منهج الخوارزمي في كتابه "شرح المفصل"

منهج الخوارزمي في كتابه "شرح المفصل"

"قراءة نقدية  للدكتور حسن محمد الربابعة"

د. حسن الربابعة

قسم اللغة العربية

جامعة مؤتة

[email protected]

تموز 2011م

في تمام الساعة 1400مساء يوم الأربعاء الموافق لليوم السابع والعشرين  من تموز 2011م  نوقشت رسالة دكتوراه في النحو من إعداد الطالب  سليمان احمد الفضول في جامعة مؤتة بإشراف الأستاذ الدكتور يحيى عبابنة وعضوية كل من الأستاذ المشارك محمود مبارك عبيدات من الجامعة الإسلامية والأستاذ المشارك فايز عيسى المحاسنة أستاذ مشارك نحو في جامعة مؤتة والأستاذ المشارك الدكتور حسن محمد الربابعة وبعد مناقشة الرسالة علنية لمدة ساعتين أجيزت الرسالة دون تعديلات  وانتهت المناقشة الساعة 1600 مساء اليوم المذكور والله ولي التوفيق  

باسم الله العلي الحكيم  القائل "  وما أوتيتم من العلم إلا قليلا  "  والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على ختمَة ِالمبعوثين  للعالمين سيِّدنا أبي الزهراء ؛ نبيا رسولا ،فبلّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة ،وجاهد في الله حقَّ جهاده، فما عليه،  ـ عليه السلام  ـ من مزيد ، وعلى آله وصحبه ، ومن انتهج نهجه ، واستنَّ بسنته ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ، في العالمين ، سعادة الأستاذ الدكتور رئيس لجنة المناقشة  وعضويها المحترَمين ، أيها الأخوة الحضور ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،فأتقدم بالشكر الجزيل للعالم الكبير النحوي الروائي الأديب، المصنف المكثر بفضل الله ومننه التي لا تحصى، سعادة الأستاذ الدكتور يحيى العبابنة ، إذ شرَّفني بالاطلاع مناقشا هذه الرسالة العلمية القيِّمة الموسومة ب"منهج الخُوارزمي في كتابه "شرح المفصل " كما اشكر للزميلين عضوي لجنة المناقشة هما الدكتور فايزعيسى المحاسنة والدكتور محمود مبارك عبيدات  أستاذا النحو المشاركان  مرتبين  في جامعتي مؤتة والجامعة الإسلامية .

 أمَّا الرسالة الموسومة كما ذكرت بأعلاه من إعداد  طالب الدكتوراة "سليمان احمد الفضول "فنهضت  على مقدمة وأربعة  فصول وخاتمة ، وجريدة   مصادر  ومراجع، في (244) مائتين وأربع وأربعين ورقة من القطع الكبير ، وقد احتوت  (186)مائة وستة وثمانين مصدرا ومرجعا متنوعا في  مجالات الشواهد القرآنية ، وأمَّات مصادر النحو والصرف، قديمِها خاصة ، ولم تفته النظرة في  حديثها  عامة ،  مما أنهض رسالتَهُ جادة جديدة ، واطَّلع على غايته في  الدواوين الشعرية، من أهل الاحتجاج اللغوي  وما بعدههم في ضوء استئناسه العلمي  بما يُحتجُّ به  ، و استشار المعاجم اللغوية ، و أفاد من كتب التفسير، وعلوم القراءات القرآنية ، وبعض لهجات العرب كالطمطانية الحِميرية، و لهجة تميم ولهجات أهل الشام  ، ولهجات أخرى  فأجاد ،وكانت مراجعُه كافية لإنهاض رسالته جادة جديدة . وان كنت أخذت عليه إغفالَهُ ذكرَه القرآن الكريم أول مصدر اعتمدتْ عليه دراستُه ، في مصادره، كما يمكن اكمالُ  عنوان  احد مصادره  هو "الاقتراح "والأصل "كتاب الاقتراح "ينضاف إليه ضرورةُ حذف همزة القطع واستبدالها وصلا ورقة (236)  وتصويبٌ إملائي للعُكبَري  وضبطُه الدقيق له وهو "العُكبَري"ورقة (238)ويمكنه درجُ مؤلفيه ألفبائيا  إذ من حق كتابه "التبيين عن مذاهب النحويين "أن يكون قبل كتابه "اللباب في علل البناء".

  أمَّا الفصلُ الأول  الموسوم ب"التمهيد "فعرض فيه لاسم الخوارزمي ولقبه وكنيته  ومولده ووفاته وصفاته ومكانته العلمية، ورحلاته وشيوخه ، وتلامذته ، ومؤلفاته  ومصادره  وعرض لكتابه " شرح المفصل "خمس ورقات، وذكر أساليب لتوضيح اللغة  وشروحها، وقد احتلَّ منه فصله هذا(36) ستا وثلاثين ورقة ما يعادل سدس مساحة الرسالة ،وكان ابرزُ ما فيه تمنياتي عليه، أن يضبط الخُوارزمي بضم الخاء نسبة إلى خُوارزم ، بحيث يشمل اسمه أينما ورد في الرسالة ، وان يترجم له بعدة أسطر؛ وان كنتُ أعنتُه في ترجمته في الورقة الثالثة ، إذا  أخذ بها،كما تمنيتُ أن يضع علامات ترقيم  مناسبة؛ منها الفاصلة والمنقوطة في كثير من ورقات رسالته، وقد اجتهدت في تعيين  كثيرها له ، وان يترجم لمادة "زجا "ورقة (8)السطر الثاني ، وان يصحح لغويا اسم أن منصوبا في السطر الرابع من الورقة (10) ليصير الصحيح "إلا أنَّ فيهم انغلاقا "،وقد فتح الطالب سليمان  محاور دراسات أخرى لتحقيق مخطوطات  للخوارزمي مما لم تحقق بعد وعددها (ثمانية عشر مؤلفا " يمكن أن يحقق منها مما زال مخطوطا ،  او يدرس المطبوع منها، كما يمكن أن يدرس نثره في القرن السادس الهجري ،  وتمنيت على طالبنا الباحث أن يستخرج  بحور الشعر  للنصوص الشعرية التي اعتمدها  لسببين ؛ لولوج أستاذ النحو أولا إلى ميدان الأدب شان أستاذنا الفاضل الأديب اللغوي يحيى العبابنة  المشرف، و لضبط النص الأدبي من جانب احتجاجه اللغوي به ثانيا  ممثلا على ذلك بالورقة (21) :

              قومٌ متى طلعتْ ليلا مآثرُهم   رأيت بدرَ الدجى في زي مُنخسف

  فقد ضبط الباحث " قوم" بضمة ، والصواب بتنوين الضم، لان النَّصَّ على البحر البسيط ،ويكتمل يتنوين الضم  ؛ معنى وإيقاعا ، ولا بدَّ من تصويب بدرَ بالفتح مفعولا به لا مرفوعا بلا معنى، ومثله ضبط (أُقُِرُّةََ َعيني) في البيت الثاني في الورقة نفسها (21)، ويقال مثله "على(البحر البسيط)ورقة (70)

          وإنيَ من قومٍ بهم ُيتَّقى العدا       ورأبُ الثأى ، والجانبُ المتخوَّفُ

 ويحسن به ضبطُ البيت ضبطا تاما إذا كان ملبسا نحوتسكين الميم "في منهمْ " ليستوي الوزن كقوله على( البحر الكامل) ( ورقة 92)

            لا تقربنَّ ـ  الدَّهرَ ـ  َآلَ مطرَّف       إنْ ظالما منهمْ وانْ مظلوما

 كما يمكنه وضع الدهرَ بين شرطتين لدلالته على الظرفية منعا من الالتباس.

 وقد حذف سببا ثقيلا من قول الشاعر "يا ليت أيام الصبا رواجعا " والصواب بدرج       "و" في شطرة البيت( ويا ليت أيام الصبا رواجعا " على البحر الطويل ورقة (186)

 وثمة ملحظات إملائية لا بدَّ من تصويبها؛ فقد  ظلت في الرسالة خارجة عن ورقة تصويبات أرسلت إليَّ منها نحوية كقوله "بعد هذه الشروح الثلاث " والصحيح "الثلاثة " ورقة (26 )  و"يبدأه " والصواب" يبدؤه" على واو مهموزة ، ورقة (32)، السطر الرابع من الأخير ، ومنها حاجتنا إلى ترجمة مادة "تيد"ورقة (29) سطر (7)، وكسر همزة "إما" من حيث حقها الفتح"أمَّا"  شرطية تفصيلية ورقة "81"السطر الثاني قبل الأخير ، ويقع مضافا إليه منصوبا في قوله "وقد يتم عجز بيتا " والصحيح "بيت " مضاف إليه،ورقة (83)الفقرة الثانية ، وننصح بوضع المنصوب على الاختصاص بين شرطتين "إنَّا   ـ بني نهشل ـ (ورقة 89)، وقد سقطت نقطتا التاء المربوطة ل"هرمة "ورقة (97)، كما وردت كثيرا العبكري بدل العُكبَري في حواشي الرسالة منه ورقات (102،و104،و105و106 ) وغيرها ، ومنها رسم الآلوسي بالمدِّ لا بهمزة قطع ورقة 109 الحاشية ، ونصب الفاعل يجمع مذكر سالم بقوله "اجمع النحويين " والصواب النحويون " ورقة (164)السطر السابع من الأسفل.

 وثمة أخطاء نحوية نحو" أرى أحدُكم " والصواب نصبه مفعول أرى  "أرى أحدَكم سبهللا  " ورقة 37، ومن الأخطاء النحوية نصب خبر أن والصواب رفعه كقوله "لانَّ جوابها محذوفا "والصواب محذوف ورقة (58) السطر الأخير  وفي الرسالة أخطاء إملائية قليلة لا تغضُّ من قيمتها العلمية ولكن التخلص منها أولى ، مثل  سقوط نقطتي التاء المربوطة ل"هَرَمة "ورقة (97)قياس الطبيعي يعتمد منطق اللغة

 أما أسلوبا  فنرى تبديل "سخّر الخوارزمي القرآن الكريم "إلى الصواب "اقتبس الخوارزمي من القرآن الكريم "  وأحاديث الرسول الكريم ، ووظَّف كلام العرب لتوضيح اللغة وشرحها ورقة 38  السطر الأخير.

 أما الفصل الثاني الموسوم ب"الأصول النحوية "فأداره على الأصل النحوي وأدلته ودرس السماع  وموقف الخوارزمي منه ثم عرف الاحتجاح  واستشهد بالآيات القرآنية ، ومسائل متعددة  وتنبه إلى القراءات القرآنية،  ورد بعضها  لضعفها  واحتجَّ بالحديث الشريف  لمسائل عرض لها  وبنى أحكامه عليها ، وعدَّ من كلام العرب  الشِّعرَ  من أهل الاحتجاج اللغوي، لعهد إبراهيم بن هرمة، ثمَّ  احتج بشعر   ما بعده من أشعار المولدين ، وانتهى بأمثال العرب ، وقد استغرق فصله هذا أربعا وستين ورقة (39ـ 103)  لقد عرَّف الأصول النحوية لغة واصطلاحا ، كما عرف السماع وبين أهميته .

  أما منهجيا فأفضِّل أن يدرج آراء العلماء في أهمية السَّماع متخذا  من  التدرج التاريخي منهجا ؛لنعرف تأثير السابق على اللاحق، وهو أمرٌ سهل تصويبُهُ ، فالخليل وسيبويه ، قبل ابن جني لا العكس  كما هو في الورقة (46).

  أمَّا النَّصُّ القرآني الذي احتجَّ بشواهدَ منه فأرى أن "يصوِّب ما وقع فيه من نقص حرف في الطباعة نحو قوله تعالى في حرف الخطاب ورقة (57) "قال أرايتك هذا الذي كرَّمت عليَّ"فحذف القاف منها ، فيجب إعادته وتصحيح النص.كما يجب توجيه النص القرآني "فبذلك فليفرحوا "ليس فلتفرحوا ورقة (124) السطر الأول.، وقد ضبطنا نص الآية كاملة في موضعها.، كما يجب مراجعة الآيات في العطف على جملة الشرط ورقة (126) ففيها بعض الأفعال لم ترد في النص القرآني نحو "نكفر "  

 ومن الجانب الأسلوبي وظَّف أداة والصحيح "حرف شرط "ورقة (60) سطر (3)

 أمَّا الفصل الثالث "القياس والتعليل ، فامتدَّ على ورقات بدأت من (111الى 158)عرَّف فيه القياس لغة واصطلاحا  عند القدماء،  وتحدَّث في فصله عن الإجماع  والسَّبر"التجربة " والتقسيم  والعلة وأقسامها ، أمَّا القياس  فبدأ به عبد الله بن اسحق إذ بعج النحو ؛ وعدَّ القياس فيه ضرورة ، مرورا بالخليل وتلميذه سيبويه ، ثم ب"أبي علي الفارسي وتلميذه ابن جني الذي انماز منهجُهُ بكثرة الأقيسة، وقد استنبطوا من القياس قواعدَ متعددة، وعللوا الظواهرَ النحوية ، وقد رفضوا ما خالف القياسَ، ومنهم ابنُ مضاء القرطبي في كتابه "الردّ على النحاة " الذي دعا إلى إبطال القياس، ووافقه بعض العلماء المحدثين؛ على أن من أهمية  القياس أن  يرفد اللغة وينمِّيها متزايدة، وتحدث عن أقسام القياس الأربعة ، علة وشبه  وذكر أركانه  الأربعة أصلا وفرعا  وحكما وعلة جامعة ،واعتدَّ الخوارزمي بالقياس ووضعه في مكانته المناسبة ، واتى الخوارزمي على المسموع من كلام العرب بأمثلة تطبيقية كافية ،ورفض الخوارزمي القياس إذا فقد شرطا، أو اختلَّ الشبه ، وأما التعليل فنوعان علة مطردة على كلام العرب على قوانينه ،  وعلة تظهر حكمتهم وتكشف عن صحة مقاصدهم والعرب للأولى أكثر استعمالا  وقسمها أربعة وعشرين نوعا ،  ومثل على كل نوع  بشواهد كافية .

 أما الفصل الرابع الأخير الموسوم ب"مذهبه النحوي "فدرس الطالب  للخوارزمي مسائل الخلاف وآراءه النحوية  ودرس المصطلح  وتأثره باحكام الفقه، وأبرز تأثره بالمنطق ،واحتلَّ فصله  نحو ثلاث وأربعين ورقة  من الورقة (180ـ 223) فبدت فصول رسالته منتظمة تقريبا  ، وبرز في مذهبه النحوي كثرة التحليل والتعليل ـ إذ  كان بقدِّم النصَّ ويحلله ويشرحه ، ويوضح معانيه ،  وكان يحب التجديد والابتكار،  ويميلُ إلى المخالفة والمناكفة  والنقد ، و وكان عند الخوارزمي  رغبة  السبق في التجديد ، وتبدو مسائل الخلاف بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة قد أفادت النحو فتهافت النحاة ُعلى جمع اللغة، وراحوا يستنبطون منها بعد تعليلها أحكاما ، فحاوروا الأعراب،  وحرصوا على لقائهم ، وذكر الخوارزمي  طبقات النحاة من البصريين كالمبرَِّد ، ومن الكوفيين ثعلب ، وقد بلغت مؤلفاتهم سبعة عشر مؤلفا،  وكان السماع والقياس  حكمين  بين النحاة ، أمَّا الخوارزمي فأفاد من المدرستين وكان يعرض مسائل لهما  من باب التوضيح دون ترجيح ،وثمة هنات أخرى أدرجتها في الحواشي فهي وان وجدت فلا تضير من قوة هذه الرسالة العلمية ، وان كانت الخاتمة بحاجة إلى إعادة صياغة لتكثيف الفوائد المجتناة منها ،ويقال مثله عن الإهداء  والشكر والتقدير  والملخَّص ، اذ يبدو أنَّ  الباحث قدَّمها على عجل ليطلع  أعضاء  لجنة المناقشة ، و لعلَّ نيَّته أن  يعيد قرأتها ،بدقة وعناية ،غيرَ مرة  ،لانَّ الرسالة هي قبل كل شيء  وبعده  له ، وهي إذا خلصت من هذه الهنات المذكورة على متنها وحواشيها ،ستكون حجَّة للطالب سليمان دكتورا  متميزا في مجاله ، كذا ظني فيه مهنئا إياه على جودة رسالته ومهنئا أستاذه العالم الباحث  أيضا على جودة الخطة، ودقة البحث والتواصل في الاستقصاء، فكان الطالب  أمينا في نقوله ، دقيقا في عرض المسائل ، طموطا للتميز العلمي ، الذي هو تميز للطالب سليمان نفسه  المتفضل علينا بحلمه وسعة صدره، متذكرا أنَّ الكمال لله وحده، وما أوتينا من العلم إلا قليلا.

  وأخيرا  ،ربنا كتبنا بما علمتنا ، واجتهدنا  وُسعنا، فان أصبنا فاجران،وان كانت الأخرى فأجر واحد ، ربَّنا فاغفر لنا وارحمنا جميعا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،  وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.