الشاعر: محمود سليمان  في أخبار اليوم

الشاعر: محمود سليمان  في أخبار اليوم

عصام الرواي

البداية هي الذات، وهى المنتهى أيضا، ومع ذلك تتعارك مع الواقع، محدقةً فيه، رافضة ومعترضة وان عاقبت فتعاقب نفسها!

الولــد

أَقْلَعَ عَن الدُّخَانِ ؛

لأَنَّ الدُّخَانَ صَارَ بِلاَ طَعْمٍ

وَلاَ عَمَلَ لَـهُ ..

اِنْتَحَي

كَيْ يَبُوحَ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً

عَلَي وَرَقٍ

لاَ يَصْلُحُ لِصُنْعِ الْطَائِراتِ الوَرَقِيَّةِ ..

أَدْمَنَ الْضَحِكَ

لأنَّ البُكَاءَ صَارَ أَصْعَب ..

مَضَي

لاَ يُعَلِّقُ وَرْدَةً فِي فَضَاءٍ مَشْغُولٍ

وَلاَ ينْتَظِرُ وَصَايَا مِنْ أَحَـد ..

والحرب لها وقفة طويلة هنا ، له الشاعر  منها موقفا محددا، وان لم نعرف لماذا (فى شعره) ..  وهو لأنه ذاتي المنطلق والمنتهى.. ولا ضير، أظن في أعماله القادمة، سوف يضيف صور الواقع الخارجي، وهو ما يبرر ما في الذات.. لذا كان الجزء الثاني والخاص " بالعمة ست " وما بعدها من قصائد، كانت دائرة الرؤية والقبض على الصورة أكبر. ولعلني أهتم بالصورة نظرا لكوني روائيا بالدرجة الأولى.. فقد يرى الشعراء غير ما أرى .

الْحُرْيَّةُ

 لَيسَتْ سِوَى تَنَاقُضَاتِ الْعَالَمِ

 بِأَكْمَلِهِ ..

وَالْحَرْبُ

فِكْرَةُ هَذَا الزَّمَن..

الْحَرْبُ فِكْرَةٌ خَاطِئَةٌ

وَربَّمَا فِكْرَةٌ عَلَى صَوَاب.

كُلُّ شَيءٍ عَلَى الأرْضِ

يَبْدَأُ بِفِكْرَةٍ وَيَنْتَهِي بِخَدِيعَـةٍ

تدهشك المجموعة الجميلة في جدتها ومغايرتها لشعرية سائدة في راهنٍ مليء بالمتشابهات .. شعرية تحاول أن تنتشل المشهد  من التكرار والتجارب المتشابهة التي انشغلت باليومي والعابر  ، وها هو صوت جميل يعلو فوق الأنقاض عبر شعر أصيل وحاد ، يغوص في أعماق الروح والوجود ، في حدائق لغته  ...  تراب  .. حدائقه من ملح الحزن .. وأزهارها تباشير فرح مسكون بدهشة الواقع وصرامته وعطرها زئبقي تتقاذفه لغة من جمال ، وأكثر ما يشد الانتباه تلك القدرة الرائعة على توظيف البناء الاستعاري .. وكأن الشاعر يسعى بوساطة البنية الاستعارية إلى خلق عالم جديد يتناغم مع رحيق مشاعره وفضاء أفكاره ...

أَيَا ظِلِّي

 كَيْفَ تَبْدُو مُضِيئًا

وَأَنَا خَافِتٌ

وَكَيْفَ لَمْ أَفْهَمْ

أَنَّكَ لِي.

سُورٌ لِلْحَدِيقَـةِ

وَبَابٌ لِقَلْبِي

صُوَرٌ عَائِلِيَّةٌ وَرِفَـاق...

حَصَىً فِي جَبِينِي

زَمَنٌ آهِلٌ بِالخُسَارَاتِ

نِصْفُ مِقْعَدٍ /لاصْطِيَادِ لَحَظَاتٍ جَمِيلَة..

كَيْ أَسْتَطِيعَ الكِتَابَة

عَنْ مُتَعِ الحَيَاةِ وَالعَيْشِ

لَمْ تَخُنِّي الطِيْبَةُ

 وَلَمْ يَمْنَعْني الأَلَـم  

شاعر يملك حسا فنيا أخذ بلغته إلى بناء نصه في نسق يكشف عن دفقات شعرية وجدانية وأعني بالنسق ذلك التشكيل البصري الذي يعد مرايا تتجلى عليها دلالات قالها الشاعر وأخرى لم يقلها .... ففي النصوص بنيتان ، واحدة معلنة وأخرى مضمرة ، أما المعلنة فقد حرص فيها على تغليفها بوشاح من الرمز لكن وشاح شفاف يستطيع المتلقي أن يرى من خلاله ما يمور في أعماقه ... وأخرى بنية مضمرة تخفي قدرا كبيرا من خلايا ألم وأمل وحروب وحياة لم تعد رهاناً أنيقاً على حد قوله

للشاعر شخصيته الشعرية، وهو أهم ما يمكن أن يتسم به أي قلم متميز  وقصائد عميقة يعيد من خلالها الشاعر اكتشاف الأشياء الأكثر بداهة بدهشة الشاعر ذاته وهو ما تفتقده كثير من النصوص التي تراها تستنسخ هنا أو هناك ... حقا هذه غبطة شعرية بالنسبة لنا وديوان يستحق المغامرة .

إِلَى النِّسْيَانِ نَمْضِي

كَأَنَّمَا نَنْحَدِرُ بِبِطْءٍ إِلَى الفَرَاغِ المُـرَاوِغِ

- وَبِهُدُوءٍ - نُمْسِكُ بِضَحِكَاتِنَا

المُتَلَبِّسَةِ بِالحَيَاةِ وَالأَمَل ..

نَقِفُ عَلَى عَتَبَاتِ الذَاكِرَةِ

كَضَرِيرٍ/ يَخْمِشُ الأُفْقَ بِأَصَابِعِهِ

نَتَرَبَّصُ بِأَنْفُسِنَا / تَمَامًا مِثْلَمَا يَتَرَبَّصُ الذِّئْبُ

بِفَرِيسَتِهِ ..

وَفِى النِّهَايَةِ لاَ أَحَد

لأنَّ فِي النِسْيَانِ - دَائِمًا – لاَ شَيْء