الأربعون النبوية في فضائل الشام ودمشق المحميَّة

د. محمد مطيع الحافظ

التعريف بكتاب:

(الأربعون النبوية

في فضائل الشام ودمشق المحميَّة)

جمعها وحققها وعلَّق عليها

د. محمد مطيع الحافظ

الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين أجمعين.

وبعد:

فإن الله تعالى قد خصَّ الشام عامَّة، ودمشقَ خاصَّة بفضائلَ جليلة، وخصائصَ منيفة؛ تعظيماً لشأنها؛ وترغيباً في سكناها؛ ومدحاً لأهلها، وقد ورد في فضلها آياتٌ في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وأحاديثُ شريفةٌ، وآثارٌ كثيرةٌ عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وكذلك ما ورد عن العلماء الأعلام، والصالحين والزهاد والأولياء الورعين.

ولهذه الفضائل سكنها كثير من الصحابة – رضوان الله عليهم -، وهاجر إليها كبار العلماء والزهاد والأولياء.

قال الوليد بن مسلم المحدث الدمشقي المشهور: دَخَلَتِ الشامَ عشرةُ آلاف عين رأتْ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

وذكر العلامة كمال الدين الغزي في كتابه (الورد الأنسي والوارد الأنسي في ترجمة العارف بالله عبد الغني النابلسي)([1]) في ترجمته للشيخ محمد بن عبد الكريم الفاسي المغربي المتوفى سنة (1185هـ) قال: (حدثني شيخُنا الصلاح خليل بن عبد السلام الكاملي عن صاحب الترجمة: أنه أخبره: أنه بعد أن كان ساكناً في دمشق، أراد في بعض السنين الرحيلَ عنها، فذهب للأستاذ النابلسي ليستأذنه في ذلك، فقال له الأستاذ: يا شيخ محمد! إن استطعت أن لا تموت إلا بدمشق، وتدفن بها، فافعل؛ فإنها جبل الأولياء، ومعدِن الأصفياء، ولا ترحلْ إلى غيرها معرِضاً عنها إلا إذا أردت الحج، أو زيارة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنك إذا دُفنت بالشام، فلا بدَّ وأن يخالط ترابُك ترابَ صالحٍ، أو عالمٍ، أو وليٍّ، أو شهيدٍ، أو مَنْ أعلى من ذلك، فتكون في حمايته وكفالته، وهذا لا يوجد في غيرها إلا في الحرمين: مكة، والمدينة).

وتحدثاً بنعمة الله عليَّ، فقد وفقني لخدمة التراث الدمشقي، تأريخاً لها، ودراساتٍ لمساجدها، ومدارسها، وتراجم أعلامها، وأُسَرِها.

ويسَّر لي جمع هذه الأربعين حديثاً من أحاديث سيد المرسلين صلَّى الله عليه وسلَّم الواردة في فضائل الشام عامّة، ودمشق خاصة؛ لَعَلِّي أُبْعَثُ في زمرة مَنْ جَمَعَ ذلك من العلماء العاملين، جعلنا الله بفضله من الناجين.

وألحقتُ بها الآثارَ الموقوفة على الصحابة – رضوان الله عليهم -، وما ورد من أخبار عن العلماء.

ثم ألحقتُ بكل حديث شرحاً مختصراً، اقتبسته من كتب شُرَّاح الحديث الشريف والآثار.

والدارسُ لهذه الأحاديث وشروحها تظهر له أمور كثيرة، منها:

1 -      أن فيها الأحاديث الصحيحة والحسنة، وفيها – أيضاً – الضعيف، ولكني لم أورد من الضعيف إلا القليل.

2 -  هذه الأحاديث معجزة من معجزات الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم حين بشَّر بفتح الشام ودمشق، ومن بشاراته: أنَّ أمه رأت نوراً خرج منها عند ولادته صلَّى الله عليه وسلَّم أضاءت له قصورُ الشام (وقصورُ الشام كانت في دمشق حيث كان مَقَرُّ هِرَقْلَ).

3 -  يجب أن يعتز ويفخر من سكن الشام؛ لبشارة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لمن سكنها، وأنها من نعم الله عليه، وأن لا يستبدل بها غيرها إلا اضطراراً.

4 -  خصائص الشام وفضائلها كثيرة، وهي التي وردت في الأحاديث الشريفة، منها: (طوبى للشام)، (عليكم بالشام)، (إن الله تكفَّل لي بالشام، ومن تكفل الله به، فلا ضيعة عليه)، (الإيمان باقٍ بها عند حدوث الفتن آخر الزمان)، (إذا فسد أهلُ الشام، فلا خير فيكم)، (اللهم بارك لنا في شامنا)، (فسطاطُ المسلمين يومئذ)، (ينزل عيسى ابنُ مريم – عليهما السلام – عند المنارة البيضاء شرقيَّ دمشق)، (حرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم).

5 -  حقق الله نبُوءَتَهُ صلَّى الله عليه وسلَّم بما ورد عنه من أحاديث شريفة؛ فكانت دمشقُ مَعقِلَ الإسلام، وثغراً من ثغورِهِ، ومنبعَ العلم، وقاعدةَ الجهاد. فتغلبت على الصليبيين، وعادوا مهزومين بعد حصارها عدة مرات. وقهر الله التتار؛ فقد غُلِبُوا على باب دمشق في معركة شَقْحَبَ سنة (702هـ) (وشقحب: بلدة على يمين الذاهب إلى حوران بعد الكُسوة). وخرج الفرنسيون مهزومين. ونالت سورية استقلالها عام (1946م) بعد جهاد أهلها، وهكذا ...

وإتماماً للفائدة أنقل بعض الفوائد بما يخص الشام ودمشق.

حدُّ الشام:

قال العلامة محمد كرد علي([2]): (حدُّ الشام قديماً من الغرب: البحر المتوسط، أو بحر الروم، أو بحر الملح، أو بحر الشام، ومن الشرق: البادية من أيلة إلى الفرات، وأيلة مدينة قديمة على البحر الأحمر، أو القلزم، وهي على مقربة من العقبة اليوم، ثم يذهب الحد من الفرات إلى حدِّ الروم، أو آسيا الصغرى، وشمالاً إلى الروم، وجنوباً حدُّ مصر والتيه، وأوصلوا الحدَّ من الغرب إلى طرسوس قرب أذَنَة، إلى رفح في أول الجفار بين مصر والشام).

(ومن إطلاق الشام على دمشق من باب إطلاق العام على الخاص، والعرب كثيراً ما يسمون المدن القواعد بأسماء أقاليمها، فكانوا يقولون بلا فرق: دمشق أو الشام، الفسطاط أو القاهرة أو مصر ...).

ثم الشام تُذَكَّرُ، وتُؤَنَّثُ، وتُهْمَزُ، فيقال: شام، وشامة، وشآم.

وأما تسميتها بذلك؛ فقال السُّهيليُّ في كتابه: (التعريف والإعلام): الشام بالسُّريانية: الطيب. سميتْ بذلك؛ لطيبها وخصبها، وقيل: سميت بـ (سام بن نوح)، وغُيرتْ سينُها شيناً. وقيل: سميت به؛ لأنها عن شمال الكعبة؛ كما سميت اليمن يمناً؛ لأنها عن يمينها. انتهى ملخصاً.

وذكر بعضُهم في تسمياتها أقوالاً أُخر، تركناها خوفَ الإطالة، وقد ذكر بعضَها صاحبُ (القاموس)([3]) حيث قال: الشام بلادٌ عن مشأمة القِبلة، وسميت بذلك؛ لأن قوماً من بني كنعان تشاءموا إليها؛ أي: تياسروا أو سمي بـ (سام بن نوح)؛ فإنه بالشين بالسريانية، أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا تهمز، وقد تُذكَّر، وهو شامي وشآمي([4]). انتهى.

ثم من أجلِّ مدن الشام دمشقُ المحروسة، حتى قيل: إنها أم الشام، وأكبر بلدانها، وهي من الأرض المقدسة، وقد بسط الكلام في ذلك العلامة ابن الوردي([5]) في كتابه: (خريدة العجائب)، فلنذكر ما ملخصه([6])، فنقول:

أرض الشام، وهو إقليم عظيم الخيرات، جسيم البركات، ذو بساتين وجنات، ورياض ومتنزهات، وهو يشتمل على ثلاثين قلعة، أمنعُها قلعة الكرك، ومن مدنها المشهورة دمشقُ المحميَّة، فهي أجلُّ بلاد الشام مكاناً، وأحسنُها بنياناً، وأعدلها هواءً، وأغزرها ماءُ، وهي دار مملكة الشام، ولها الغوطة التي لم يكن بوجه الأرض مثلُها، بها أنهار جارية مخترِقةٌ، وعيون سارِحةٌ مُتَدَفِّقَةٌ، وثمار يانعة، وأشجار باسقة، وفواكه مختلفة، وقصور شاهقة، ولها ضياع كالمدن.

ثم الشَّامُ خمسُ شاماتٍ:

الأولى: غزة والرملة وفلسطين وعسقلان وبيت المقدس، ومدينتها الكبرى فلسطين.

الشام الثانية: الأردن وطبرية والغور واليرموك وبيسان، ومدينتها الكبرى طبرية.

والشام الثالثة: الغوطة ودمشق وسواحلها، ومدينتها الكبرى دمشق.

الرابعة: حمص وحماة وكفر طاب وقنسرين وحلب.

الخامسة: أنطاكية والعواصم ومصيصة وطرسوس. انتهى.

وبعد هذه المقدمة الموجزة أقول:

إنِّي – بحمد الله وتوفيقه – أروي هذه الأحاديث بالأسانيد المتصلة إلى رواتها عن شيوخي – رحمهم الله – أخص منهم: الشيخ محمد أبا الخير الميداني، وعمي الشيخ عبد الوهاب الحافظ الشهير بدبس وزيت، والشيخ محمد إبراهيم الخُتني، والشيخ عبد المحسن الأسطواني، والشيخ محمد أبا اليسر عابدين، والشيخ محمد صالح الفرفور، والشيخ أحمد نصيب المحاميد، والشيخ إبراهيم اليعقوبي، رحمهم الله تعالى ...

أرجو الله أن أكون قد وُفقت في عملي هذا، وأن يكون خالصاً لوجهه الكريم.

طبع الكتاب بدار المقتبس ببيروت سنة 1435هـ/ 2014م

               

([1])      مخطوطٌ، في مكتبتي نسخة مصورة عنه.

([2])      خطط الشام (1/8-9).

([3])      هو الفيروزابادي: محمد بن يعقوب، أبو طاهر، من أئمة اللغة والأدب، ولد بـ (كارزين) من أعمال شيراز، وانتقل إلى العراق، وجال في مصر والشام، ودخل بلاد الروم والهند، وسكن (زبيد) وولي قضاءها، وكان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير، له: (القاموس المحيط)، و (المغانم المطابة)، و (بصائر ذوي التمييز)، توفي سنة (817هـ). الأعلام (7/146-147).

([4])      القاموس المحيط، (مادة: شام).

([5])      ابن الوردي: هو عمر بن الوردي، أبو حفص، فقيه شافعي، توفي في ذي القاعدة سنة (861هـ). الأعلام (5/67) حاشية (1).

([6])      خريدة العجائب (ص:32) وما بعدها.