ألف يوم في زنزانة العزل الإنفراديّ

لمروان البرغوثيّ

موسى أبو دويح

صدرت الطّبعة الأولى من كتاب "ألف يوم في زنزانة العزل الإنفرادي" لمروان البرغوثي عن دار الشروق للنشر والتوزيع / رام الله والدار العربية للعلوم ناشرون سنة 2011 في 255 صفحة.

أهدى مروان كتابه إلى زوجته فدوى وأولاده الأربعة: القسّام وربا وشرف وعرب، وإلى أبناء الشعب الفلسطيني، وأبناء الأمتين العربية والإسلامية.

وقدّم للكتاب زاهي وهبي تحت عنوان: (وعد الحر... الحرّية) في ست صفحات كاملة، مقدّمة تعطي صورة وافية عن الكتاب، سيّما وأن مقدّم الكتاب زاهي وهبي سبق له وأنْ عانى مما يعانيه مروان الآن. ومما جاء في التقديم: (فالحرّية دونها تضحيات، تكتب بالدم والدمع والحبر، وكلِّ ما نستطيع إليه سبيلا من أشكال مقاومة المحتلِّ الذي لا يفهم لغة أخرى، ولا يرضخ إلا للقوّة). صفحة 10.

قسّم مروان كتابه إلى سبعة فصول هي: المواجهة، ومملكة المجهول أو الحرب الخفيّة، والمحاكمة، والعزل الإنفرادي، وحياتي في زنزانة العزل الإنفرادي، وحارسة حُلُمي، والاشتباك مع جهاز المخابرات الإسرائيلي.

الكتاب من أدب السجون، وأدب السجون اشتهر في فلسطين أكثر مما اشتهر في غيرها من البلاد في الشرق أو الغرب؛ وذلك أن نسبة المعتقلين السياسيين في فلسطين بلغت حدّا، ما أظنّ أنّها بلغتْهُ أو قريبا منه في أيّ بلد في العالم؛ حتّى لا تكاد تجدُ بيتا من بيوت الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية أو القدس إلا ومن أفراده معتقلٌ أو أكثر. حتّى فلسطينيّو داخل فلسطين، الذين ثبتوا في مدنهم وقراهم ولم يخرجوا منها سنة 1948، عانَوْا ممّا يعانيه أهل الضفة والقطاع؛ وذلك أنّ حجة أمن يهود تجعل كلَّ فلسطيني عرضة للاعتقال؛ لأنّه يشكّل خطرًا على دولة يهود.

ومروان في كتابه لا يدّعي لنفسه أنّه تعرّض لعذاب لم يتعرّض له غيره من السجناء الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك، فهو يقول في صفحة 21: (إنّ كلَّ ما تعرّضت له، كان مثالا بسيطا لما تعرّض له عشرات الآلاف من المناضلين الّذين تحدَّوْا الجلاّدين والسجّانين المحتلّين).

ويكشف الكاتب في كتابه مختلف الأساليب التي يتبعها محقّقو يهود في تعذيب المعتقلين، والتي صارت معلومة ومعروفة عند الفلسطينيين بعامّة. غير أنّ ما تميّز به الكِتابُ أنّه ركّز على ما يثبّت المعتقلَ أمام جلاّديه، فبيّن أنّ عليه التحمّل والصبر، وإنّما النصر صبر ساعة، وأن لا يفرّط بأيّ معلومة مهما كانت تافهة في رأيه، بل لا يعطي المحققين أيَّ معلومات على الإطلاق، وأن يبقى ثابتا على أنّه طالب حق، وأنّه لن يفرّط بحقّه وأرضه مهما كان الثمن، وأنّه سيواصل المطالبة بحقّه حتّى يستردَّه أو يموت دونه وعندها يعذر عند الله.

ولقد قرأت في كتاب مروان أسطرًا وقفت عندها متأمّلا متردِّدًا فيما يريد أن يوصله إلى عقول الفلسطينيين. جاء في صفحة 28 قوله: (من أسلوب احباط المعنويات أيضا قول المحققين: "إنّ السلطة فاسدة، ومسؤوليها باتوا تجّارًا أثرياء وأصحاب ملايين، وإن كثيرًا من قادة السلطة لا يريدون أن يروا مروان البرغوثي إلى الأبد، بل تمنَّوْا أن يموت في السجن". وقالوا أيضا: "إنّ بعض قادة السلطة قد تآمروا عليك، وقدّموا معلومات عنك، وإنّهم تخلّصوا منك الآن، وإنّك ستموت في السجن وقد ضاع مستقبلك إلى الأبد، وفلسطين راحت.... وإنّ القادة الفلسطينيين جبناء يرسلون أبناء الفقراء والمساكين إلى الموت، أمّا هم وأبناؤهم فيهربون."). فهل يقصد مروان من وراء ذلك أنّ أقوال المحققين هذه كذب وافتراء على السلطة الفلسطينية، أم يريد أن يكشف واقع السلطة الفلسطينية وأن هذا ليس رأيه هو بل هو أقوال المحققين الذين حققوا معه.

والذي يرجِّح الرأي الثاني انطباق هذه الأقوال  على واقع كثير من أفراد السلطة الفلسطينية. ويدعم هذا الترجيح قول الكاتب في صفحة 245:(ويمكن القول إن المخابرات الإسرائيلية ركّزت على تجنيد العملاء من بين العاملين في الأجهزة الوطنية. حيث أنها لم تثق يوما بالتعاون الأمني مع أجهزة السلطة، ولم تعتمد عليه إلا بقدر محدود جدا، وبالنسبة لها كان تجنيد عاملين في الأجهزة يشكل مصدر معلومات مهما جدا؛ بسبب قدرة هؤلاء بحكم  عملهم ووظائفهم على الحصول على المعلومات التي ترغب المخابرات في الوصول إليها، في ظلّ غطاء رسمي لعملهم ونشاطهم.

وختامًا الكتاب وثيقة مهمة من وثائق أدب السجون، جدير بكل فلسطيني – وعلى الأخص الشباب- أن يقرأه، وأن يعمل بما جاء فيه إذا وقع في السجن، وحريّ بكل بيت أن يقتنيه.