أحمد شوقي .. الشاعر المجدد

زهير المزوق

قرأت في العدد "168 " مقالة الأخ جهاد فاضل " شوقي في ميزان أدونيس " ونظراً لأهمية الموضوع المطروق آثرت تعميق وتفصيل الأمور أكثر من خلال الزوبعة التي أثارها أدونيس في كتابه " أحمد شوقي " .

وأدونيس في كتابه هذا يوجه عدة انتقادات لأحمد شوقي ، خلاصتها أنه شاعر عادي يفتقر شعره إلى مقومات الإبداع والتجديد ، لأنه شعر خطاب أيدولوجي موروث ، كما يزعم .

ونحن في هذه العجالة نريد الوقوف عند هذا الحكم الذي يفتقر إلى أبسط قواعد الاستقراء والاستنتاج الموضوعي ، فضلاً عن أنه ليس نقداً معيارياً ملتزماً أصول النقد الأدبي الناضج .

إن أول ما يتبادر إلى الذهن في مناقشة هذه القضية هو متابعة فحول شعراء العربية شوقي كأمير للشعر العربي عام 1927م ، وهنا لابد أن نسأل أدونيس هل كان أولئك الشعراء على تلك الدرجة الكبيرة من الغفلة حتى يبايعوا يالإمارة شاعراً عادياً وتقليدياً ؟.

ونحن إذا ما تركنا أمر المبايعة جانباً ، وبحثنا عن نواحي الإبداع والتجديد ، فإننا سنجد ما هو كفيل بأن يكشف عورة منهج أدونيس .

ونظراً إلى أن هذه العجالة لا تتسع لذلك ، عرضاً وتحليلاً ودراسةً ، فإننا سنكتفي بتقديم شهادتين لعملاقين من عمالقة النقد والأدب العربي في القرن العشرين ، أما العملاق الأول فهو أديب العربية الأكبر مصطفى صادق الرافعي رحمه الله ففي كتابه الفريد " وحي القلم " يشير إلى بعض نواحي الإبداع والتجديد في شعر شوقي بقوله : هذا هو شوقي أول من احتفى بتاريخ مصر من الشعراء ، وأول من توسع في نظم الرواية الشعرية فوضع منها عدة روايات ، وهو صاحب الآيات البديعة في الوصف ، وهذه الناحية هي أقوى نواحيه " .

أما العملاق الثاني فهو الناقد الموسوعي شوقي ضيف الذي أطلق على أحمد شوقي لقب " شاعر العصر الحديث " وهذا اللقب هو عنوان كتاب له ، أما في كتابه " الفن ومذاهبه في الشعر العربي " فإنه يشير أيضاً إلى بعض نواحي الإبداع والتجديد لدى شوقي وذلك في معرض حديثه عن شعراء عصره حيث قال : " والذي لاريب فيه أن شوقي أكثرهم تجديداً فقد حاول أن يحدث ضرباً من الشعر التمثيلي على نحو ما تعرف في روايات مصرع كليوباترا ومجنون ليلى ........ "

وبالإضافة إلى ما تقدمت الإشارة إليه نلفت النظر إلى ناحية هامة في هذا المجال ، ربما غفل عنها الكثير من النقاد والدارسين لشعر شوقي ، وهي مساهمة شوقي في التأسيس لأدب الأطفال العربي ، فهو من الرواد الأوائل لهذا الأدب في القرن العشرين ، فقد نظم ستاً وخمسين منظومة موجهة للأطفال ، ومن شاء التأكد والتوسع في معرفة ذلك ، فليرجع إلى فصل " أدب الأطفال العربي " من كتاب " ثقافة الأطفال " لمؤلفه الدكتور هادي نعمان الهيتي .

وبناء على ما تقدم نستطيع أن نقرر بثقة واطمئنان أن أحمد شوقي كان شاعراً مبدعاً ومجدداً على صعيد الشكل والمضمون الشعري ، وباستطاعتنا أن نلخص مجالات الإبداع والتجديد لديه بما يلي :

أولاً : التجديد في الصياغة الشعرية وانفراده بالتميز في مجال الوصف .

ثانياً : التوسع في نظم الرواية الشعرية ومحاولة التأسيس للشعر التمثيلي العربي كفن من فنون الشعر المستحدثة في أدبنا .

ثالثاً : المساهمة السباقة في تأسيس لأدب الأطفال العربي .

رابعاً : الشمولية المتميزة في معالجة أكثر موضوعات الشعر مع الإجادة في أغلب الأحيان ، وانفراده بموضوع تاريخ مصر .

وهكذا ينهار ادعاء أدونيس ، وتتلاشى زوبعته اليائسة والبائسة التي حاول من خلالها إسقاط شوقي وزعزعة مكانته الأدبية المرموقة على صعيد الشعر العربي قديماً وحديثاً .

ولكن السؤال الذي يلح على الذهن : هل كان أدونيس عندما تعرض لشوقي جاهلاً بكل تلك الحقائق التي أشرنا إليها ؟!

إننا نشك في ذلك ، ونعتقد أن وراء الأكمة ما وراءها ، ولهذا إننا نشارك الأستاذ جهاد فاضل رأيه الذي ذهب إليه في مقاله حيث قال : " إن حملته على شوقي تمثل حملة الداعية على رمز شعري وثقافي عربي وإسلامي ، إن شوقي في الوجدان العام هو شاعر العروبة والإسلام ، ولذا فإن في تهديمه تهديماً لمجد عربي وإسلامي ..."

وإذا كان لابد لنا من كلمة أخيرة في هذا المقام ، فإننا نقول : إن محاولة أدونيس لتهديم شوقي ليست أكثر من محاولة لإطفاء الشمس ، وليس صاحبها أكثر من ناطح صخرة يوماً ليوهنها ... لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض ورحم الله الشاعر الفحل بدوي الجبل الذي خاطب أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله :

لا الأمس يسلبك الخلود ولا الغد          هيهات  أنت  على الزمان مخلد

ولك الإمارة  في  البيان ، يقرها          أمس الزمان ولا يضيق بها الغد