حين يجني الأدباء على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم!

أرجع أدباء وشعراء ونقاد ترسيخ قيم الحرية والعدالة ورفض الظلم والتسلط والاستبداد السياسي في أي مجتمع إلى الدور الإيجابي الذي يلعبه الأدب والفن الراقي، باعتباره ملهم الشعوب والكاشف لها عن الوجه الحقيقي للطغيان.

وشدد المتحدثون -في استطلاع خاص برابطة أدباء الشام- على أهمية دور الأديب والناقد في الارتقاء بالقيم والسلوك العام للشعوب، وتثقيف الناس دفاعا عن الفضيلة ورفضا للتبعية والقهر والاستبداد.  

وقالت شاعرة الفصحى سامية سلومة: الأدب وسيلة من وسائل التحرير الكبرى، ولكنه قد يكون وسيلة رجعية، فليعرف الأدباء سبيلهم، حتي لا يعملوا على تجميد العقول وقتل الأروح.

وعلى كل مثقف أن يضيء نفسه بنور التضلع والتعمق والبحث والكشف حتى يشع ذلك في مجتمعه، وتحل الحرية محل العبودية، والعلم محل الجهل، والتوازن محل التلاشي والذوبان.

وأكد أستاذ الأدب والبلاغة والنقد بجامعة الزقازيق د. رمضان الحضري أن الأدب هو الذي يصنع الحريات، وهو الذي ينظر لها، وهو الذي يحدد مداها حيث تكون.

وقال إن الأدب عبر تاريخه الطويل هو نافذة كبرى تدخل منها الحرية بهوائها النقي الذي يشفي صدور الناس.

ودور الأديب هو مراقبة عجلة المجتمع، كيف تسير؟ وأين تسير؟ فإذا كانت عجلة المجتمع تسير نحو طريق الاستبداد فإن الأدب سوف يكون أدباً رجعياً ولا ينبغي للأديب أن يتحمل وزر الرجعية بل يجب أن يحول دفة مجتمعه لتسير في طريقها الصحيح، والطريق الصحيح هو أن يتحرر الإنسان من كل سيطرة خارجية، سواء كان تحرراً من احتلال أو استعمار.. سواء كان تحرراً من تسلط أنظمة فكرية أو أنظمة عقدية مخطئة تظن أنها تستطيع السيطرة على فكر الإنسان.

وعلى هذا، فكل أديب لا يساهم في البحث، وفي أن يجلي للناس ماهية الحرية، وأنها الأساس الأول في الحياة، لا يمكن اعتباره أديباً بالمرة.

الأديب الحقيقي هو ذلك الأديب الذي يساعد الناس على التحرر من الأنانية والذاتية والنرجسية والتسلطية التي تصنع الاستبداد وتكون المستبدين.

وهناك نماذج مشهورة من الأدباء الذين ساندوا الحريات على مستوى العالم الغربي أشهرهم الشاعر الألماني جوتة، وعلى مستوانا العربي أبو العلاء المعري والمتنبي وصولاً إلى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي الجارم ونزار قباني وأحمد مطر، ومن المحدثين الشاعر محمد محمد الشهاوي الذي يقول:

"اخرج من ذاتك تظهر

وابعد عن نفسك تكبر

وتخطى الحد الفاصل

ما بين العرض والجوهر

فهنالك أرضك تثمر

وسماؤك أبداً تمطر

اخرج

من ذاتك

سراً أو جهراً

ولتبدأ

رحلتك الكبرى

فإذا ما وقف الناس جميعاً

صفاً

ووقفت إماماً للمسرى

ودعوك

بالسيد

فلتهتف لا

ومعاذ الله

فالسيد من خلق وأعطى

وتفرد بالسلطة والجاه

السيد

من علمنا

أن الناس سواء

وهدانا إلى الخير جميعاً

دون استثناء

لا فضل لأبيض أو أسود

إلا بالتقوى

السيد من قال لكل قوي

إني الأقوى"

وأشار د. رمضان الحضري إلى أن ثورات العالم الحديث معظمها قامت على أفكار أدباء فلم تكن الثورة البلشفية تقوم بدون أنطون تشيكوف وغيره.

وأنطون في قصته القصيرة "الحرباء" يصور لنا مدى الظلم الذي يقع على الشعب الروسي وهي لا تتعدي الأسطر الستة يقول فيها:

"وقف رجل في الشارع رافعاً يده الدامية من جرح كبير.. جاءه شرطي متسائلاً : من جرحك في يدك؟ فأجابه الرجل: عضني كلب!

فقال الشرطي: لا بد من تأديب الكلب وصاحبه.

فظهر رجل محذراً أن الكلب هو كلب الوزير، وإذا بالشرطي يضرب الرجل المجروحة يده ويقول له: أنت الذي وضعت يدك في فم الكلب".

والمثقفون يعرفون قانون ساكسونيا، وهي ولاية ألمانية ابتدعت قانوناً خاصاً بها هو أن الرجل العادي إذا سرق يسجن. أما الرجل العظيم إذا سرق فإن الذي يسجن هو ظله!

ومن جانبها قالت الشاعرة نادية محمد سعد: خطورة الدور الأدبي في حياة الناس أنه عنصر حيوي لا غنى لهم عنه أو يظلوا كالظمآى المحترقين في الصحراء.

الأديب يطالب من خلال كتاباته بالمساواة والحرية المنضبطة لا الحرية المطلقة، فيشعرك وأنت تقرأ له بأن جانباً سامياً من قلبك استيقظ بعد سبات عميق فاقتنع أكثر بخطورة العجز أو اليأس من التحرر.

الأديب كلمة وموقف لا يفترقان، فمن تناقض موقفه مع كلماته يحاول عبثاً أن يهدي الناس إلى أفكاره وما هم بمقتنعين.

أما الناقد الأدبي د. محمد عجور، فتحدث عن دور النقاد فقال: الناقد الأدبي له دور كبير في نشر ثقافة التحرر من الظلم بين الناس، حين يتمكن ـ بما يكتب ويحلل ويفسر ـ من أن يكون حلقة وصل بينهم وبين إبداع المبدعين، شعراً كان أو قصة.

ولقد قامت السينما والمسرح والأغنية بهذا الدور فكانت هي الوسيط بين الجمهور وبين مبدع النص الذي اعتمدت عليه.

وإذا كانت الشعوب لا تنسجم إلا مع فنونها وتراثها فإنه من ظلم الأدباء لأنفسهم ولشعوبهم أن ينسلخوا عن هذه الفنون وعن هذا التراث.

وعليه، فإن قوالبنا الأدبية حين تكون بلا هدف، وحين تنبع من ثقافة غريبة عن المجتمع، فإنها تضر ولا تنفع، وتهدم ولا تبني.

الأدب كلمة، فإذا كان كلمة خبيثة، فهو كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

وإذا كان الأدب كلمة طيبة، فهو كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء. ليس ذلك فقط، بل تؤتي أكلها كل حين فينتفع بها الناس ما دامت الحياة.

لكن حين يكون الأدب كما قال المعري "قعقعة ولا ترى طحينا"، فإن مجتمعاتنا ستظل تئن تحت نير الاستبداد، والنير هو الخشبة التي توضع على رقبة الثور وهو يحرث الأرض.

وحين يدور الأدب مع قول أبي العلاء في زماننا هذا، فإن شعوبنا تبلع طعم كل جبار عنيد، فتصنعه إلهاً في لحظات معدودات.

وأكد الكاتب زغلول عبد الحليم أن رواية "شيء من الخوف" لثروت أباظة، هي أعظم رواية في العصر الحديث، إذ تقدم الصراع على حقيقته، وتحارب الفوارق الاجتماعية، والعنصرية، والطبقية، وقد مثلها الرائع الراحل محمود مرسي مع كوكبة من الفنانين رافعين شعار "زواج عتريس من فؤادة باطل" فيقول أعوان الظالم "عتريس": البلد كلها ضدك!

فيرد عليهم بكل استخفاف واستهتار: احرقوا البلد!

ويليها رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، والتي مثلها سينمائياً المبدع الراحل محمود المليجي مع مجموعة من النجوم رافعين الكارت الأحمر في وجه الطغمة الفاسدة. وقل مثل ذلك في مسرحية "معجزة في الضفة الغربية" لعماد الدين خليل.

 واستطرد زغلول عبد الحليم: هذا الأدب الذي يدافع عن المظلومين ويكشف عن جرائم الظالمين أدب نحتاج إليه في هذه الأيام لا أدب الرعب والجنس والخيال.

الأدب الذي تحتاج إليه الشعوب الراضخة تحت سلطان المستبدين والمحتلين هو الأدب الذي يحمل المتعة والرسالة معاً.

المتعة أي الصنعة الفنية، والرسالة هو أن يرتكز النص الأدبي على قاعدة فكرية تمثل خصائص المجتمع ومنظومة قيمه العليا.

وسوم: العدد 630