نسر بجناح وحيد

في المسرح الوطني الفلسطيني

جميل السلحوت

[email protected]

القدس:17-2-2011 ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية"نسر بجناح وحيد للأديبة السورية د.هيفاء البيطار الصادرة عام 2008 عن منشورات مركز الناقد الثقافي في دمشق.

بدأ النقاش نزهة ابو غوش فقالت:

الزمان ، والمكان في الرواية (ا لزمكنية).

 رأَيت أَن أَتناول الرواية بنظرة ناقدة حول زمن ومكان الرواية لما لهما من أَهمية وتأثير على أَشخاص، وَأَحداث الرواية، على اعتبار أَن الشخصيات هي ابنة المكان الذي يحمل ظروفًا وخصوصية معينة، وكذلك الزمان الذي لا يمكن أَن يتحقق في الرواية إِلا عن طريق تداخله في المكان.

إِن رواية البيطار تقع في فضاء جغرافي كبير تتحرك فيه الأَبطال، والأَحداث معا أَلا وهو فضاء الوطن – سوريا - أَمَّا الزمن الذي جرت فيه أَحدث الرواية فهو حوالي ربع قرن، تعود لذكريات تحدَّث عنها البطل وهو في الأَربعينات من عمره،أَمَّا زمن الانتهاء من كتابة النص فهو في شتاء 1995م، وزمن نشر الرواية عام 2008م.

 المكان الأَول الذي تذكره الراوي هو مكان عام، قاعة الدراسة والمقاعد الدراسية الخشبية، حيث ولدت عليها أَحلامه الطفولية – ثلاثة عشر عاما-، وحلمه الكبير بَأن يصبح طبيبًا يعيش في بيت أرستقراطي، ويركب سيارة فاخرة، استخدمت الكاتبة تقنية وصف المدرسة ومعلم العلوم بحذائه البلاستيكي، فأوحت في وصفها بفقر المكان في ذلك الزمان، مما يعني أَن هناك تزاوجًا ما بين الزمان والمكان، حيث أَن الأطفال في هذا العمر يكثرون من الأَحلام .

 المكان الثاني الذي كان له أهمية وتأثير في حياة البطل كريم هو: البيت ذلك المكان المغلق الذي عكس دفء الحياة والطمأنينة والشعور بالإِنتماء، وكان له فيه ذكريات مفرحة مع أُخته الأَصغر منه سنًا، سلوى في ظل والديهما، أَصبح البيت فيما بعد مكانا بل مستودعا للذكريات، والأَسرار في ظل امرأَة عجوز حنونة محبة ومشفقة، هي أُمه، كان البيت هوالمكان والزمان الذي عاش فيه البطل بامتداد عمره الزمني، أَو التاريخي، وقد تعلق به كثيرا، لدرجة أَن طلب من أخته سلوى المتزوجه خارج البلاد بأَن تتنازل له عن حصتها به خطيا.

 العيادة الخاصة التي امتلكها البطل، والذي كان يسميها " عيادة التحنيط". أَمّا الزمان فقد بدا واضحًا فهو بعد تخرج البطل وعمله طبيبًا جراحًا في مستشفى الرخام. كان هذا المكان حافظ أَسراره وحكاياته: علاقته الجنسية مع فريال، إِحدى زبائنه المتمارضة، التي كانت تخون زوجها، كذلك علاقته بأَمينة الفتاة، عاملة التنظيف المسكينة التي أَقام معها علاقة كانت تتمناها،" بدت له العيادة أَشبه بالمرأَة الوحيدة المخلصة له، والتي تحبه إِلى الأَبد" نلاحظ هنا أَن الكاتبة استخدمت هنا المكان كوسيلة لعملية الإِسقاط، حيث أَسقط البطل بما تكنه ذاته عن إخلاص المرأَة الذي كان يتمناه فيه، وخاصة بعد ممارساته المشبوهة مع النساء.

 العيادة كانت المكان الأَول الشاهد على خيانة البطل الذي خان أَمانته كطبيب، واتفق مع والد الطفل لإجراء عملية للطفل وسيم، في حين أنه لم يكن بحاجة إليها، وذلك من أَجل حصوله على المال الذي يحتاجه، العيادة كانت السبب في جريمته غير المقصودة، لأَن الطفل مات بعد التخدير، فبالتالي هي سبب تعاسته، وبؤسه، وكآبته.

 لقد كانت العيادة الشاهد على فقر الطبيب المدقع، حيث كان يلهث راكضا عند سماعه بقدوم مريض لعيادته، وهو حدث نادر جدا، وغالبا ما كان أَصدقاؤه في العمارة يحجزون له المريض حتى يحضر اليه هاربا من المشفى، وكان يطير من الفرح عند تناوله بعض الليرات منه، إِن تقنية وصف الكاتبة للمكان: فراغ العيادة، شكلها، وأَثاثها القديم، والغبار الكثيف فوق الأَشياء كله تعكس مدى الفقر الذي كان يعيشه البطل. لقد استطاعت الكاتبة هيفاء البيطار من خلال المكان تصوير حياة الفرد كحياة إنسانية من خلال المجموعة التي تعيش في ظروف حياتية صعبة حتى زمننا هذا.

 لقد استخدمت الكاتبة تقنية التجسيد للمكان" أُحس أَن الأمكنة بدورها تصاب بالاكتئاب، وأَشعر تمامَا بوجع العيادة، بألمها وأَنينها" ص65.

 مشفى الرخام: هو المكان الذي اختارته الكاتبة كمسرح لمعظم الأَحداث في الرواية، حيث استخدمت تقنية الوصف كأَداة للتعرف على المكان الذي تنعدم فيه النظافة، المملوء بكل أَنوع الجراثيم، لا يعرف فيه التعقيم، تنقصه كل الوسائل العلاجية، والأَدوات الطبية اللازمة، يعيش فيه الأطباء والممرضات حالة فراغ دائم، كل همهم هو التوقيع في دفترالحضور" كان يسمي لحظة التوقيع بيوم الحشر، حيث تنبسط دفاتر التوقيع فاتحة دفتيها تنتظر قدوم طرش الغنم" ص31. أَمَّا الراتب فلم يكد يكفي طعامهم اليومي.

 من خلال هذا المكان جسَّدت الكاتبة البيطار كل معاني البؤس، الفقر، والحاجة لأبسط متطلبات الإِنسان في هذه الحياة، وهو العلاج، أَما الزمان فلم يكن بعيدا عن يومنا هذا، ويمكننا اعتبار المشفى كمكان تجربة معيشية، حيث أَنه مكان الكاتبة هيفاء البيطار الذي تعيشه بحكم وظيفتها كطبيبة للعيون، حيث استفادت من تجربتها من المكان ونسجت من خيالها صورا تتلاءم مع الأَحداث، كما أَن المشفى كان شاهدا آخر غير العيادة على غدر المريض، فاعتبره سببا آخر لتعاسته. أَما الزمن فقد بدا بليدًا، مرهقًا يتحرك بصعوبة" ينظر إِلى ساعته لِيطمئن إِلى هروب الزمن " ص138. لقد كان اليوم الذي يمر بعد وفاة الطفل دهرا بالنسبة لكريم.

 السوق: هو الفضاء المفتوح المأهول بالباعة – باعة البالة- والمشترين مثل الطبيب كريم بطل القصة، حيث كان هذا المكان متنفسًا له من الضيق، واعتبر الشراء منه متعة، إِذ كان يجد فيه القمصان ذات الماركات الأَجنبية التي أَراد بها تمويه أَصدقائه، وكذلك الملابس لوالدته كهدية بأَسعار معقولة، لقد كان سوق البالة هنا رمزًا وتعبيرًا عن الحياة الاجتماعية البائسة التي يحياها الفرد في الوطن السوري.

 مقهى الرصيف: لقد استخدمت الكاتبة المقهى كمكان مغلق على فضاء خارجي واسع، حيث يدخله الناس على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية فقد استخدم كريم المقهى كمكان للتسلية ومراقبة الناس، من أَجل تمضية الوقت حتى يحين موعد رجوعه للمشفى للتوقيع، المقهى هنا رمز للفراغ، وإِضاعة الزمن، لقد كان الزمن في الرواية جامدا لا يتحرك، أو هكذا كانت تراه الشخصيات، لأَنها لا تستفيد منه ولا تستخدمه للمصلحة الإِنسانية.

بيت الطفل أسامة، وبيت أمينة: كانا رمزا للطبقة الفقيرة المعدمة التي تفتقر لأَقل المقومات الإِنسانية في الحياة.

أَمريكا: هي مكان القوة والغنى، وجمع الثروة بطرقها المختلفة، وهي المكان الذي يستطيع الفرد أَن يحيا بها كإِنسان من الناحية المادية، وهي رمز لهروب الشباب وهجرتهم عن أَوطانهم، من أَجل جمع الثروة، واستخدمت الكاتبة أَمريكا كمكان تظهر من خلاله الفروق المعيشية الشاسعة بينه وبين وطنها سوريا.

وقالت رفيقة عثمان:

 اختارت الأديبة عنوانًا لروايتها "نسر بجناح وحيد"، استقت الكاتبة عنوانها من بطل الرواية كريم، الطبيب الذي ترعرع في بيئة فقيرة لأسرة عملت جاهدة في تربيته؛ ليصبح طبيبًا. عمل الأب مدرسًا للرياضيات في إحدى المدارس، سعى لتنشئة ولديه، كريم وسلوى تنشئة سليمة، وغرس القيم الأنسانيّة النبيلة، كما ذُكر صفحة 190، "والدي نمَّى عند أولاده حب القراءة، والاهتمام بالثقافة، والقيم النبيلة..." كذلك "الوالد لم يجمع ثروة، لكنه جمع سمعة وشرفًا لا يُقدَّر بثمن".

اكتسب كريم علما صعبا لا ينجح به معظم الدارسين، وكان يعمل جاهدًا، ليكسب أموالا طائلة، ليعيش حياة كريمة، وذات رفاهية، ورغيدة، ولكن ظروف الفقر المُدقع، والظروف الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة الصعبة، التي أحاطته حالت دون ذلك، ولم تسعفه؛ ليحقِّق أحلامه الورديَّة، بأن يصبح غنيًّا خلال فترة زمنيَّة قصيرة.

لقد شبَّهت الكاتبة الدكتور كريم بالنسر اقتداء بقوَّته، وثقله، لدرجة بأنه لم يستطع الطيران لفقدانه لأحد جناحيه، اعتبرت الكاتبة العلم والثقافة، والضمير الحي الجناح الوحيد الذي يملكه، واعتبرت فُقدانه للمال هو الجناح المفقود، لذا لم تُخوِّله صفاته الحسنة وحدها من الارتفاع، والارتقاء للطبقة الراقية والعليا في المجتمع.

إن نظرة المفارقة، بالاستهزاء بالمتعلمين، والمثقَّفين، وعدم وجود قيمة مهمة في مجتمعهم، وعدم مساندتهم من قِبل الجهات الحكوميَّة، لرفع شأنهم؛ ليصبحوا قدوة للأجيال القادمة، بل غير المتعلِّمين الذين لم يُجهدوا فكرهم في سبيل العلم، وسعوا وراء المادَّة بطرق غير مشروعة، وصلوا بأسرع وقت ممكن، وحققوا آمالهم وأحلامهم بالحصول على الثروات والجاه.

عندما حاول الطبيب كريم أن يقلد طريقة الأغنياء، للوصول للثروة، بطريقة غير شرعية؛ ليحقق أحلامه الورديَّة بأسرع وقت ممكن، فشلت خطته، عندما حاول إجراء عملية جراحيّة غير ضرورية للطفل أسامة، ولم يَتآمر معه القدر، فخطف منه الطفل من بين يديه، ومات قبل إجراء العمليَّة بسبب التخدير.

إنَّ هذه المحاولة أبقت الطبيب سجين نفسه، وظل يجلد ذاته بذاته، يتجرَّع الآلام، والندم الذي لا حدود له، فأصبح يتناول الأقراص المنوِّمة يوميا؛ لكي ينسى، وصار يتفنن في أنواع التعذيب لذاته، والهروب من حالة اليأس والحزن المتواصلين، كذلك في تجويع معدته، وإهماله لهندامه، وازداد احتقاره لنفسه، والتدخين المستمر وبكثرة، والهروب لممارسة العلاقات الجنسيّة غير المشروعة، وفي نفس الوقت ظل ضميره حيًّا بتأنيب ضميره، لدرجة بأنه آثر أن يدفع راتبه بكامله لأسرة الطفل الفقيد، للتكفير عن خطاياه، ونواياه في تسببه بوفاة طفل بريئ. إن المُفارقة في المشاعر الإنسانيَّة التي أفقدته إنسانيَّته، وصحوة الضمير، في آن واحد، والتي عبَّرت عنها الكاتبة، كصورة النسر الذي ظل هابطًا على الأرض، فاقِدًا القدرة على الطيران، بجناح وحيد.

نسر بجناح وحيد، عندما فضَّل كريم الطبيب القيم الانسانية عن الثراء، عندما تقدم السيد منذر الثري من خطبة اخته سلوى، وانتقد لهفة، وموافقة اخته عليه، بعد تخليها عن حبيبها في سبيل الحصول على المال، والجاه، والثراء، والسفر للعيش في أمريكا.

إن الكاتبة غبّرت عن النسر أيضًا عندما شبَّهت الطبيب كريم بالنسر، الطبيب الذي لم تغرِه المادة، وظل متعلِقًا بالقيم الانسانيَّة، وهي الجناح الوحيد الذي يملكه،كما ذكرت الكاتبة صفحة 182، "نحن نهتم بالعلاقات الانسانيَّة الحقيقيَّة، لدينا قِيَم، نهتم بالثقافة...."، كذلك ذكرت صفحة 190، "الوالد لم يجمع ثروة، لكنه جمع سمعة وشرفًا لا يُقدَّر بثمن".

نسر بجناح وحيد، عندما رغب الطبيب في التطوُّر العلمي، والسفر للخارج للمشاركة في المؤتمرات العلميَّة، لم يستطع بسبب عدم امكانياته المادية، وظروفه الاجتماعيَّة الصعبة، كما ذكرت الكاتبة، صفحة 68 "ما ذنبي إن كانت ظروفي على درجة من القحط، والسوء ولا أقدر أن أشترك بمجلّة علميّة، ولا أستطيع حضور أي مؤتمر علمي ضمن القطر، فكيف المؤتمرات في الخارج؟".

نسر بجناح وحيد، عندما ضاقت الدنيا في صدر الطبيب كريم، ومن ملله العمل في المستشفى الحكومي، الذي ظلَّ سجينًا بداخله، دون أن يمنحة نوعًا من الاكتفاء النفسي، والمادي، لينتعش في حياته، ويطير لعالم آخر. كما ذكرت الكاتبة صفحة 128 "يغيب في أحلام اليقظة لا يصحو منها إلا عند الضرورة، تدور كلها حول حلم وحيد، كيف عساه يفر من هذا المشفى إلى الأبد؟ كيف سيجد وسيلة للعيش خارجه؟".

نسر بجناح وحيد، عندما هوى الطبيب كريم، ووقع في غيبوبة، كما ذكرت الكاتبة صفحة 290، "تهاوى وهو يشعر أنه يطير في فضاء فسيح لا يحدُّه عائق أو نهاية، روحه تحلق في الفضاء، وجسده يتكوَّم على الأرض". شبَّهت الكاتبة الروح والجسد بالجناحين، وشبَّهت الطبيب كريم بالنسر، ظلَّ بجناح وحيد مستلقيًا على الأرض، وجناحه الآخر روحه حلَّقت في الفضاء الفسيح.

مكانة المرأة العربيَّة المُهمَّشة، في ظل الفقر المُدقع، في رواية: نسر بجناح وحيد:

لقد حاولت الكاتبة هيفاء البيطار، أن تخترق بعيونها الثاقبة، وبدورها كطبيبة عيون أن تفهم، وتغوص في أعماق أحاسيس النساء بالظلم، والقهر، والإهانة، وإعلاء أصواتهن على الملأ، وخاصَّة النساء العربيَّات الُمنحدرات لمجتمعات فقيرة، ومُعدمة، ولإظهار آلامهن، ومكانتهن الاجتماعيَّة، في المجتمع المُجحِف في حقوقهن الأساسيَّة؛ للعيش في عزَّة وكرامة.

أرى بأن الكاتبة ترى في النساء الضعيفات، والمهمَّشات، قوَّة كامنة تحاول اختراق ظُلمات الفقر، والجوع، وإشعال شمعة صغيرة، لتنير الدرب في طريق الشرق الوعرة.

لقد تجَّلى ذلك من خلال تصوير الكاتبة لعدد من النساء اللواتي ظهرن كبطلات هامشيَات، ومهمشات، عرضت من خلال الرواية أدوارهن، ووصفت اوضاعهن الاجتماعيَّة الصعبة، وتدهور حياتهن، نتيجة الفقر الذي اجتاحهن، وأُسرهن معا. وهنا بالإمكان وصف هؤلاء النساء بذوات جناح وحيد. سأتطرق للبطلات النساء كما تعمّدت الكاتبة إظهارهن، ولكنها لم تُواصل الكتابة حول مصيرهن حتَّى نهاية الرواية، فأبقت الصورة على ما هي، دون أن تذكر أي تطوُّر طرأ على أحوالهن، رُبَّما أرادت الكاتبة بأن ترمز لاستمرارية الأوضاع الصعبة التي تعاني منها تلك النساء لغاية الآن، إن تجاهل السرد وقطع تسلسل الأحداث، لم يخدم القضيَّة، بل أضعف من قوَّة السرد، وبتر استمراريَّة الخط القصصي.

الشخصيَّات النسويَّة الأولى اللواتي أظهرتها الكاتبة هن الممرِّضات اللواتي يعملن بجهد، لإعالة أُسرهن المحتاجة، وتقع المسؤوليَّة الكبرى على عاتقهن، كما ذكرت الكاتبة، صفحة 53، " البؤس الفعلي كان للممرِّضات، وكان الدكتور كريم يسميهُنَّ "النساء بلا حدود". مثل الممرضة سعاد التي كانت تعمل ليل نهار؛ لتوفِّر المال لابنها العاق، الذي كان يضربهها؛ كي يحصل منها على المال، أُعجب الدكتور كريم بشخصيَّتها، وبحكمتها، وبقدرتها على التماسك، والعطاء، كما ذكر صفحة 74-75، "سعاد لو كنت نحّاتًا، لصنعت لك تمثالا".كذلك الممرِّضة سهيلة التي تعمل بكد، وتعب لتعيل أسرتها، ولا يكفي أجرها لإعالة الأبناء، وأم سجيع الأرملة أيضًا في الثلاثين من عمرها، وابنتها المثقفة غير الخلوقة، التي تجني مالا من عمل غير شريف. بالإضافة إلى الشابَّة أمينة التي كانت تعمل عند المُخلِّص الجمركي؛ لتعيل أسرتها بعد مرض أبيها، ووقعت فريسة للاغتصاب من قِبل صاحب العمل، ولم تستطع الدفاع عن نفسها، فانكسرت خوفًا منه، كذلك ضعفت أمام إغراء الدكتور كريم، وظلّت تشعر بالانكسار، وتأنيب الذات، فهربت إلى الكويت، لتعمل هناك، مع إيمانها بعدم قبول الدكتور كريم الزواج منها، بسبب الفوارق الاجتماعيَّة بينهما، ظلَّت بجناح وحيد، لا حول لها ولا قوّة.

شخصيَّة سلوى، أخت الدكتور كريم: سلوى الفتاة المتعلمة، والمثقَّفة التي أبهرها بريق الذهب، وآثرت أن الزواج من السيد منذر غير المتعلم، وفضّلته على حبيبها الذي تخلَّت عنه، بسبب فقره، وركضت وراء الدولارات، والعيش في أمريكا، وفضَّلت الحياة، والسعادة الماديَّة عن الروحانيّة، وُصفت بالبخل، والأنانيَّة، تخلَّت عن الوطن، والأهل، والاخوَّة، في سبيل السعادة المادية الزائفة، والطيران بجناح وحيد.

الشابَّة التي أجهضت، وتوُفيت أثناء عمليّة الاجهاض: هذه الحالة عكست حالة الظلم الذي وقعت فيه هذه الفتاة، فريسة لعلاقة غير شرعيَّة مع شاب من بيئتها، لم ترحمها الظروف، ولم يرحمها القدر. ذكرت الكاتبة على لسان الدكتور كريم صفحة 251، "في هذا الشرق الذي يسحق المرأة بألف طريقة وطريقة".

شخصيَّة أم كريم: الأم المعطاءة التي لا تتذمَّر، وسعت لإسعاد أبنائها، ولم تُظهِر شعورها بفقدان زوجها عندما رحل عنها إلى الأبد، وظلّت بجناح وحيد، كذلك عندما سافرت ابنتها، وتركتها وحيدة. كما ذكرتها الكاتبة صفحة 169، "تلك المرأة الرائعة تعيش معه تعطيه دروسًا في الحب، والسعادة كل لحظة". ربَّما رمزت الكاتبة لهذه الشخصيَّة بالوطن، والأرض الخصبة التي تمنح الحب، والعطاء لأبناء الوطن، دون أن تنتظر مُقابِلا منهم. هنا يظلُّ الوطن بجناح وحيد.

الفتاة المُتسوِّلة: تُعبِّر هذه الفتاة عن الواقع الذي تعيشه البلاد من جوع، وفقر مُدقِع، وتسوُّل؟ مما يدعو الأمر للإهانة، والذل، لا طموح يُشغلها غير لقمة العيش، فيظلُّ الوطن حبيس الفقر، والجهل، والمنافسة غير الشريفة، للوصول للمادَّة بأسرع وقت ممكن، ضارِبًا القِيم، والأخلاق الحميدة عرض الحائط، ويظلُّ هابِطًا بجناحه الوحيد منكسِرًا، فالفتاة رمز للعصر الحديث، الذي يُلِحُّ علينا مُطالِبًا بالتقدُّم نحو العلم، والفضيلة معًا بجناحين اثنين، للوصول لأعلى المراتب، ومواكبة الغصر الحديث مع كل التحدِّيات العصرية، وتطوُّرها.

الأسلوب:

نهجت الكاتبة اسلوب الرواية الواقعيَّة، الذي يعتمد بالرجوع إلى الوراء، بقراءة المذكَّرات، لقد استطردت الكاتبة في سرد الرواية، وأطالت في سرد الأحداث بشكل متكرِّر، وأحيانًا لا لزوم له.

تفتقد الرواية لعنصر التشويق، والحبكة التي هي عنصر أساسي من عناصر الرواية الناجحة.

أسلوب الكاتبة جريء جدًّا في التعبير، وخاصَّة التعبير عن العلاقات بين الجنسين.

اللغة بسيطة، وسلسة جدًّا، تتخلَّلها بعض التشبيهات الجميلة مثل: صفحة 153، "حتى الجدران تمطَّت، والكواسر الضخمة المهترئة أخذت تضحك كاشفة عن أضراسها بتلبيسات مُثقبة ومهترئة".كذلك "سيطل البراد الذي هدته الشيخوخة فصار يُصدر قرقعةً عاليةً مستمرة، كأنه يعوي طالبًا الرحمة، ومعه حق في التقاعد... وحقه الطبيعي في الموت".

الرموز: لقد عمدت الكاتبة بإظهار بعض الرموز التي تُبرز الانتماء للديانة المسيحيَّة، مثلا كما ذكرت عن الهدايا التي أهداها كريم لاخته سلوى، كالصليب.. كذلك عند استخدامها لبعض الأدعية المُستقاة من الإنجيل، رُبَّما أرادت الكاتبة أن تُشير إلى المعاناة التي يتقاسمها المسيحيون مع اخوتهم المسلمين داخل نفس الوطن في أرجاء العالم العربي.

وقال محمد موسى سويلم:

صحوة الضمير بعد حادثة وفاة طفل صغير فقير معدم، تُرى هل كان سيصحو هذا الضمير لو ان الوفاة حصلت لطفل ثري او لعائلة متنفذة؟ ............... او لو ان هذا الطفل شفي من العملية الجراحية ولم يمت ؟ فهل سيستمر الطبيب في الكسب بهذ الطريقة غير المشروعة .

 طبيب يعمل في مشفى عام وله عيادة خاصة، يذهب الى المشفى صباحا ليخربش توقيعه ويتجه الى عيادته الخاصة في نفس الموعد من الدوام، ويعود بعد الظهر ليخربش توقيعة على المغادرة ؟ العيادة التي لم تعد لتقديم الخدمة الطبية فحسب بل لممارسة الجنس المحرم مع .............. الخ .

 رواية تعري الشقاء والبؤس والفقر والحاجة، رواية تفضح كل أساليب الترعل الوظيفي والاداري وقلة الوازع الديني، وفقدان الحس الانساني والجشع والاستغلال .

 حالات من واقع معاش يمثل الاهمال والبطالة المقنعة واللامبالاة في ايجاد مبررات لهذا السخف الوظيفي المعيب، زواج فريال من زوج يكبرها بعشرين عاما لانه غني، واشباع جسدها من غيرة وزواج سلوى من رجل ثري من الحالات موجودة في المجتمعات، وهى نوع من الهروب من الواقع واللهاث وراء المتعة المادية وهروب من المعاناة ...... والحرمان .... وهروب غير مبرر من الفقر وتوابعه.

 الرواية نقد للواقع المرير المعاش، ودراسة لظواهر تسود المجتمع الذي يوجد فيه طبقتان اجتماعيتان، فقط الطبقة الثرية المتنفذة والطبقة الفقيرة المسحوقة المعدمة ولا يوجد طبقة وسطى الى متى يا ترى ؟

وبعد ذلك جرى نقاش شارك فيه عدد من الحضور منهم: ابراهيم جوهر، جميل السلحوت، راتب حمد، موسى أبو دويح، حذام العربي وسمير الجندي..