شرفات كلامه

عليّ الخليليّ

يحاول الوصول إلى محمود درويش في

موسى أبو دويح

 (شرفات الكلام) شعر عليّ الخليليّ، صدرت طبعته الأولى عن الاتحاد العامّ للكتاب والأدباء الفلسطينيين سنة 2010م، وفيه تسعة عشر عنوانًا أو قصيدة من الشعر الحرّ مثل: في الطريق إلى النهر، الجبل، المقبرة، أغنية البحر، صعود إلى بعض القصيدة، الوصول (إلى محمود درويش)، بياض وسواد، صور باقيات، دواليك، الصعود، وجاءت كلّها في حوالي 120 صفحة من القطع الوسط؛ حيث راوحت القصيدة بين 5-7 صفحات غالبا.

عنوان الكتاب (شرفات الكلام) مأخوذ من مادّة (شرف)، جاء في لسان العرب: (الشَّرَفُ: الحَسَبُ بالآباء، شَرُفَ يَشْرُفُ شَرَفاً وشُرْفَةً وشَرْفَةً وشَرافةً، فهو شريفٌ، والجمع أَشْرافٌ. غيره: والشَّرَفُ والمَجْدُ لا يكونانِ إلا بالآباء. ويقال: رجل شريفٌ، ورجل ماجدٌ له آباءٌ متقدِّمون في الشّرَف. قال: والحسَبُ والكَرَمُ يكونانِ وإن لم يكن له آباء لهم شَرَفٌ).

وعليه يكون العنوان (شرفات الكلام) جمع شرفة التي هي من مصادر شرف مثل: صفحة صفحات، وركعة ركعات. وكأنّي بالكاتب أو الشاعر أراد أن هذا الكلام له شرف وحسب، وعلى رأي من قال: إنهما لا يكونان إلا بالآباء، فأبو هذا الكلام -وهو صاحبه- له آباء متقدّمون في الشرف.

الكتاب في أكثر عناوينه موغل في الرمزيّة والغرابة والغموض، ويصعب فهمه على كثير من الناس حتّى ذوي الاختصاص. وأوضح ما جاء في الكتاب، ما جاء على الغلاف الأخير: (شِعْرنا لا يطلق الرّصاص؛ ولكنّه يطلق ضمير المقاومة من خناق الأسلحة، في مواجهة أعداء مدجّجين بكلّ أنواع الأسلحة، غزاة، قراصنة، غاصبين، يكرهون الشِعْر. ويقتلون الشّعراء والأدباء والفنانين. هم قتلوا الشاعر الزّجّال نوح إبراهيم، وهم قتلوا الكاتب الروائيّ غسان كنفانيّ، وهم قتلوا الشّاعر كمال ناصر، وهم قتلوا الرّسّام الفنّان ناجي العليّ، وهم قتلوا القاصّ ماجد أبو شرار. وهم يواصلون القتل والتّدمير والسّلب والنّهب في حروبهمُ العدوانيّة، من إسرائيل إلى الولايات المتّحدة، وما بينهما من أتباع وعملاء وجبناء.

ونحن نواصل الحياة، نحبّ الشِّعْر ونكتبه وننصت إليه، ونطوّق أعناق الشعراء بالبنفسج البريّ والامتنان. ونحبّ القصّة والرواية والمسرحية واللّوحة التشكيلية والرقص والموسيقى والسينما، وكلّ أشكال الفنون والآداب، ونجعل من عيوننا وقلوبنا منازل ومنابر لكلّ المبدعين. ونحن ننتصر).

وكلّ قصيدة في الكتاب تحتاج إلى نقد يختلف عن نقد غيرها من القصائد. لذا، فإنّي سأختار قصيدة واحدة من الكتاب وهي بعنوان: الوصول (إلى محمود درويش)، وأحاول أن أبيّن رأيي فيها:

العنوان (الوصول)، هل أراد به الكاتب أن يوصل هذا الكلام إلى المرحوم محمود درويش في قبره، أو أراد به أن يصل هو إلى منزلة محمود درويش الشِّعْريّة على رأي من قال:

وكل يدّعي وصلا بليلى      وليلى لا تقر لهم بذاكا

فهو يتصور المرحوم محمود درويش ينهض كلّ صباح، ويسلّم على الخلق من كلّ جنس ولون، ويقرأ أشعاره للنّدى والفراشات واللّوز. وقبل الغروب يعود إلى عشبة في التّراب، فيحدّثها عن تفاصيل رحلته ثمّ يغفو قليلا. ويصحو على طنين نحلة تخفق بجناحيها في قلبه، وتحرس الطريق إلى بلدة البِرْوَةِ العالية (وهي مسقط رأس محمود درويش)، وعلى هديل الحمائم الصاعدات -بشرى برام الله (وهي مدفن رفات محمود درويش)- بكرة وأصيلا.

ويُضَمِّنُ قصيدته من قصيدة محمود درويش المشهورة (لماذا تركت الحصان وحيدا)، عندما يقول:

فكيف أذنت لنفسك عَنّا رحيلا

                     وكيف تركت الحصان وحيدا عليلا

وإنك أنت كما أنت فينا تكون فَتِيّا جميلا

ويختم الخليليّ قصيدته بقوله:

عليك أنيس السلام

عليك هديل الحمام

عليك خلود المقام

لأنّك أنا

هنا وهناك

على أرضنا نستحقّ الحياة.

وأخيرا الكتاب يحتاج إلى أكثر من قراءة واحدة حتّى يظفر منه القارئ بطائل.