دراسة نقديَّة لديوان "اسمكَ تهليلة زمرد"

دراسة نقديَّة لديوان "اسمكَ تهليلة زمرد"

ولديوان "شمس حضورك أسطورة"

للشاعرة والأديبة "شوقيه عروق منصور"

حاتم جوعيه - الجليل

[email protected]

مقدمة : الشاعرةُ والأديبةُ والصَّحَفيَّة " شوقيَّة عروق منصور " من المبدعاتِ المتميزاتِ فنيًّا ،حققت انتشارًا واسعا لمساهماتِهَا النثريَّة والشعريَّة ومثابرتها على الكتابةِ الناقدةِ والجادَّة . ولها أسلوبٌ مميَّزٌ وجديد فالكثيراتُ من الكاتباتِ المحليَّاتِ تأثرنَ بهِ، وخاصَّة في تقاريرها ولقاءاتها الصحفيَّة... وهي أوَّلُ صحفيَّةٍ وإعلاميَّةٍ محليَّة ( داخل الخط الأخضر تجري لقاءات صحفيَّة مع كتابٍ وشعراءٍ وفنانين ومطربين من الدول العربيَّة .. وكنت أنا ثاني شخص بعدها ) .

مدخل : ديوانها " تهليلة زُمُرُّد " من إصدار دائرة الثقافةِ العربيَّة ، يقع في 98

صفحة من الحجم الوسط ، تحليه وتزينهُ بعضُ الرسومات واللوحات الداخليَّة ، وقصائدهُ تتمحورُ في المواضيع : الغزليَّة والوجدانيَّة ، الإجتماعيَّة والإنسانيَّة . ... ويبدو واضحا فيه أسلوبُ التجديدِ والإبتكار والعُمق في المعاني والتفنن في اختيار المفردات والعبارات الشعريَّة المموسقة ... فيتألق وينسابُ الجرس الموسيقي رغم أنها تكتبُ على النمطِ الحديث ( الشعر الحر ) . وشاعرتنا وأديبتنا " شوقيَّة عروق " إستطاعت أن تجتازَ العراقيلَ والحواجزَ وتحلِّقَ في سماءِ المجدِ والإبداع والشُّهرة ، في شتى الميادين والألوان الكتابيَّةِ والأدب .. فما أجملَ قولها في دفاعِها عن المرأة وكيانها وكرامتِهَا ، حيثُ تقول :

( " أتبتغي أن أكون امرأة ً أخرى //

 تسافرُ في الجسَد وتترك الورق //

 مهما قلت ... أنا لهفة ُ الحبر ... //

 وخطوط الحلم إلى الأبَدْ ... " ) .

 وتقولُ في قصيدة أخرى :

( " ... لا أتنازل عن موقفي / بكَ ألتقط ُ خيط النقاش //

 وألفهُ بهدوءٍ // فوقَ بَكرةِ خيطان كبريائي // " ) .

 

 نجدُ هنا تعبيرات وتشبيهات جديدة مستحدثة لم يستعملها شاعرٌ قبلها ، مثل : خيط النقاش، بكرة خيطان لكبريائي، لهفة الحبر ..وهكذا يفعلُ دائما الشَّاعر والأديب المبدع ، فلا يكتفي بالقوالب البلاغيَّةِ الجاهزة والصور المألوفة والمستهلكة التي عفى على بعضها الزمنُ وأكلَ الدهرُ عليها وشرب ، مثل : الناقة والجمل والظبي والبيد والأطلال واستسقاء الغمام أو المطر .. إلخ ، بل يكون لديهِ قاموس جديد من المفردات البلاغيَّة الجديدة المبتكرة، ويعملُ على تطوير اللغة والأدب ، وعلى تطوير الأدوات الشعريَّة لتتلاءَمَ مع مقتضيات وظروف العصرالحالي، كما تفعل بالضبط الشاعرة شوقيَّة عروق . ولو راجعنا دواوينها وكتاباتها جميعا بعمق وبرويَّة لوجدناها حافلة زاخرة ً بالمعاني الجديدة وبالرموز الإبداعيَّة الجميلة المستحدثة التي لا تخطرُ على بال أيِّ قارىءٍ أو أديب أو ناقد . والتي تزخرُ أعمالها الإبداعيَّة ، بالمعاني الجديدة ، وبالرموز الإبداعيَّة الجميلة المستحدثة ، التي لا تخطرُ على بال أيُّ قارىءٍ أو ناقد .

 في قصائدِها الغزليَّةِ نراها شفافة في منتهى العذوبةِ والرِّقة ، إضافة إلى العمق المعنوي والبعد الفلسفي والإنساني فيها ، وأحيانا ، في بعض قصائِدِها ، تكونُ قريبة ً إلى أسلوب " نزار قبَّاني " شاعر المرأة الأول في العالم العربي . تقول مثلا :

( " حُبُّكَ مرشدٌ سياحي / يَدُلنِي ... يُوَجِّهُني //

 يفتحُ خزائنَ عمري / ويعلقُ سنواتي في متاحف أصابعكَ // " ) .

 هنا نشعرُ ونحسُّ بروح ونفس وعالم نزار قبَّاني .

 وأما في قصيدتها " أنت " فتقول :

( " أنتَ وحدكَ كلُّ الرجال .. أنتَ وحدكَ العنوان

 والموعدُ الذي أنتظرُهُ منذ مولدي " ) .

 في هذه القصيدةِ نجدُ أسلوبا جديدا وشخصيَّة متميِّزة مستقلَّة في توجهها وخيالها وعالمها الأدبي وفي لوحاتِها وصورها الفنيَّة الخاصَّة .

 وما أجمل قولها في هذه المقطوعةٍ بعنوان : " إعذار " ، تقول :

 ( " بينَ الدَّهشةِ والشَّهقةِ // يَتبدَّدُ غضبي ، تثيرُ رغبتي //

 عندما تناولني الهديَّة // التي لففتها بأوراق اعتذاركَ ... " ) .

 تمتازُ معظمُ قصائد شوقية عروق بقصرها وكثافتها المعنويَّة والفنيَّة ( شعر البطاقة ) ، فهي تحاولُ أن تعطينا المختصر المفيد فتوجزُ قدر الإمكان . والجديرُ بالذكر انَّ شاعرتنا درست موضوعَ الفلسفة واللاهوت ( فلسفة الديانات) وحاصلة ٌ على شهادةِ البكالوريوس ( b.a ) في هذا الموضوع . ونجدها في الكثير من كتاباتِها الأخيرة متأثرة بالكتبِ المقدسةِ ( العهد القديم والجديد ) .

 تقلُ مثلا في إحدى قصائدها :

( " في البدء كنتَ أنتَ //

 صحوة النسيان الذي أخذ َ يهطل //

 من سماءِ الأشرعةِ العائدة //

 على عشبِ أيُّوب الأخضر // " ) .

 يظهرُ هنا بوضوح تأثرها بموضوع اللاهوتِ فعملت واستطاعت توظيف وإدخال بعض الرموز والمعاني والشخضيات اللاهوتيَّة إلى مواضيعها الجديدة المنتقاة ، لتعبِّرَ وتدعمَ فكرة أو رأيا وقضيَة جديدة معيَّنة ، فمثلا في جملةِ ( وعشب أيوب الأصفر ... فأيُّوب نبيُّ للمعاناة والالم والصبر، وأمَّا اللونُ الأصفر فيذكرنا بالمرض والضعف والكآبة واليأس ، فقد أخذت اسمَ أيُّوب النبي وأضافتهُ إلى العشب الأصفر فجاءَ التشبيهُ الإستعاري جميلا جدًّا ومعقولا . كما أنها تأثرت بعضَ الشيىء بالشَّاعر والناقدِ العربي الكبير " أدونيس " وخاصَّة في معادلاتهِ الحسابيَّةِ والأرقام .. فتقولُ مثلا في قصيدةٍ لها بعنوان : " بلور " :

( " أنا + أنتَ نساوي // عاصفة تشقُّ البلورْ //

 أنا + أنتَ تساوي رحلة في نفق أضيىءَ بلنورْ " ) .

 والشاعرُ أدونيس ربَّما هوَ أول من استعملَ الأرقامَ والمعادلات الحسابيَّة ( الرياضيات ) في أشعارهِ عند العرب ( قديما وحديثا ) ووضعها لأهداف ومعان ومواضيع عديدة . والكثيرون من الشعراءِ بعده قلدُوهُ . وشوقيه عروق في ديوانها الثاني " شمس حضورك أسطورة " نجدُهَا أيضا متأثرة ً بالكتب المقدسة ( التوراة والإنجيل ) ، وخاصَّة بنشيد الإنشاد لسليمان الحكيم ، ونجدُ في ديوانها الثاني أيضا الكثيرَ من القصائد الوطنيّة ذات الطابع الغزلي ، فتقولُ مثلا في إحدى قصائدها :

( " خبَّأتكَ في ظهري كالطعنةِ //

 في ضلوعي كالشَّهوة // في صوتي كالفرحَة

 في رموشي كالنسمة //

 في وجهي كالرَّصاصةِ التي تنتظرُ اللعنة // " ) .

 هي ترمزُ للوطن بالحبيب وفارس الأحلام . ومن جميل وعذب قولها في قصيدة " الخمر الدَّافئة " فتقول :

( " يُغريني صوتُكَ // فأتساقط ُ تحتَ دقاتِ الإنتظار //

 يصلبني على أبواب المدينة // زنبقة شهيَّة الألوان //

 وتقولُ أيصا :

( " يُغريني صوتكَ // فأهرب من كلِّ الأصوات //

 أمتصُّ صوتكَ وحدي // ينبتُ برعمًا أخضر //

 في صدري يتدفقُ صوتك ... // " ) .

 في هذه القصيدةِ كالكثير من قصائدها الجميلةِ نجدُ فيها عدَّة َ أبعادٍ وتموجاتٍ وانعكاساتٍ موضوعيَّة وفنيَّة .. هي تتحدَّثُ عن الحبيب واشتياقها إليهِ والتياعها الشديد في ساعاتِ انتظارهِ،والحبيبُ هو الوطنُ والجمال، والحياة والسَّعادة ، والكيان والهويَّة وصوتُ الوطن ... الحبيبُ هو الصَّوتُ الوحيدُ المطربُ الشَّجي الذي يُغري ويؤَثرُ ويأسرُ القلبَ والروحَ ... أمَّا باقي الأصوات فنشازيَّة ٌ مُمِلَّة ٌ، وَحُبُّهَا للحبيب وإخلاصها لهُ وتفانيها وذوبانها وضياعها فيهِ يمنحها الغلالَ فتورقُ حقولُ أيَّامِها وتنبتُ البراعمُ الخضراء ، ويتلاشى التوَهُّجُ الصَّحراويُّ الرَّابضُ فوقَ سنواتِ عمرها . وفي هذه القصيدةِ نستخلصُ بعدًا فنيًّا فلسفيًّا لمتعةِ الحياةِ وجدوى الوجود والبقاء والأمل الذي من أجلهِ تحياهُ شاعرتنا وتنتظرُهُ ..إلخ ..

 مبروكٌ لشاعرتِنا وأديبتنا الكبيرة " شوقيَّة عروق- منصور"على هذا العطاءِ الثري وإبداعها المتواصل ، ونأملُ أن تتحفنا دائما بالكثير من الإنتاج الأدبي والشعري الرَّاقي والجديد والإبداعي المميَّز ليتألَّقَ ويسمو شعرُنا وأدَبُنا الفلسطيني المحلي أكثرَ وأكثرَ إلى قمم المجدِ والإبداع والخلود.