الكتابة فعل حرية وليست فعل اغتصاب

فهل كتبتَ مغتصَباً أم مطيّة لظرف ظريف حيفاوي؟!

رداً على مقال "بين الشعر والنقد ضاعت لحانا"

لد. عبد الكريم مجاهد المزيّف

محمد هيبي

ها أنا قد دونت اسمي في مطلع مقالي، وأنا مسؤول عن كل كلمة بل كل حرف فيه. بالصدفة، والله بمحض الصدفة، وأنا أبحر في الشبكة، شبكني مقال "محترم جدا"، مضى على نشره في أكثر من موقع ما يقارب الشهرين، بعنوان "بين الشعر والنقد ضاعت لحانا"، للدكتور عبد الكريم مجاهد. وأغلب الظن أنّ الناشر الأول هو موقع "الشبكة العربية العالمية"، يوم الجمعة، 16 كانون أول / ديسمبر 2011 الساعة: 23:43.

عذرا لقلة معارفي، فالدكتور كاتب المقال ليس منهم، ولذلك لا بدّ من التنويه أنني أقصد الدكتور عبد الكريم مجاهد كاتب المقال المذكور أعلاه، وليس أيّ دكتور آخر يحمل الاسم نفسه. ذلك لأنني أظنّ، وأعلم أنّ بعض الظنّ إثم، ولكني أعلم أيضا أنّ ظنّي لا مكان له في خانة الظنّ الآثم، أظنّ أنّ الاسم مستعار. وفي أحسن الحالات، أنّ الدكتور، كما يشي حديثه، مغتصَب (بفتح الصاد) ذهب ضحية ومطيّة لظرف ظريف حيفاوي أو نصراوي، فما الفرق إذا كان الظريف نفسه مستعارا أيضا؟ ورغم جهلي بالدكتور الناقد الفذّ، فأنا أحترم حقّه، وليس رأيه، في النقد حتى لو كان نقده ساخرا لاذعا بسخريته، أو ظالما فاحشا في ظلمه. فقد دغدغ غروري قليلا أن أرى اسمي، وأنا الناقد النويقد، يعلو صفحات الشبكة وإن لم يبهرني ذلك كثيرا. ولكن لا أدري لماذا، أثناء قراءتي المقال، حضرني قول أبي تمام: إذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حقود (الخطأ ليس مطبعيا، وعذرا أبا تمام). ربما هي الصدفة أيضا، أو تداعيات المقال التهكّمي الذي لم أقرأ فيه نقدا، لا موضوعيا ولا أكاديميا ولا حتى بطيخيّاً، لا للشعر الحديث ولا للنقد، فكأني بالناقد الفذّ لم يستعر الاسم فقط، بل اللقب أيضا.

الحقيقة أنني قرأت في المقال إساءة للشعر والشعراء والنقد والنقّاد، كبيرهم وصغيرهم، قديمهم ومعاصرهم. وهو ينطوي كذلك على إساءة شخصية مقصودة، وأشدّد، مقصودة، أولا، لشاعر اسمه مفلح طبعوني، لا يدّعي أنه متنبّي العرب، ولكنه يملك حسّا شعريا قويا وجملة شعرية تنمّ عن أصالة، ربما باعتراف الدكتور نفسه إذا كان ظنّي في محله، وظنّي عادة لا يخطئ. إلا أنه وكما يظهر فأنّ فهم هذه الجملة الشعرية هذه المرة، ولسبب ما، استعصى على الدكتور الناقد. وثانيا، في المقال إساءة شخصية لناقد لا يدّعي النجومية في النقد بل يرى نفسه نويقدا أو ربما أقلّ، ولكنّه يترفّع في كتاباته، ويأبى على نفسه أن يسيئ لأحد. وهو يعترف دائما أنها محاولات يرجو أن يكتب لها النجاح أو بعضه، وإن لم.. فقد حاول. هذا الناقد النويقد هو أنا، محمد هيبي. وزيادة في التواضع الذي هو من سماتي، ربما تكون الإساءة الشخصية التي نالني بها الناقد الفذّ ليست لذاتي، بقدر ما هي للشاعر مفلح طبعوني، إذ يشتمّ منها خلاف شخصي وحقد دفين، أصابني جانب منه لعلاقتي الشخصية والأدبية بالشاعر. وأعتقد لو كان الناقد غيري لأصابه ما أصابني.

المقال، للأسف، مليء بالتفاهات التي لا يخجل من نشرها إلا من هم بمستواها؛ أقصد كاتب المقال المذكور والمستعارين المغتصَبين أمثاله. ورغم أنني لست معتادا الردّ على التفاهات، إلا أنني رأيت نفسي مضطرا لإيراد بعض الملاحظات لأنّ المقال تجاوز النقد والموضوعية التي يجب أن يتوخّاها الناقد الحقّ، إلى الإساءة الشخصية والتجريح الذي لا معنى لهما بكل المقاييس النقدية والأخلاقية. وملاحظاتي هذه ليست موجهة للناقد الفذّ، الدكتور المحترم، سواء كان اسمه عبد الكريم مجاهد أو غيره، بقدر ما هي موجّهة للقارئ الكريم الذي احترم قدرته على التمييز بين الغثّ والسمين، لألفت انتباهه إلى أنّه ليس الشعر الهابط ولا النقد الهابط أيضا هما ما يبعد جمهور القراء عن قراءة الشعر، وغير الشعر، إنما تلك المطايا من مدّعي المعرفة الذين لا يكتبون - وفعل الكتابة كثير عليهم، لأن الكتابة فعل حرية - لا يكتبون إلا إذا وخزهم ظريف من الظرفاء، أو اغتُصِبوا. وعندها: أين منهم الحرية المتوخاة من الكتابة، أو أين الكتابة كفعل حرية؟

ربما كانت تلك هي الملاحظة الأولى فإلى غيرها: عنوان المقال "بين الشعر والنقد ضاعت لحانا"، بربكم أهذا عنوان يشي بنقد موضوعي بناء؟ أيّ لحى من لحانا ضاعت بسبب الشعر والنقد، حتى لو كانا هابطيْن؟ هل المقصود باللحى كبار شعرائنا ونقادنا؟ أم لحانا التي نبيع فلسطين ولا نحلقها؟ أم تلك التي تسجد للنفط الذي يضيئ لغيرنا ويحرقنا؟ أم تلك التي تدعو إلى التدخل الأجنبي لكي تصبح ثوراتنا شرعية؟ عن أية لحى تتحدّث أيّها الناقد الفذّ؟ نوّرنا بالله عليك، لأنّ اللحى الشريفة نحن نجلّها ولا نسمح بضياعها أو تضييعها.

وتقول "ليت هذه الكثافة في الإصدار تقود إلى نوعية في المضامين"، فإذا كنّا، أنا والشاعر مفلح الطبعوني، رائدي الهبوط في مضامين الشعر والنقد، فلماذا جعلتنا خيارا متدنّيا ومضمونا هابطا لنقدك الموضوعي الهادف البنّاء؟ أما كان من الأجدر بك أن تختار مضمونا بمستوى قامتك النقدية؟ وأتساءل: لماذا لا تشدّك الثقافة العربية في إسرائيل إلا بوخزة من ظرفائها؟ وإذا كان هذا الظريف الملهم قد طرح سؤاله وأجاب نفسه بنفسه، فما الداعي أن يستجدي رأيا آخر؟ هل هي النوايا الطيبة نحو الشعر والنقد وحرصه عليهما مثلا؟ ولماذا لم تحترم أنت إرادتك وعدم ميلك لكتابة النقد، وأذعنت لا حول لك ولا قوة، فجعلت من نفسك مطية لرغبة ظريف لا تُشتمّ رائحة النوايا الطيبة لا من سؤاله ولا من جوابه. كيف تنقاد بهذه السهولة لما يجلب الإسهال الشديد أو الإمساك القاسي؟ أعذرني، فرغم طول باع من قرأتُهم أنا وتتلمذتُ عليهم، وعلو قامتهم في النقد، لم أصطدم لديهم بهذين المصطلحين النقديين: الإسهال الشديد والإمساك القاسي. هل درس ظريفك نقده الأدبي في كلية الطب؟ هناك لا حرج في العلم، يمكنك التحدث عن المسالك وراحتها براحة تامّة. ألا تشعر أنك تضيف لبنة غريبة هشّة مقيتة إلى بنائنا النقدي الذي تراه صار مجرد تهريج وإهانة للأدب ولعقل القراء؟ لماذا تستعدي القراء على الشعراء والنقاد؟ وللموضوعية، على الشاعر مفلح طبعوني وعلى اللاناقد إذا أردت، محمد هيبي؟! لماذا لا تحترم حسّ القراء الأدبي فهو، كما تدّعي، قادر، حتى لو كان بدائيا؟ احترمْه يا محترم! دعه لاختياراته وقراراته! لا تأخذ بيده إلى حيث يريد لك ظريفك! أليس ما فعلته هو التهريج بعينه، وإهانة الأدب التي فضحت قلة الأدب؟

وتقتبس الراحل الكبير الشاعر محمود درويش؟ أليس هذا الاقتباس كلمة حقّ يراد بها باطل؟ لأنّ مفلح طبعوني خصّه بمطولة تراها أنت هابطة! كيف يكون مضمونها هابطا ومحمود درويش الذي تحترمه هو مضمونها؟ لماذا لا تخلّصنا وتتركنا لقدراتنا المتواضعة، وتكتب نقودا عن شعراء عظام تراهم بمستوى قامتك النقدية؟ لماذا لا تتركنا، مفلح وأنا، لقرائنا المساكين لعلنا نسهّل عليهم إذا أمسكوا؟ هل يدرك أمثالك قيمة الإسهال بعد الإمساك؟ أشكّ!!!

وتقول اقتباسا عن درويش أيضا "إنّ نصا شعريا بلا متلقٍ يصبح نصا ميّتا". إلا تعتقد أنّ محمود درويش يمكن أن يُخطئ أحيانا؟ إذا اقتبستَه، أنت، بشكل صحيح فقد أخطأ، ولو بشكل عفوي، إذ لا أحد ينكر سعة ثقافته، لأنّ كل نص، أدبي وغير أدبي، وليس النص الشعري فقط، بلا متلقٍ هو نص ميّت. وإذا أخطأتَ أنت في اقتباسه، فليس مطلوبا منك، أيّها الطالب النجيب، أكثر من أن تنسخ الدرس خمس مرات، وتنتبه في مقالك القادم لدقّة الاقتباس وتتوخّى الأمانة فيه، لا زيادة، إذ "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها". ومن جهة أخرى، أظنّ أنّ كلامك عن النص الميّت يؤكّد أنّ نصوص الطبعوني حيّة نابضة، فعلى أقل تقدير وجدت لها ثلاثة قراء غيري: يعني: أنا وأنت وصديقك الظريف والقارئ الضمني، تعرفه؟! إلا إذا كنت تعتبر أربعتنا "لاشيئا مكعبا". أما الخسارة الكبيرة فقد لحقتني أنا، فنصي الذي قرأتَه، أنتَ وظريفك، ظلّ ميّتا. فأنا وقارئي الضمني لا نحسب في هذه الحالة. هل تفهم؟ أشك! وحريّ بك أن تفهم أيّها المغتصَب المستعار.

 وبعد العبارة التالية "الشعر العربي الحديث مصاب بالتكرار والتشابه حتى نظن أحيانا أنّ المؤلف واحد"، التي اقتبستها من درويش أيضا، تضيف بعدها "إن معظم الإصدارات الشعرية التي قرأتها في السنوات الأخيرة، يمكني القول إنها تكاد تكون مكتوبة من قبل شخص واحد". يا للناقد النابه الحاذق الفذّ! أدركتها وحدك؟ نقلتها عن درويش، أم تراه هو الذي نقلها عنك؟

وتقول إنّ صديقك الحيفاوي أرسل إليك الإصدار الجديد للشاعر مفلح الطبعوني. ليتك ترسل لي عنوانك، فلديّ الكثير من الهموم الأدبية والسياسية والفلسفية أيضا، أحبّ أن أبثّكها يا صديقي. هل صحيح أنك أستاذ للأدب العربي، أم أنك استعرت الأستاذية والأدب، والعروبة كذلك؟

وتقول "لا أكتب النقد عادة"، وكتبت! ولا تشارك إلا في جلسات ضيقة، وهنا وسّعت الجلسة والمشاركة، فأنت على الشبكة الواسعة. وتحترم نفسك وتسألها "هل أنشر مراجعتي باسمي؟" وتحتقر نفسك ومراجعتك، وتخضع لجبنك وتنشرها باسم غيرك، ذلك لأنّ الأوهام كما تدّعي وصلت قمة إيفرست. يا لنبل أخلاقك يا أخي! لماذا تعطي هذه الأوهام بتفاهاتك دفعة إلى الأمام؟ والمصيبة أني أوافقك الرأي، فقد وصلت الأوهام قمة إيفرست وأكثر، ولكن أوهام من؟ أوهام الشاعر الطبعوني، أم أوهام الناقد محمد هيبي، أم أوهام المجاهد، نبيل الأخلاق، د. عبد الكريم مجاهد؟ من الذي يعيش في الأوهام، الذي يصرح باسمه جهارا نهارا، أم الذي يتقمّل خلف أتان الأوهام؟

وتقول إنك تصفحتَ ديوان الطبعوني. وأتساءل أنا: كيف لمن يقرأ سطرا هنا وخمسة هناك ولا يجد دافعا لمتابعة القراءة أن يكتب نقدا؟ ولكن عذرا، نسيت، فقد جاءك بعد أسبوعين اتصال صديقك الظريف ومثّل عليك دور الغاضب، وأتقن الدور كما تتقن أنت دور الناقد المغتصَب (بفتح الصاد)، فهل تمثل دور المغتصَب حقّا أم تُرى الاغتصاب قد وقع فعلا؟ يا لحظّي السيئ، ما كدت أفرغ من قراءة رواية عن اغتصاب الكاتبات، حتى طالعني (حظّي) بمقال عن اغتصاب الكتّاب، النقّاد تحديدا. فإذا كان الناقد في هذا الزمن مغتصَبا، فمن للعاصفة يجرّد سيفه في وجهها؟! أوافقك الرأي أنّ واقعنا أصبح مأزوما، خاصة بعد اغتصابك ومقالك الجريء عن تجربتك.

وتتهكّم، "كيف يرسل لي (صديقك) ديوان شعر لشاعر يجمع صبر المتنبي وحكمة أبي تمام، وفروسية عنترة، فلا أعيره اهتماما؟"، وأنا اقول هذا حقّك فالكلمات كبيرة عليك. ولكن، سواء كان الشاعر مفلح طبعوني يستحقّها أو لا، فإنني أحمّل مسؤولية كلماتي الكبيرة لصديق لي، ناقد اسمه نبيل عودة، فقد سبقني وكتب نقدا إيجابيا جدا حول ديوان مفلح الطبعوني الأول، "قصائد معتّقة" (1999)، في كتاب له اسمه "بين نقد الفكر وفكر النقد"، ولا أنكر أنني تأثرت بكتاباته. فقد قال عن مفلح في كتابه، وأنا أقتبسه بدقّة وأمانة: "أقول بأني عشت مع كل كلمة نحتها في قاموسه الشعري.. كان يحرّكه صدقه المبالغ به أحيانا، كانت فطرته وانفعالاته المباشرة مع الحدث، دون تظاهر وادعاء، كما فعل ويفعل الكثيرون" (ص 123). وقال "إنّ بعض ما لا يدخل ذوقي، بنظر ناقد ما، قد يكون في منتهى الكمال" (ص 124). وقال أيضا "لا بدّ لي من الإشارة إلى أنّ مفلح طبعوني، كان منفتحا على الملاحظات، يناقش، يُقنِع ويقتنع بنفس الوقت، لذا لم تفقد قصائده أصالة الشعر (ص 124-125). وأخيرا قال "حقّا تأخر مفلح طبعوني في إصدار مجموعته، ولكنه حافظ على كرامة الشعر" (125). ما أروع هذه الكلمات! ويا لبساطة صديقي نبيل عودة وسذاجته! هل قال كل هذه الكلمات الدسمة بحقّ الطبعوني لمجرّد علاقته الشخصية به؟ لو أنّ الناقد الدكتور المزيّف قرأ كلمات صديقي نبيل عودة الأصيلة عن مفلح طبعوني لخجل من نفسه.

وتقول إنّك قرأت القصيدة التي سُمّي الديوان باسمها، "عطايا العناق"، فلم تعجبك. كأنك تصرّ أنك اغتُصِبتَ مرة أخرى! فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟ وأيّ جحر؟!؟ وقرأتَ كذلك قصيدته "راهب البروة"، التي تتصدّر الديوان والمهداة إلى الراحل الكبير محمود درويش، فلم تعجبك أيضا. ورغم إجحافك فأنت حرّ برأيك. ولكنك تدّعي "أن لا سابق معرفة لك بمفلح الطبعوني، ولذلك تشعر بحرج شديد من كتابتك السلبية عنه. وتعتذر له لأنك لم تكتب إلا لأنك وعدت صديقا"، وبهذا يصبح ما ذكرته عن عشقك للشعر وألمك لابتعاد القراء عنه مجرد حشو زائد. وعذرا لسطحيتي: هل يمكنني أن أرى أنّ الدافع الحقيقي لكتابتك هو حلاوة الاستعارة ولذة الاغتصاب؟ من مصلحتك أن توافقني الرأي، إذ بذلك تكون قد تميّزت عن النقاد والباحثين جميعا، الكبار منهم بشكل خاص، إذ منذ وجدت الكتابة ووجد النقد وهؤلاء النقاد والباحثون المساكين يعتقدون أنّ الكتابة فعلُ حرية، فتأتي أنت أيّها الجهبذ وتقوّض لهم مقولتهم على رؤوسهم، وتثبت بشكل غير مسبوق أنّ الكتابة فعل اغتصاب، يعبّر فيها الكاتب عن لذة اغتصابه.

وتتطرق إلى كلماتي التي على ظهر غلاف الديوان، فلا يعجبك أن أقول أنّ الطبعوني شاعر يعشق الحياة. وتعلق متسائلا: "إنك لا تعرف كائنا لا يعشق الحياة، فهل عشق الحياة يمهّد الطريق إلى كتابة الشعر أو يجعل من المرء شاعرا كبيرا؟". من أيّ كوكب تطلّ علينا أيّها الناقد الفذّ؟ وهل هناك ما هو أفضل من عشق الحياة كدافع ممهّد للتحليق شعرا أو نثرا؟ ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو فهمك أنت للحياة وعشق الحياة؟ هل هو العهر والتهتّك وقلة الحياء ونفث الحقد الدفين لغاية في نفس يعقوب؟ لو كان الصدق ضمن مفهومك للحياة وعشقها، إذن لماذا الكتابة باسم مستعار؟ هل تطاردك السلطة؟ لو علمت السلطة في إسرائيل أنك تهاجم الطبعوني، ولا أريد أن أقول محمد هيبي أيضا، لقبلتك بين عينيك. وإذا كنت لا تعرف كائنا لا يعشق الحياة فأنا أعرف! أنتَ أيّها الناقد الحاقد. أليس غريبا أن تحقد على الناس وتعشق الحياة؟ وكيف تكون ناقدا يعشق الحياة وتكتب نقدا لديوان شعر لم تقرأ منه، باعترافك، إلا بضعة أسطر؟ وكيف تستند في نقدك على بضع كلمات نقدية على غلاف الديوان ولم تقرأ النص النقدي كله مع أنّ توجيها إلى زمان ومكان نشر النص النقدي موجود في أسفل الغلاف؟ أما رأيته؟ هل هو عمى البصر أم عمى البصيرة؟ أين حسّ الناقد وقوة ملاحظته أيها الناقد الفذّ؟

والمضحك المبكي حقّا هو أن يضحكك ويبكيك "تقييمي الناقد لكتابات الشاعر مفلح الطبعوني"، وأنت تعترف أنك لم تفهم هذا التقييم. وغباؤك يجعلك تسخر من قولي "إنّ الشاعر مفلح الطبعوني: "جمع بين صبر أبي تمام وخمرة أبي نواس وفروسية عنترة ورومانسيته، ورغم أن سود هذا الزمن السيئ تقطر من دمه، فلا عجب أن تفيض أساطيره البنفسجية حكمة ثاقبة تنطق الصمت، وعشقا رقيقا يذيب الصخر". كيف تنقده وتسخر منه وأنت لا تفهمه؟ ولا يهمّني رأيك فأنا مصرّ على كل كلمة قلتُها. ولكن، ما الذي استوقفك عند كلمة "سود" فعلقت عليها بـ (ما هذا؟.. هكذا بالأصل)؟ هل سمعت عن "بيض الهند تقطر من دمي"؟ وهل النصال المعدنية هي وحدها التي تسفك دماءنا؟ ماذا عن سود الليالي، وسود المصائب والكوارث والنوائب والنازلات، أليست كلها سود هذا الزمن تقطر من دمائنا كما تقطر بيض الهند من دم عنترة؟ وللتذكير فقط أيّها الناقد الفذّ، إذا استعصت على فهمك مفردة ما، فالدكتور عبد الكريم مجاهد الحقيقي، والذي اغتصبت اسمه، ربما انتقاما منه وليس من مغتصبيك الحقيقيين، هذا الدكتور ضليع في اللغة فليتك تتعلم منه!

ومرة أخرى، إذا كنت تدّعي أن لا سابق معرفة لك بمفلح طبعوني، كيف إذن علمت بالارتباط الشخصي بيني وبينه، بين الأديب والناقد. بين مفلح طبعوني ومحمد هيبي تحديدا، إذ لا أظنّك قصدت التعميم؟!

لا أسخر منك ولا أشمت، وإن كنت تستحقّ ذلك، ولكني عامة أشفق عليك، وخاصة عندما تقول "عاودني الشعور بعدم الرغبة في الكتابة مرات عديدة، بل شعرت بدافع قوي لتمزيق ما كتبت" فأنت تعرف أنك تكذب، والناقد الحقّ لا يكذب. ولكن لا عجب، فأنت ناقد مغتصَب. ولا يساورني شك أنّ صديقك أو صنيعك الحيفاوي ليس وحده الذي اغتصبك وخلّف لك في مواضع مختلفة جروحا لا تندمل. فهلّا وافقتني، رغم علمي أنّ العبارة كبيرة عليك، أنّ سود هذا الزمن تقطر من دمك أيضا؟

وأنت تكذب، وتعرف أنك تكذب أيضا، عندما تنكر مفلح الطبعوني شاعرا وإنسانا ومناضلا وطنيا. وأنت تعرف أنّ أحدا لم يدعي، ولا حتى الطبعوني نفسه، أنه محرّر العبيد أو المغتصَبين، ولكنه بمقاييسنا وإمكانياتنا المتواضعة كأقلية عربية مهضومة الحقوق في إسرائيل، مناضل وطني ساهم في منجزاتنا المتواضعة، وإن لم يفلح في بقاء مجلة "الجديد" نبراسا لنا، فقد حاول ولم يدّخر جهدا. ولكن هذا الإنكار سببه الانحراف الذي أصاب أمثالك فتحولوا إلى منظّرين. ونظرياتك التي تطرحها مثيرة للاشمئزاز. تؤكّد ذلك نظريتك التي تطرحها في جملتك الأخيرة إذ تقول "الشعر، في رأيي، يحتاج إلى أكثر من السيرة الوطنية النضالية، ولا يضير الوطني والمناضل إذا لم يكتب الشعر!!" الشعر، أيها المستعار المغتصَب، يحتاج إلى ما لا تتصف به، الصدق، رغم أنّ أعذب الشعر أكذبه. هل تستطيع أن تفهم هذا التناقض، أم أنك غدا ستكتب مقالا تتساءل فيه بين قوسين: ما هذا؟ هكذا في الأصل.

وشعرنا أيّها الناقد الفذّ، ليس مستنقعا. لم يكن ولن يكون، ولا نقدنا كذلك. أنهما بحرنا الغنيّ الواسع، والذي فيه مياه عميقة وأخرى ضحلة، وفيه بين بين، وهذا شيء طبيعي. ولكنّ هذه المياه، وفي كل الأحوال، تظل نقية، إلا من بعض الشوائب، والتي يقذفها أحيانا بعض الجهلة. ولكن سرعان ما تلفظ الأمواج هذه الشوائب، لأنّ الأمواج هي الحارس الأمين لنقاء بحرنا وكل البحور. والمضحك المبكي حقّا أن أمثالك يختارون أن يبقوا ملفوظين على الشاطئ، أو حيث المياه الراكدة الآسنة عندما ينقطع اتصالها بالبحر. لأنهم عاجزون عن أن يكونوا موجة من الأمواج التي تحرس نقاء البحر.

ملاحظة أخيرة: تذكّر أيّها الناقد المستعار أنني كتبت هذه الملاحظات احتراما للقراء الذين حاولت تضليلهم. فطلبي أليك ألا تردّ. وإن فعلت، فلا تستعمل الاسم المستعار نفسه. أقترح عليك اسما مستعارا آخر، "ميرا جميل" مثلا، أو أيّ اسم لأيّ راقصة من راقصات الـ"ستريبتيز" الوطني في الكليبات الهابطة. وأعدك في كل الأحوال أن أتجاهلك وأتجاهل ردّك.