الاتجاه الإسلامي في شعر د. عبد الوهاب عزام

clip_image001_03e0e.jpg

( 1312- 1378ه )

( 1894- 1959م )

الداعية ، والمفكر ، والكاتب ، والأديب ، والشاعر الإسلامي المعاصر الذي كان أمة في رجل إنه صاحب المقالات الرائعة في كثير من المجلات، والشعر الندي، وهو باحث دارس له دراسات وفصول في الأدب والتاريخ والتصوف، وهو أيضاً رحالة طاف كثيراً من البلاد كتب عن مشاهداته ورحلاته، وهو مترجم حاذق نقل عن الفارسية آثاراً خالدة من روائع الأدب..

ولادته ونشأته :

ولد الدكتور عبد الوهاب بن محمد بن حسن بن سالم بن عزام بك في أول آب سنة 1895 م / 1312 هـ  في قرية الشوبك الغربي من أعمال الجيزة في جمهورية مصر العربية .

ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة مجاهدة عربية الجذور والأصائل ، فوالده محمد حسن عزام بك عمدة البلدة ، وشيخ العرب في إقليمه، وكانت لآل عزام صلات قوية بعرب ليبيا حتى إن البطل المسلم عمر المختار نزل في ضيافتهم أثناء معركته ضد الطليان، ويقال إن أسرة عزام ليبية الأصل .

كان والده محمد حسن بك عزام معروفاً بمكانته وخصاله بين أعيان الجيزة، وأعضاء الجمعية التشريعية، وكانت داره ملتقى العلماء والفضلاء، كان يشغل منصب عضو مجلس شورى القوانين ثم الجمعية التشريعية، وأنتخب بعدها في أول مجلس نيابي بعد دستور مصر  /1923 / .

ومن مآثره أن أنشأ في بلدته الشوبك مدرسة، وقد عرف بجرأته في قول الحق ومناصرته للمظلومين، وكانت غايته في إعداد أبنائه، أن يكون زادهم للمستقبل هو العلم والدين، فتعهدهم بالتربية الدينية وأعدهم وأنشأهم على حب الثقافة بأنواعها

وشقيقه الأستاذ عبد الرحمن عزام : أول أمين عام لجامعة الدول العربية، والذي كان مشاركاً في جهاد ليبيا ضد الطليان إلى جانب الشهيد عمر المختار، وكان يمد المجاهدين المسلمين في ليبيا بالسلاح الذي يحصل عليه من معسكرات الإنجليز في مصر .

والشوبك مثابة عروبة أصيلة، ومنبت وطنية صادقة، وقد احتضنت الفتى الصغير بتاريخها ومواقفها ضد الاستعمار، فنشأ محباً للحرية مستمداً الشجاعة من مواقف رجالها الاحرار الذين لم يأبهوا بالسجن والتعذيب، ونهج نهجهم وشاركهم في توزيع «المنشورات» ضد الاحتلال الباغي، «وكاد يقع في أيدي رجال الاستعمار لولا صديق لأسرته من المواطنين الأجانب يتمتع بالحماية الأجنبية، فأنقذه من أيديهم».

وما دمنا في هذا الصدد - الحديث عن العروبة – والشيء بالشيء يذكر، فلنعرض لعروبة عزام ونحدد هذه الكلمة ونزعاتها العزامية، فهو قد فرق بين العروبة والعصبية العربية، وكان من الأدباء الذين بدأوا حياتهم الفكرية بالمقالات الداعية للتماسك والتعاون بين مصر والبلدان العربية وفي نفس الوقت كان يدعو الى التعرف على الهوية الشرقية الاسلامية وضرورة الترابط بين الامم المسلمة على اختلاف لغاتها، فلنسمعه، وهو يقول:

«قل للذين يلتفتون عن المشرق ليولوا وجوهم شطر المغرب، إنما تعرضون عن أنفسكم وتاريخكم، فابدأوا بأنفسكم فاعرفوها، وبمآثركم فانظموها، ثم اعرفوا لغيركم أقدارهم ولا تبخسوا الناس أشياءهم» .

دراسته وتعليمه :

تعلم الأستاذ عبد الوهاب عزام في كتاب القرية ، وحفظ القرآن الكريم .

ثم دخل الأزهر، واقتطف العلم من شيوخه ، حتى التحق بمدرسة القضاء الشرعي التي تخرج فيها – وكان الأول على دفعته - سنة 1920 م .

ولم يقف طموحه عند هذا الحدّ من التعليم ، بل اتجه إلى الجامعة المصرية القديمة (الأهلية)، فأحرز شهادتها في الآداب والفلسفة سنة 1923م .

يقول الأستاذ الدكتور الخشاب:

إنه رسم لنفسه خطة منذ كان طالباً بالقضاء الشرعي، وإنه ظل طوال حياته يسير في اتجاه واحد لتحقيق ما يقدر عليه من هذه الخطة، وهي خدمة الاسلام والعربية وقلّ أن نقرأ له بحثاً أو كتاباً لا يكون مدار الحديث فيه الاسلام أو العربية .

اختير عبد الوهاب عزام في السنة التي تخرج فيها في الجامعة إماماً في السفارة المصرية بلندن، وكان ذلك الإجراء متبعاً في السفارات المصرية في ذلك الوقت، وانتهز عبد الوهاب هذه الفرصة للمعرفة، فالتحق بمدرسة اللغات الشرقية بجامعة لندن، وكان يزامله في الدراسة العالمان الجليلان "محمد مهدي علام" و"حامد عبد القادر" عضوا مجمع اللغة العربية، ونال منها درجة الماجستير بأطروحته عن التصوف عند "فريد الدين العطار" سنة (1928).

وبعد عودته إلى القاهرة عُيِّن مدرسًا بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وفي أثناء عمله حصل على الدكتوراه بأطروحته "شاهنامة الفردوسي" في الأدب الفارسي سنة (1932)، وظل يعمل في الكلية حتى أصبح رئيساً لقسم اللغة العربية واللغات الشرقية، ثم عميدا للكلية في سنة (1945).

وقد أتاحت له الأسفار والسفارة العلمية ، الإلمام بلغات عدة بل إنه كان يحسن غير قليل منها قراءة وكتابة وأدباً حيث تعلم لغات المسلمين الظاهرة في عصرنا، وهي : الفارسية ، والتركية ، والأوردية . . بالإضافة إلى اللغة الفرنسية، والإنجليزية .

وحين كتب العقاد مقدمة ديوان المثاني لعزام قال : (( وكان لدراسة الفارسية والأردية أثر في تقريبه ثقافتهما يحسب من سفارات الأدب التي تعاون فيها العلم والعمل . ومن هذا التقريب الذي لم يسبق إليه تعريفه قراء العربية بتاريخ الرباعية في الآداب الفارسية والعربية ، فهو أوفى ما كتب بلغتنا في هذا الموضوع )) .

وعندما عاد إلى مصر ، منح شهادة الدكتوراه في الأدب من جامعتها، وصار مديراً بالنيابة لجامعة فؤاد  .

عمله في التدريس :

وبعد تخرجه من مدرسة القضاء الشرعي عين مدرساً فيها ، كما عين أمين الخولي ، وأحمد أمين ، وهم الفرسان الثلاثة الذين نبغوا ، وتولوا التدريس في مدرستهم .

عين الشيخ عبد الوهاب عزام مستشاراً للشؤون الدينية ، وإماماً للمفوضية المصرية في لندن .

وبعد عودته إلى مصر عيّن مدرساً للغات الشرقية في كلية الآداب بجامعة القاهرة .

 ثم صار أستاذاً فيها ، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية بهذه الكلية ..

ثم عميداً لكلية الآداب في جامعة القاهرة بين عام 1945- 1948م .

عزام في الجامعة :

بعد حصوله على الدكتوراه في الأدب بأطروحته عن الفردوسي، أصبح أستاذاً جامعياً وكان بدماثة أخلاقه وسعة إطلاع وتمكنه من الانجليزية والفارسية والتركية والعربية موضع الاعجاب بين زملائه وطلابه.

يقول عنه زميله وتلميذه المرحوم الدكتور الخشاب :

«إنه نسيج وحده، يتسع أفقه، وتزداد ثقافته وتتنوع، ويقرأ الانجليزية والفارسية والتركية والأردية فلا يبعث هذا في نفسه ألا مزيداً من التواضع وأشهد أني ما رأيت عالماً، فيه السماحة والتواضع وإجلال العلم كما رأيته. وأشهد أني ما جلست بمجلس علماء فيه الاستاذ الا وكان أميلهم إلى الصمت وأحرصهم على السمع وأقلهم شوقاً إلى الكلام، ومع ذلك فكان هو الذي ترنو اليه الأنظار وتوجه إليه الأسئلة، كان كلامه هو المرتجى وحديثه هو المنشود.

ولقد كان الدكتور عزام سنة ١٩٣٢م يعمل بكلية اللغة العربية والجامعة المصرية فطبعت له الكلية مذكراته التي كان يحاضر بها طلبة السنة الأولى من الكلية عن (تاريخ الأمة العربية) ونشرتا في كتاب بنفس العنوان، ويعد من مؤلفاته الأولى. ومن يطالع هذا الكتاب تتأكد لديه أستاذيه هذا الرجل وقوة استنباطه للأحداث المستقبلية فقد مس فيه أخطر قضايا عصرنا هذا وأكثرها تلاصقا ومساساً بالوجود الاسلامي والعربي وهي قضية (اليهود)».

ويحدثنا عنه تلميذه المحاسني فيقول:

«كان عزام، يطالع طلبته بوجه باسم فهو يرى فيهم أولاده، وكان يلقي محاضراته على البديهة تنضح كلماته ببيان ودقة ومنطق متواتر، وكانت طوابع أسلوبه العربية واضحة جلية، فهو لا يكاد يمضي في موضوع حتى تتدفق عليه الآيات القرآنية والشواهد الشعرية والأدبية من التراث القديم وأشعار إقبال وأقوال المتصوفة.

«وكان أستاذاً جامعياً عطوفاً دقيقاً في البحث والارشاد في موضوع الرسائل الخاصة بدرجة الماجستير والدكتوراه يشرف على رسائل أصحابها بدقة وعناية ويهديهم السبيل إلى مصادرها وهو برغم تشديد النقد والحوار على المتقدمين لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، فإن أسئلته كانت دائماً تدور في مجال مفهوم، ولم يسأل في مرة واحدة برغبة منه في إحراج الطالب» .

وقد أتاح لطلاب الجامعة التعرف على الشخصيات الأقطاب من شعراء الشرق من أمثال الشاعر الكبير محمد عاكف، وقد كان حريصاً على أن يشعره بمكانته وصادق دعوته فأفسح له المجال ليحاضر في الجامعة وليتعرف على جمهور الشباب العريض، وقد مهد لذلك بأن تحدث في محاضراته عن شخصية «محمد عاكف» ووصفه بأنه «صاحب رسالة أصلح ما تكون لبث الوعي الاسلامي ولبث العزة في نفوس المسلمين» ثم شرع بعد ذلك في عرض أشعاره على الطلبة وتوضيح الأثر العربي فيها، وقد آمن عزام برسالة عاكف تماماً، ولهذا لم يكتف بنشر آرائه وأشعاره في الجامعة بل نشرها كذلك في مجلة «الرسالة» الشهيرة آنذاك.

وكما قدم «عاكف» إلى القارئ العربي، كان كذلك أول من عرّف بالشاعر «محمد إقبال».

هكذا كان عبد الوهاب عزام في الجامعة التي أحبته قدر ما أحبها، وكرس حياته لها، فلا غرو أنه حينما عرض أمر نقله من الجامعة إلى وزارة الخارجية أن تمسكت به الجامعة وقرر مجلسها في أن الجامعة لا يمكن أن تستغني عن حضرة الاستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام نهائياً، وإنما يوافق المجلس على ندب سيادته مؤقتاً ولمدة ثلاثة شهور يعود بعدها إلى الجامعة .

عمله في السلك الدبلوماسي :

عين وزيراً مفوضاً لمصر في السعودية سنة 1948 م .

ونقل إلى باكستان .

ثم أعيد سفيراً إلى السعودية سنة 1954 م ، وتولى إدارة جامعة الرياض.

عضويته في المجامع العلمية :

وهو من أعضاء المجمع العلمي العربي في سورية ، والعراق ، ومصر ، وإيران التي قلدته الوسام العلمي .

وعضويته في هذه المجامع العلمية تدل على مدى علمه ، وتبحره ، وامتلاكه ناصية اللغة العربية .

انتخب في المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية عام 1944م .

كما قلدته حكومة لبنان وسام الأرز الوطني عام 1947م .

ومثّل جامعة القاهرة في مؤتمر العيد الألفي للفردوسي ومؤتمر بروكسل 1938م .

وحضر مؤتمر الندوة العالمية للإسلاميات المجتمعية في جامعة البنجاب بمدينة لاهور 1957م . وكان رئيساً للمؤتمر وممثلاً لجامعتي القاهرة والرياض معاً وقد جلى فيه حين تحدث عن الأفكار الحديثة ، والآراء الاجتماعية للجماعات الإسلامية . وغير هذا من المؤتمرات .

الوحدة الإسلامية :

أما دوره في العالم الإسلامي فهو دور الرائد لكل أساتذة اللغات التركية والفارسية والأوردية في كافة الجامعات الإسلامية .

فهو مترجم شاهنامة الفردوسي إلى اللغة العربية .

وهو مترجم شعر محمد إقبال وفلسفته إلى العربية، ويعتبر أول من قدّم محمد إقبال إلى العرب  .

وهو أول من قدم إلى العرب شاعر الإسلام محمد عاكف فأتاح له منبر الجامعة ووصله بطلابها محاضراً .

وهو داعية الوحدة بين الشعوب الإسلامية من العرب والأعاجم في العصر الحديث .. وأدرك أن الجامعة الإسلامية أوسع مدى من الجامعة العربية ، ولعله كان يرى أن الوحدة العربية ليست إلا مقدمة للوحدة الإسلامية .

وكان داعية التقارب والتعارف بين المسلمين ، عرف العالم العربي بدعوة محمد إقبال

ولما زار الدكتور عبد الوهاب عزام اليمن قدم له البردوني قصيدة ترحيبية أشاد فيها بالجهود التي بذلها الدكتور عزام في خدمة الإسلام وتوحيد الأمة العربية مشيراً إلى تنقلاته وسفرياته في سبيل الدعوة إلى الوحدة وتوحيد القوى والجهود العربية لإعادة مجد الأمة الغابر وإحياء تراثها التليد الذي به تحيي حاضرها ومستقبلها فقال مخاطباً عزاماً :

إيه عزام  أنت وعي من النيل           إلى العرب تستثير المشاعر

وسفير تشيّد الوحدة الشما             وتستنهض السنا في المصائر

وتنادي البلاد للاتحاد الحرّ                    والاتحاد أقوى مناصر

إن في وحدة العروبة مجداً                  خالداً ثائراً على كل ثائر

إنما العرب أمة هزّت الدنيا           وشقت سود الخطوب العواكر

إن للعرب غابراً داس كسرى           وتمشى على رؤوس القياصر

فاستمدي يا أمتي من سنا الما    ضي معاليك واعمري خير حاضر

يا سفير التضامن الحرّ غنّت           سعيك الحر أمنياتي الشواعر

فتلقى يا شاعر النيل شعري     فهو شعر عنوانه روح شاعر – ديوان من أرض بلقيس : ص 135 .

والقصيدة  بعنوان ( روح شاعر ) وهي فعلاً مناجاة شعورية لطيفة متماسكة الأسلوب ، جزلة الألفاظ واضحة الأفكار فيها أنفة وشموخ بما للأمة العربية من مجد عريق وماض مشرق صنعه لها آباؤنا الأوائل .

رحلاته :

زار كثيراً من بلاد الغرب والشرق كسويسرا وفرنسا وبلجيكا وتركيا وإيران وأكثر الأقطار العربية وهذه الرحلات أكسبته ثقافة واسعة وفهماً عميقاً ، وانفتاحاً على الآخرين والاستفادة من تجارب الأمم .

صفاته وسماته :

طويل القامة ، نحيف ،  قوي أبي ، أشمّ الأنف ، عربي السمات ، وقور في مشيته ، يسير وبيده عصاه ، هادئ الصوت في عمق ، فصيح النبرة والكلمة ، قوي الحجة ، ساطع البرهان .

وهو واحد من جيل العمالقة الذين يضن الزمان بأمثالهم ، وهو من الذين أقاموا دعائم النهضة الإسلامية والعربية في هذه الجيل .

وكان شاعراً فناناً مرهف الحسّ ، حسن النظم ، عالم ، محقق ، مدقق .

كان لا يخاصم أحداً ، ولا يجادل إلا بالتي هي أحسن ، وكان مهذباً رقيق الحاشية ، لا يغضب إلا حين يستغضب . .ومن مواقفه أنه غضب من مستشرق يهودي هو د. باول كراوس الذي كان يجلس معه في غرفته في كلية الآداب ، وتناول النبي عليه السلام بسوء ، فطلب منه الأستاذ عزام الاعتذار ، فرفض ، فضربه بعصاه ، وبعد أن هدّأ التلاميذ من روعه ، قال : أنا لم أغضب لنفسي ، فلو أنه سبني لقلت له : سامحك الله، ولكنه أساء إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – فكيف أسكت ؟ والله لو كان الأمر بيدي لأهدرت دمه .

و كان – رحمه الله تعالى - عيوفاً أنوفاً .

 أما ثقافته ، فحدث عن البحر ولا حرج ، وكان يجلس في مسجده ليفسر للناس القرآن ، وكان عالماً واسع العلم في العربية .

وكان يلقي محاضراته من غير ورق مكتوب ، وكان حديثه مثل النسيم العذب أو الماء الرقراق .

وكان يدرس علوم العروض والقوافي في الشعر العربي ، وحبب التلاميذ بفن الشعر .

وكان من أشد المغرمين بالمتنبي ، يحبه ويعشقه عشقاً غريباً ، ويكره بشار بن برد لفسقه ومجونه .

هدوء الأستاذ عبد الوهاب عزام واتزانه العاطفي هو الذي كان وراء نجاحه كدبلوماسي له دور كبير في الدعوة الإسلامية وسط عالم مليء بالصراعات والمقاومات لهذه الدعوة .

وكان موضوعياً أكاديمياً لا يخرج عن موضوع الدراسة الهادئة المتأنية .

وكان له دور كبير في تجديد الأدب العربي ، وهو دور إحياء للأدب القديم بفكر جديد .

وكان عبد الوهاب عزام ترتيلة في تدينه ، وكان ترنيمة في أدبه وشعره ونثره وكان صفواً أعذب ما يكون الصفو في إنسان ...وكان صفواً أعمق ما يكون الاستماع إلى معزوفة الكون الكبرى فما يلبث أن يتهدى مسترسلاً، ويترسل متهدياً هادياً ، صافياً، نقياً .

لقد كان عبد الوهاب عزام مكافحًا، لم يتشدق بالثقافة والمنصب وأعلى الدرجات العلمية، ولكن خُلُق الإسلام قد أكسبه تواضع الزاهدين، وهدوء الباحثين، فكانت مسيرته تدعو إلى الخُطَّة المُثلى في دنيا الخلق، كما كانت منارة مُشِعّة تمزِّق الحوالك في دنيا الظلمات .

دفاعه عن لغة القرآن :

يُذكر له أنه خاض معركة فكرية مع عبد العزيز فهمي باشا عضو مجمع اللغة العربية، حين تقدم باقتراح يقضي باستعمال الحروف اللاتينية مكان الحروف العربية، فانبرى له عزام ودحض دعواه؛ لأنه كان يعلم خطورة دعواه، وما كان من أمر التراث الإسلامي في تركيا بعد إلغاء مصطفى كمال أتاتورك الحروف العربية واستعمال الحروف اللاتينية بدلاً منها، وانتهت هذه المعركة برفض المجمع اللغوي لهذا الاقتراح، وقُضي على هذه الفكرة الخبيثة التي تريد إلغاء اتصال الناس بقرآنهم وسُنَّة نبيِّهم.

*أدب الدكتور عزام*

يتضح أدب عزام من خلال البدائع النثرية والشعرية التي تحتوي عليها مقالاته وتأملاته ومؤلفاته العلمية. وقد جمع أوائلها في كتاب أسماه «الأوابد» وأعاد طبعه بعد أعوام قليلة مع الاضافة، وكانت الصبغة الصوفية قد استولت على قلمه وفكره وقلبه، وهذا يظهر بوضوح في مؤلفه الأول «الأوابد» ونتلمس هذا الأثر في افتتاحية الكتاب . حيث يقول:

«ربّ هل رتـّل البراهمة الا فرقانك، وطلبوا في الكهوف الا عرفانك، وهل انفتحت عن «بوذا» زهرة الكنج الا لذكرك؟ وهل هجر العالم الا لوجهك؟ وهل أملى «كونفوشيوس» إلا تعاليمك؟ وهل أراد «زرادشت» إلا ذكرك؟ وهل ضمن كتابه إلا حمدك؟ يا خالق الجن والإنس من سواك يحمي الخليقة بظلالك وهدايتك؟ ».

من هذا المثال تظهر طريقته في الإنشاء الأدبي، التي ضمنها روح المتصوفة، فهنا تتجلى بوضوح نزعة (وحدة الوجود) لدى العارفين. والذي يطالع أدب عزام لابد له أن يرى روح الشاعر تتجلى حتى في كتاباته العادية، وهو يميل إلى البساطة مع جزالة وقوة عبارته في نفس الوقت والطابع العام الذي يمثله أدب عزام هو البساطة التي ترتدي دائماً رداء العذوبة والرقة والجزالة، ولا تكاد روح الأديب الصوفية تتركه في أمن مقالاته أو مؤلفاته، وهو في بدايات حياته انشغل بهموم القضايا الاسلامية وكان لا يخرج من مقال عن الرسول والاسلام حتى يدخل في مقال آخر.

والواقع أنّ نثر عزام من طراز الشعر يكثر فيه ما يستحب في الشعر من مجاز فهو حين يناجي النيل الرابض على أعتاب منزله يقول:

«نزلت من المضائق الواسعة إلى الدوائر الضيقة، من الوجود المطلق إلى الوجود المقيد… ثم كدت أسير مع النيل إلى منتهاه، فيصلني بالأبد أو أرجع منه إلى منبعه فيسلمني إلى الأزل».

وهو حين يرى الأضواء المنعكسة على صفحة النيل يقول:

«رأيتُ النيل تتراءى في صفحته مصابيح ساكنة خافتة مطلة من شاطئ الجيزة».

وحين يصف الزرع في بدايات الصباح يقول:

«رأيت الزرع قائماً تسمه نسمات الفجر رفيقة مشفقة كأنها أم توقظ طفلها».

أما شعره فكان تقليدياً غلب عليه النظم المحكم في أوزانه الخليلية وقوافيه فلنستمع لحديث النجوم حيث يقول:

قد سمعت من النجوم حديثاً      وقرأنا سطور هذي النجوم

إن سيل الزمان بالناس ماض        جريه النهر مزبداً بالهشيم

وسطـور الأعوام تُمحي وتنسـي        بهـزيم الـريـاح أو بالنسيـم

ويخـط الأطفـال فـوق رمـال       ثـم تمحـو الأمـواج كـل رقيـم

تصوف عبد الوهاب عزام :

لم يكن عزام صوفياً بالمعنى الشيخي والعبادي الذائب والمذهبي في التصوف… بل كان متصوفاً غير زاهد في الحياة، وكانت حياته الجامعية أستاذاً وعميداً لا تستطيع أن تفصله عن صوفيته فلا يكاد الجالس إليه يتحدث، ويسمع حتى يحس أن شيئاً غير عادي يسيطر على أقواله وميول فكره .

والحقيقة أن تصوف عزام تأتي من نشأته الدينية وطبيعته الشاعرة، وتتجلي في أعماله قبل أقواله.

فمن منطلق هذا التصوف سمى رباعياته بالمثاني، ورفض تسميتها بالرباعيات رغبة في تجنب المواقف الخيامية التي عرف بها الشاعر الكبير «عمر الخيام» فقد كان حديث الخيام عن الدنان والغلاميات والحانات، ولهذا كانت جفوة عزام من هذه الرباعيات . رغم أنه حفظ الرباعيات عن ظهر قلب بالفارسية وحفظ ترجمتها الشعرية بالعربية باعتبارها من التراث الانساني الخالد.

وكذلك تصوفه الموضوعي لا الشكلي هو الذي جعله يهرب من زيارة قبر الخيام إلى فيجة «العطار» الشاعر الصوفي الشهير وله في ذلك قصة سوف نتعرض لها.

لم تكن صوفية عزام ذات شطحات كشطحات بعض الصوفية إنما كانت صوفية محددة المعالم، علمية الطباع، بقول الدكتور المحاسني:

«إن صوفية عزام العلمية – إن صح هذا التعبير في الصوفية – تقوم على أسس سليمة مستخلصة من الدراسات الفلسفية، فهو قد اطلع على تاريخ الفرس «لبروان» وعلى كتاب التصوف الاسلامي «لنيكلسون» وورد كتباً مصدرها المنابع الصوفية وبخاصة كتب فريد الدين العطار… وقد درس التصوف من منابعة الأولى عند الامم فإذا نحا عزام منحى الدراسات الاسلامية وجد أن التصوف الاسلامي لم يأخذ من الفرس ولا الهند ولم يورد موارد اليونان وإنما هو نابع من ذات الروح الاسلامية» .

*جهوده في الفارسية*

كانت البداية لاتصال عزام بالأدب الفارسي هي «الشاهنامه» كما أسلفنا، ثم تدرج إلمامه بالفارسية وتنوع فترجم بعض الأعمال الأدبية مثل مثنوي جلال الدين الرومي، واتجه إلى الشخصيات الصوفية الادبية البارزة وقام بدراسات وافية عنها مثل دراسته لفريد الدين العطار. ثم توج اهتماماته بالفارسية برحلاته إلى إيران وتسجيله لهذه الرحلات.

1- الشاهنامـه

من أهم جهود الدكتور عزام في مجال خدمة الفارسية، هو كتابته المدخل للشاهنامه، وقد قدم لهذا المدخل مقدمة وضح فيها كيفية اتصاله بالفارسية وآدابها، ورحلته مع الترجمة العربية للشاهنامه، وقد جعل «المدخل» في سبعة فصول: الأول عن «الملاحم» والثاني «القصص الفارسي» والثالث «أصول الشاهنامه» والرابع «نظم الشاهنامه»، وأفرد الخامس للحديث عن شخصية الفردوسي والسادس دار حول الشاهنامه والسابع والأخير هو عن المترجم والترجمة.

يقول في نشوء الملاحم:

«لكل أمة ذات أدب نصيب في القصص منظومة ومنثورة… وليس يواتي الشعر القصصي أمة إلا بعد تجارب ووقائع تهيج حميتها وتثير فيها الإعجاب بمآثرها، والفخر بأحسابها… وتنسج حول الحادثات كثيراً من الخرافات، يجد فيها كبرياء الأمة وخيالها مجالاً أرحب من مجال الحقيقة المحدودة فتنشأ قصص شتى منثورة ومنظومة.

وقد يتاح لهذه الحادثات الشتيتة، والأساطير المتفرقة شاعر يؤلف أشتاتها ويسلكها كلها في نظام واحد فتجد الناس شعره ترجمان مشاعرهم» .

ثم ينقل تلخيصاً مما قاله «مول» - مترجم الشاهنامه الى اللغة الفرنسية – عن نشأة الملاحم. ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن الملاحم الكبرى مثل الالياذة والأوديسة والراميانا والمهابهارته وغيرها ليخرج بنتيجة أن الشاهنامه تفرق عن كل ذلك لأنها لا تدور حول البطل الواحد بل تستوعب تاريخ أمة، وكما قال عنها «نولدكه»: إنها ملحمة لا نظير لها لدى أمة أخرى.

هذا الاستعراض والتقنين الواعي كان من نتاج أعمال الأديب والأستاذ الكبير في بداية حياته فكيف بأعماله في مرحلة نضوجه العلمي. جدير بالذكر أن الدكتور «ذبيح الله صفا في معرض حديثه عن أهمية شاهنامه الفردوسي وترجماتها إلى اللغات المختلفة يقول إنه استعان بدراسة الدكتور عزام عن الشاهنامة إبان تحضيره لرسالته للدكتوراه .

*عزّام والمولوي*

كان للدكتور عزام في مجال الترجمة كتب عديدة، فقد نقل إلى العربية أهم المؤلفات التي دونت بالفارسية، منها «پيام مشرق» للشاعر الكبير إقبال، وديوان الأسرار والرموز لنفس الشاعر، وكذلك «چهار مقاله» لعروضي، وهذا بالاشتراك مع الدكتور يحيى الخشاب، بالإضافة إلى مقتطفات كثيرة من الشعر الفارسي والتركي نشرت في مجلة الرسالة وغيرها، وكذلك «ضرب الكليم» للشاعر إقبال. و «المثنوي» للشاعر الكبير جلال الدين الرومي.

في البداية قدم الدكتور عزام ترجمته بحديث عن بقاء تكايا المولوية في مصر والشام حتى العصر الحديث، وتحدث عن آثار هذه التكايا في تنشأة كبار الصوفية وإنعكاس آثارها على العالم الاسلامي.

وينتقل بعد ذلك إلى التعريف بالشاعر الفارسي الكبير جلال الدين الرومي وإلى انتساب المولوية إليه ويستعرض تاريخ حياة الشاعر وأسرته مستعيناً في ذلك بما كتبه مولانا جلال الدين نفسه في مقدمة المثنوي، وينتقل إلى الشخصية المؤثرة في حياة وفكر «مولانا» وهو شمس الدين التبريزي.

وبعد أن يعرّف آثاره الأدبية الخالدة، وهي المثنوي والديوان والرسالة المنثورة «فيه مافيه» يستعرض آراء جلال الدين في المسائل الفلسفية والصوفية والدينية والأخلاقية.

ويقول في حديثه عن المثنوي: منظومة صوفية فلسفية عظيمة تحوي خمسة وعشرين ألفا وسبعمائة بيت في ستة أجزاء، والجزء السابع الذي تشتمل عليه بعض النسخ منحول لا يشبه كلام جلال الدين.

وبعد التعريف بالكتاب ينتقل بنا عزام إلى الأجواء المولوية في ترجمة فصول من الكتاب، ونجد في البداية قصة التاجر والببغاء التي لخصها الأستاذ عزام كما يلي: «خلاصة هذه القصة أن تاجرا كان لديه ببغاء جميلة فصيحة وأزمع السفر إلى الهند للتجارة، فقال لأولاده وخدمه ليقترح كلٌ ما يشاء من هدايا الهند، فاقترح كل واحد ما أحب وسأل الببغاء: ما تريدين؟ فقالت: إذا بلغت الهند ورأيت أسراب الببغاء فبلغهن عني ما ألاقي من عناء في الحبس وأبلغهنّ عتبي بما نسينني ونعمن بالعيش في الغابات على غصون الأشجار.

فما أبلغ التاجر هذه الرسالة إلى ببغاوات الهند حتى ارتعدت إحداهن وخرت ميتة، فلام التاجر نفسه علي إبلاغ رسالة لم يعرف عواقبها، ولما رجع إلى بلاده أدى الهدايا التي وعد بها، وسألته الببغاء عن رسالتها فأبان عن أسفه وندمه وقص عليها ما رأى، فإذا هي تنتفض وتخرّ ميتة كذلك، فحزن التاجر على الببغاء الجميلة، ورجع يلوم نفسه ويندب ببغاءه التي كانت أنسه ومتعته، ثم أخذها من القفص ورمى بها، فإذا هي تطير وتقف على غصن شجرة، فاندهش الرجل وسألها عن هذه الأعجوبة، فقالت له: هذه هي الرسالة التي رجعت بها من الهند، فقد أشارت الببغاء التي خرّت أمامك هامدة هناك بأن أفعل فعلها وأموت موتها، لأخلص من الأسر الذي أعانيه».

وقد ترجم الدكتور عزام بعض أبيات المثنوي شعراً ونثبت هنا مثالاً من هذه الترجمة من نفس القصة السابقة:

تاجر كان لديه ببغاء قد حواها قفص ذات رواء

أزمع التاجر هجران الحضر

ولأرض الهند قد رام السفـر

*عزام ومحمد إقبال*

يقول الدكتور عزام:

«سمعت وأنا في بلاد الانكليز، قبل وفاة الشاعر بأكثر من عشر سنين، أن في الهند صوفياً اسمه إقبال له نظرات في التصوف وله فلسفة في النفس، وأنا نزّاع إلى الصوفية منذ نشأت، وزادني معرفة بها ورغبة فيها وحباً بالمزيد منها، أن تعلمت الفارسية، وقرأت الشعر الفارسي» .

كان الدكتور عزام هو أول من نقل أدب الشاعر الباكستاني الكبير محمد إقبال إلى اللغة العربية، وتوطدت العلاقة بينهما، وظل وفيا له بعد وفاته وترجم له «رسالة الشرق» و «ضرب الكليم» ونشر الأول في كراتشي عام ١٩٥٠ ثم نشر الثاني في القاهرة وتفرغ بعد ذلك لترجمة «أسرار خودي ورموزبي خودي».

أفاض الدكتور عزام في مقدمة كتابه «محمد إقبال» سيرته وفلسفته وشعره عن بدايات صداقته بالشاعر الباكستاني، وكيف أن الشاعر محمد عاكف هو الذي أتى إليه بديوان «رسالة الشرق» وقرأ له مقاطع منه وكانت البداية، وشرع الدكتور عزام يحدث الناس عن إقبال في مجالسه وفي مجلة الرسالة، وكذلك في الجامعة خلال إلقائه المحاضرات.

والحقيقة أن العلاقة بين الرجلين حتى وفاة «محمد إقبال» كانت وثيقة لدرجة أن الدكتور عزام قد سافر إلى لاهور إبان الفتنة القائمة – هناك – وكان هذا بعد مرور تسع سنوات على رحيل إقبال، وذهب إلى قبر صديقه حاملاً قطعة من الرخام نقشت عليها أربعة أبيات وثبتها على القبر وهي:

عربي يهدي لروحك زهرا            ذا فخار بروضة واعتزاز

كلمات تضمنت كل معنى       من ديار الإسلام في إيجاز

بلسان القـرآن خطـت ففيهـا       نفحـات التنـزيـل والاعجـاز

فاقبلنها على ضآلة قدري  فهي فـي الحد «أرمغـان الحجـاز»

وتعد أشهر مؤلفات «إقبال» والتي ترجمها الدكتور عزام هي رسالته

١ـ شقائق الطور.

٢ - الأفكار.

٣ - الخمر الباقية.

٤ - نقش الافرنج.

٥ - الدقائق.

ويقول الدكتور عزام أن أعظم أجزاء الكتاب قيمة هو الجزء الثاني وهو يحتوي على أفكار شتى في صور من الوزن والقافية مختلفات.

ونذكر أبياتاً من شعر «محمد إقبال» مترجماً بلسان صديقه عزام:

وحوراء في الخلد ضاقت فقالت     قد جهلنا بما تحتنا من جهات

يحيّر عقلي نهار وليل                  وما قيل عن مولد أو ممات

غدت ريح ورد وذرت بغصن            فحلت بعالم ماضٍ وآت

وتفتـح عينـاً ويبسـم كمـاً              وبعد نماء هـوت فـي شتات

لهذى الطليقة لم تبق ذكرى           سـوى آهـة سميـت بالشـداة

عاب البعض على الدكتور «عزام» ترجمته أعمال إقبال الشعرية إلى شعر لصعوبتها لأنها تفقد النص الأصلي خصائصه، لكنه اختار الأصعب لإحساسه أن الشعر لابد ان يترجم الى شعر.

ونختم حديثنا عن إقبال بمقطوعاته الفلسفية من (أسرار خودي) والتي اتحدت شخصية الشاعرين فيها:

أنا لحن دون ضرب سعدا

كم تجلي شاعر بعد الحمام

وجهه من ظلمة الموت سفر

كم بهذا السهب مرت قافلة

غيـر أنـي عاشـق دف النواح

لا تفـي مـوجي هـذي الأنهـر

أنا صوت شاعري يأتي غدا

يوقظ الأعين حينا وينام

ونما من قبره مثل الزهر

كحفاف النوق رهواً سابله

ثورة المحشر مني في الصبـاح

لا يعـي موجـي إلا الأبحـر

التصوف وفريد الدين العطار :

تناولنا تصوف الدكتور «عزام» وأوضحنا أن تصوفه كان له ميزة خاصة وهي عدم انقطاعه عن الحياة بل تفاعله التام مع قضاياه وحياته، وقد كان يرى أن مبدأ التصوف موجود في القرآن الكريم ذاته مثل قوله تعالى: (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح .

وعندما اختار الدكتور عبدالوهاب عزام شخصية «فريد الدين العطار»، كان السبب أنه رأى العطار جديراً بذلك وهو الذي نظم زهاء أربعين منظومة في التصوف، وكان هدفه التعريف به في العالم العربي.

واهتم «عزام» بأمهات المسائل التي يدور عليها تصوف العطار، وشرح بدقة فكرة التصوف ونشأتها وتطورها.

وقد أوضح في دراسته الصلة الوثيقة بين الأدب العربي والفارسي والآداب الاسلامية الأخرى في مجال التصوف. وأوضح كيف كان التصوف عاملا هاماً في إثراء الأدب، فقد استقل الأدب الصوفي بكيانه وأصبحت له مؤلفات شعرية ونثرية وفلسفية أثرت الأدب الاسلامي بشكل عام.

ويتحدث بعد ذلك عن الشعراء الفرس المتصوفة ويعددهم، ويخرج بنتيجة أنه لايكاد يخلو أحد الشعراء الفرس من نزعة صوفية، ويصل إلى العطار ويستعرض تصوفه وأسلوبه ويطرح الاسئلة التي يجيب عنها محاولا تحديد معالم شخصيته الصوفية، وينتقي بعضاً من أقواله التي تتضارب في تحديدها الطريقة المثلى للعشق هل بالبوح أو بالإفشاء؟ ويوضح أن الشاعر تردد بين هاتين الحالتين فهو تارة يعجب بالحلاج الذي عد إماماً في إفشاء السر، وتارة يلومه على ذلك لعدم إمكانه كتمان أسرار الطريقة.

ويستعرض عزام كتاب العطار «منطق الطير» ويجمل لنا قصة الطير، ويعرفنا على الغاية التي أوضحها العطار في نهاية القصة وهي تعتبر خلاصة آرائه في الطريقة.

ومجمل القصة أن الطير اجتمعت فتشاكت ماهي فيه من الفوضى والتفرق وأنها تفتقد الزعيم الذي يوحد كلمتها في الوقت الذي لا توجد أمة تخلو من ملك ويقدم الهدهد نفسه، ثم يقول إنه يعلم أن لهم ملكاً ولكنه يعجز عن المسير إليه وحده، وعليهم أن يتعاونوا ليبلغوا مكانه.

«ملكنا اسمه السيمرغ، وراء جبل اسمه قاف  هو منا قريب ونحن بعيدون، هو في حرم جلاله لا يحيط البيان بوصفه، ودونه آلاف من الحجب، وأول العهد به أنه كان طائراً في سماء الصين، فسقطت من جناحه ريشة فقامت قيامة الامم تعجباً من ألوانها العجيبة. ألم تسمعوا الاثر: اطلبوا العلم ولو في الصين» .

فلما سمعت الطير مقال الهدهد هاجها الشوق إلى السيمرغ وأزمعت الرحيل إليه ثم ذكرت ما في الطرق من أهوال فأخذ كثير منها يعتذر.

وبعد مناقشات طويلة، يتم اختيار الهدهد ليتولى الامارة في الطريق إلى السيمرغ، وتعاني الطيور من وحشة الطريق، ويردد الهدهد بأقواله المأثورة، وفي النهاية سارت الطير فرأت طريقاً ولا غاية، وألما ولا دواء، هناك توهب الاستغناء، فينحني لها ظهر السماء، هنالك صحراء لا يعبأ فيها بطاووس الفلك، فكيف بطير هذه الدنيا!!

كانت هذه اشارة إلى بعض جهود الدكتور عبدالوهاب عزام في خدمة اللغة الفارسية عن طريق الترجمة لكبار شعرائها وروّادها.

*عـــــــــــزام في إيران*

رحلات عبد الوهاب عزام، هو اسم الكتاب الذي دونه عزام في رحلاته العديدة إلى البلدان العربية والشرقية. ولم يكن يحمل مواصفات «الرحلة» بالمعنى الدقيق ولهذا جاء كتابه على هيأة مشاهدات سريعة، وقد دون عزام مشاهداته بعين الشاعر وإذا حاول أن يطبق منهج الرحالة في وصف مكان ما نجده يستشهد بفقرات المعاجم، فهو على سبيل المثال حينما يرسم لنا صورة لأطلال قصور كسرى يستعير قول ياقوت.

«وفيه أبنية عظيمة شاهقة يكل الطرف عن تحديدها، ويضيق الفكر عن الاحاطة بها، وهي إيوانات كثيرة متصلة وخزائن وقصور وعقود ومنتزهات ومستشرفات وأروقه وميادين ومصايد وحجرات تدل على طول وقوة» .

عند طاق كسرى

حين وقف به الأديب الكبير، تمثل الايوان إبان حضارته وفي زهو مجده ولكنه الآن أمامه «نسراً هرماً ذهبت الحادثات بأحد جناحيه وهاضت الآخر وقصت ريشه، لكنه مازال في كبريائه يتجلد رافعاً رأسه طامح الطرف يرمي بنظراته أقطار السماء يحاول أن يسترجع في اللوح سيرته الأولى».

ويغوص الصوفي الشاعر في أعماق نفسه، ويحاكي الايوان بما يدور في خلده من شعر البحتري:

حلم مطبق على الشك عينـي      أم أمان غيرت ظني وحدسـي

ليس يـدرى أصنع أنـس لجـن         سكنـوه أم صنـع جن لإنـس

وينظر حوله ليشاهد الجدران الملونة والتي تقص ملحمة الفرس العظيمة ويغيب الواقع في هذه الأجواء فيردّد أبياتاً من سينية البحتري.

وقبل أن يستجمع أشتاته للرحيل، وبعد أن يفيق الدكتور «عزام» من أحلامه وإنشاده يذكر بيتاً للخاقاني الذي وقف بعد ثلاثة قرون من البحتري في نفس هذا المكان ليصيح: أيها القلب المعتبر سرّح نظرك واتخذ العِبرَ من إيوان المدائن.

من قصر شيرين إلى همذان

مدينة صغيرة على طريق خراسان، وعلى نهر حلوان، سميت باسم القصر الذي بناه كسرى برويز لامرأته شيرين، ولاتزال أطلال قصور كسرى قائمة إلى الشمال والشرق من المدينة.

هكذا وصف «عزام» قصر شيرين، وحينما يريد أن يدقق الوصف، تأبي طبيعته الشاعرة أن تطاوعه، فيستعير أوصاف المدينة من أقوال ياقوت كما أسلفنا «وفيه أبنية عظيمة شاهقه – يكل الطرف الخ».

وحلوان المدينة القديمة المذكورة في الأخبار والأشعار قريبة من قصر شيرين، وكانت مدينة كبيرة عامرة ثم خربت منذ القرن الثامن عشر، قلم يبق منها الأطلال ونخلتا حلوان وقصصها وماقيل فيها من الأشعار أحاديث معروفة في كتب الأدب.

ويمر من قصر شيرين على «كرمنشاه» ويصعد جبلاً اسمه «كوه باطاق» وتعريبه (الجبل ذو الطاق) وينحدر إلى سهل مدينة «شاه آباد» المحفوفة بالبساتين ويبلغ مدينة «قرميسين» وهي مدينة يشقها نهر «قره صو» (الماء الأسود) وبها أسواق كبيرة، وقد نزلها هارون الرشيد.

من همذان إلى طهران :

عندما مرّ «عزام» بمدينة «أسد آباد» قيل له إنها مسقط رأس «جمال الدين الأفغاني»، ثم وصل همدان فوصفها بأنها مدينة عظيمة قديمة، ذات أشجار باسقة، وبساتين واسعة، وهي بلدة بديع الزمان وأحمد بن فارس وابن الفقيه وفيها مرقد الشيخ الرئيس أبي علي سينا.

وذكر «عزام» أن همذان فيها من اليهود ألفين، ولهم مزار خاص يسمى (ايستر ومردخاي) وهما امرأة ورجل من اليهود ذكرت أخبارهما التوارة. ويصل بعد ذلك إلى مدينة قزوين ويقول إنه ترك قزوين صباح الأربعاء ١٣ اكتوبر ١٩٣٤ ليصل إلى طهران لحضور «مؤتمر الفردوسي».

وهكذا وجد نفسه في حضرة «الفردوسي» الشاعر الذي بدأ معه مشواره في طريقه إلى آفاق الأدب الفارسي وأخذ فيه درجة العالمية (الدكتوراه) ويفتتح المؤتمر كفيل وزارة المعارف (علي أصغر حكمت) ثم يلقي الشاعر العراقي الزهاوي قصيدة عربية، ثم جاء دور عزام العاشق الذي طالما حلم بيوم يرى فيه أرض الفردوسي، جاء الوقت الذي يتحدث فيه عن الفردوسي وبلسانه الفارسي وكان حديثه عن «مكانة الشاهنامة في آداب الأمم».

وعن كلمته التي ألقاها قالت جريدة «اطلاعات»: «ثم ألقى الدكتور عبد الوهاب عزام معلم الأدب الفارسي والعربي في الجامعة المصرية خطبة بالفارسية».

وقال فيه كفيل وزارة المعارف: «الشكر للدكتور عبدالوهاب عزام من جهتين، الأولى أنه تحمل مشقة في ترجمة الشاهنامه وتصحيحها والتعليق عليها. والثانية أنه تكلم بلغة الشاهنامه… والحق أن لساني قاصر عن الشكر، والأستاذ عزام من أدباء الشرق الذين درسوا الفارسية برغبة وعشق وكلف خاص».

ولما جلس الدكتور عزام في مكانه – بعد الخطبة – نهض رئيس المؤتمر فقال: «لقد أردت أن تثبت أنك أستاذ الأدب الفارسي بحق».

من طهران إلى نيسابور

وبعد وصف أحداث المؤتمر، يصف «عزام» أبنية طهران الفخمة مثل مسجد سبهسالار. وينتقل بعد ذلك إلى نيسابور ماراً بطريق وعرة تحفها الجبال.

ونيسابور هي مدينة عامرة بالمشاهير، فهي بلدة «مسلم» صاحب «الصحيح» وأبي القاسم القشيري صاحب «الرسالة القشيرية» وفريد الدين العطار وعمر الخيام. ويورد «عزام» قول **عمر الخيام:**

شـراب نيشـاور وآب بيـر

جـواني كند كو خورد مرد پـير

ومعناه:

شراب نيسابور وماء بئر / يردان الشيخ إلى شبابه.

ويعود مرة أخرى إلى «ياقوت» فهو يرى في نيسابور عظماءها وشعراءها، وعلى ياقوت أن يصف لنا تاريخها ويستشهد عزام بأقوال «ياقوت» عن أحداث عام ٥٤٨ للهجرة.

وعند قبر الخيام، نجد عزام يصفه وصفا دقيقاً من أول المدخل ووصف القبر ثم يصف بعد ذلك كيف انتبذ هو وزميله العبادي جانباً وترك القوم وخيّامهم وسأل أحد الايرانيين:

أين قبر العطار؟ ويصف الطريق إلى العطار وكيف كانت رحلة شاقة على طريق غير معبدة، ثم يصف بدقه مقبرة «العطار».

وهو حين يتحدث عن «العطار» يقول: لبثنا برهة في حضرة شيخ الصوفية الجليل والشاعر المفلق المكثر الذي نظم زهاء ثلاثين منظومة فيها أكثر من ألف ألف بيت وهي في مؤلفاته: منطق الطير – إلهي نامه – أسرارنامه وتذكرة الأولياء وغيرها.

ثم بؤنا بغير ماباء به أصحاب الخيام، والقلب خاشع والذكرى الجليلة أخذت على النفس آفاقها.

وبينما كنت أخرج من حديقة العطار أحسست بوخزة في كفي فظننت زنباراً لسعني فأخبرت صديقي الشاعر الياسمي فضحك وقال: قبلت الزيارة…ولما رجعنا إلى قبر الخيام قال بعض الحاضرين: كيف تركتم الخيام إلى العطار؟ قلت: لكل رجل وجهة، وأن لم يكن من القياس بد فصاحبنا أعظم من صاحبكم، وأكرم حياة وأعظم أثرا.

*المثــــــــــــــــــــــــاني*

هي رباعيات كثيرة، تكاد تبلغ ثلاثمائة رباعية، نظمها في الاستغراق الصوفي والفلسفة والتعبد، ولكن يبدو أن سبب تسمية الدكتور «عزام» لهذه الرباعيات «بالمثاني» هو تمييزها عن رباعيات الخيام.

وكتب عباس محمود العقاد لهذه المثاني مقدمة جاء فيها: «إن السليقة هي التي أوحت إلى شاعر المثاني في نظمها لا التقليد لاقبال في منظوماته».

وقال كذلك: «أنه لم يسبق إليه تعرفه قراء العربية بتاريخ الرباعية في الآداب الفارسية والعربية فهو أوفى ماكتب بلغتنا في هذا الموضوع».

والدكتور عزام في تعريفه لمثانيه لم يصنفها تصنيفاً خاصاً وإنما جعلها أقساماً وفوق كل قسم منها رقماً جاء متسلسلاً.

وقد أشار إلى أن كل الرباعيات جاءت من البحر الخفيف إلا رباعيتين قد جاءتا على بحر الرمل، يقول عزام في إحدى مثانيه «فراش وزهر» .

أيتها الزهرة الجميلة، ماذا    قد أسرت فراشة في الخطاب

ولمـاذا تطير عنـك لأخـرى      ثم تهفو إليـك رجـع جـواب

وفي هذه المثنوية الجميلة يتساءل بحيرة: هل كانت النجوم موجودة قبل البحور ونظرت فلم تر وجهها في الماء؟ !

لهدير البحار تصغي نجوم              في ضياء على البحار منير

هل أطلت هـذى الكواكب يومـا   لا تـرى الوجه فـي مرايا البحور

ونختم حديثنا عن الرجل العظيم بمقطوعة صوفية هي من فرائده الجميلة وقد أثبتها في «النفحات»:

قيل: ليل مظلم، قلت: اذكروا      في ظلام الليل إشراق الصباح

قيل: غيم مطبق قلت: انظـروا        رب نجم مـن وراء الغيـم لاح

قيل: سهـب طمست أعـلامه       قلت: لكـن فيـه آيات صحـاح

وقال في «خلوة»:

إن في خلوة النفـوس لأنسـاً           ليس كفئاً لخلوةٍ كـل نفس

هـي فـي ضجـة الأنام سكون      يسمع القلب عنده كل همـس

هي في ظلمة الليالي ضياء         لا تراه النفوس في ضوء شمس

من يضـق بالخـلاء نفساً فإني          أجد الخلـوة الطـويلـة أنسـي

الإحالة إلى المعاش :

ولم يلبث أن أحيل إلى المعاش . . وبعد أن ترك خدمة الحكومة سفيراً ، انصرف إلى العبادة على طريقته ، فأقام لنفسه مسجداً في حلوان ، وجلس للناس يفسر القرآن ، ويروي حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستطاع إحياء رسالة المسجد ، وحول الجامع إلى جامعة .

ثم كلفته السعودية إنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض ، فأنشأها .

مؤلفاته :

وله من المؤلفات الجليلة في الأدب ، والشعر ، والنثر . 

1-   فصول من المثنوي – ترجمها ، وعلق عليها .

2-   ذكرى أبي الطيب بعد ألف عام .

3-   التصوف وفريد الدين العطار – طبع سنة 1945م .

4-   مجالس السلطان الغوري .

5-   الأوابد – مقالات ومنظومات .

6-   رحلات : جزءان – نشرت عام 1947م .

7-   الشوارد : طبع عام 1953م ، وهو خواطر سنة كاملة بدأها بالحجاز وختمها في الباكستان ، فهي (365 ) خاطرة ، قصد منها إلى دعوة النشء إلى الحياة الكريمة الطاهرة الأبية ورفعهم مستوى العيش الذليل .

8-   النفحات : خاطرات 3 سنوات متتابعات أرجو أن يكون فيها براءة للشبان من الإلحاد والشيوعية والإباحية وآفات العصر ، وخصَّه بالحديث عن رمضان وروحه النَّدِيَّة ومعانيه السامية، وجمع فيه خطرات نفسه، وسانحات فكره، وقصائد من شعره، يربطها كلها فتدور حول رمضان.  .

9-   المعتمد بن عباد . وهو آخر ما ألف – ظهر بعد وفاته سنة 1959م  .

10-  محمد إقبال : سيرته ، حياته ، فلسفته .

11-  الأسرار والرموز : نقله إلى العربية شعراً عبد الوهاب عزام .

12-  رسالة الشرق .

13-  ضرب الكليم – طبع في القاهرة 1952م .

14- منظومة اللمعات: وهي منظومة فيها / 600 / بيتاً أهداها إلى محمد إقبال.

15- مدخل الشاهنامه العربية – للبنداري 1932م .

16- مهد العرب – 1955م .

17-نواح مجيدة من الثقافة الإسلامية – 1938م .

18- اتحاد المسلمين – جلال نوري – عن التركية مع الأستاذ حمزة طاهر .

19- وحقق ديوان المتنبي .

20- واشترك مع آخرين في تحقيق كتاب (الورقة) لـ"محمد بن الجرَّاح" .

21- و(مجالس الصاحب بن عبَّاد .

22- الأدب الفارسي - 1948م

23- موقع عكاظ - 1950م

ونشر بحوثاً عدة في مجلة المجمع منها :

1-صلات اللغة العربية باللغات الإسلامية .

2-أسماء العشب والشجر في بوادي العرب .

3-الألفاظ الفارسية والتركية في اللغة العامية المصرية .

4-الألفاظ العربية في اللغات الإسلامية غير العربية .

5- أوزان الشعر الفارسي – بحث نشر في مجلة كلية الآداب .

6-نظرات في سنن المسلمين في كتابة التاريخ .

وكتب عنه :

الدكتور محمد زكي المحاسني : عبد الوهاب عزام : حياته وآثاره .

وفاته :

توفي بالسكتة القلبية فجأة في 18 كانون الثاني سنة 1959 م في منزله في مدينة الرياض ، حيث كان مديراً للجامعة ..وكان بين يديه آخر بحث كتبه عن المقارنة بين إقبال والمتنبي .

ثم حمل جثمانه شقيقه الأستاذ عبد الرحمن عزام على طائرة خاصة ، ودفن في ركن من أركان مسجده في حلوان في مصر .

الاتجاه الإسلامي في شعر عبد الوهاب عزام :

شعر عبد الوهاب عزام كله اسلامي من الالف الى الياء ولكننا نتجول في رياض الشعر الذي ابدعه يراع الشاعر الاسلامي الكبير :

اختبر عليم اللسان :

كم من المتكلمين بالإسلام ترى الدعاية ترفعه ، فإذا عاملته وجدته مصلحياً جاف القلب والروح ، وحقاً قال عبد الوهاب عزام :

إن في الناس أوجها لامعات        تملأ العين زهرة ورواء

ويراها البصير صورة زهر        لم تهبها الحياة عطراً وماء – ديوان المثاني : 81 .

طوبى للغرباء :

وعندما توهم واهم فوصف عبد الوهاب عزام بالغربة ، كان جوابه سريعاً ، فقال :

قال لي صاحب : أراك غريباً       بين هــذا الأنام دون خليل

قلت : كلا ، بل الأنام غريب      أنا في عالمي ، وهذي سبيلي – ديوان المثاني : 34 .

المؤمن متحركاً محركاً :

المؤمن العامر القلب لا يكون إلا متحركاً محركاً ، أما المتباطئ الذي يعد بالالتحاق بعدما تظهر بوادر النجاح فإنما يعد وعد  الضعاف .

صاح ما الحر من يثور على الظلـــم وقد ثارت لحقها الأقوام

إنما الحر من يسير إلى الظلــــــــــــم فيصميه والأنام نيام – ديوان المثاني : 80 .

يا بنتي :

التأسيس يبدأ من تحت ، وإنها خيمة التنظيم لا قاعات المؤتمرات ، ونار الأحرار ، لا أنوار الثريات .

تنصب خيمتك في صحراء جاهلية القرن العشرين ، وتضرم نارك ليراها التائهون والمنقطعون فيقصدونها، وينزلون خيمتك، وتنادي ابنتك لبينى لتزيد لهب النار وتعلمها :

بالبينى اوقدي طال المدى         أوقدي عل على النار هدى

أوقدي يالبن قد حار الدليل        أوقدي النار لأبناء السبيل

ارفعي النار وأذكي جمرها       عل هذا الركب يعشو شطرها

شردي هذا الظلام الجاثما          أرشدي هذا الفراش الهائما

حبذا النار بليل توقد                  حبذا المؤنس هذا الموقد

حبذا عندك هذا النزل                لو حوانا في سفار منزل

ما لذا المنزل قد سار الفريق        غنما النيران أعلام الطريق

زودينا بهيام ووجيب              زودي يالبن من هذا اللهيب – من قصيدة اللمعات لعزام – ألحقها بترجمته لديوان رسالة المشرق لإقبال .

تاجر العلوم :

العالم من كان داعية ، أما مؤلف الكتب فحسب فنقول له :

لست والله عالماً أو حكيماً       إنما أنت تاجر في العلوم  – ديوان المثاني : 98

نصل الماضي بالآتي :

الإسلام اليوم أحوج ما يكون إلى جماعة من الدعاة الذين يملكون هذه النظرة التغييرية المفاصلة . دعاة يدركون جيداً واجبهم في هداية الناس ، ويبصرون موقعهم في موكب الدعوة السائر ، وأنهم حلقة تصل الماضي بالآتي ، وينشدون :

نحن في ذي الحياة ركب سفار       يصل اللاحقين بالماضينا

قد هدانا السبيل من سبقونا            وعلينا هداية الآتينا –ديوان المثاني: 149 .

سجدة الحرية :

ورمزهم في كل هذه السجدة التي تعلي القلوب ، كما أن رمز الجاهليين تلك السجدة للمادة والجنس مميتة القلوب ...

إنها سجدة المسلم ، عنوان العلو ، وشارة الحرية والبراءة من كل طاغوت ...

سجدة تخفض الجباه ولكن          عزّ فيها مسبح وتعالى

ظنها الجاهلون غلاً على العبد        ولكن تحطم الأغلالا

خرّ فيها لساجد كل شيء      يرهب الكون قوله والفعالا

تثبت الوجه والجوارح في الأر     ض ولكن تقلقل الأجبالا

تهدم الشرك والوساوس في النفــــــــــس   ولكن تشيد الأجيالا

في سكون وللقلوب مسير        سخر الأرض رهبة وجلالا

هي لله ، وحدته ، فقرت           ومحت كل غاشم يتعالى

من وعاها : وعى السيادة في      الأرض جلالاً ورحمة وجمالا- مجلة المسلمون : السنة الأولى / 961 .

كسوف لا غروب :

وادرك عبد الوهاب عزام – رحمه الله – هذه السنة الكونية أيضاً ، سنة من لا يبتئس لصولة الباطل ، ولا يرده تساقط الشهداء ، أو غثاء المتخلفين ، فقال :

سنن الله في الخلائق تمضي         لا تني ساعة ، وليست تحول

وخلال الأحرار منها ، فليست      عن جهاد في الحق يوماً تزول – ديوان المثاني : 133 .

وبإدراك عزام لهذه الحقيقة تبين فقهه ووعيه – رحمه الله –

ومن أقواله :

النفس تميل إلى الإسفاف ، وتخلد إلى الراحة ن وتهوى الهين من كل أمر .

ولكن في النفس – على هذا – نزوعاً إلى العلاء ، وشغفاً بالارتقاء ، وحنيناً إلى المكارم ، وشوقاً إلى العظائم .

إن فيها لجمرة يغطيها الرماد ، وشرارة يقدحها الزناد ، فإن وجدت نافخاً في جمرها وقادحاً لشرارها ، استيقظت ، وتحفزت ، وعملت ، وصعدت . وكلما ذاقت لذة العمل والرقي زادت حباً له ، وهياماً به ) – الشوارد : 353 .

-إن الإنسان بفطرته نفور من الذل ، آب على الحيف ، ولكن تحيط بالناس احوال ، وتتوالى عليهم حادثات ، فيراضون على الخضوع حيناً بعد حين ، ويسكنون إلى الخنوع حالاً بعد حال ، حتى يدربوا عليه ، كما يستأنس السبع ، ويؤلف الوحش ، ولكن يبقى في النفس ذرات من الكرامة ، وفي الدماء شذرات من الجمر ، فإذا دعا الداعي إلى العزة ، وأذن بالحرية ، وأيقظ الوجدان النائم ، وحرك الشعور الهاجد : نبضت الكرامة في النفس ، وبصت الجمرة في الرماد ، وأفاقت في الإنسان إنسانيته ، فأبى وجاهد ، ورأى كل ما يلقى أهون من العبودية ، وأحسن من هذه البهيمية .

كل ذل يصيب الإنسان من غيره ، ويناله من ظاهره : قريب شفاؤه ، ويسير إزالته . فإذا نبع الذل من النفس ، وانبثق من القلب ، فهو الداء الدوي ، والموت الخفي

ولذلك عمد الطغاة المستعبدون إلى أن يشربوا الناس الذل ، بالتعليم الذليل والتأديب المهين ، وتنشئة الناشئة عليه بوسائل شتى ، ليميتوا الهمة ، ويخمدوا الحمية ، وإذا بيدهم العصا والزمام .) – الشوارد : 318 .

-ولن تخلد الكلمة على الأجيال إلا أن اتصلت بالحق والخير ، وكان لها من قوانين الله في خلقه سند ، ومن الهامه لعباده مدد ، ورب بارقة يرمي بها سلطان مسلط ، أو صنم مشهور ، فتدوي حيناً ، وتأتلق زماناً ، ثم تصمت وتنطفئ ، وتكون كالشهاب يحور رماداً بعد التهاب ، بما كان دويّها من صوت الباطل لا الحق ، وائتلاقها من زخرف الكذب لا الصدق .

ولا ينطق بكلمة الحق الخالدة إلا عقل مدرك ، وقلب سليم . إلا قائل يعتد بنفسه ويثق برأيه ، فيرسل الكلام أمثالاً سائرة ، وبينات في الحياة باقية ، لا يصف وقتاً محدوداً ، ولا امراً موقوتاً ، ولا إنساناً فرداً ، ولا حدثاً واحداً ، ولكنه يعم الأجيال والأعصار ، والبلدان والأقطار .

وعلى قدر عظم القائل : تجد هذا العموم في قوله ، يبغي أن يجعل كلماته للناس منهاجاً ، وفي ظلمات الحياة سراجاً وهاجاً . ) الشوارد : 340 .

ارفع للخير راية :

وقد زار عبد الوهاب عزام – رحمه الله – معظم بلاد الإسلام وساح في بلاد العرب وتركيا والهند ..ودرس واقع المسلمين عن قرب فما خرج بغير هذه النتيجة فعاد بنادي الخيرين أن ( لا يخدعنكم الفساد الظاهر والشر المستشري ، ولا يهولنكم ذكر فلان وفلان من المفسدين ، ففي الأمة أخيار أكثر ممن تعدون من الأشرار ، ولكنها راية رفعت للشر فأوى إليها أشرارها ، وهرع نحوها أنصارها ، ونفر منها الأخيار فلم ينحازوا إليها ، ولم تسمع أصواتهم حولها ، ولو رفعت للخير راية لانحاز إليها الأخيار وحفوا بها وسكنت أمة الأشرار وقل جمعهم وخفت ذكرهم .

إن في الأمم خيراً وشراً ، وفساداً وصلاحاً ومصلحين ومفسدين ، فإن رفعت راية للخير انضوى إليها الأخيار في كل طائفة ، وغلب بها الخير في الأنفس التي يغلب شرها خيرها ، ونبت خير في نفوس لا خير فيها ، فإن الإنسان لا يخلو – وإن عظم شره واستشرى داؤه – من نزعة للحق كامنة ، وعاطفة للخير مستسرة ) الشوارد : 173 .

المراجع :

1-   مجلة الفيصل : العدد 87 ( رمضان 1404 هـ / الموافق حزيران 1984 م ) – ص 117 – 121 .

2-   المجمعيون : 120 .

3-   الصحف المصرية الصادرة : 20 / 1 / 1959 م .

4-   نشرة دار الكتب : 1 / 116 ، 117 .

14-  2 / 122 .

5 – مجلة المجمع العلمي العربي : 24 / 268 .

6 – جريدة اليمامة : 26 / 8 / 1379 هـ .

7 – مشاهير علماء نجد وغيرهم : 506 .

8 – الأعلام : 4 / 186 .

9 – ديوان من أرض بلقيس : ص 135 .

10 – الشعر اليمني المعاصر بين الأصالة والتجديد ، المخلافي : ص 273 .

11- عبد الوهاب عزام رائداً..ومفكراً - السباعي محمد السباعي .

وسوم: العدد 629