة طليقة ذبيحة تتنقّل ما بين الفصحى والعامية، كما يُنقّل هابط الدرجات الهارب من الموت خطواته، وهو يعرف أن بيته سيُدمّر، أو بيت جيرانه، قبل أن يصل الشارع

هذه اليوميات شهادة من تحت النار عن صمود شعب وقدرته الأسطورية على التجدّد، وعلى المواجهة، وعلى الإصرار على عناق حريته كاملة ووطنه.

.. في هذه اليوميات نقرأ مواجهة الصغار للحظات الرعب بالسخرية العميقة حينا وبالخوف الدفين أحيانا، وهم يكتشفون موت زملائهم وآباء هؤلاء الزملاء، وموت مدرّسيهم، وحلمهم أن لا تحيلهم قذيفة أو صاروخ إلى قطع صغيرة يصعب جمْعها.

يوميات إمرأة، إمرأة في النار، لا يطرق صبيحة العيد أحد بابها إلا الحرب!

تقول سما (في غزة، أحسد كل من يموت مرّة واحدة، لأن الأحياء يموتون كل لحظة. لو عشتم تلك اللحظات الفاصلة بين مغادرة غرفة النوم، وفتح باب الشقة، ونزول الدرج -"22 درجة"، والوصول إلى بيت الدرج، لعلمتم أن تلك اللحظات هي الموت.)، لكن هذه اليوميات ليست محاولة، رغم ذلك كله، لتعريف الموت، إنها مساهمة متألقة لتعريف  معنى الحياة..

يشار أن الكاتبة  قد تلقت عدة عروض لترجمتها للانجليزية، ويعتبر هذا الكتاب هو الكتاب الخامس لسما حسن ضمن مسيرتها الأدبية وستصدر قريبا الطبعة الثانية من مجموعتها القصصية الأولى " مدينة الصمت".