رواية هولير حبيبتي

الترجمة إلى اللغة الكردية

علي صالح ميران

الترجمة هي تقديم عمل من لغته إلى لغة أخرى حتى يتمكن أبناء هذه اللغة من الاطلاع على هذا المنتج الإبداعي، وتلك مسؤولية فنية، ولغوية، وتعبيرية تقع على عاتق المترجم.

إنه هنا يقدّم ترجمة هذا النص الإبداعي، وقرّاء اللغة المترجم إليها يتعرفون على هذا النص من خلال عملية الترجمة، وكما يرى بعض النقاد فإنه من أهم متطلبات الترجمة هي المعرفة الكاملة بقواعد ومدلولات اللغتين، والقدرة على إعادة الصياغة والتعبير للحفاظ على جوهر الفكرة، والإطلاع الواسع على النتاجات الإبداعية للمؤلف، والمعرفة العامة بتوجهات ومواقف وآراء الحركة الأدبية في البلد الأم للمؤلف وتأثيرها على موقفه وآرائه .

تعتبر المتطلبات السابقة الأرضية الصلبة التي يقف عليها المترجم قبل البدء بعملية الترجمة الفنية السليمة.

يقول طه حسين أن الترجمة في الفن والأدب ليست وضع لفظ عربي موضع لفظ أجنبي، إذ أن الألفاظ شديدة القصور عن وصف الشعور في اللغة الطبيعية فكيف بها من لغة أخرى؟

الترجمة الفنية والأدبية عبارة عن عمليتين مختلفتين وكلاهما عسير.

ومن خلال ترجمتي لأي عمل أدبي من اللغة العربية إلى اللغة الكردية،كنت آخذ بعين الاعتبار هذه المتطلبات المذكورة، ولم تكن الترجمة حرفية، بل جملة فجملة، وما قمت بترجمة أية جملة إلا بعد معرفتي بمغزى القول وبما يرمي إليه الكاتب، بحيث تكون الترجمة أمينة ودقيقة ما وجدتُ إلى ذلك سبيلا.

في رواية هولير حبيبتي احتاجت الترجمة إلى بعض من التصرف مني كي أنتج نصا يقبله القارئ الكوردي خصوصا مع أبيات الشعر والحكم الهوليرية..،  وعلى سبيل المثال في بعض الأحيان الترجمة تعطي معلومات تشرح سياق البيت بدلا من ترجمة حرفية. لذلك فقد حُظيتُ بالاجتماع مع مؤلف رواية هولير حبيبتي  لمناقشة بعض النقاط في النص لكي أتوصل إلى فهم عميق لهذا العمل الإبداعي الهام  والاختيارات التي قام بها الأستاذ عبدالباقي يوسف . والحمدلله فإن أسلوب الكاتب يمتلك شيئاً من التيسير ، وهذا يختلف عندما تترجم نصاً عربياً لكاتب غير كردي ، فأنا هنا أكاد أكون أمام عمل مكتوب بالكردية ، ومترجم للعربية ، وعلي أن أعيد الترجمة إلى الكردية ، وقد تبيّن لي بعد حوارات مع المؤلف بعد أن كلفني ناشر الرواية  في أربيل ، صاحب مكتب التفسير للنشر والإعلان ، بترجمتها بسبب كثر الطلب عليها لقراءتها باللغة الكردية ، أن الكاتب الأستاذ عبد الباقي يوسف يصيغ الجملة في مخيلته باللغة الكردية ، ثم يقوم ترجمة بكتابتها إلى العربية ، فهو يفكر بلغته الكردية ، ويقوم بصياغة الجمل بالكردية ، ولذلك رأيت الترجمة إلى الكردية بها بعض التيسير ، رغم قوة المقاطع الشعرية ، والشذرات الفلسفية التي ميّزت  هذا العمل الروائي .

خصوصية ترجمة رواية هولير حبيبتي

بعد القراءة الأولى لهذا العمل الكبير ، لا أخفي بأنني تعلمتُ منه الشيء الكثير ، وأصبح لدي يقين بأن أي شخص حتى لو كان من سكان أربيل الأصلاء ، حينما يقرأ هذه الرواية ، سوف يتعرف على أربيل كما لم يتعرف من قبل ، لأن الرواية تريه ما لم يكن يرى ، بعين الروائي ، وقوة أسلوبه المشوّق ، وقد سُعدتُ عندما علمتُ أن المحافظة قد أهدتْ ضيوفها في الملتقى الاعلامي الكردي العربي هذه الرواية التي هي خير دليل للتعرف على مدينة أربيل ، وبذلك فإن أربيل ستدخل من خلال هذه الرواية بيوت هؤلاء الضيوف الذين حلّوا من مشارق الأرض ومغاربها ، وأعتقد أن ذلك تحوّل إلى تقليد اجتماعي  بين بعض سكان مدينة هولير ، وأتمنى أن يتحوّل ذلك إلى تقليد رسمي حيث يتم تقديم هذه الرواية كهدية ثقافية لضيوف هولير ، رغم أن ذلك يحدث أحياناً ، وقد علمتُ أن لأعمال أديبنا عبد الباقي يوسف أسبقية في ذلك ، حيث تقوم دولة الكويت بإهداء روايته الشهيرة ( إمام الحكمة ) إلى ضيوفها الرسميين كهدية بعد أن قامت بطباعتها وزارة الأوقاف الكويتية .

أجل ، لقد أتاحت لي ترجمة هذه الرواية التي صدرت  ترجمتي الكردية لها مؤخراً -2014 -  أن أتعرف على هولير أكثر مما كنت أعرف ، كذلك جعلتني أحب هولير أكثر مما أحب ، لقد أتاحت لي فرصة للتعرف على عمق وتاريخ ومجنمع وجغرافية هذه المدينة الروحانية كما تصفها الرواية .

أدركت بأن ترجمة هذه الرواية  تتطلب الدقة والحرفية العالية، وهي لاتقل أهمية عن التأليف ذاته فهي إعادة صياغة للأفكار والرؤى والأحاسيس بطريقة منهجية ومهنية صارمة تحاشياً للمساس بتقنية ومهنية النص الأصلي .

إن  هذه الرواية في نظري تعتبر ضمن أهم ما أبدع الروائي الكبير (عبد الباقي يوسف) ، وكما يقول النقاد أن أفضل رواية هي الرواية التي تكتب باللغة الشعرية ، وهذا ما اكتشفته في رواية (هولير حبيبتي) ،  إنها حقا قصيدة عذبة صاغها الكاتب برهافة لغته الشعرية على مدار ثلاثمائة صفحة وهو لايكاد يترك شيئاً عن مدينة هولير إلا ووقف عنده وقفات شعرية.

عندما ينتهي المرء من قراءة هكذا عمل أدبي تاريخي، ينتابه إحساس أولي بأن قراءة هذا العمل تكون كافية ليس لمن يريد أن يعرف ما لايعرف  عن هولير، بل عن خصائص إقليم كردستان  ، والتحولات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها .

رواية هولير حبيبتي وقيمتها الفنية

 بعد أن فرغت من قراءة رواية (هولير حبيبتي) للروائي الكردي السوري عبد الباقي يوسف، المقيم في أربيل و بعد أخذي القرار النهائي  بترجمتها إلى لغتي الأم ، أدركت بأن هذه الرواية تستحق بجدارة كل ما حققته من انتشار حتى تحوّل اسم (هولير حبيبتي ) على كل شفة ولسان ، وباتت حديث الملتقيات الاجتماعية والثقافية ، ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبدأت البرامج تقتبس منها مقاطع شعرية ، وقد ملأت أخبارها مختلف وسائل الإعلام العربية والكردية ،  فعدا قيمتها الأدبية  والفنية ، فهي تعتبر كتابا جامعا للمعلومات التأريخية و الجغرافية و السياسية و الاجتماعية لمدينتي و شعبها الأبي ، والتي جعل من هذا الروائي الكبير أكبر و أكثر شهرة من قبل ، و بات اسمه فيها مقترناً بمدينة هولير العريقة وقلعتها الشامخة، والتي تحتفي بكونها عاصمة للسياحة العربية لعام 2014،  وتتميز هذه الرواية بأنها أول عمل روائي يتناول السيرة الذاتية لمدينة (أربيل)، التي أعدتها الرواية من أقدم المدن التاريخية التي ماتزال مأهولة بالسكان، كما تسلط الرواية الضوء على الأمم والممالك والإمبراطوريات، التي توالت على هذه المدينة، حيث رصدت جل ما وقع من أحداث في تاريخ هذه المدينة، بما يشكل ذاكرة روائية لمدينة أربيل. ومنذ الوهلة الأولى للبدء بالترجمة ، عرفت بأن ترجمة هذه الرواية ليست كباقي أعمالي المترجمة ، فترجمة هذا العمل الأدبي يجب أن يكون العمل فيها بكل أمانة و صدق،  لكون مواضيعها رصينة متسلسلة وهي عبارة عن سيرة ذاتية لمديني (هولير) ، وطفرة أية عبارة تعتبر طفرة لحقبة من تاريخ مدينتي العريقة ، هذا من أجل إيصال محتوى الرواية بأفكارها و وقيمها و قوة تعابيرها إلى أبناء جلدتي ، خاصة الجيل الجديد اللذين لم ينالوا التحصيل العلمي  بلغة الضاد .

 في حوار له لجريدة الزمان يقول أديبنا عبد الباقي يوسف : (لهذه الرواية خصوصية، وفي اعتقادي أن ما أثارتها يتوقف على الكثير من العوامل التي تُظهر ملامح الشخصية الكردية في إقليم كردستان بشكل خاص ذلك أن هذا الإقليم هو الأول الذي يتمتع بحكم ذاتي كردي، وهذا يتيح للإنسان الكردي أن يقدم مزاياه للآخرين وفق فسحة من الحرية . وهنا يبدو أن الإقليم الكردي يقوم بنشر أعمال باللغة العربية، وكذلك بالفارسية والتركية، ولعل هذه إشارة إلى أن يتم نشر مطبوعات باللغة الكردية كذلك في تلك الدول، وكذلك يتم تخصيص مدارس كردية كما هو الأمر هنا حيث توجد مدارس عربية في إقليم كردي لاتجيد نسبة كبيرة من سكانه ألف باء اللغة العربية ) .

ترجمة أغنت تجربتي في عملية الترجمة خاصة بعد أن لقيتُ هذا الإقبال الواسع الذي لم أكن أتوقعه من القرّاء الكرد على هذه الرواية لقراءتها بلغتهم الأم.