الافتراء على أبي هريرة

(3) أقسمت أن أقول

الافتراء على أبي هريرة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كمدخل لهذا الموضوع أسجل السطور الآتية :

1-   أشكر من أعماقي أستاذنا الدكتور عبد الرحمن البر عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، فقد سبقني إلى الدفاع عن الصحابي الجليل أبي هريرة .

2-        أن بعض من كتبوا عن " محمود أبو رية " خلطوا بين " المجاهد محمود أبو رية " ابن قرية ميت خميس القريبة من المنصورة ، وبين الدعي المفتري " محمود أبو رية " كما نجد في النص التالي :

3-    " أصبت بالدهشة العميقة والألم الشديد لما رأيت الإخوان يثنون على محمود أبي رية عدو أبي هريرة اللدود بل يصفونه بأنه ثمرة يانعة من ثمار دعوة الإخوان المسلمين، بل وبالداعية المجاهد.

4-   ووصلت إلى قناعة واضحة أن الإخوان لا يبالون أن يكون المنتمي إليهم طعانا في دين الله، رافضيا أو جهميا . المهم أن يكون صاحب أجندة إخوانية وبعدها سلام على القرآن والسنة وعلى الصحابة. .

5-        وأنا أذكر صراخ الاخوان في تحذير الناس من الغزو الفكري.

6-   ولكني أوقن اليوم أن غزوا فكريا خطيرا يبدو ضد من يحذر منه وهو الغزو الجهمي والصوفي والاعتزالي الذي اخترق حزبهم وصار أئمة الضالين ودعاة الجهمية والاعتزال من أعلام الإخوان المسلمين " .

**********

أما المشهد الذي رأيته بعينيَّ فكان أول الخمسنيات أمام مكتبةعبدالله الخطيب بميدان المحطة بالمنصورة ، وكنت من زبائنه الدائمين ، فأمام المكتبة كان يقف شيخ نحيل شاحب الوجه يرتدي " قفطانا وجبة " ، وأخذني العجب والاستغراب حين قدم لي نفسه بالعبارة الآتية التي ( مازلت أذكرها حرفيا ) :

 ـ أنا الأديب محمود أبو رية ، لي صلات دائمة بأديب العربية مصطفى

 صادق الرافعي .

 **********

ومحمود أبو رية هذا شيخ مصري لم يكمل تعليمه الأزهري ، وأخفق في الحصول على الثانوية الأزهرية ، بدأ نشاطه التأليفي بكتاب تافه جدا سماه ( أضواء على السنة المحمدية ) . والكتاب مشحون بالكاذيب والأغاليط ، وقد احتضنه بعض الأدعياء ، ولكن الكتاب لم يحقق لأبي رية الشهرة التي ينشدها ، فأراد أن يتقدم خطوات غير مشروعة لتحقيق مزيد من الشهرة ، وقد رأى كيف سلطت الأضواء على " على عبد الرازق " – القاضي الذي كان مجهولا مغمورا – إلى أن خرج على المسلمين بكتابه الحقير الذى أنكر فيه الحاكمية في الإسلام ، وكثيرا من القيم الإسلامبة ، وسمي كتابه (الإسلام وأصول الحكم ). ورأى كيف استقطب " طه حسين " أضواء الشهرة بكتابه عن الشعر الجاهلي الذى أنكر فيه وجود إبراهيم واسماعيل – عليهما السلام ؟

رأى " أبو رية " ذلك فأراد أن يحقق من الشهرة أقصى درجاتها ، فكتب كتابه (شيخ المضيرة : أبو هريرة) . وفي الكتاب – بل كل الكتاب – طعن في الصحابي الجليل ، بل الإسلام ورسوله ، كما سنرى .

ولسنا في مقام الرد الشامل على هذا الكتاب ، أو الكتاب الذي أصدره قبله ، فهناك كتب كثيرة تصدت لتفنيد كل ماجاء في الكتاب الأخير بصفة خاصة . ومن أهم هذه الكتب كتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي "،وكتاب الأستاذ عبد الرحمن عبد الله الزرعي " أبو هريرة وأقلام الحاقدين ".

ولكننا في هذه العجالة سنكتفي بنقل بعض العبارات من كتاب " أبي رية "( في طبعته الثالثة ) ، لنتبين منهجه في رسم صورة مشوهة للصحابي الجليل أبي هريرة ، لنرى هل كان أبو رية هذا عالما مجتهدا – كما ذهب بعضهم أو أحدهم :

عنوان الكتاب يبين ابتداء عن سوء قصد المؤلف ؛ فالمضيرة لون من الطعام كان أبو هريرة يحبه – ولا عيب ولاحرمة في ذلك – فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحب من الطعام " الدباء ولحم الطير " ، وتعاف نفسه أكل الضب ، ووصف أبي هريرة – في عنوان الكتاب – بأنه شيخ المضيرة يعطي انطباعا صارخا بأنه عاش كأشعب الطفيلي، لا همّ له إلا الطعام , فتشويه شخصية الصحابي الجليل هدف واضح من عنوان الكتاب .

ومن عبارات أبي رية في الكتاب – ونحن ننقلها بالنص :

1-      " عاش ( ابو هريرة ) مجردا من القيم والمبادىء : فعندما نشب القتال بين علي ومعاوية في صفين كان أبو هريرة يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلي وراء علي ، واذا احتدم القتال لزم الجبل "

**********

 عجبا يا " أبا ريه " !!! وكأني بصفين التي طارت فيها الرؤوس معركة تدور في أحد البيوت ، لا في ميدان واسع الأرجاء ، مترامي الأطراف !! وكيف كان أبو هريرة يجد من الوقت ما يمكنه من مشاركة معاوية في وجباته اليومية الخمس أو السبع – كما أحصاهن أبو رية ( في كتابه ص 208 ) – ثم يستطيع أن يدرك " عليا " ليصلي وراءه خمس صلوات ؟

وهل كان علي – كرم الله وجهه – يعلم بذلك أم لا ؟

 وما قيمة الصلاة وراء علي ، وقد نقل أبو رية حديثا عن أبي هريرة نصه " الأمناء ثلاثة : جبريل وأنا ومعاوية " (ص.230) . ألم يقتنع راوي الحديث بأن الصلاة وراء معاوية – وهو أحد الأمناء الثلاثة – أجدر وأحق من الصلاة وراء علي ، أو – على الأقل – لايقل فضلها عن الصلاة وراء على ؟؟

**********

2-                  " وأبو هريرة لا يصلح لخوض غمرات الحروب وحمل السيوف بل كان جبانا رعديدا " ص 72.

3-                  " وهو كذاب يحلف باليمين الغموس " (ص72)

4-      " وهو مصاب بمركب النقص ، فهو من أجل ذلك يسعي ليستكمل هذا النقص ويخلع عن نفسه إزار الخمول والضعة ، ليستبدل به لبدة الأسد "!! (ص227)

5-      " وهو مهين ، استخفه أشره ، ونم عليه أصله وطبعه ، فخرج على حدود الأدب والوقار " !! ( ص 241- 242) .

**********

 وأبو رية الذي يقطع بكذب كل مرويات " أبي هريرة " يسلم تسليما مطلقا بما يحكي في كتب القصص والمجالس والمسامرات إذا كانت تخدم غرضه . وعلى سبيل التمثيل يذكر أن معاوية كان يأكل كل يوم خمس أكلات ، وآخرهن أغلظهن ، ثم يقول " ياغلام : ارفع ، والله ما شبعت ، ولكن مللت " ، وأنه أكل مرة عجلا مشويا مع دشت من الخبز السميذ ، وأربع خراف ، وجديا حارا ، وآخر باردا سوي الالوان!! ص 208

 وهذا يعني أن معاوية كان يلتهم في الوجبه الواحدة ، أو في اليوم الواحد ، من اللحم فقط – مالا يقل عن مائة كيلو جرام ، أي ما يكفي لاشباع ثلاثمائة من البشر ، أو خمسين اسدا ( في الوجبة الواحدة ) !! ولوصدقنا " أبا ريه " لكان معاوية من أشهر أصحاب " المعجزات " والخوارق في التاريخ ! نعم فمثل ذلك أكبر من أن يكون من قبيل الشراهة والنهم .

إن هذا الخبر الأخير – ومثله كثير – يكشف عن طبيعة " منهج الحياد والإنصاف " الذي ادعاه أبو رية ، وكأنه لا إنصاف ولا حياد إلابتجريح الصحابة والتهجم على قيم الإسلام .

ولنعد إلى " أبي هريرة " ونسأل " العالم المجتهد " أبا رية : أين كانت عبقرية رسول الله صلي الله عليه وسلم – وهو الحصيف البصير القدير على سبر أغوار النفوس- حتى يقرب إليه رجلا " ممسوخ النفس والعقل والعقيدة " مثل أبي هريرة (كما صوره أبو ريه) ؟

وأعتقد أن أبا رية لو خلع على رأس النفاق عبد الله بن أبي أبن سلول أو أبي جهل ما خلعه على أبي هريرة من صفات لكان في ذلك غلو ، وشطط ، وإسراف .

*********

 ولنترك ما خلعه " أبو رية " على من نقدره من أمثال الدكتور مصطفى السباعي ، فقد سبه بقوله : "إنه عيير وحده في فن الهجاء " ص 30 ، ووصفه لمحب الدين الخطيب بأنه " ناصبي جاهلي " ص 30، 208 . بل يرى في كل شيخ أزهري " مفتقرا للنزاهه والعدل " ! ص 11.

 لنترك كل أولئك لنرى " أدبه " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " !! إنه لا يذكر اسمه مشفوعا بالصلاة والسلام عليه إلا قليلا جدا . ولكن دعك ايضا من هذا ؛ فقد يحتج للرجل بالنسيان " أو إغفال المطبعة . لننظر إلى بعض ماسجله في كتابه بالنص .

 "... ولو أن النبي قد عهد إلى أبي هريرة وحده أن يكون راوية الإسلام للناس كافة لكنت أول كافر به ، ولا أبالي" ص 7

 والضمير في (به ) يحتمل الرجوع إلى أبي هريرة ، ويحتمل كذلك الرجوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي كلتا الحالتين يكون الكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام- واردا ، وذلك رفض صريح لأمر الله الذي جاء في آيات كثيرة منها قوله تعالي " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقو الله إن الله شديد العقاب " ( الحشر 7)

-       وقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "( النساء :59)

-   وقوله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت وسلموا تسليما " ( النساء : 65)

فالكفر بمن عهد إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هو الكفر نفسه برسول الله بلا تفريق في الحالين . والكفر برسول الله – صلى الله – وأوامره .. إنما هو كفر بالله – سبحانه وتعالي وأوامره .

 ومثل هذا الكتاب وغيره من إفرازات " محمود أبو رية " إنما هو واحد من سلسلة كتب العلمانيين والمارقين الذين لا يرعون الله في أقوالهم أو أفعالهم .

 (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون) يونس 21