إبراهيم العلم في رواية (حارة الشراقة)

ندوة اليوم السابع المسرح الوطني الفلسطيني

اهتم بالمضمون على حساب الفن الروائي

إبراهيم جوهر – القدس 

في روايته الأخيرة (حارة الشراقة) يرصد الدكتور الأديب (إبراهيم العلم) عددا من الموضوعات السلبية وقليلا من تلك الإيجابية التي تسود في مجتمعنا الفلسطيني في هذه الأيام ، ويشير إلى بعض الحلول التي يومئ إليها إيماء دون تصريح واضح تاركا للقارئ الاستنتاج ليتبنى الحل الذي يراه الكاتب . إنه كاتب يحترم قارئه فلا يفرض عليه درسه الأخلاقي بل يدفعه للتفكير عن طريق المقارنة بين واقعين وفكرتين وحالين . انظر إليه وهو يقارن التغير الحاصل على اهتمام الناس وتضامنهم السابق حين يشير إلى بيت العزاء في آخر الشارع ، وبيت الفرح حيث الرقص والغناء . أو المقارنة بين المناضل الحقيقي وذلك المزيف الذي يهتم صاحبه بأن (يقبض) ثمن نضاله ، وهو يعلو على حساب أرواح الشهداء ؛ فالشهداء وتضحياتهم هي التي قادت الفاسدين ومكّنتهم من العودة ، لكنهم لم يكونوا أوفياء لروح الشهادة والتضحية . إنه يقيم مضمونه على الانتقاد لعدد من المظاهر السلبية التي وفدت إلى روح البساطة والتعايش الاجتماعي السلمي بين الناس . وهو يقارن بين المسلكيات ، ففي حين يقذف الموسرون بقايا الطعام في حاويات القمامة وينفقون ببذخ ظاهر لا يجد آخرون ما يقيم أودهم . الرواية تقوم على مثل هذه الثنائيات الضدية التي تبرز عمق بشاعة التصرف المنتقد . فهي في هذا الجانب نجحت في الكشف والتوضيح والتحريض تاركة للقارئ حرية التصرف والقول . الرسالة التحريضية بهدوئها النسبي توفرت في رواية (حارة الشراقة ) بهذا الفهم .ف( الجبناء يخسرون دائما) كما جاء في الصفحة 84 على لسان الشابة التي عايش الكاتب (جبنها) حين لم تنتصر لمن اختاره قلبها وعقلها والتزمت بما قالته قوانين المجتمع . لم ينس الكاتب الإشارة إلى ما يؤرّقه في شؤون الحب والزواج والتفاهم الإنساني بعيدا عن تعاليم الديانات التي جاءت لتنظّم العلاقات بين البشر .ولأن الرواية كجنس أدبي لا تكتفي بالمضمون الذي هو جماع موضوعات متعددة فإنها تقدم لغتها الأدبية وحوارها الكاشف وتحليل شخصياتها الرئيسة وترسم عالمها الخاص الذي يتحرك شخوصها فيه . جاء المكان مقتضب الوصف سريع الإشارة في رواية (حارة الشراقة) ربما لاهتمام الكاتب بالمضمون والرسالة ، وإن أشار إلى التغير الحاصل في البناء على حساب خضرة الأشجار في رام الله . وقام بتعداد الحارات ، لكنه لم يتعمق في رسم شخصياته لتكون حية متحركة تعيش مع الكاتب فاكتفى بوصف حالها وتاريخها ونقل حوارها بجمود بيّن . فاللغة الحوارية جاءت جامدة لا حياة فيها ، وكذا السرد الحكائي الذي نقل إلى القارئ الحدث وتاريخ الشخصية ومعاناتها دون التعمق في دواخل الشخصيات . اكتفى الكاتب بلوحات روائية تصلح كمخطط عام لكتابة رواية ولم يتابع نموها ولم يتعمق حالاتها الإنسانية . ويكفي للتدليل على ما أذهب إليه هنا أن نعرف أن هذا الكم الكبير من الموضوعات التي تعرض الكاتب إليها على امتداد أكثر من ستين عاما من الزمن الروائي قد جاء في 104 صفحات فقط . اختار الكاتب أسلوب الراوي كليّ العلم الذي يقول ويقرر ويحلل ويصف مما قرّب الرواية من أسلوب الحكاية الإخبارية فقيرة اللغة غنية المعلومات . أرى أن الكاتب ( إبراهيم العلم) قد تسرّع في دفع مخططه الروائي هذا إلى النشر وكنت أحبذ لو عاد إليه ليدب فيه الحياة الروائية . -----

صدرت الرواية عن دار الجندي في القدس في صيف 2012 م. وجاءت في 104 صفحات من القطع المتوسط .