رواية سلامة القس

رواية : علي أحمد باكثير

عبير الطنطاوي

منذ زمن وأنا أقرأ لأدباء مبتدئين وشداة هواة وآخرين متمكنين صنعتهم الأدب والرواية ، ولم أجد في تلك القراءات ما يجذبني ويجعلني أعود إلى ما كنت عليه أيام الصغر حين كنت أمسك الرواية فلا أقوم عنها إلا وقد أتممت قراءتها ، أو إن اضطرتني الظروف من دراسة وغيرها أن أترك الكتاب على مضض وقد أنام وأنا أحلم بالصبح الجميل لأصلي فرضي وأعود إلى كتابي فلا تطلع عليّ شمسٌ إلا وقد أتممت الرواية أو المسرحية أو نحوهما .. أما في الفترة السابقة فكنت أمسك بالكتاب فلا أجد فيه ما كنت أجده في الماضي فلا قصة تشدك ولا موضوع يهمك فيجعلك تنسى الوقت وتسرح في الكتاب ومع الكتاب وكأنك في عالم الكتاب ، ولا أسلوب يجعلك تحلق في سماء غير السماء ونجوم غير النجوم ، فحدثتني نفسي أن السبب لربما تقدمي في السنّ ، وتشعب اهتماماتي وتعدد مشاكلي وكثرة طلبات أولادي حفظهم الله لعلها هي من أفقدتني ذلك الحس الأدبي المرهف الجميل .. حتى كنت ذات يوم في مكتبة والدي الحنون حفظه المولى وهي ليست مكتبة فحسب بل منارة للعلم .. فيها من الكتب ما يخطر لك ببال وما لايخطر على بالك .. وإذا برواية سلامة القس بطبعتها القديمة وورقها الأصفر تلوح لي من بعيد وكأنها تناديني : أن عودي إلى الفن الراقي الذي يعيد لك الشباب ويبث الدموية في عروقك بعد أن جفت من قساوة الزمان وكثرة الأشغال ، حدثتني نفسي أن لا أعود إلى الأعمال القديمة التي قرأتها منذ نعومة أظفاري وأحببتها وأعدت قراءتها مراراً وتكراراً حتى بتّ أعرف الحدث قبل قراءته ، ولكن وبلا شعور مني وجدتني ألتقط الرواية وأطلب من والدي الحبيب أن أستعيرها .. فابتسم ابتسامته الدافئة وقال :

ـ خديها يا بنتي ولو !! وعودي يا بنتي إلى القراءة والأدب كما كنت .

ابتسمت في نفسي وقلت : يا ليتني أجد الوقت الكافي لها أولاً ثم أفكر في غيرها من الروايات ..

وما إن أمسكت بالرواية حتى عادت الروح الحيوية إلى نفسي وبدأ ملاك الفن الراقي يتحرك في نفسي مرة أخرى فإذا بي أقرأ وأشعر بشخوص الرواية وأتخيل أشكالهم وأعيش أجواءهم .. حتى خيل إلي أني أشعر بالبرد الذي شعر به عبدالرحمن القس حين وقف خارج منزله يتأمل السماء ويتذكر أمه التقية ..

هذه الرواية تحكي لنا قصة العابد الزاهد عبدالرحمن بن أبي عمار وحبه العذري الطاهر للجارية المغنية سلامة حتى شاع بين الناس حبهما وصار يسمى ذلك الشاب الورع التقي الذي سمي بالقس لورعه صار اسمه بين الناس سلامة القس .. ووجدت في تلك الرواية الماء العذب الذي يروي عطشي للأدب الرومانسي الملتزم الحيي الجميل ..

حقاً الكاتب علي أحمد باكثير رحمه الله رحمة واسعة قلّ أن يجود الزمان بمثله .. فعرفت أن السبب في مللنا من الروايات الحديثة والكتاب الجدد هو ذات الأديب مع الأسف .. وأنا لا أنكر وجود بعض الأدباء المحدثين لهم أعمال رائعة .. ولكن لأدبائنا القدامى نكهة قد افتقدناها الآن وهي نكهة الالتزام والحياء الذي يجعل من الأم ترى ابنتها تقرأ من أعمالهم ولا تخشى عليها الفتنة أو الضلال ..

رحم الله علي أحمد باكثير وغيره من الأدباء الملتزمين وأدعو كل إنسان صغيراً كان أم كبيراً .. أديباً أم غير أديب .. أن ينتقي كتاباً لهذا الأديب الرائع ويقرأ ويحلق في سماء الأدب الراقي الجميل ..