رحلة الشتات الفلسطيني

قراءة نقدية لقصيدة

الشّاعر والأديب الفلسطيني الكبير منير مزيد

"من رحلات منير مزيد"

منير مزيد / رومانيا

[email protected]

زهور العربي

القصيدة :

تَبَعاً لمشيئةِ القَدَرِ أتيتُ

بَزَغتُ مِن فَيَضانِ الجنونِ

روحاً حييّةً

تائهةً تُغرِّدُ في أحلامِ الملائكةِ

ذاكرتي مزَّقها الليلُ

الملفَّعُ بهواجِسِ الظُلمةِ

وأنا أجُوبُ هذا العالمَ

وحيداً ...

أبحَثُ عن معنى

كنتُ أريدُ أن أشربَ نَخبَ السعادةِ

فهل مِن أحياءَ...؟

ها أنذا أتجرَّعُ نَخبَ الموتِ

أُنادي

ليسَ سوى الريحُ

تداعبُ أعشابَ قبورٍ صامتةْ

ريحُ الصيفِ اللاهبةُ

والعالمُ يغرقُ في أفيونِ الوهمْ...

هل تَذكُرُ...

هل تذكُرُ ذاك المَطَرَ المجنونَ

وأخشابَ المركبِ عالقةٌ في القمَّةِ ...

رِفقاً

رِفقاً بروحيْ

أيّتُها الأجنِحةُ الهائمةُ

أيّتُها الأرضُ الثَمِلةُ

المُثقَلةُ برَغَباتِ الأمسِ

أنا لم أدخُل أبداً

موضِعَ الأسرارِ

لم أحمِلْ ظلالَ الموتى

ولم أرفَعَ الغطاءَ عن مدافنِ الأرضْ

جسدي طُعْمٌ

صيّادُ الزمنِ يُطاردني

وشِباكٌ تُنْصَبُ

أهرُبُ

أهرُبُ بالرُعبِ و بالخوفِ

خُطواتي عالقةٌ

أنهَكها الجريُ وراءَ شمسٍ

يعذِّبُني جليدُ نارِها

والقدَرُ المُتلثِّمُ يحفِرُ وجهي

بحدِّ إسفينٍ صدئ

تضاريسُ الاغترابْ

أهِيمُ وحيداً

في أرضٍ أبديةِ الكلماتْ

لأفكَّ أُحجيةَ شتاتيْ

أقبِضُ على جمْرِ المعرفةِ

أقطِفُ عُشبةَ السرِّ

وعلى العجوزِ الشابِ

أناديْ

تنشقُّ الأرضُ

تُطلُّ أفاعي القفْرِ

تلتَهِمُ الغارَ

وأوراقُ الأطربِ أمواجُ دخان

تتسلَّقُ جدرانَ الصمتِ المجهولْ ...

اُرقدي ...

اُرقدي يا فراشةَ الروحِ

وأريحيني

لقد جفَّ الرحيقُُ مِن وردِ الحُلمِ

والموتُ يحدِّقُ بفراشاتِ الحُبِّ

يُنادي

وزورَقُ الشوقِِ

يُبحِرُ على نارِ الرغبةِ

بلا كللٍ

لا ماءَ

لا شاطئَ

ومخالبُ الشهوةِ تنهَشُ الروحَ

حياتي ....

حياتي مَخاضُ جبَلٍ

من رحِمٍ عذراءْ

هكذا أنتِ دوماً

قاسيةٌ

مؤلمةٌ

أتقبَّلُكِ لآلامي

لهلاكي

حاقداً

لاعناً

مُحباً ....

أتجرَّعُ من ثديِِكِ المُرِّ

أحزاني

تنبُتُ غابةُ شوكٍ في فمي

أسيرُ على دربِ الألمِ

أُطاردُ حُلماً

خيوطَ غدٍ من دخانٍ

أكبُرُ ...

وتكبُرُ الأحزانُ

ويشِيخُ الحُلمُ

وفي آخِرِ الدربِ

أستسِلمُ لكِ ... أنامْ

آهٍ أيُّها النومُ الغارقُ في الفَناءِ

لا تأخُذنِي

ذَرْني أُكفِّنُ بصمتٍ الحُزنَ الاخضَرَ

و أحيا في أبديةِ الكلماتْ

من بداية القصيدة ومن خلال عنوانها الذي يحمل إسم كاتبها أتكهّن أنّها ستكون مرآة ينعكس فيها شاعرنا وأنها الفضاء الذي إنسكب فيه بكلّ حريّة وأتوقع  أنّ صاحب هذا البوح الشّفيف يبحث عن نفسه بينه وبينها وبينه وبين اللآخر في غربته أو تيهه الذي طال...

يتّهم شاعرنا القدر ويعلن عدم مسؤوليته عن مكانه الذي جاء منه هذا الفيضان الآتي من الجنوب نتيجة  غضب  اللّه على الإنسان  فكان طّوفان نوح  عقابا له. هذا الطّوفان  الذي جرف شاعرنا  وألقي به بعيدا تخلّص من جسده  وما يعنيه الجسد من التصاقا بالأرض ويالمادّة وما يعنيه خاصّة من فناء فالجسد فاني لكن الرّوح باقية لذلك اختار شاعرنا أن يبعث روحا حيّة في مكان لم تختره بإرادتها...

تَبَعاً لمشيئةِ القَدَرِ أتيتُ

بَزَغتُ مِن فَيَضانِ الجنونِ

روحاً حييّةً

روحا لا ذاكرة لها ليلها طويل  وظلمته شديدة القتامة  بلا هويّة وبلا جذور فاقدة لكلّ معاني الحياة تؤنسها الوحدة وتشتهي سعادة . تشتهي  أن تجد من يشرب معها نخبها لكن تصدم هذه الرّوح الهائمة بأنّها بين خيالات  تتجرّع معها نخب الموت...

تائهةً تُغرِّدُ في أحلامِ الملائكةِ

ذاكرتي مزَّقها الليلُ

الملفَّعُ بهواجِسِ الظُلمةِ

وأنا أجُوبُ هذا العالمَ

وحيداً ...

أبحَثُ عن معنى

كنتُ أريدُ أن أشربَ نَخبَ السعادةِ

فهل مِن أحياءَ...؟

ها أنذا أتجرَّعُ نَخبَ الموتِ

رغم يقينه بأنّه بين  الأموات يطلق شاعرنا عقيرته بالصّياح   في قوله (أنادي )  يتحدّى سكونه وعقم الزّمكان وعقم كلّ من يحيط به وينادي لكن من سيسمعه والكلّ صمّ بكم لا يفقهون؟

 من سيسمعه والكلّ مدفون مقبور بداخله؟ ومقبور فى الوجود وفاقد للحياة وللتّفاعل مع الآخر.اكتشف شاعرنا أنّ صوته حمله الرّيح وأنّه يكلّم أناسا مغيّبة أدمنت الوهم  فاستعبدها.

رغم يأسه  يرتمي شاعرنا في حضن الذّكرى ويتكلّم ربّما مع نفسه  أو ربّما يريد أن يوقضهم  وينبش ذاكرتهم الخاملة  السّاكنة . يحاول الرّجوع الى ذلك الفيضان الذي جاء به إلى هذا التّيه أو هذه المقبرة  ..يتذكّر  أخشاب مركبه العالقة في القمّة  وهنا أتوقف عند هذا المعنى فنحن نعرف أنّ الماء حين يجرف الأجسام  يلقي بها إلى أسفل  لكن مع شاعرنا حدث العكس لقد عكس مجرى الأشياء  وترفّع أن يجرفه الماء إلى  تحت فبغير القمّة لن يرضى .

هل تَذكُرُ...

هل تذكُرُ ذاك المَطَرَ المجنونَ

وأخشابَ المركبِ عالقةٌ في القمَّةِ ...

رِفقاً

رِفقاً بروحيْ

أيّتُها الأجنِحةُ الهائمةُ

 وها هو يواصلها الإنسان الشّاعر  كذلك بحثا عن الخلود في كلماته  وكأنّ الكلمة تلك النبتة التي بحث عنها جلجامش  في  رحلته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية.

أيّتُها الأرضُ الثَمِلةُ

المُثقَلةُ برَغَباتِ الأمسِ

أنا لم أدخُل أبداً

موضِعَ الأسرارِ

لم أحمِلْ ظلالَ الموتى

ولم أرفَعَ الغطاءَ عن مدافنِ الأرضْ

هذا هو منير مزيد هذا الشّهاب لن يرضى بالأسفل موقعا له فيخضع هذا الفيضان  إلى مشيئته. وهنا تظهر لنا خلفيّة في شخصيّته فهذا العلوّ الذي يبتغيه هو علواّ مستحقاّ ...

ورغم هذه القوّة الخفيّة ينكسر شاعرنا فنجده يترجّى هذه الأجسام التي تتلاطم  في هذا الفيضان أن تترفّق بروحه هذه الرّوح الحسّاسة  والمرهفة الى حدّ الضّعف ويظهر لنا ضعفها في كتابته المليئة أاحاسيسا عذبة تلامس الوجدان بقوّة معانيها وبنعومة أحرفها...

تتبرّا هذه الرّوح من هذا العالم الذي وجدت فيه دون إرادتها لا يشرّفها ان تنتمي الى ارض ثملة  في شكل مقبرة كبرى تحمل فوقها الأموات فلن يرضيه أن  ينزل من قمّته رغم أنّ تلك القمّة تجعله طعما سهلا  للصّيّادين لكن  وان أتّهم شاعرنا صيّاد  الزّمن فأنا لا أوافقه...

وهنا أستحضر البيت المأثور للإمام الشّافعي

نعيب زماننا والعيب فينا .........وما لزماننا عيب سوانا

              كم أخذتني هذه الصّورة قمّة القوّة تولد  من قمّة الإنكسار  وهذا قدر الشّعراء الذين يحملون رسالة عليهم أن يتوّهّجوا لينبعثوا شرارا من قمّة ضعفهم ولكن رغم ذلك  نسقط ضعفنا على شمّاعة  القوى الخارقة مثل الزّمن لكي نهرب من عجزنا ونتخلّص من المسؤوليّة...

صيّادُ الزمنِ يُطاردني

واصل الشّاعر اتّهامه لكن هذه المرّة   يستعمل فعله المبني للمجهول

وشِباكٌ تُنْصَبُ

لقد صرّح وشهّر بالزّمن لكن لماذا أخفى ولم يجاهر بمن ينصب له الشّباك ؟

سؤال له العديد من التّأويلات في زمن الغدر وطمس الأبطال ونكران مكانتهم لأسباب عديدة لعلّ الهويّة أهمّها  أو ...........أو............

يهرب شاعرنا من هذه الشّباك ومن كلّ ما يحيط بها لكن الخوف يثقل خطاه والرّعب ينهكه فرغم المجهود الذي يبذله ليلتحق بالشّمس يجد نفسه عاجزا يخوض حربا باردة  تنبعث من جليد عجزت حرارتها أن تذيبه  هنا أتوقّف مجبرة فهذه الصّورة تعني الكثير إنّها تترجم شاعرنا الدّافئ الإحساس .....

أهرُبُ بالرُعبِ و بالخوفِ

خُطواتي عالقةٌ

أنهَكها الجريُ وراءَ شمسٍ

هذا الحبّ الحرّاق الذي يغدقه على الكلّ  والذي يقبل به على الحياةعجز على أن يذيب جليد القدر وهذا القدر يتجسّم في أشخاص أو مصاعب أو أحلام تقبر قبل أوانها أو ..أو

يعذِّبُني جليدُ نارِها

والقدَرُ المُتلثِّمُ يحفِرُ وجهي

بحدِّ إسفينٍ صدئ

تضاريسُ الاغترابْ

ينكسر مرّة أخرى شاعرنا ليعلن عن وحدته وعن حربه لإثبات ذاته في غربته  ويستعمل   كلمات موجعة للنّفس ومؤلمة للقارئ ( أهيم. شتاتي لقبض على الجمر..  أفاعي...القفر..تلتهم....اموج  دخان....الصّمت ) ...

هذا الوجع المنسكب والمتشظّي في كامل القصيدة دليل على وجدان الشّاعر الغارق في الشّجن وعلى ازمته الوجوديّة  بسبب هذا التّغييب لكنّه يسعى بكلماته إلى القمّة  ويقبض عليها مثل من يقبض على الجمر متحدّيا كلّ الصّعاب والإحباطات ومتحدّيا خاصّة غربته سبب كلّ هذا التّيه والإنبتات الذي يعيشه ومع ذلك يعيد النّداء...

أُنادي

ليسَ سوى الريحُ

تداعبُ أعشابَ قبورٍ صامتةْ

ريحُ الصيفِ اللاهبةُ

والعالمُ يغرقُ في أفيونِ الوهمْ..

لكن صداه تحمله أمواج الدّخان ليغرق معها في الصّمت جبرا وعجزا

وهاهو يهيم وحيدا  في ارض من صنعه من نسج كلماته كما هام جلجامش

أهِيمُ وحيداً

في أرضٍ أبديةِ الكلماتْ

لأفكَّ أُحجيةَ شتاتيْ

أقبِضُ على جمْرِ المعرفةِ

أقطِفُ عُشبةَ السرِّ

وعلى العجوزِ الشابِ

أناديْ

وكأنه جلجامش في رحلته في البحث عنسر الخلود عليه أن يجد الإنسان الوحيد الذي وصل إلى تحقيق الخلود وكان اسمه أوتنابشتم و قد رمز إليه شاعرنا هنا بالعجوز الشاب وبعد حصول جلجامش على العشب السحري الذي يعيد نضارة الشباب يقرر أن يأخذه إلى أورك ليجربه هناك على رجل طاعن في السن قبل أن يقوم هو بتناوله ولكن في طريق عودته وعندما كان يغتسل في النهر سرقت العشب إحدى الأفاعي

وعلى العجوزِ الشابِ

أناديْ

تنشقُّ الأرضُ

تُطلُّ أفاعي القفْرِ

تلتَهِمُ الغارَ

وأوراقُ الأطربِ أمواجُ دخان

تتسلَّقُ جدرانَ الصمتِ المجهولْ ..

يتعب شاعرنا وبمرارة يطلب من روحه أن ترقد ويلحّ   بنبرة حزن   (أرقدي ...أرقدي ) يترجّاها ليرتاح فقد أعياه المسير والسّعي وأعيته هذه القمّة التي جعلته طعما مستهدفا . وها هو يتدفّق ويبوح بضعفه ويعلن أنّ رحيق الحلم جفّ والموت يتربّص بمشاعره وبرغبته الجامحة  وتوقه للخلاص وبلوغ شاطئ الأمان. لكن المخالب تتربّص بروحه التي تأبى أن تخدش .

اُرقدي ...

اُرقدي يا فراشةَ الروحِ

وأريحيني

 يترجّاها ليرتاح فقد أعياه المسير والسّعي وأعيته هذه القمّة التي جعلته طعما مستهدفا . وها هو يتدفّق ويبوح بضعفه ويعلن أنّ رحيق الحلم جفّ

لقد جفَّ الرحيقُُ مِن وردِ الحُلمِ

والموتُ يحدِّقُ بفراشاتِ الحُبِّ

والموت يتربّص بمشاعره وبرغبته الجامحة  وتوقه للخلاص وبلوغ شاطئ الأمان. لكن المخالب تتربّص بروحه التي تأبى أن تخدش

يُنادي

وزورَقُ الشوقِِ

يُبحِرُ على نارِ الرغبةِ

بلا كللٍ

لا ماءَ

لا شاطئَ

ومخالبُ الشهوةِ تنهَشُ الروحَ

ويواصل الشّاعر البوح ليعرّفنا بنفسه ويؤكّد على تعريف حياته مخاض حبل من رحم عذراء...

حياتي ....

حياتي مَخاضُ جبَلٍ

من رحِمٍ عذراءْ

هنا تستيقظ نبوءة شاعرنا  وكأنّني أقرأ قصّة سيّدنا عيسى الذي أتى من رحم مريم العذراء وأستحضر هنا المقولة ( لا نبيّ في قومه) ترى هل قصد شاعرنا هذا المعنى وهذه الفكرة أم لا؟

 حتّى وان قصدها فمن حقّه أدبيّا أن يصنّف نفسه مجازا مع الأنبياء فتجربته تترجمه  وتجعل منه متميّزا في عالمه ومع ذلك يتوجّه للحياة يتّهمها ويعرّيها لنا فهي (قاسية  ..مؤلمة  ) لكنّه مع ذلك يقبل عليها  حاقدا لاعنا و خاصّة محبّا....  اللّه على هذه الصّور التي تشدّ القارئ فيتقمّصها ليعيشها مع شاعرنا ويستمتع بعذاباتها...

هكذا أنتِ دوماً

قاسيةٌ

مؤلمةٌ

أتقبَّلُكِ لآلامي

لهلاكي

حاقداً

لاعناً

مُحباً ....

فمن شدّة حبّه للحياة جعلها في منزلة الأمّ ورضعها  ولم يستطع إلى الآن الفطام  رغم قسوتها فحليبها المرّ  أدمنه رغم اشواكه...

أتجرَّعُ من ثديِِكِ المُرِّ

أحزاني

تنبُتُ غابةُ شوكٍ في فمي

أسيرُ على دربِ الألمِ

أُطاردُ حُلماً

خيوطَ غدٍ من دخانٍ

أكبُرُ ...

وتحدّى الزّمان والأحلام والعمر وبرغم كلّ المتاعب هو يسكن حضنها ربّما كتعويض لحضن أمه  الذي يفتقده ويستسلم لحكمها .  هنا يظهر ضعف شاعرنا ففي لحظات الإعياء يلقي بمجاديفه ويعلن أن لا إرادة له...

ويشِيخُ الحُلمُ

وفي آخِرِ الدربِ

أستسِلمُ لكِ ... أنامْ

لكن هيهات أن يستمرّ نومه فقد  أعلن حبّ الحياة فلن يترك النّوم أو (الموت ) ينهيه وينهيها  فبرغم الألم والوجع ها هو يعلن انبعاثه وإستمراره بقوّة في كلماته التي تحيا به هي الأخرى فبينهما علاقة أمجاد وبينهما حلم مشترك وقمّة ينشدانها...

آهٍ أيُّها النومُ الغارقُ في الفَناءِ

لا تأخُذنِي

ذَرْني أُكفِّنُ بصمتٍ الحُزنَ الاخضَرَ

و أحيا في أبديةِ الكلماتْ

تدفّق شاعرنا منيرمزيد بغزارة في قصيدته التي تحمل رحلته ... من رحلات منير مزيد

وتلاطمت فيها احاسيه كالأمواج فتمزّق بين مواجهة وهروب وصراع واستسلام ورفض وقبول ومرارة وألم وحقد وحب ووحشة وأمل وصمت و نداء وقسوة ولين وحلم ويأس ونجاح وانكسار وشهوة وكبت وحياة وموت إلخ إلخ...

كل ّ هذه الأحاسيس عاشتها روحه  الرّقيقة  فكانت مذبذبة تبحث عنها فينا وفيهم وفي الأرض وفوق القمم وفي  هذه الأحياء الأموات انها رحلة وجوديّة  مريرة . لم تقتنع هذه الرّوح المحاربة إن صحّ التّعبير بهذا الصّمت  الذي يلفّ الكون كلّ هذا نابع من قضيّتها الأمّ فشاعرنا من

فلسطين ومن مدينة نابلس المعروفة بجبالها ووديانها الخصبة ويطلق عليها جبل النّار.

لذلك عكس مناخها في قصيدته...

فاستعار تضاريسها ووديانها المتدفّقة وأهوائها النّاتجة عن تيّارات الضّغط المرتفعة التي تقع تحتها  هنا أستشفّ حنين الشّاعر لموطنه وشوقه لكلّ مكوّناته الجغرافيّة والمناخيّة وبالتّالي شوقه لوطنه الذي يعاني غربة في إثبات هويّته هذه الهويّة التي ينشدها شاعرنا هو أيضا وبكلّ إصرار ولكن هل يشتاق لبني وطنه؟؟؟

ومع من يعيش غربته؟؟ وما مدى عمق غربته مع نفسه؟؟

هذه القصيدة  النّثريّة إحتوت صورا شعريّة رائقة ولغة  عميقة وإنزياحات  وإستعارات مكثّفة وذكيّةجعلتها حبلى بالمعاني ظاهريّا وباطنيّا كما  طغى فيها أسلوب المخاتلة المربكة

للقارئ فتواترت الأزمات وتصاعد فيها نسق الألفاظ  لتتلاعب بمشاعرنا وتشدّنا بقوّة

ومهما توغّلت فيها فلن اصل إلى سبر كامل أغوارها ولن أصل إلى كشف قدرات كاتبها الغنيّ عن التّعريف ألا وهو الشّاعر والأديب الفلسطيني الكبيرمنير مزيد...