الماضي يبدأ غداً.. مسرح قصيدةٍ أم نستالوجيا جسد

الماضي يبدأ غداً..

مسرح قصيدةٍ أم نستالوجيا جسد

محمد حرب الرمحي

وهكذا كان ! .. إعلانُ ماضٍ سيبدأ غداً .. بين قابِ قوس ( هل في الحياةِ ما يدعو لعودةِ ميتٍ ) وقوس ( عيناكِ والسرطان كم أهواهما ) .. نستالوجيا سؤالٍ يبحثُ عن جوابٍ في لغةِ جسدينِ ناعمينِ كـ ضحكةِ طفلٍ تتدلى من ثغرِ كهلْ ! .. هكذا تتماثلُ الأسئلةُ شفاءً على فمِ القصيدةِ الموجوع !!! 

الفكرةُ كانت مرآةٌ يتمدد فيها وجهُ ( قصيدة ) في لحظةِ صمتْ ! وكان السؤال : لماذا ذلك لا يكون ؟ .. جاءَ مولود الجوابِ بعدَ المخاض الأخير في عينيهما ( منى & موسى ) .. سيكون ! .. رنَ هاتفهم في قلبي الذي كانَ آنذاكَ يمشي على شاطىء القصيدةِ حافياً .. رفعتُ سماعةَ روحي فإذا بهم يتلون على مسامعي آيات الخبر .. تنهيدتي أوقفتني على الشاطىء للحظات وأنا أنظرُ للبحرِ وهو يودع آخر مركبٍ من ( الماضي ) إلى ( الغد ) ! أجابت دموعي .. كـ أنه كان !

وهكذا كان ! .. جسدانِ يتظفرا جسد القصيدةِ على إيقاع نبض قلبِ آلهاتِ اللحن الأرجوان .. ملكانِ يهبطان من سماواتِ شِعري على آخر مساحةٍ لم تُحتلُ بعدُ في قلبي الجريح ! .. بدأت بنات أشعاري تحوم حولَ جثتي ، بدأت تبكي وهي تُعِدُ كفن القصيدةِ وتُعلنُ العُرسَ الأخيرِ للروح .. كنتُ أمشي لحظتها على جسديهما بنظراتٍ حافية .. كنتُ أمشي على شفرة الكلماتِ ، فتسيلُ من قلبيهما دموعي .. حتى الركعةِ الأخيرةِ من طقس البكاء !

وهكذا كان ! .. أسطورة تتجسد في لوحةٍ من الماضي .. لذكرياتِ الزمن القادمِ .. كـ اني رأيتُ مريمَ تجلسُ على مقعدها الأبيض وهي تؤدي أول صلاةٍ لفاطمةٍ بعد ولادتها بـ ركعة .. بـ شمعة .. يتقدمُ منها ذاك الملاك ويجلس على ركبتيه أمامها لتأخذهُ في حنان الأم ، الحبيبة ، الصديقة ، الـ صلاة ! .. فيعتكفانِ في بعضهما البعض .. وتبدأُ هجرتهما ، منها إليهِ ، ومنهُ إليها ، ومنهما إلينا .. ومنا إلى ميتافيزيقا الروح .. سينوغرافيا القمر .. نستالوجيا القصيدة .. كـ أنها هجرةُ الروحِ إلى الروحِ ، من جسدٍ إلى جسدْ .. كـ أنها الروحُ تستنسخُ الأسطورة اليونانية من رَحِمِ موسيقى الشِعر وتعيدُ الماضي على هيئةِ عصفور يتوهُ في متاهات الكلمات .. ليختبيء تحت جناح الغد من مطر الحزن الغزير !

ما قدمتهُ الفنانةُ ( الراهبة ) المبدعةُ منى موسى ، والفنان ( الناسك ) المبدع موسى السطري من أداء لوحات مسرحيةٍ تعبيرية راقصة .. من تصميمهما .. كان عبارةٍ عن ترجمةٍ حرفيةٍ للقصيدتين ( اللوحتين ) ! حيثُ قدّما تجربة جديدة في الرقص التعبيري على نبراتِ صوتي في إلقائي لقصيدة ( هل في الحياة ما يدعو لعودةِ ميتٍ ) وقصيدة ( عيناكِ والسرطانِ كم أهواهما ) . وكان لتلك الموسيقى الروحية التي وضعها المؤلف الموسيقي الفنان المبدع ماهر الحلو أعظم الأثر .. وكأنه سكبها من قلبهِ وروحه في كأس العرض الجميل . فأثمل الجميع حد البكاء .. 

وهكذا كان ! .. رقصٌ تعبيري مسرحي على إيقاع قلبِ شاعرٍ وهو يلقي لاشعوره في قصيدةٍ مسجلةٍ بصوتهِ بمصاحبةِ ملائكة الموسيقى .. وكأنه عرض مسرحه سماء القصيدة .. أنها أولُ تجربة من نوعها .. حيث الجسد وكـ أنه معلقٌ بأحبال صوت الشاعر .. يرقص على إيقاع نبرة الصوت ويترجم إحساسه بكل ما في الخيال من جمال ..

وهكذا كان ! .. تجربةٌ اختصرها أحد الحضور بجملة صغيرة ! .. ( سنبقى خلف ظهر العالمِ إن لم نرتقي لهذا المستوى من الأعمال ) . وهكذا كان ...