هكذا يروض الحنين قراءة في ديوان كيف يروض الحنين؟

هكذا يروض الحنين

قراءة في ديوان كيف يروض الحنين؟

للشاعرة /عائشة المحرابي

رعد الريمي

صحفي وقاص

لم تكن قراءتي في ديوان الشاعرة /عائشة المحرابي من قبيل الصداقة أو لغرض الكتابة في جريدة أو مجلة ، لان ذلك لم يكن ليعنيني بقدر ما تعنيني القراءة ذاتها .

فمذ ا ن أهداني الشاعر الجميل /كمال محمود اليماني نسخة من الديوان عقدت النية على الكتابة فيه وما ذلك إلا لما تقدمة هذه الشاعرة المتألقة من حرف راقي وكلم ممتع يجب احتواءه فبعد أن أتحفتنا الشاعرة بديوانها الأسبق "سيد المساء" و"تنفس الأقحوان" هاهي تتحفنا ببعض من أكاليل الكلم وشتلات الحرف المزهر "بديوانها "كيف يروض الحنين؟" مردفة لهذا الكون بعضا من مليح قول طاب للعشاق تمتمة في لقاءات حميمة .

• جوهر الديوان :

الديوان الذي بين أيدينا من القطع الصغير ، صدرت طبعته الأولى في هذا العام2014م عن مكتبة الجيل -صنعاء ، ويحوي إلى جانب الإهداء ثلاثين قصيدة اقتصرت فيها الشاعرة على نمط من الشعر الحر.

ومن خلال عنوان الديوان وما اشتمل عليه من قصائد كقصيدة وعود من رمال ،و سنابل شوق ،وقصيدة بسمة الحياة نكاد نوقن أن الشاعرة تحولت إلى ثورة من مشاعر فجرتها نصوصها التي نمنمت بها ديوانها المومض جمالاً.

• جانب من لغتها :

فقد تميزت لغة شاعرتنا بالشفافية والوضوح ، فهي بعيدة عن لغة التعتيم والتهويم في سرف الوهم واللاوعي ، تلك اللغة التي تلفها الضبابية القائمة والرمزية المبهمة ، فلغته ناصعة واضحة لا غموض فيها ، وتعبر عن مضامينه بأسلوب أقرب فيه إلى التصريح المليح منه إلى التلميح ، هذا يعني أن شاعرتنا ذو منهج تعبيري سلس ، وقاموسه الشعري لا يحتاج إلى كد ذهني وبحث في تقاعير اللغة ، وأنا إذ أصرح بهذا إنما أغبط شاعرتنا على الرؤى الواضحة والألفاظ المعبرة بذاتها.

 ويقول الدكتور مسعد زياد – الخرطوم

لقد وصف النقاد الخيال الشعري بأنه قوة سحرية وتركيبية تعمل مع الإرادة الواعية ، فهو مصحوب دائما بالوعي ، وفي داخله يتم التوحد بين الفنان وبين المعطيات الخارجية ، وعن طريق تجمع هذه المستوعبات والمشاعر يعمل الخيال على خلق بناء خيالي متكامل .

 ومن المنطلق السابق نجد شاعرتنا تثور أحيانا على الصور البلاغية التقليدية والعبارات العاطفية ، وتحاول استبدالها بالصور الشعرية المهموسة ، أستمع إليها وهي تقول يقول :

تتوه بصدى حروفك

ترتدي ضوء البرق

وياسرها عطر السطر ...

 غير أن السمة الغالبة على قصائد الديوان ، أن كثيرا من الأخيلة والصور التي تناولتها الشاعرة كانت في حد ذاتها صورا حسية ، أو قل إنها في الأغلب الأعم تميل إلى الحسية ، وإن كانت تحاول أن تعليها ظلال البناء الفنى الذي يستمد وجوده من عناصر الصور الشعرية نفسها ، لا من عناصر الواقع الملموس ، ونرى هذا النوع من الصور في قوله :

ايا رجلا

يتكئ على خاصرة الحرف

يتلو آيات الوحدة

يشرب كأس التعاسة بلذة...

• هنات :

بادئ ذي بدأ يحسن بنا إن نلمح ولو بإيجاز شديد إلى مفهوم الرمز أو الغموض في الخطاب الشعري حتى تتسنى لنا عملية التطبيق عند قرأتنا لبقية قصائد الديوان التي أتسمت من منظورا بالرمزية والغموض .

يقول أحد الباحثين الرمز تركيب لفظي أساسه الإيحاء عن طريق التشابه بما لا يمكن تحديده بحيث تتخطى عناصره اللفظية كل حدود التقرير موحدة بين أمشاج الشعور والفكر، والرمز نوع من الخيال الموغل في التحليق والتجنيح في عوامل الرؤى اللا شعورية ، وهو وميض يشع في أعماق الشاعر يصرفه عن حقائق الواقع إلى أجواء سحرية يصبح فيها إحساسه الواعي غير منضبط السيطرة على التوازن المدرك للأشياء وحقائقها ، ويصبح الخطاب الشعري عنده مجرد بنى وتراكيب أوشكت أن تفقد السيطرة على مضمون ذلك الخطاب ، غير أنه في بعض الأحيان يكون رابطا قليلا بين الوعي واللاشعور وهذا النوع من الرمز أراه شيئا من العبثية التي تنهك صاحبها فحسب .

 ويضيف احد النقاد قائلا: إن الرمز الذي لا إشكالية فيه ، هو الرمز الشفاف النقي الذي تستطيع بعد إمعان النظر فيه أن تصل إلى سبر أعماقه شيئا فشيئا ، وهو الرمز الذي يتيح لنا أن نتأمل شيئا أخر وراء النص قبل كل معنى خفي وإيحاء .

 إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي القصيدة ، إنه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له ، لذلك هو إضاءة للوجود المعتم واندفاع صوب الجوهر ، وقد أصبح الرمز سمة بارزة من سمات الشعر عند عامة الشعراء العرب المعاصرين على امتداد العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين

 وإذا ما حاولنا أن نتلمس الدوافع التي قد تحمل بعض الشعراء إلى التحليق والاختفاء خلف سحب الرمز ، والإبحار في لججه وأعماقه يمكننا القول إنها تعود إلى عدة عوامل مجتمعة مع بعضها البعض تشكل فيما بينها نسيجا عنكبوتيا يأسر الشاعر ويلقي به في تجاويف المتاهة الرمزية .

وفي نهاية المطاف حيث المحطة الأخيرة التي وقفنا نودع فيها شاعرتنا ، التي حاولت أن يتحفنا بما جادت به قريحتها ، وأن تحلق بنا في خيالاتها العلوية ، وتصهرنا في أتون ثورتها الداخلية المعطاءة .

ولا يسعنا إلا أن نتمنى لها ديمومة الإيداع ونأمل منها المزيد ، ونهمس في أذنها بألاتكرر ذاتها ، بقدر ما نتمنى أن تحاول في خلق صور أكثر دهشة وجاذبية ،وان تكون دائما ودائما متجددة.