حكم بلعاوي في "ذاكرة وطنية"

حكم بلعاوي في "ذاكرة وطنية"

وعي لتاريخ الشهيد ياسر عرفات

 داعس أبو كشك

[email protected]

صدر قبل ايام قليلة كتاب للاديب والسياسي حكم بلعاوي يحمل عنوان ذااكرة  وطنية ويزين الغلاف الرئيسي بصورة للشهيد والقائد ياسر عرفات رحمه الله ويقع في 125 صفحة ويشكل هذا الكتاب مرجعية تاريخية تتناول السيرة النضالية للشهيد ابو عمار في حقبة زمنية مليئة بالتحديات والاحداث في الثلث الاخير من القرن الماضي ، كما تاتي اهمية هذا الكتاب كون مؤلفه كان جانب ياسر عرفات بحكم موقفه القيادي وكان على اطلاع كامل بادق التفاصيل والمحطات ، حيث عاش معه في الخنادق والجبال وفي السهول والوديان ، وتنقل معه من مكان الى اخر وهو يقود حركة الشعب الفلسطيني  النضالية،  وكان دوما رفيق دربه يطلعه على المجريات و الاحداث والاسرار فكان المؤتمن على سر الشهيد ياسر عرفات ، لذا فان ما يقدمه لنا حكم بلعاوي في هذه الوثيقة الوطنية الهامة رواية فلسطينية موثقة عن القائد العظيم الشهيد ياسر عرفات الذي كان وسيبقى علما بارزا في حياة وتاريخ شعبنا العربي الفلسطيني كقائد  عظيم وكمعلم للاجيال وكمهندس للثورة وكانسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من ابعاد سامية .

لقد كان للشهيد ياسر عرفات ورفاقه الاثر الرئيسي في اخراج الفكرة الفلسطينية من حيز القول الى حيز الفعل وحيثما تواجد الفلسطينيون على مساحات هذا الكون الانساني على اراض فلسطين وفي الشتات في الارخبيل الاسيوي وفي القارة السمراء وفي اعالي جبال الاوراس وفي الصحراء الليبية وفي الكويت ودول الخليج  ، كان الشهيد ابو عمار يعمل دون كلل  متنقلا من بلد الى اخرى وفي اشد ظلمة الاول من كانون الثاني عام 1965 بشر بميلاد فلسطيني جديد يحمل معه بشائر الحرية والعودة.

كان هاجسه ان يصل الصدى والصوت االى كل بقاع العالم لانتشار الفكرة الفلسطينية على اتساع ارض فلسطين وعلى المدى المفتوح للكون الانساني ،  حيثما يتواجد الفلسطينيون الباحثون عن بصيص امل في العودة والخلاص من المعاناة والعذاب.

لقد حرص الاديب حكم بلعاوي ان يقدم للاجيال صورة حية عن الشهيد ياسر عرفات حتى تبقى ذكراه في متناول اي فلسطيني ينقلها من جيل الى جيل لان حياة ياسر عرفات هي حياة الشعب الفلسطيني ، فذكراه لا يمكن ان يطويها التاريخ لانها تعمدت بالدم وبه خط ياسر عرفات انشودة العودة وتحقيق المشروع  الوطني الفلسطيني.

ففي قصة وصول ابو عمار الى طرابلس في لبنان يقول الكاتب ان الخروج من لبنان لم يشكل عائقا لاستعادة المؤسسة والقرار والحركة السياسية ولقد ساهم في ذلك بشكل اساسي الايجابيات التي وفرها الاحتضان التونسي الدافئ بكل ما تعني هذه الكلمة ، ويرتبط لبنان في اقداره حلوها ومرها بالموضوع الفلسطيني ، واذا كانت بيروت قد نامت على جرح مغادرة المؤسسة الوطنية الفلسطينية وعلى جرح صبرا وشاتيلا ، فان طرابلس لبنان مدت ذراعها نحو كل لبنان لتعلن ان ارضها موئلا للفلسطينيين واهلها بلسما للجرح كي يندمل ،  والكاتب في هذه القصة يروي بأدق التفاصيل والجزئيات كيفية العودة الى طرابلس بعد الخروج من لبنان وانا اتذكر هنا جواب ابو عمار للصحفيين عن سؤالهم الى اين انت ذاهب ؟ فقال لهم الى فلسطين وفعلا عاد ابو عمار الى فلسطين واستشهد على ارضها ودفن في ترابها على مقربة من القدس ، وقد كان للكاتب دور هام في ترتيب عودة ابو عمار سرا الى طرابلس الذي عاد اليها ليكون مع شعبه وهي ليست مجازفة بل انها واجبات القائد واهميته بين اخوانه واخواته لان المعارك لا تخاض الا بالتكامل .

وفي قصص بلعاوي الواقعية والتي تسرد بلغة حكيمة وباسلوب سردي يربط فيه السياسة بالادب لكي يقدم للقاريء الرواية الفلسطينية من مصدر هام عاش محطاتها واثر بها وتاثر فيها ، ويروي حكم بلعاوي من كتابه الوقائع الحقيقية والمعاشة للشهيد ياسر عرفات  ،فمن ذهابه الى طرابلس لبنان الى ليلة سقوط طائرة الرئيس في الصحراء الليبية الى استضافة تونس للنضال الوطني الفلسطيني الى ابو العباس وخطف سفينة أكيلالاورو ،  و من موقف أبو عمار من احتلال الكويت الى القصف الاسرائيلي لقيادة أبو عمار في حمام الشط و الى ليلة استشهاد القائد أبوجهاد ، وثم البحث عن مطار و عن رئيس وعن دولة ، مرورا بالاتفاق الفلسطيني الاردني عام 1985 الى استشهاد القائد ابو اياد و ابو الهول الى العقيد هواري و العلاقة مع جمهورية مصر العربية و دول الخليج الى الغزو و الهجوم الاسرائيلي على لبنان ، جميعها محطات نضالية استطاع من خلالها القائد ياسر عرفات ابراز الهوية الوطنية الفلسطينية و الدفاع عن شعبه في ارض الوطن و في الكرامة و في جبل الشيخ و العرقوب الى بيروت ملحمة الصمود الى طرابلس و المخيمات كان ياسر عرفات في الخندق المتقدم لشعبه و في كل مواقع الصمود و البطولة .

و في هذا الكتاب يؤسس حكم بلعاوي اعماقا لفكرة ياسر عرفات  ، فكرة تحقيق الحلم الفلسطيني باتجاه الدولة و بانجاه القدس عاصمتنا الابدية , و كما فلسطين حاضرة في التاريخ الوطني فان اسم الشهيد القائد ياسر عرفات راسخا في الذهنية الفلسطينية و في جذور النضال الوطني الفلسطيني حتى تستمد منه هذه الاجيال و الاجيال القادمة دروسا في الشجاعة و الاقدام و سيظل اسم ياسر عرفات المقطع الاول في نشيد الحرية و البناء وفي ذاكرة النصر و الانتصار .

و عليه فان هذا الكتاب ياتي في وقت ما احوجنا فيه الى معرفة المسيرة النضالية للشهيد ياسر عرفات , و سيغني المكتبة الوطنية الفلسطينية بهذا الانجاز الوثائقي و هو كما يقول الكاتب حكم بلعاوي بانه مرجعية وطنية و قومية وانسانية و اخلاقية واحدة  و هذه المرجعية هو الشهيد القائد ياسر عرفات .