سلطان الوسمي.. والقيارة بين الماضي والحاضر

سلطان الوسمي..

والقيارة بين الماضي والحاضر

نايف عبوش

صدر مؤخرا، في شهر آب لعام في 2011 ،كتاب (القيارة.. بين الماضي والحاضر)،لمؤلفه سلطان محمد الوسمي، عن مطبعة الكرم في الموصل.ويتكون الكتاب من(211) صفحة من الحجم المتوسط. وتضمن الكتاب أربعة أبواب، وملاحق وصور،إضافة إلى قائمة بالمراجع والمصادر، التي استند إليها في وضع الكتاب.

وقد تطرق الكتاب، إلى تاريخ نشوء التوطن في القيارة، وابرز الأحداث المهمة التي مرت عليها، منذ أزمان غابرة حتى الساعة.ثم عرض لعشائر وقرى أريافها،في حين بحث الأحوال الاجتماعية، والاقتصادية،وأسلوب المعيشة،والعادات والتقاليد العشائرية السائدة فيها.كما تناول الحركة الأدبية، والثقافية، والفنية،وختم الكتاب بملحق من الصور، التي وثقت الكثير من الأحداث، والملامح المجتمعية الماضية.فاستحق الكتاب أن يكون مرجعا مهما للباحثين، وقاموسا للمستزيدين من ثقافة التراث،لما وفره من معلومات موثقة،فسد فراغا في المكتبة ،للمهتمين بتاريخ الديرة وتراثها. ويمثل هذا الكتاب سفرا مهما، في طرق موضوع تاريخ القيارة، ليس من زاويته التاريخية المجردة فحسب،وإنما للقيمة التراثية التي جسدها الكتاب، بتوثيق جوانب تراثية سالفة، طواها النسيان، وطوحت بها الأيام .فاستحق بذلك أن يكون تجربة إبداعية غنية، توثق مرحلة بكل أبعادها التاريخية، والحياتية، والاجتماعية، منذ أن سكن القيارة ناسها الأوائل فيما خلا من الأيام، حتى الوقت الحاضر. فكان هذا الكتاب بحق، تجربة غنية،بما حواه بين دفتيه من تراث الديرة، وموروثها الشعبي ,وبما جسده من قيم، وعادات، وأعراف عشائرية،كادت تأتي على ذكرها عوادي الزمن.

 وقد امتاز الكتاب بأسلوب ممتع ، ولغة سلسة، تطغى عليها نكهة بلاغة التعبير، وفصاحة البيان، في تناول مفردات التراث،بما يشد القارئ للتفاعل الايجابي مع النص، بمجرد البد في قراءة الكتاب.

وإذا كان ما يقلق المهتمين بالتراث كثيرا، هو الانحسار المستمر، في ثقافة التراث، لدى الجيل، ولاسيما بعد رحيل العمالقة، من الرواة، والنسابة، والمدونين،والباحثين، الذين كانوا أدوات تناول حي للتراث،ناهيك من أن انفتاح الشعوب على التمدن والعصرنة،وهبوب رياح التغيير عليها بلا قيود، في ظل تحديات العولمة، كعامل موضوعي  مضاف، بما يمتلكه، من قدرات فنية، ووسائل إعلامية هائلة، في ظل ثورة الاتصال والمعلوماتية، بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات بلا نهايات..هو الآخر عامل مؤثر،على حيوية التراث، ويشكل خطرا داهما، يهدد التراث بالكنس والإفناء، عاجلا أم آجلا ،فان إقدام المؤلف سلطان ألوسمي، على خوض هذه التجربة الثرية،في توثيق تاريخ وتراث الديرة، وفي إطار هكذا مفهوم تواصل استلهامي مع الماضي،سيكون بلا ريب، حافزا للإبداع المستمر، ومعينا للعطاء الدائم،في حاضرنا المعاصر،ويبدد القلق الماثل أمامنا، على مصير التراث المهدد بالفناء.

 لذلك يأتي تواصل المؤلف سلطان الوسمي الحي مع التراث،حالة ايجابية للغاية، بما يمكن أن نعتبره، بما هو منجز كبير، من منجزات الثقافة التراثية الجمعية ، وذاكرة حية لها، فانه يشكل قاعدة الانطلاق، إلى الحداثة والتطور، حيث تعتبر التقاليد الموروثة،قاعدة التوازن مع العصرنة، دون أن يعني ذلك أبدا، محاكاة عمياء، لما فات أوانه.

وأظن أن مبادرة المؤلف سلطان الوسمي،ستكون بمثابة صرخة مخلصة،لكي يتداعى المعنيون بالتراث، من المفكرين، والكتاب، والمثقفين، ومؤسسات تشكيل الرأي، وأعمدة القوم، وكل من يعنيه شان الهوية، بما يتميزون به، من رصيد فكري ايجابي، وإيمان بفعالية التراث في تحريك الحاضر، تؤهلهم لتبني هكذا رؤية،للعمل على  استنهاض هذه الرؤية،والمبادرة لدعم ثقافة التراث، ونفخ الروح فيها ،حتى نتمكن من الحفاظ ،على ما يمكننا الحفاظ عليه، من بقايا تراثنا الديني، والثقافي، والاجتماعي،والشعبي ،المهدد بالاندثار والانقراض السريع.

ويبقى اطلاع القارئ على الكتاب ضروريا، لكي يغوص في تفاصيل المفردات والموضوعات، التي تناولها المؤلف بالتفصيل،حيث لا يمكن أن تغني مثل هذه المقدمة المقتضبة،عن استكشاف مكنونات هذا الكتاب القيم.